المقامة اللّندنية

ذهب الشيخ ياقوت بن مرجان مدرس علوم العقيدة في جامعة أذرعات والأستاذ لؤلؤ بن درّة مدرس الفلسفة في جامعة الواقواق في زيارة سياحية الى أروبا، فألقيا عصا الترحال في مدينة لندن للتنزه في رياضها الناضرة وحدائقها الزاهرة والاستجمام من تعب إعداد البحوث وكدّ الذهن في تحضير الدروس والتعرف على معالمها السياحية الخلابة ومشاهدة احوالها في صفائها وكدرها والوقوف على كنه المدنية الغربية وسبرها في عوامل قوتها وضعفها والحكم على ما لها او عليها عن معرفة مشاهدة لا عن تخمين مصادفة؛ فان مدينة لندن واسطة العقد بين جواهر المدن الغربية واجتلاء اثارها يغنى عن زيارة باريس وبارلين، فكل الصيد في جوف الفرا.
ولما دخلا لندن واختارا المهجع والمضجع وأزالا عنهما وعثاء السفر  واستراحا من مشقة الرحلة اتصلا بصديق لهما مشترك اسمه ذهب بن فضة، يقيم في لندن منذ عقدين من الزمن. درس الاسلام في بلده وخبر احوال الحضارة الغربية في مهدها وبذل جهودا لا يستهان بها في التعرف على سرّ نهوض القوم بعد كبوة وتيقظهم بعد غفوة وقوتهم بعد ضعف. فلما جاءهما وتبادلا التحيات والترحاب استخبرهما عن مغزى زيارتهما فأوضحا له انهما يريدان من زيارتهما تحقيق غرضين في غرض واحد وقتل عصفورين بحجر واحد، وطلبا منه ان يكون دليلهما على الطريق ومرشدهما الى المعالم البارزة في هذه المدينة العامرة.
 حار ذهب بن فضة في جوابهما واستفسرهما كيف يحققان غرضين في غرض واحد؟ فقالا: وا عجبا، أومثلك يشكل  عليه مثل هذا القول؟ ويظهر ان عيشك الطويل في صخب المدنية العربية قد أفسد عليك قدرتك المعهودة على فهم مواقع القول والاكتفاء عن الكناية بالتصريح والمجاز عن الحقيقة. فان انت ابيت الا التصريح ولم تكفنا مؤونة التفصيل، فنحن جئنا هنا للسياحة ولكن سنحت لنا فرصة سانحة لسبر أغوار المدنية الغربية السابحة في الفضاء وغزت العالم كله بعلومها وأساطيلها وأفكارها وثقافتها وعاداتها، حتى انه ليس هناك اليوم بلد الا دخلته عنوة ولا مدينة الا فتحتها قهرا ولا حتى قرية من القرى النائية الا وقلدها اهلها في أزيايها وعاداتها، ونحن في الشرق منذ الحملة الفرنسية على مصر ما زلنا مصدومين على وقع حوافر خيول نابليون بونابرت على باحة الجامع الأزهر.
هشّ الاستاذ ذهب بن فضة وبشّ للفكرة، فقال لهما بخٍ بخً، فهذا احسن ما تضرب اليه أكباد الإبل وتشدّ اليه رحال الطلب، فليثمر جهدكما ولينجح مسعاكما، واعاهدكما على انني سأكون رهن اشارتكما وطوع بنانكما واحتسب الأجر عند الله في اعانتكما على هذه المهمة التي من اجلها فارقتما الوطن والاصحاب. خرج الاستاذ ذهب بن فضة مع الشيخ ياقوت بن مرجان  والأستاذ لؤلؤ بن در واستقلوا مترو الانفاق الى مركز مدينة لندن. وفي اثناء سير القطار أبديا للاستاذ ذهب بن فضة استغرابهما لمظهر مدينة لندن، فإنهما كانا يتخيلان ناطحات سحاب مثل ارم ذات العماد وبروج مشيدة وقصور من قوارير في غرف من فوقها غرف تجري من تحتها الأنهار وطرق فسيحة معبدة ولكننا فوجئنا بمباني قديمة وطرق ضيقة لا تنبئ عن الحضارة التي يتشدق بها القوم ولا عن العظمة التي يتباهون بها.
فقال الاستاذ ذهب بن فضة: لا تتعجلا في الحكم ولا تنخدعا بالمظاهر، فمن استعحل الشيي قبل أوانه عوقب بحرماته. ثم ان البيانات الشاهقة قد تكون علامة من علامات الساعة – كما ورد في الاثار – ولكنها لا تكون أبدا علامة على التحضر والتقدم. ولو كانت ناطحات السحاب تضع الامم في سلم الترقي والتقدم لكان نصيب كثير من دول الشرق من ذلك اوفى من نظرائهم في الغرب. والحضارة – يا بني قومي – ليست مباني وأبراجا وصروحا وانما هي قبل كل شيي عقل وعلم وفكر وفهم يؤتيه الله من يشاء من عباده على قدر جهودهم وإتقانهم وليس على قدر إيمانهم او كفرهم.
واصل الاستاذ ذهب بن فضة حديثه فقال: لكما مني نصيحة واحدة فإنني رائدكم في هذا البلد ورائد القوم لا يكذب أهله، فقالا: هات نصيحتك فأنت اخ عزيز علينا نثق بإخلاصه ولا نشك في مودته ونصيحتك نعتبرها هدية اخوية وستلقى منا آذانا صاغية وستجدنا – ان شاء الله – عند حسن ظنك. تنحنح استاذ ذهب وقبض على لحيته القصيرة ثم قال لهما: ينبغي عليكما ان تتركا أفكاركما المسبقة عن الغرب وحضارته ومدنيته وثقافته عند محطة القطار، ثم وجه كلامه الى الشيخ، قائلا: يا شيخ ياقوت، اجعل وراءك ظهريا كل ما قراته عن انحلال الغرب وانحطاطه السلوكي وتفسخه الاخلاقي وتفكك عائلاته وماديته وشهوانيته وانتشار المخدرات والدعارة وغير ذلك مما استقرّ في ذهنك بما كتبه مسلمون عن احوال هذا الغرب، مع ان كثيرا من هولاء الكتّاب لم يروا عمرهم بلدا أوربيًا واحدا وانما بنوا حكمهم على التخمين وما سمعوه من الآخرين فلا تنقصهم الغيرة على الدين ولكن ينقصهم المعرفة الحقة والخبرة الضرورية للحكم على  الأشياء سلبا او ايجابا.
ثم اشاح بوجهه عن الشيخ ياقوت وانتحى الى ناحية الاستاذ لؤلؤ فقال له: يا استاذ لؤلؤ، تخيل نفسك كانك ولدت اليوم فلم تقرا شييا عن الغرب وتقدمه ونهضته وفلسفته وعقله وفكره وعبقريته  وما الى ذلك مما كنت تقرؤه في كتب القوم، فان ذلك قد لا يخلو من مبالغة مقصودة او غير مقصودة وذلك مما يشوش الفكر ويعتّم الروية ويؤثر في الحكم الصحيح على الأشياء. اعرف انه من الصعوبة بمكان ان يخرج الانسان من جلده او ان ينزع روح جسده بيده، وانما غاية ما نتمناه ان نقلِّل من تأثير افكاركم السابقة وآرائكم المستقرة على ما ترونه اليوم رأي العين، فما راء كمن سمع وليس الحكم على المشاهدة كالحكم على التخمين. فقالا: لقد أنصفت ومحضت النصح وأخلصت لنا الودّ فلن نستبين النصح ضحى الغد.
المقامة اللّندنيّة: (٢)
قال الاستاذ ذهب بن فضة: ولما اقترب القطار من المحطة، بدا الشيخ ياقوت بن مرجان مهموما مغموما وقد علت على محيّاه كآبة تنبئ عن ضيق شديد وبدت على وجهه سآمة توحي بضجر عميق، فقال له: اراك يا شيخ ياقوت واجما ساكنا وكأنك تقبل على تشييع جنازة او بشٌرت بفوت مفازة، فما الذي دهاك؟ وما سبب هذا الضجر الذي اعتراك والضيق الذي انتابك؟ .
شيخ ياقوت بن مرجان: لقد أهمني شيئان مُذ ان امتطينا صهوة هذا القطار.
استاذ ذهب: وما هذان الشيئان اللذان سببا لك هذا الهم المبرح والعذاب المقرح؟
شيخ ياقوت: انني افكر فيما وعدتك فيه امس من ترك كل افكاري السابقة عند مخرج محطة القطار والمؤمن اذا وعد اوفى ولكنني اشعر في نفسي ميلا الى نفض وعدي  وان كان فيه اخلاف لعهدي وعلامة من علامات النفاق المنهي عنه في الأحاديث.
استاذ ذهب بن فضة: ما هذا الذي اثار مخاوفك حتى تنكث عهودك؟ وما الذي استثار هواجسك حتى تنقض غزل يدك اليمنى بيدك اليسرى؟
شيخ ياقوت: لو استقبلت امري ما استدبرت لما وافقت على شرطك، فإنني قلّبت الامور ووازنت الكلام واستبان لي ان صفقتي خاسرة، فانني اذا تنازلت عن افكاري السابقة وتركت كتابي وهو معياري للتمييز بين الافكار الصحيحة والافكار السقيمة، وطرحت سنتي وهي ميزاني للقيم والاراء والعادات والتقاليد، فما ذا بقي في يدي من ميزان ازن به ما يدّعي به القوم من مدنية وحضارة وما يتباهون به علينا من علم وعظمة؟
استاذ ذهب: يا شيخ ياقوت، قولك سديد وحجتك قوية ولكنك وضعتها في غير موضعها. ولو انك تدبرت ما قلته وفهمت كلامي على وجهه لما عنّت لك هذه الشبهات ولما طرأت على قلبك تلك الهنات. ولو انك راجعت قولى وأنعمت النظر في كلامي لأدركت ان قصارى ما طلبته منك  هو ان تنسى ما سمعته او قرأته قبل اليوم مما كتبه  المسلمون على هذه الحضارة على قدر فهومهم حتى لا يكون ذلك حائلا بينك وبين الحكم القويم على القوم وحضارتهم، ولم اطلب منك قط ان تترك كتابك وسنتك، فهما – كما بينت – المعيار الحق والقسطاس القويم، ولا يستقيم هذا المعيار ولا يصح هذا الميزان الا اذا تجرّد عن شهوات الناس الذين يلوّون اعناق نصوص الآيات والاحاديث ليّا حتى تستقيم مع أفهامهم وعقولهم وتتفق مع اهوائهم وشهواتهم.
شيخ ياقوت: بارك الله فيك استاذ ذهب، لله درّك. لقد كشفت اللباس عن موضع شكوكي، وأزاحت اللثام عن مظنة ارتيابي.
استاذ ذهب بن فضة: وما هذا الامر الاخر الذي أهمك وأحزنك يا شيخ ياقوت،؟ فوالله، انك لعالم عزيز علينا يحزننا ما يحزنك ويؤذينا ما يؤذيك ولا نالوا جهدا ما استطعنا في تفريج الهم والحزن عن قلبك واشاعة الفرح والسرور في نفسك.
شيخ ياقوت: اما الامر الثاني الذي أورثني الغم، فما ذاك الا انني تصورت كيف يكون مصيرنا اذا خسف الله بنا الارض ونحن في هذا النفق، افلا يبعثنا الله من مرقدنا مع هولاء الكفار يوم القيامة؟
استاذ ذهب بن فضة: لن ترى باسا ان شاء الله يا شيخ ياقوت وتفاءل خيرا، فإنك لن تخسف بك الارض اليوم، ولن تبعث مع هولاء الكفار يوم القيامة. واذا جاء القدر فان حكم القضاء لا يرد، وسيبعث الله الناس على نياتهم  وعلى حسب أعمالهم ولو ماتوا في رمال الفلوات او في عربات القطارات.
قال الاستاذ ذهب بن فضة: بعد بعد نصف ساعة وصلنا محطة اكسفور سركس الشهيرة في وسط لندن. ونزلنا من القطار، وفي طريق الخروج راي الاستاذ ذهب بن فضة الشيخ ياقوت يحرك شفتيه فأنصت اليه فسمعه يقرا المعوذتين والاخلاص وسورة الكرسي. ولما وصل الى الباب وقف وأخرج رجله اليسرى وقرأ دعاء دخول الخلاء بصوت خاشع خافت ولكنه مسموع رافعا بدئه الى السماء مخبتا ومتذللا (اللهم اني اعوذ بك من الخبث والخبائث).
غضب الاستاذ لؤلؤ من سماع دعاء الشيخ ياقوت، فقال: وما المناسبة -يا ترى- بين دخول الخلاء وبين دخول وسط لندن؟
فقال شيخ ياقوت: فيه مناسبة خفية تحتاج الى استنباط خفي  ولا يظهر ذلك الا من درس علم الأصول وعرف مناط الاحكام بعللها الخفية والصريحة، وما لك ولهذا الامر يا فيلسوف؟ فأنت مشغول عن هذا بالمبادئ المجردة والعقل الفعّال والعلة الاولى وغير ذلك مما لا يفيدك في دنياك او في آخرتك.
استاذ لؤلؤ بن درة: لقد أبعدت النجعة وجاوزت الحد ولم تراع حق الصحبة وأفسدت علينا السياحة. وايّّ علة خفية تحتاج الى استنباط خفي تربط بين بيت الخلاء وبين مدينة لندن عروس مدن العالم وتاج الحواضر الأوربية ومهد حضارتها ومدنيتها؟
شيخ ياقوت: لم يكن في نيتي ان اظهر تلك العلّة الخفية ولكنني خفت كتمان العلم وعاقبته. الم تعلم – يا استاذ لؤلؤ ان الله سبحانه وتعالى قال في محكم تنزيله: (انما المشركون نجس). والنص هنا صريح ولكن العلة خفية، والحمد لله الذي فتح لي ووفقني في فهم هذه العلة الخفية التي لم يتنبه لها احد من العلماء قبلي ولا يتفطن لها الا الراسخون في العلم من امثالي. عذرا ايها الأصدقاء، ان كان هذا الامر قد أزعجكم واستفز مشاعركم فما قصدت شييا من ذلك وليس من دأبي ايذاء الاصحاب او جرح كبرياء الاخلاء ولكن لكل منا ثقافته ونظرته للاشياء والحياة ولست اوجب احدا من الناس على ما أوجبه انا على نفسي، وما يضيركما أنتما اذا انا قرأت لنفسي دعاء الخلاء او دعاء الهناء؟
استاذ ذهب بن فضة: لا باس عليك يا شيخ ياقوت. لك ان تقرأ ما تشاء من ادعيتك كما تشاء وفي اي مناسبة تختارها انت، فلن تجد منا اعتراضا.
قال الاستاذ ذهب بن فضة: خرجنا نتمشى في شارع اكسفورد الشهير في وسط لندن بمحلاته البديعة المتراصة المتناسقة وفيها ما تشتهي الانفس من الموضات وتلذ الاعين من المعروضات ، وأسواقه البارعة وفيها ما شئت من اصناف الدنيا وكل زوج بهيج من ألوان البضائع والصنائع مما يخلب اللبّ ويلهي الفؤاد ويستفز الشحيح ويحثه على البذل، وزبائنه التي لا تعد ولا تحصى، يركضون زرافات ووحدانا على جانبي الرصيف، أخلاط من مختلف الاجناس والاعراق والاعمار والالوان والطبقات، فتى وفتاة ورجال ونساء وكهول وشيوخ، وطبقات أرستقراطية مترفة، واُخرى فقيرة كادحة، ومدراء البنوك والمصارف والشركات العملاقة من اصحاب الياقات البيضاء الذين يجلسون في مكاتبهم الوثيرة المطلة على الشارع، وعمال من اصحاب الياقات الزرقاء الذين يزاولون الاعمال المهنية. وكل ذلك على نظام محكم وترتيب منسق.
لقد راع هذا المشهد الاستاذ لؤلؤ وابهره فقفز قفزة الى السماء فقال: ما اروع هذا المشهد!. انظر يا شيخ ياقوت الى هذا النظام العجيب والترتيب الأنيق والجمال الفائق والنظافة الظاهرة والحركة الدائبة والجد في العمل  والنشاط في الحياة، ألا يروعك هذا يا شيخ ياقوت. اليس هذا مفخرة للانسانية ودلالة على رقيها العقلي وتطورها البشرى؟
شيخ يا قوت: ماذا راعك يا رجل؟ فلست ارى شييا غريبا، وكل ما أراه ليس الا تأكيدا لقوله تعالى: ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هُم غافلون ) فان الله يعطي الدنيا للمؤمن وللكافر وللمسيء والمحسن، ولا تنس ان الدنيا سجن المؤمن وجنة  الكافر، فقد يسّر الله لهم سياسة دنياهم وذلك لاستدراجهم ثم يأخذهم من حيث لم يحتسبوا. فان الله يمهل ولا يهمل
استاذ لؤلؤ بن درّة: عجبا لإمرك يا شيخ ياقوت! فكيف ييسّر الله الكافرين لسياسة دنياهم ولا ييسّر المسلمين لاصلاح دينهم ودنياهم؟ وليست الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وانما الدنيا سجن كل من توانى وتكاسل وركن الى الدعة والراحة، وجنة كل من جدّ في طلب العُلى واجتهد واحسن العمل وصابر ورابط للوصول الى القمة العليا. او تظن ان الغرب نال ما نال من عزة ومنعة لكفرهم وان المسلمين استحقوا ما هم عليه من ضعف وعجز لاسلامهم. كلا، ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا، وتلك سنة الله في الاولين والاخرين.
المقامة اللندنية: المراة بين الشرق والغرب (٣)
قال الاستاذ ذهب بن فضة: وبينا نحن نتسكع في طرقات مدينة لندن نلهو ونمرح بحدائقها الزاهرة فاذا الشيخ ياقوت يسترجع ويحوقل ويهز راْسه يميناً وشمالا ويطرق واجما ساكنا لا يفتأ يردد: إنَّا لله وانا اليه راحعون، ولا حول ولا قوة الا بالله! فاستخبرته عن الخبر، فقال لي: الا ترى المصيبة يا استاذ ذهب، لعلك – بحكم مقامك الطويل مع القوم – استأنست بمخازيهم وألفت فجورهم وفسقهم. الا ترى هذه الشابة تحتضن الرجل وتقبله في قارعة الطريق دون حياء او خجل؟ فقلت له: هوّن على نفسك يا شيخ ياقوت، فما عليك الا ان تغض عن البصر اذا كان يؤذيك النظر، فان النظرة الاولى لك والثانية عليك، اما انا فلا حاجة بي الى غضّ بصر فقد تعودت على تلك المناظر حتى لا ادري الى حجر أرمق ام الى بشر انظر.
تدخل الاستاد لؤلؤ في الحوار فقال يا شيخ باقوت، الحرية هي كلمة السر في تقدم القوم، فانهم يقدمون حريات الناس وإرادتهم على  رغبات الآخرين، فالمرأة هنا حرة في تصرفاتها وسلوكها ما لم تتعدّ على حريات الآخرين. فقال الشيخ ياقوت: ولكنها بتصرفها هذا اعتدت على حريتي في الا ارى شييا لا اريد ان أراه. فقال الاستاذ لولو: قد يكون ذلك صحيحا حسب منظومتك الثقافية، ولكن القوم هنا لا يرون في ذلك باسا، وليس في منظومتهم الثقافية وعاداتهم الجديدة ما يناقض او يزري من مثل هذا السلوك.
ثم قال الشيخ ياقوت: لقد رايت عجبا مُذ امسا،  فما بال النساء عاريات تخففن من اللباس وشمّرن عن الساق وكشفن الأفخاذ وعرّين الصدور فغطّين على سوءاتهن قطعا مثل ورقة التوت لا تستر جسدا ولا تمنع قرّا ولا حرًّا، بينما الرجال يرتدون لباسا سابغة تواري عليهم اجسامهم وتحميهم من قر البرد، فلما ذا عكست الآية هنا واحتجب الرجال ولا يبدون زينتهم الا ما ظهر منها، وتتبرج النساء سافرات حاسرات يبدين زينتهن ما ظهر منها وما بطن؟ وهل هذا الفجور والتعري هو التقدم الذي يفخر به القوم ويصمّون به آذاننا اناء الليل وأطراف النهار؟
فقال الاستاذ ذهب: ان صراع المراة بين الغرب والشرق صراع مرير. فكل من الجانبين المتصارعين قد ركّزا في حربهما على ساحة المراة، وكأنهما متيقنان ان الميدان الأهم في السجال بينهما هو ميدان المراة، ويرى الشرقي خاصة ان المراة هي خط المواجهة الاولى، فاذا فتحت ثلمة في هذا الثغر تهاوت جميع الجبهات الاخرى تباعا واحدة تلو الاخرى؛ لذلك أحاطها بكل ما اوتي من قوة ومنعة. قدم ثلاثة خطوط امامية مستحكمة للدفاع عن المراة، فاذا سقط الخط الاول استمسك بالخط الثاني، واذا سقط الثاني لجأ الى الثالث، وهذه الخطوط الثلاثة هي النقاب والحجاب والقرار في البيوت، فاذا سقط النقاب هرع الى الحجاب، واذا سقط الحجاب بقي البيت حجابا ساترا، واذا سقط البيت سقط المجتمع.
والكلام في عهدة الاستاذ وهب، وكلما غالى الغرب في تعرية النساء غالى الشرق في الباسهن، وكلما بالغت الغربيات في التخفف من عبء الثياب بالغت الشرقيات في التكثر منه. وعلى الرغم من ذلك، فان لكل من المراة الغربية والمرأة الشرقية مزايا وعيوبا. فالمرأة الغربية وقعت ضحية بين متطرفين أخرجاها من طبيعتها واستغلاها لحاجاتهما الخاصة. أولاها: شركات التجارة والأزياء العالمية التي جعلت جسد المراة سوقا للدعاية الرخيصة وتحدد لها ما يناسبها من الأزياء واللباس حسب مصالح تلك الشركات لا حسب إرادة ومصالح مشتريها من ربات الحجال. وثانيها: الجماعات النسوية المتطرفة اللائي يناقضن طبيعة النساء ويفسدن فطرة الله في خلقه تحت ذريعة تحرير المراة، وما هو من التحرير في شيي حتى وصل بهن الامر الى ان نادين الى استغناء المراة عن الرجل حتى في متعتها الجنسية تحقيقا للمساواة الكاملة!
ومع هذه العيوب في المراة الغربية، فلا يمكن إنكار ما لها من مزايا اخرى على المراة الشرقية. فالمرأة في الغرب بحكم التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي مرت به بلدانها حققت أشياء كثيرة أعلت من كرامتها الانسانية ورفعت من قدرها فأصبحت متعلمة واثقة بنفسها مستقلة بحياتها بعد ان كانت جاهلة معتمدة على غيرها، فكلما تقف امام امرأة غربية تشعر هذه الثقة في نفسها، فلم يعد الرجل مسيولا عن حياتها الخاصة وانما تشعر بأنها هي المسئولة عن نفسها وعن حياتها، ولديها القدرة على تسيير شئونها والتحكم بمصيرها في نفسها، وليست كمثل المراة الشرقية كالريشة في مهب الرياح طارت أينما طار الرجل ابا كان او اخا او زوجا.
ومن مزايا المراة الشرقية الاحتشام والعفاف والتضحية بنفسها من اجل اولادها وبيتها. فالمرأة في الشرق عميد البيت وربة الاسرة تعمل ما في وسعها من اجل إسعاد عائلتها غير عابئة بكل ما تلاقيه في سبيل ذلك من جهد ومشقة وتعب، فليس لها سعادة فردية وانما سعادتها في سعادة عائلتها، في الوقت الذي نرى فيه المراة الغربية بحكم تربيتها الفردية لا تضحي بنفسها من اجل عايلتها الا بقدر لا تفقد معه شخصيتها المستقلة ومصالحها الفردية.
وعيوب المراة الشرقية تدنى المستوى التعليمي بينهن وما يفضى اليه من عدم الوعى في حقوقهن وكرامتهن الانسانية. ومن المفارقات انه فكما ترى في الغرب جماعات نسوية متطرفة تدعو الى المساواة الكاملة بين الرجال والنساء، فكذلك ترى في الشرق جماعات نسوية متطرفة ولكن على جهة النقيض من مثيلاتهن الغربية؛ إِذْ ينادين الى  افضلية الرجال على النساء ليس على مستوى الأدوار الطبيعية المنوطة بالجنسين فحسب بل حتى على مستوى الكرامة الانسانية، حتى ان بعضهن يعتقدن ان هذا التفضيل  ليس الا امتثالا لامر الله ويحتسبن في ذلك عند الله.
حملق الشيخ ياقوت  واحمرّت عيناه وبدا على وجهه حالة من الغضب يحاول إخفاءه، فقال لقد أبعدت النجعة با استاذ ذهب، فكيف توازن بين الذهب والفضة وتقارن بين التراب والتبر، تالله، لقد جئت شييا ادّا، ورمت من الامر شططا، فهلا أوجزت لى فحوى كلامك المرسل وأعطيتني زبدة قولك المشكل.
فقال الاستاذ ذهب: زبدة القول يا شيخ ياقوت، انه ليست المراة الغربية كلها شر ودعارة وفجور وفسق كما يظنه بعض الشرقيين، وكذلك ليست المراة الشرقية كلها تخلف وجهل كما يعتقده كثير من الغربيين وانما تلك صور نمطية غذاها روح التعصب من الجانبين. والنظرة الصحيحة للامور هي ان نتوقف عن اطلاق الاحكام العامة وننظر الى المزايا والعيوب في كل من الثقافتين. فللمرأة الشرقية نقاط ضعفها وقوتها، وكذلك للمراة الغربية نقاط قوتها وضعفها، وفي كل خير.
فقال الشيخ ياقوت: وفي نفسي شيي من زبدتك هذه يا استاذ ذهب، ولكن للضيافة اداب وللاحسان قيد، ومن وجد الاحسان قيدا تقيدا.
المقامة اللندنية: ما ناخذ وما ندع من الحضارة الغربية (٤).
قال الاستاذ ذهب بن فضة: بعد التجوال والتطواف في ارجاء لندن مدينة الضباب في يوم دجن غطت الغيوم آفاق السماء وتتخلله حبات مطر لا هي بالوبل الذي ينهمر عليك انهمارا ويمنعك من السير ولا هي بالطل المنقطع الذي يسمح لك حرية الحركة، وانما هي حبات خفيفة تتساقط بين فينة واُخرى تبلّ ثيابك وتكدّر مزاجك وتؤثر على تركيزك وتقديرك للامور. بعد تجوالنا في هذا الجوّ الكئيب شعرنا ان التعب قد دبَ في نفوسنا والبرد قد نال من اجسادنا، فعرجنا على مقهى لترويج النفس وتدفئة البدن وتنشيط الذهن، فجاءت – لأخذ طلبنا – حسناء هيفاء ضامرة البطن لطيفة الكشح باسمة الثغر فقالت: ما تطلبون؟ وقد دنت وانحنت فظهر من زينتها ما شاء الله ان يظهر مما لست اذكره، فقلت: قهوة كوبشينو، من فضلك، وقال الاستاذ لؤلؤة : فهوة اسبريسو ، من فضلك. ولما جاء الدور على الشيخ ياقوت، فاذا هو مطرق رأسه لا ينبس ببنت شفة، فقلنا له: الا تطلب شييا يا شيخ ياقوت؟ فقال: انتظر حتى تاخذ الفتاة رداءها، فقلنا له: لم يسقط منها شيي، فالفتاة بكامل ردائها فلا تضيع علينا الوقت يرحمك الله. فقال لنا: اطلبوا لي أنتم ما شئتم حتى تنصرف عنا، فقلنا لها: قهوة عربية مع الهيل والقرنفل لصديقنا، من فضلك، فقالت لنا: ماذا دهاه؟ فقلنا: لا شيي، تعتريه احيانا نوبة من القشعريرة اذا رأى منظرا لا يعجبه، فانصرفت. وبعد هنيهة جاءت بالمطلوب وودّعتنا بابتسامة بريئة قائلة لنا: تمتعوا بقهوتكم. وكأن الشيخ ياقوت تذكر قصة المتجردة زوجة الملك النعمان بن المنذر ملك لحيرة التي سقط منها نصيفها اي خمارها فرآها التابعة الشاعر وهو جالس مع الملك فحاولت ان تتستر بيدها، فقال النابغة في وصف هذه الحالة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه *فتناولـــتـــــه واتقتنــــــــــا باليد
 بمخضب رخص كأن بنانه * عنم يكاد من اللطافة يعقد
قال الاستاذ ذهب بن فصة: وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث، ونحن نحتسى القهوة، فدبت نشوة القهوة في عروقنا، وأزالت عنا ما كنّا نشعر به من برد الجسم، وكدّ الذهن وكدر المزاج، فاستراح الجسد ونشط الذهن، وصفا المزاج. فخضنا في احاديث متفرقة، يسلّم بعضها الى بعض، وتذكّر القصة بأختها في جو من المرح والبهجة، ثم قلت لهم: ايها الأصدقاء، لقد طوفتكم في مدينة لندن، ورأيتم مسارحها ومتاحفها ومعاهدها العلمية ومجالسها السياسية ومعارضها ومكتباتها ورجالها ونساءها وحياة المجتمع فيها، وشاهدتم حضارة القوم وثقافتهم بأم اعينكم، وليس راء كمن سمع، وانكم اذ رايتما لندن فكانكما رايتما اوربا كلها، وكما قيل: كل الصد في جوف الفرا، فمدينة لندن وقومها من الإنجليز نسخة مصغرة للحضارة الأوربية كلها، وقد جمعت لندن ما تناثر في غيرها من المدن الاوربية، وجمع الإنجليز ما تفرق في غيرهم من الشعوب الاوربية، فما رأيكم فيما رايتم؟ وما قولكم فيما شاهدتم وسمعتم؟ وما هو انطباعكم عن المدنية الأوربية ؟ وهل هناك جوانب إيجابية في الحضارة الاوربية ينبغي لنا اخذها للاستفادة في نهضتنا المرجوة؟ وهل هناك -في الجانب المقابل- جوانب اخرى سلبية يجدر بنا ان نحذرها ونتركها؟ وما هي معاييركم للأخذ مما رايتم اخذه وميزانكم فيما يجب علينا ان نحذره ونتركه؟
فقال الاستاذ لؤلؤ: لقد رأيتُ شييا عجبا يا استاذ ذهب، كانت عندي صورة دهنية متخيلة للحضارة الغرببة من خلال ما كنت أقرؤه من الكتب او اسمعه من الأصدقاء الذين زاروا اوربا، ولكنني وقفت الان على الصورة الحقيقية لهذه الحضارة فتطابقت صورتي الذهنية المتخيلة لرقي القوم وحضارتهم مع ما رايته من واقع القوم ومدنيتهم واخلاق المحتمع ونظامه والتقدم الذي أراه في كل جانب من جوانب الحياة مع جو من الحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية وغير ذلك من القيم العليا والعجايب التي لا تعد ولا تحصى. وقد ازددت يقينا اننا – معسر الشرق- لن نتقدم خطوة واحدة الى الأمام حتى ناخذ ما لدى القوم بقضه وقضيضه ونحذو حذوهم ونتتبّع آثارهم شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع، ولا تصغ الى ما يقوله الناس من الغربلة؛ فان هذه الحضارة لا تقبل التفريق والغربلة، فإما ان تأخذها بالجملة واما ان تتركها بالجملة؛ لان التفريق يفسدها والغربة يشوه صورتها.
فقال الشيخ ياقوت: إنتي لم أر ما رأه استاذ لؤلؤ من التقدم وما يتحدث عنه من العجايب؟ وقد تأكد لي من خلال هذه الرحلة ما استقر في ذهني مما كنت أقرؤه من الكتب او اسمعه من الأصدقاء من انحلال القوم وتفسخهم الاخلاقي وماديتهم وعربدتهم وفسقهم. وقد ازددت يقينا انه لا يصلح اخر هذه الامة الا بما صلح به أولها، وهو الرجوع الى الكتاب والسنة ومنهج السلف وآثارهم، فهذا يكفينا للنهوض من جديد، فقد نهضنا من قبل وشيدنا حضارة زاهرة بالإسلام،  ولا ادرى ما الذي يمنعنا اليوم من العودة الى أسس حضارتنا واحياء ما اندثر وضعف من تراثنا ثم البناء عليه والنهوض على اساسه؟
فقال الاستاذ ذهب: يبدو انكما لم تكونا صادقين على ما عاهدتماني به من نسيان مواقفكما السابقة عن هذه الحضارة والحكم عليها بما ترون او تشاهدون. وكل واحد منكما رأى من هذه الحضارة جانبها الذي يودّ ان يراه ويتطابق مع صورته المتخيلة في ذهنه. وهذا -لعمري – حكم جائر. وهذا الموقف منكما يذكرني بقصة العميان مع الفيل؛ وبما ان العميان لم يروا فيلا قط فجيء اليهم بفيل فأمسك كل منهم جانبا من الفيل ثم طلب منهم ان يصفوا الفيل، فقال الذي أمسك الاذن: الفيل شيي مسطح ناعم، وقال الذي لمس أرجله الأربعة: ليس الفيل الا أربعة أعمدة، وقال الذي لمس رجلا واحدا منه : الفيل مثل جذع الشجرة، وقال الذي لمسه من ذنبه: الفيل مثل المكنسة، وقال الذي لمسه من ظهره؛ الفيل مثل الجبل وجسمه خشن، وهكذا كل واحد يصف بما مسه بيده من اجزاء الفيل. ان كل واحد منكما – مع احترامي لوجهة نظركما ايها الأصدقاء – وصف الحزء الذي رَآه او يحب ان يراه من الحضارة الغربية فغاب عنه الحزء الاخر فجاءت الصورة مشوهة غير صحيحة وجزئية غير كاملة، والحكم على الشىء قبل ان تراه من جميع جوانبه حكم ناقص، والقاعدة الاصولية المشهورة تقول ان الحكم  على الشيي فرع عن تصوره، بمعنى انك قبل ان تصدر الحكم على شيي لا بد ان تفهمه وتستوعبه استيعابا كاملا في جزئياته وتفاصيله حتى يكون حكمك صحيحا او اقرب الى الواقع، اما اذا اعوزك التصور الصحيح الشامل فلن يتوقع منك  حكما صحيحا.
اخذ كل شيي وتقليد الغرب تقليدا اعمى كما ذهب اليه الاستاذ لؤلؤ ان هو الا هروب الى الامام وانسلاخ من هويتنا وثقافتنا وحضارتنا وتراثنا، وكذلك العودة الى السلف كما دعا اليه الشيخ ياقوت هروب الى الماضى، وهو مطلب اقل ما يقال عنه انه كلمة حق اريد بها باطل، وكلا المطلبين لا يحققان نهضة ولا يؤسسان حضارة مع استحالة حدوثهما على ارض الواقع. فنحن حتى اذا انسلخنا من تراثنا وحذونا حذو الغرب في كل واردة وشاردة  لن نتقدم خطوة واحدة الى الامام وسيكون حالنا كمثل الغراب الذي اراد محاكاة مشية الحمامة فلم يقدر ونسي مشيته الأصلية فيقى يعرج في مشيته. وكذلك الذي يدعو الرجوع الى السلف فدعوته مستحيلة، اذ اننا لن نستطيع ان نعيش حياة السلف او ان نستعيد نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن يعتقد اننا ننهض بالعودة الى تلك النظم او الى عصر السلف كمن يعتقد انه يمكن له ان  يسافر عبر القارات بالجمل او يحارب بالسيف في مواجهة الصواريخ.
فقال الشيخ ياقوت: انك – يا استاذ ذهب- رفضت الشرق والغرب، فما هي نظرتك للنهوض؟ وما موقفك من الحضارة الغربية؟
فقال الاستاذ ذهب بن فضة: انني يا شيخ ياقوت مررت على مراحل مختلفة في موقفي من هذه الحضارة. فانني في مرحلة شبابي كنت اقرب الى وجهة نظرك القائمة على العودة الى السلف، وكنت متيقنا ان تلك العودة كافية لتحقيق النهضة المنشودة واعادة المجد الضائع، ثم قدمت الغرب وانا في الثلاثين من عمري وانبهرت بما رايت من الجمال والنظام فغيرت نظرتي الاولى ووقفت على الطرف المضاد لموقفي الاول واقتنعت مثل الاستاذ لؤلؤ انه لا بد من اتباع سنن الغرب خطوة خطوة اذا نحن جادين في السعي الى تحسين حياتنا واستعادة كرامتنا الانسانية، ولما تقدم بي العمر وطال مقامي في بلاد الغرب بدأت أراجع مواقفي ورايت الغرب عن قرب وراقبت الشرق من بعيد فبدأت الصورة تتضح والغيوم تنقشع،  فالانبهار بالغرب قد اعتدل والحماسة للعودة الى السلف قد خفت حدتها، وانتهيت الى ان الحضارة الغربية تجربة بشرية يعتريها ما يعتري اي تجربة انسانية اخرى من الخطا والصواب والقوة والضعف، وانتهى موقفي منها الى انه لا يحسن الوقوف منها موقف الرفض المطلق ولا القبول المطلق، وانما الموقف الصحيح هو ان نعود الى تراثنا وندرسه ونستوعبه ثم ناخذ منه ما يفيدنا في عصرنا ويساهم في النهوض من كبوتنا، وكذلك الحضارة الغربية يجدر بنا ان ندرسها ونستوعبها ثم ناخذ منها ما يفيدنا ولا يتعارض مع قيمنا ونترك ما نراه غير صالح في تربتنا. فليست الحضارة الغربية كلها شر وليست كذلك كلها خير، والعاقل من يستطيع ان يستخرج الخير القليل في الشر الكثير ويتجنب الشر القليل في الخير الكثير.

عبد الواحد عبد الله شافعي

كاتب صومالي من مواليد بلدوين ومقيم في بريطانيا. حصل على درجة الليسانس في الدراسات الإسلامية واللغة العربية من كلية الدعوة في ليبيا في عام ١٩٩٤. نال دبلوم ماجستير في اللغة العربية وآدابها من الكلية نفسها في عام ١٩٩٦. حصل على ماجستير في اللغويات وتعليم اللغات الأجنبية من جامعة لندن متروبولتان في بريطانيا في عام ٢٠١٦. يعمل في خدمة الجاليات المسلمة في بريطانيا. له مقالات وبحوث فكرية وسياسية منشورة في الصحف والمواقع العربية. يهتم بقضايا الفكر الاسلامي السياسي
زر الذهاب إلى الأعلى