العدل الاجتماعي

العدل الاجتماعي فهو: نظام اقتصادي، يضبط النشاط الاقتصادي على وجه يتيح لكل أفراد المجتمع، فرص متكافئة لتوظيف إمكانياتهم ومقدراتهم وعائد مكافئ لمجهوداتهم طبقا لقواعد منظمه لعلاقات الناس قبل هذا النشاط.

العدالة الاجتماعيّة هي أحد النظم الاجتماعيّة التي من خلالها يتم تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع من حيث المساواة في فرص العمل، وتوزيع الثروات، والامتيازات، والحقوق السياسيّة، وفرص التعليم، والرعاية الصحيّة وغير ذلك، 

وبالتالي يتمتّع جميع أفراد المجتمع بغضّ النظر عن الجنس، أو العرق، أو الديانة، أو المستوى الاقتصاديّ بعيش حياة كريمة بعيداً عن التحيّز. كما ان العدل الاجتماعي مرتبط بوظيفة الملكية في النظام الاقتصادي المعين، أي صاحب الحق في القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك، فهو يتحقق عندما يكون القرار الاقتصادي أصلا من حق المجتمع، بالتالي لا يتناقض القرار الاقتصادي للمالك مع مصلحه المجتمع، بصرف النظر عن الشكل القانوني للملكية (فرديه تعاونيه، مشتركه، عامه…). 

العدل الاجتماعي بين ما هو كائن وما ينبغي ان يكون: إنما سبق من حديث ينصب على ما ينبغي أن يكون، أما ما هو كائن في واقع المجتمعات المسلمة فهو شيوع الظلم الاجتماعي نتيجة لانتفاء قيمتي العدل والعدل الاجتماعي والقيم المرتبطة به كالمساواة والحرية …نتيجة لعوامل داخليه (كالاستبداد) وخارجية (كالاستعمار) 

متفاعلة ولاختلال التوازن بين الفرد والجماعة نتيجة لانزلاق هذه المجتمعات إلى الجماعية القبلية، ولتطبيق هذه المجتمعات للنظام الاقتصادي الرأسمالي تحت شعارات عده كالانفتاح والخصخصة والإصلاح الاقتصادي كما سبق بيانه وتبنى هذه المجتمعات لمفهوم الملكية الخاصة تحت تأثير الفكر الليبرالي، ونتيجة لخلطها بين الملكية الخاصة والملكية الفردية كما سبق بيانه… 

والانتقال مما هو كائن (الظلم الاجتماعي) إلى ما ينبغي أن يكون (العدل الاجتماعي) لا يتم إلا من خلال ما هو ممكن، وما هو ممكن اقتصاديا يأخذ أشكال عديدة كالتأكيد على دور الدولة في الاقتصاد مع العمل على إصلاح القطاع العام وتطهيره من البيروقراطية والفساد. 

وتجاوز موقفي القبول او الرفض المطلقين من الخصخصة (الآلية الأساسية للرأسمالية) إلى موقف نقدي منها قائم على: الوقوف ضد خصخصة المؤسسات الاستراتيجية والسلع الضرورية،

مع ضمان شفافية وديمقراطية الخصخصة للقطاعات والسلع الأخرى بالرجوع إلى الشعب ورقابه الدولة. وتوجيه القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي نحو المجالات الإنتاجية التي تحقق الفائدة للمجتمع لا المجالات الاستهلاكية على حساب المجتمع. 

وتفعيل مؤسسات الضمان الاجتماعي. وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة كالجمعيات التعاونية والنقابات

ولا بد من الإشارة إلى أن المساواة المقصودة هنا هي القائمة على رفض التمييز والعنصرية، أما عدا ذلك فيجب مراعاة التساوي في الاستحقاقات إذ من الظلم مساواة العاجز بالمنتج، والمبدع بالفاشل، والمبتدأ بصاحب الخبرة، 

وقد أشار القرآن إلى ذلك من خلال قوله تعالى:﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شيء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾، (النحل:76).

والتاريخ الإسلامي يحفل بأروع الأمثلة عن احترام حقوق الإنسان لما كان الشرع هو الدستور المتبع، كما يحفل بأسوأ الأمثلة عن انتهاك حقوق الإنسان لما أصبح الهوى هو دستور السلاطين، ومثال الأول: حق المعارضة الذي كفله الخلفاء الراشدون لرعيتهم حتى سيدنا على الذي واجه معارضة باغية خارجة عن الشرع لم يضطهدها 

ولم يقاتلها حتى أعلنت الخروج والحرب على الأمة، أما مثال الثاني، فهو: حالة الفتن التي عصفت بالأمة الإسلامية في العصر الوسيط والتي كان سببها الأول بالأساس جور السلاطين الذي دفع بالمواطن البسيط إلى اعتناق مذاهب وتوجهات لا يفهم منها غير أنها تسعى إلى إحقاق الحق في حين كانت تحمل في باطنها ما هو نذير الفناء والدمار للأمة جمعاء.

يتحقق العدل الاجتماعي عندما لا نمنع الأغنياء من شراء سيارة فاخرة وإنما عندما نمّكن الأقل حظاً من مواصلات نظيفة ومنتظمة داخل المدن وبينها، عندما تكون الدرجة الثانية في القطارات لا تقل في آدمتها عن مثيلتها الأولى الممتازة، فليجلس كل فرد طبقاً لإمكانياته المادية ولكن بشرط أن يعامل الكل كبشر ويتساوى الجميع في آدميتهم. ويتحقق حينما نؤكد حق الطبقات الأكثر حظا في المجتمع في أن تشرب مياها معدنية،

 وهي في الحقيقة مياه نقية معبأة في زجاجات بلاستيكية، ولكن بشرط أن تكون مياه الشرب من حنفيات المنازل-كل المنازل وعلى الأخص في العشوائيات والقرى والنجوع-مياه شرب صالحة للاستهلاك الآدمي وليست مختلطة بمياه المجاري، عندما لا نجد غضاضة في المنتجعات السكنية الفاخرة لأننا تمكنا من توفير مساكن مناسبة آمنة نظيفة وآدمية لكل الطبقات،

 عندما يشعر سكان الريف بأن الخدمات المقدمة لهم على نفس كفاءة خدمات عواصم المحافظات، عندما يشعر أهل الصعيد بأن لهم في الوطن ما لأهل الشمال، عندما نستطيع أن نجزم-حقيقة لا قولاً-أن للمرأة نفس فرص الرجل في العمل والعيش والاحترام وأنها-كما كانت في ميادين التحرير متحررة معتزة بإنسانيتها متساوية مع الرجل-ستستمر شريكة فاعلة في الوطن وليست تابعة عوراء ناقصة متدنية كما يدّعى شيوخ التطرف.

عكس العدل هو الظلم والجور البغي والاستبداد وهو السائد في المنطقة العربية وكثير من دول العالم الأخرى، وإنّ أحد أهم مشاكل المنطقة هو فساد النظام القضائي والجور في المحاكم، وعدم استقلال السلطة القضائية، بل ورضوخها لأهل النفود من الساسة ورجال المال، فتنعكس تمردا كبيرا في المجتمع، قد يستصغر معه المظلوم كثيرا من المخالفات القانونية والمحرمات الشرعية، ولو تم إنصاف الناس في المحاكم لأنعكس ذلك الإنصاف على عموم الناس 2 | Pageوالمجتمع بشكل إيجابي كبير، وبمكن تسميه بالظلم القضائي.

والظلم الاقتصادي في عدم التوزيع العادل للثروات، فهي تُقسّم في كثير من دول العالم بين الطبقة الحاكمة الظالمة وطبقات النفوذ من أصحاب المال والأعمال، بينما يعطى الفتات لبقية الشعب تتقاسمه وتتصارع عليه.

والاستبداد والطغيان في الطبقة السياسية الحاكمة، التي تحكم دون قانون ودون رحمة، أو بقوانين تسنها على مقاييسها كأنها الأقمشة تلبسها، أو تطوّع القوانين لمصلحتها، وقد تنشئ مجالسا تطلق عليها برلمانات وشورى ولكنها مزورة ومزيّفة وليست حقيقية ولا تعبر عن إرادة الشعوب، وإنما أنشئت للخداع والاستهلاك، يساعد هذه الطبقة في ظلمها الطبقة الانتفاعية عديمة الضمير والأخلاق تساعدها في البغي والقهر وتجني منها الفتات.

فهل من المفترض أن تتأسس استراتيجية العدالة الاجتماعية على نصوص الدستور الذي يعطي للحق والخير أهمية متساوية. أم على الليبرالية المقيدة التي تحض الأغنياء على التنازل عن بعض حقوقهم الاقتصادية، لسد احتياجات الفئات الأولى بالرعاية. 

تذهب الخطة إلى أنه بحلول 2030 نصل إلى “مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبأعلى درجة من الاندماج المجتمعي، قادر على كفالة حق المواطنين في المشاركة والتوزيع العادل في ضوء معايير الكفاءة والإنجاز وسيادة القانون، ويحفز فرص الحراك الاجتماعي المبني على القدرات، ويوفِّر آليات الحماية من مخاطر الحياة، ويقوم على التوازي بمساندة شرائح المجتمع المهمشة ويحقق الحماية للفئات الأولى بالرعاية”.

العدالة الاجتماعية، هي عصب التنمية المستدامة، وتحقيقها يتطلب رؤية تكاملية، ونظم مراقبة ومتابعة، تقوم على الشفافية والمحاسبة، وهذه الملاحظات النقدية في نهاية المطاف، لا تقلل من الجهد المبذول في الخطة، وإنما مراجعة أوجه القصور بها، وفي حدود ما اطلعنا عليه، ونأمل أن نتلقى ردًا على هذه الملاحظات من المعنيين بإعداد الخطة. وكل معنيّ بالعدالة الاجتماعية.

زر الذهاب إلى الأعلى