رغم كل شيء ننسى ولا نُحاسب!

ابتُلينا نحن الشعب الصومالي بمسؤول لا يُحاسب ، وبالوزير إذا اخطاء في حق الوطن لا يعُزل ، و بالإعلام لا ينفك إلا ان يُخادع ، وشعب يعيش على ذاكرة قصيرة ، ينوح و يبكي ، يهدد ويتوعد ، يناقش و يحلل ، وبعد ذلك ينسى  ، ويبدا من جديد كأن شيء لم يكن.

   فكلمات الأسى هي كل ما في جعبة الرئيس ، و التوشح بالسواد وقراءة البيانات،  و إحصاء عدد الجرحى والوفيات هي كل ما  تمتلكه وزارة الداخلية ، أما التغاضي والتجاهل وكتابة الرسائل الغامضة هو تخصص جهاز المخابرات العامة ، اما شكر الأشقاء ونقل حي لمساعداتهم هي ما تُبدع فيه وزارة الإعلام ، كلام في كلام  ، نُصبر بالكلام ، ونُأجج بالكلام  ،   فوطنً لا يُحسن سادته إلا صوت المواساة ، و مداواة الجروح بالكلمات ، و الوقوف على المدافن وإلقاء الخطابات  هو وطن يستحق أن يُقرى عليه السلام .

فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبد ، وبلغت الدماء إلى الركب ، وغادر جيلاً وآتى جيل، وضُيق على البشر ،  وسدة الطرق ، ووضِع الحجر ، ولم يتغير شيء ، فالخطاب ذاته ، والوجوه نفسها لم تتغير ، والمخاوف الأمنية لم تتبدد  بل زادت ، والوعود بقيت وعودا ، وبقى الشعب الصومالي رهين الوعود لعقود ، ويسمع من العهود على أمل أن تتحقق ، ولم يتحقق شيء ، فكلما تقدم خطوه رجع إلى الخلف ميل ، فالرئيس يُقاسمنا الأسى اليوم وبالأمس وبالسنة الماضية ، ثم يُناشد الشعب الصومالي بالوقوف بجانب بعضه البعض في كل فاجعة ثم ماذا ، فنحن قد اُرهقنا ، واُثقل كاهلنا ، وفقدنا خيرة أبنائنا بلا جريرة ، وصُدمنا حتى تشابهت مشاعرنا، وسألنا حتى جفت حُلوقنا ،  فمتى يبدا البرلمان عمله الحقيقي  ويأذن ببداء المحاسبة و المكاشفة ، ورفع الحصانة ،  و تقديم المقصرين للمحاكمة ، لماذا يتقاعس عن دوره في التحقيق  و يُلغى اللوم دائماً على الإرهاب والتطرف الديني ، ونحن نعلم بأن هناك خيوطاً أخرى في الساحة لا تُبرى ولا تُزكى ، وإذا سلمنا جدلاً بأن الإرهاب هو خلف  كل تفجير وتهجير  فلماذا فشلت الحكومة في مواجهتهم ، والقضاء عليهم ، فهي تُصرف خزائن مالية هائلة ، وإمكانيات بشرية عالية ، وتستعين بقوات اجنبية واسعة   فلماذا لا تأتي كل هذه الجهود بنتيجة ؟ ما جدوى التفاخر بالإنجازات إذا  الأمن لم يُنجز ، و الخوف لم يتلاشى ، والنفوس لم تهدا ،  والطمأنينة لم تنتشر ، و قوافل الموت لم تتوقف ، ولم يُرفع بعد حضر التجول النفسي الذي يفرضه الشعب على ذاته ؟ وتنام الامهات قريرات العين ؟  .   

      أن التوقف عن المماطلة  و فتح باب المحاسبة  ، وطرح الأسئلة الجادة ، والبحث عن إجابات شافية  ، ورؤية المجرمين خلف القضبان ، هو ما يواسي بحق الشعب الصومالي ، ويخفف عنه بعض ما يجده من أسى وحزن ، ويحميه من الطغيان السياسي ،  ويُحفظ للحكومة بعض ماء وجهها .

  

   

   

فاطمة شيخ محمد حوش

كاتبة صومالية
زر الذهاب إلى الأعلى