القيم النبيلة للمجتمع الصومالي

هناك مجموعة من القيم والمبادئ التي يتبناها الصومالي سواء بقصد أو بدون قصد وتشكل مصدر إلهام لحياته العملية ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتؤثر على سلوكه الرسمي وغير الرسمي وعلى أساسها يقرر القبول على شيئ ما أو رفضه أو انكاره ، وأن نعرف هذه القيم والمبادئ تعد المدخل الرئيسي إلى قراءة سمات ومواصفات الشخصية الصومالية قراءة حقيقية وواقعية، ومن ثم الانتقال إلى معالجة الأزمات المتعددة التي يعاني منها منذ أكثر من 30 عاما.

يجهل هذه القيم أو يتجاهلها كثير من المتابعين للقضايا الصومالية والمنشغلون في الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن  والاستقرار في البلاد، ويفرضون على المجتمع الصومالي حلولا يرونها مناسبه لحالته وبيئته ، لكنها قد تتنافى مع القيم والمبادئ التي يؤمن بها ويحترمها وورثها أبا عن جد مما يؤدي إلى تعثر جهودهم  واصطدامها بعراقل وعقبات يعصب عليهم فهم كنهها وفك طلاسمها والعثور على الأسباب الحقيقية وراء فشلها.

الهوية:  الإسلام أولا ثم الوطنية

في الصومال ، الإسلام هو المعتقد الرئيسي وهو ذو أهمية حيوية لمفهوم الهوية الوطنية الصومالية. من المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من أن الصوماليين كانوا يحاربون تقليديًا فيما بينهم ، إلا أن هويتهم الكبيرة  كصوماليين تشكل عاملا للوحدة أمام الغرباء. قد يقدم الصومالي ولاءه القبلي على ولائه الديني في بعض الأحيان، لكن في نفس الوقت لا يقبل المساس بمعتقده الديني ويضحي نفسه من أجل الدفاع عنه.

المساواة

أن الثقافة السياسية الصومالية هي في الأساس المساواة ولا يمكن أن يقبل الشخص الصومالي في أي حال من الأحول قسمة يرها لا تحقق العدالة ولا تساوي بينه وبين منافسه أو أقرانه – وإن كانت الحقيقة عكس ذلك- قد يسكت أو يبلع ريقه و يستسلم لأمر الواقع لكن لا يعني ذلك أنه قبلها ويلتزمها وانما ينتظر حتى تحين الفرصة وتجده يقف على النقيض من مواقفه السابقة. فالمجتمع الصومالي الذي يعد رعوي ديمقراطي في الأساس  يتخذ قراراته من قبل مجالس يهيمنها رجال متساوون واحيانا إلى حد الفوضى على الرغم من تأثير العمر والثروة على تلك القرارات. وليس أمرا شاذا على الاطلاق أن يشارك  بدوي أو شخصية غير متعلمة  في مناقشات أكاديمية حول السياسية والاقتصاد ومجالات أخرى مختصصة، بل أحيانا يتولى مناصب عليا في الدولة أو يتمع بنفوذ قوي داخل السلطة. وأنه من الصعب للغاية أن يقبل الشخص الصومالي للفروق المتزايدة في المجتمع، وقيل إن رجالا بدويون جاءو إلى قريب لهم في المدينة يسألونه صلة القرابة والارحام وكان ميسور الحال يسكن في طابق وسط مقديشو، لكن لم يرحب بهم ولم يقض حاجتهم وعندما خرجوا من المنزل وقفوا أمامه ورفعوا أكفهم إلى السماء قائلين اللهم اجمعنا به في السماء أو في الأرض ، يعني اجعلنا مثله أو اجعله فقيرا مثلنا .

الشجاعة والكرم

تعتبر الشجاعة والكرم والأمانة وشدة التدين من أبرز السمات الأخلاقية لدى المجتمع الصومالي والتي اكتسبها من  حياة الترحال والبداوة، فالشخصية الصومالية لا تهاب  من الموت ولا تخاف من المغامرة حتى وإن تؤدى ذلك حتما إلى خسارة كل ماعندها  من المال والجاه والسلطان ولذلك ترى الانتقام والثأر نوع من الشجاعة والاقدام. وكذلك يعد الكرم من أفضل خصال الشخصية الصومالية فهي شخصية معطاة وتعطي  كثيرا من الأحيان عطاء من لا يخاف الفقر . ببذل البدوى أغلى ما لديه عن طيب نفس وكرم، يل ينفق ما هو أحوج إليه من غيره، وأحيانا يغضب عنك ويكاد يطردك من بيته ما لم تقبل هديته أو ما يريد أن يعطيك، لكن الصوماليين عموما لا يعبرون عن تقديرهم للكرم لفظيا.

التعاون

فالمجتمع الصومالي مجتمع متعاون سواء كان في البادية أو في الحضر وأحسن مثال على ذلك  أنهم عندما يعيشون في المناطق الريفية يحتفظون بروابط قوية  مع المدن ، حيث تقوم الأقارب الريفيون برعاية الماشية التي يملكها سكان المدن بينما يرسلون  أبناءهم ليتعلموا عند أقاربهم في المدن. والتعاون الجماعي أمر لا بد منه في الصومال في الحضر والبداية  وخصوصا عندما ينزل المطر ويبدأ موسم الزراعة ويعتبر العمل الجماعي وسيلة شائعة لتنظيم الاستغلال للمرعى والموارد المائية ودرء المخاطر الطبيعية وصد الأعداء.

احترام القوة

يحترم الصوماليون القوة وغالبًا ما يتحدون الآخرين لاختبار حدودهم، وتستند العدالة عندهم إلى فكرة (العين بالعين). وأن حفظ ماء الوجه هو أكثر أهمية بالنسبة لهم. لذلك غالباً ما يتم استخدام عدم المباشرة والفكاهة في المحادثة.  لكن إذا كان كان لهم رأي ، فإنهم على استعداد بشكل عام لإعادة النظر في رأيهم إذا تم تقديمها مع أدلة كافية. فالصوماليون هم شعب فخور للغاية ، ويمكن القول  إنهم يتباهون أكثر من اللازم.

الذكور أولا

تتركز الثقافة الصومالية على الذكور ، على الرغم من أن النساء يلعبن أدوارًا اقتصادية مهمة في كل من أسر الزراعة والرعي وفي الأعمال التجارية في المدن. وتقدر قيمة عمل الإناث في المهام الإنتاجية وكذلك الأعمال المنزلية . فالمجتمع الصومالي يقوم على الاختلاط ومشاركة الرجل للمرأة في شؤون الحياة وتشارك النساء في شؤون ازواجهن من تجارة وزراعة ورعي وللمرأة حرية مقدرة أملتها الاعتبارات العملية.

الخطابة

تحظى موهبة الخطابة بتقدير كبير لدى المجتمع الصومالي ، حيث تعتمد قدرات المرء كزعيم سياسي أو ديني ، أو محارب أو خاطب ، جزئياً على طريقة كلماته.

القبلية وازدواجية الولاء

وأخيرا لابد من الإشارة أن الشخصية الصومالية تعاني من مشكلتين ازدواجية الولاء تمجد شيئا وتقوم في ذات الوقت نقيضها وتفتخر بها فعلى سبيل المثيال يصدع الشخص بكرهه الشديد للنظام الإثيوبي ومع ذلك يتواصل معها ويتودد إليها في الخفاء والعلن. فالصوماليون جميعهم تقريبا يمجدون محمد عبد الله حسن مع أنه كان يرفع راية القومية الاسلامية في حين يرفض عمليا كثيرون ممن يمجدونه ، وكذلك الإنتماء إلى حركات أو تيارات سياسية والقيام بآراء تحمل أفكار معادية لانتمائهم السياسي أو الحركي. والمشكلة الثانية  هي تقديسه للعشيرة وشعوره بالإعتزاز بإنتمائه القبلي.  في الصومال ، العشيرة هي المصدر الأساسي للأمن والهوية الشخصية. تنعكس أهمية القبيلة في السؤال الصومالي المشترك ما هو نسبك؟ عندما يلتقي الصوماليون بعضهم البعض ، لا يسألون: من أين أنت؟ بل يسألون: من أنت؟. وكذلك الصوماليون يقدرون الأسرة بعمق. إنها تقوي الروابط العائلية وتوفر شبكة أمان في أوقات الحاجة.

تشكل القبلية من أكبر التحديات أمام الصومال الحديث وكيفية توحيد بلد غالبا ما يعطي شعبه ولاءً أكبر للنسب أكثر من الوطن، وأن الصوماليين شديدوا التعصب لقبائلهم وعشائرهم، حيث يعتبر العائلة عند الصومالي حماية في وقت الحاجة وعند الخطر وهي الضمان حتى لا يجد نفسه يواجه تقلبات الحياة وحيدا منفردا، ولذلك ففي ظل شروط الدفاع والمعونة المتبادلة يلعب النظام الأسري دورا هاما للغاية في الحياة الصومالية.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى