الصومال … التاريخ يعيد نفسه

تمر الصومال بمرحلة صعبة تتجاذبها التدخلات الخارجية المتمثلة في القوى الدولية والإقليمية، والصراعات الداخلية بين القبائل تارة وبين الإدارات  المحلية تارة مما جعل البلد يعيش في حالة من الفوضى وعدم الاستقرارِمنذ ثلاثة عقود من الزمن، والتي تبدو أنها تشبه بمرحلة سابقة من التاريخ، وذلك فترة دول الطراز الإسلامي حيث مرت هذه الدويلات بفترات مختلفة من حيث القوة والضعف والتبعية والتنازع الداخلي؛ والتأثير عليها من قبل الإمبراطورية الحبشية وهي كالتالي:

مرحلة الفتوة والقوة والاتحاد:

وتتمثل هذه الفترة بالنشوة والحركة التوسعية والفتوحات المتتالية لأن الشعور واحد تجاه العدو والتهديد؛ إذ كانوا يتعاونون فيما بينهم في مواجهة العدو ولا توجد خلافات داخلية، وتربطهم بروابط عديدة، وأصبح انتشار الإسلام يتزايد حتى أصبحت الحبشة  أشبه بجزيرة مسيحية معزولة عن العالم الخارجي، وكانت هذه الممالك هي التي تتحكم بمنطقة القرن الأفريقي، وأفزع ذلك الحبشة ومالوا إلى المعاداة والصراع معهم لأنهم كانوا يرون ضرورة الخلاص من هذه السيطرة، والخطر الداهم والذي أحاطها من جهات عدة، مما يدل على القوة  والسيطرة بالموقف.

مرحلة الضعف والصراع:

لم تدم السيطرة للمنطقة بسبب الصراع والخلاف والتنازع والاقتتال الداخلي الذي حدث بين الممالك الإسلامية، حتى صارت مملكة أكسوم تسيطرعلى مجريات الأمور وتتحكمفيهم وتعين الأمراء الموالين لها وتفرض عليهم الجزية السنوية حتى وصل الأمر إلى أن فرضت ماهو أذل من ذلك وهو أن يبعثوا بنتا من بنات المسلمين ثم ينصرونها ويتزوجها الملك ولا أجد موقفا أشد مهانة وإذلالا. ولم يأت هذا الضعف إلا نتيجة التفرق والاختلاف الداخلي والتناحر،(لأن الأنظمة مثل جسم الانسان عندما تقل مناعته تهجم عليه جميع الأمراض والفيروسات).

واستمر الحال هكذا إلى أن تولى الحكم الإمام أحمد بن إبراهيم ورد الأمور إلى نصابها حيث خاض حروبا داخلية وتصفية الموالين لملك الحبشة والمشغولين بشق الصف الداخلي. ثم توجه إلى العدو الخارجي بعد طمأنته من الجبهة الداخلية، وقام بفتوحات كثيرة إلى أن وصل إلى شمال السودان وكانت راية الإمارات الإسلامية خفاقة عالية ترفرف في سماء المنطقة إلى أن تدخل الأوروبيون لصالح مملكة أكسوم حيث انهزم جيش الإمام بعد مقتله وآل الأمر إلى أخذها غرب الصومال.

أما اليوم ونحن في الألفية الثالثة (القرن الحادي والعشرين) وبعد أن مضت عدة قرون وكأن التاريخ يعيد نفسه،فعندما تنظر إلى الوضع الراهن ترى قبائل متفرقة ومتناحرة تقتل بعضها البعض وإدارات إقليمية تنشب الصراعات بينها من حين لآخر بينما في المقابل تتنافس التودد إلى دول الجوار(التي لا ترغب أن ينصلح حال الصومال ويلتئم الجرح) كما لا ترضى أن ترى الصومال موحدة وقويةقائمة بسواعدها،لأنها تجد مصلحتها في الوضع المتفجر. وهذا ما صرح به رئيس أحد دول الجوار حيث قال ليس من مصلحتنا أن تقوم الصومال قوية وموحدة، فنحن نريد أن تبقى كما هي متشرذمة متمزقة حتى لا نشعر التهديد من قبلهم. و مع هذا العداء الذي لا خفاء فيه نتنافس في كسب ود دول الجوار اعتقادا من قادة الأقاليم أنه لو لم يتقربوا منهم لن ينعموا بالحكم وان سلطتهم لن تدوم، بينمايرون سفك دماء إخواتهم الصوماليين جهادا وعزا وشرفا، بالإضافة إلى ذلك أن الساسة الصوماليين اعتقدوا أن لا سيادة لهم إلا بمباركة دول الجوار لا بالتصالح البيني واتحاد الكلمة الداخلية.

الوضع الراهن وشبهه لدول الطراز الإسلامي:

تعيش الحكومة الفيدرالية من حيث لاعلاقة بينها وبين أنظمة الأقاليم بوضع لا تحسد عليه فترى التوترات شديدة ورشقات إعلامية من حين لآخر، وأن أي خطوة تخطوها تسبب حساسية لهم (قد يكون سبب هذه التوترات سوء التصرف منها وبسبب افتقارها إلى الخبرة بالإدارة ) ومشاكل حيث يصور المشهد أن الأزمة حدثت بين دولتين جارتين لا حكومة مركزية وإدارة محلية لها بل المشكلة واقعة بين دولتين يمكن أن تسبب هذه الحادثة إلى تأزم العلاقات بينهما.أما إذا احتاج الأمر إلى التفاوض لإيجاد التفاهم والحلول لا بد أن تشارك القوة الاقليمية والدولية وإلا فالتوتر سيد الموقف، أما مكان التفاوض فيجب وأن يكون خارج حدود البلاد، وكأن المشكلة بين دولتين فلا بد من وسيط. بالإضافة إلى العداء الذي يحدث بين الأقاليم بعضهم البعض وآخرها الذي وقع في جالكعيو.

وهنا تصدق على الصومال مقولة( التاريخ يعيد نفسه) حيث التشابه في الضعف  الذي سببه التفرق والتنازع والصراع الداخلي الذي أدى إلى التدخل الخارجي لتلك الحقبة من التاريخ التي وصل الأمر إلى تعيين الأمراء الموالين لملك مملكة أكسوم بالإضافة إلى الحروب الداخلية حتى تحقق للعدو الاستيلاء على هرر التي كانت نهاية دول الطراز الإسلامي ، وتزامن مع هذا الاستيلاء مجيء  الاستعمار الأوروبي الذي مزق البلد شرالتمزيق والذي كان سببا لبعض الخلافات الحالية مثل اعلان صومالاند الانفصال.

ومما استوقفني هوضياع سيادة البلد بسبب الصراع الداخلي والتدخل الخارجي الإقليمي والدولي وذلك بتدفق القوات الأجنبية والتي آخرها قوات الشرطة التابعة لقوات حفظ السلام  الإفريقية، والسؤال هنا ماذا بقي لنا من السيادة؟ وهل بقي في يدنا شيء من سيادة البلد بعد إرسال قوات الشرطة إلي عاصمته؟ لم يبق في أيدينا شيء من السيادة بعد ما أصبح  الشرطي في شوارع العاصمة من الدولالإفريقية والسؤال الذي أهم من ذلك هو ألسنا السبب الرئيسي لوجودالشرطة الأجنبية  في شوارع مقديشو؟ والجواب نعم لأننا جعلنا الشرطي الصومالي غير فاعل ولا يقدر على ضبط الأمن، بالإضافة إلى عدم ثقتنا فيه وأن الثقة في الأجنبي لا في الصومالي لأنه من القبيلة الفلانية أو من المنطقة الفلانية.

وأنا أتساءل هل الفيدرالية اعلان حكومة مستقلة مصالحها غير مصالح البلد عموما وهل يعني نظام الفيدرالية الانفصال وإبرام علاقات مع العالم الخارجي، والواقع يخالف تعريف الفيدرالية الذي نقرأه في الكتب ونراه في واقع الدول التي تنتهج نظام الفيدرالية على سبيل مثال الحكومة الأمريكية هل سمعنا يوما وشاهدنا رئيس ولاية من الولايات الخمسين يسافر ويسوي علاقات مع دول العالم يعقد اتفاقيات ويقوم بزيارات باسم الرئيس الفلاني لولايةأوهايو مثلا بالإضافة  إلى التقسيم المشئووم الذي أدى إلى ولايات كلها لها حدود بحربة من ناحية ومع إثيوبيا من ناحية أخرى .

وكذلك إثيوبيا التي تتبنى نظام الفيدرالي القائم على القوميات والعرق لا نجد وال من ولاتها يدعي الرئاسة ويبرم علاقات مع دول الخارج، وأن وزير خاجية دولة الأورومية يزور الصومال ولا رئيسها في زيارة خارجية رسمية تتيح له إنشاء علاقات وإبرام اتفاقيات. إذًا عن أي نظام فيدرالي تقتبس منه أنظمتنا المتسمة بالفوضوية وبالتأكيد لا تستند إلى أي نظام فيدرالي في العالم.إذ نشاهد رئيس دولة الجنوب الغربي في زيارة رسمية في كينيا، ورئيس صومالاند في زيارة رسمية في إثيوبيا،وكذلك بونت لاند، وجوبا لاند، وجلمدج، فهل نحن بصدد تقسيم جديد للبلاد مرة أخرى بعد تقسيمه في زمن الاستعمار الأوروبي.

وفي الختام أعلم أن هناك جرح عميق غائر في الجسم وأصبح سببا في عدم الثقة بين الصوماليين، ولكن يجب على الجميع أن يجلسوا في طاولة واحدة لمناقشة المشكلة فيما بينهم للتوصل لحلول مرضية للجميع بدلا من تأزيم  الأمور والبحث عن من يتوسط بيننا،إفساح المجال للتدخلات الخارجية من القوة الاقليمية والدولية وترك النهج الذي سلكناه في الآونة الأخيرة وهو عندما نسمع صوت صدر عن صومالي سيئ وقبيح و مثير للحساسية، وعندما نسمع صوت صدر عن دول الجوارومن خارج البيت الصومالي هو القول الفصل.

ويا ترى متى أصبحت إثيوبيا أخت الصومال حتى نقول تفضلوا يا إخواننا في بلدكم الثاني؟ متى تدخل قوات أجنبية أمرا يسر الصوماليفي غاية السرور، ما الذي تغير أليسوا هم الذي دخلوا  مواجهات مع إثيوبيا في نفس المدينة التي يرحبون فيها. الأمر ليس مقصورا بمنطقة معينة ولكن البلوى عمت في مشاركة الأقاليم الصومالية في الاحتفال السنوي للقوميات الإثيوبية مما يظهر أنهم  جزء من تلك القوميات .

ويا ترى متى نعقل ونفكر كيف نقلل التدخل الخارجي الذي استمر قرابة ثلاثة عقود من الزمن، لأنه لا يوجد دولة لا تأثير عليها تقريبا ولكن يختلف مستوى التدخل الخارجي فيها بحسب قوتها وتماسكها أو ضعفها وتفككها الداخلي الذي يعطي الفرصة للتدخل الخارجي، أم ننتظر عندما يصل الأمر بنا إلى دفع الجزية كما هو الحال في دول الطراز الإسلامي؛ أو الإقليم السادس من أقاليم إثيوبيا، كما هو الحال الآن في الفصائل السياسية الستة و التي سادسها القوة الدولية حيثلا يمكن فعل تسوية سياسية بدونها.

كما يجب علينا  أن يعلم الجميع أنه لا يمكن أن نخرج من هذه الأزمة إلا بعد الجلوس في طاولة واحدة بدون وسيط أجنبي ولا املاءات خارجية لتشخيص الداء والخلل، بالإضافة إلى أنه لا يمكن أن يأتي الحل عبر حكومات متشاكسة فوجود الكيان الصومالي وتفعيله وتغليب المصلحة العليا على المصالح القطرية والشخصية نستعيد بها عافيتنا ونخرج من أن الصومال هي المثل السيء  واعلموا أن الوضع الذي نعيشه اليوم قد مرَ هذا البلد في حقبة من التاريخ، وأننا نعيد تاريخا قديما كان حاضرا في ساحة منطقة القرن الأفريقي.ِ

وكذلك على الجميع أن يفهم أن لامكان لنا في خريطة العالم إذا استمرينا في التنازع والخلاف الحالي والذي جعل البلد دويلات ولاؤها لدول الجوار أكثر من ولائها القومي أو الصومالي، وهذا ما يثبته لنا التاريخ في زوال المتنازعين من الخريطة، بل أدى زوال إمبراطوريات. وأن نسعى لإزالة المضرب السيء في نزاعات العالم، حيث اشتهرت في الآونة الأخيرة ما يسمى الصوملة(صوملة سوريا، صوملة ليبيا،صوملة العراق) وهكذا أصبح الصومال مثل السوء. وأظن أن الساسة الصومالية لا يشرفها هذا الموقع الذي تميز به بلدنا؛ سواء من كانوا في القصر الرئاسي ومن هم في الأقاليم الستة، إن كان للإدراك بقية.

وفي النهاية  يقلقني في المشهد الصومالي وصول قوات  الشرطة الإفريقية في العاصمة وتوسع القوات الإثيوبية باسم قوات حفظ السلام الإفريقية ووصولها إلى كسمايو ونحن في مطلع 2016م ، وهل نحن  بصدد الخطة الثانية غير المعلنة لمؤتمر لندن؟ الذي تمخضت من إجراءاته الحكومة الحالية، وهذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة القادمة.

محمد معلم عبدالله

محمد معلم عبد الله كاتب وباحث صومالي متخصص في مجال الاجتماعيات وله بعض المؤلفات ، مقيم في القاهرة
زر الذهاب إلى الأعلى