رسالة إلى علماء الصومال (الدكتور فيصل محمد علي، والشيخ عبدالله بربراوي)

اشتملت هذه الرسالة(الورقة) القصيرة على مقدمة عن معنى الاختلاف والخلاف ، والباعث على تقديمي هذه الرسالة، ثم أقدم النصائح والتوجيهات الملائمة.

*المقدمة

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين والصلاة والسلام على خير أضل الخلق محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..أما بعد.

أوجه هذه الرسالة القصيرة إلى علمائنا الأجلاء العاملين وغير العاملين في كل أنحاء الصومال، ناصحا وداعياً إلى الله عز وجل، ثم لله لا غير! أن تجد هذه الرسالة طريقها إلى النور لتصل إلى قلوب علمائنا ، لعلها تكون ذكرى لهم ، كما قال تعالى:﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وكقوله تعالى: ﴿إن فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾، ﴿وذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾[سورة ق]. 

وأخص بهذا النّداء العلماء والدعاة والمثقفين ووسائل الإعلام ، وكل من يهمه الأمر.

*الاختلاف والخلاف

كمدخل الموجز والتمهيد في الموضوع ألخص أدب الاختلاف والخلاف في ضوء ما كُتب عنه ، ومالفرق بينهما. 

الاِخْتِلاَفُ لُغَة : مَصْدَرُ اخْتَلَفَ . وَالاِخْتِلاَفُ نَقِيضُ الاِتِّفَاقِ . جَاءَ فِي اللِّسَانِ مَا مُفَادُهُ : اخْتَلَفَ الأْمْرَانِ لَمْ يَتَّفِقَا . وَكُل مَا لَمْ يَتَسَاوَ فَقَدِ اخْتَلَفَ . وَالْخِلاَفُ : الْمُضَادَّةُ. وَيُسْتَعْمَل الاِخْتِلاَفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَكَذَلِكَ الْخِلاَفُ. [الموسوعة الفقهية الكويتية] .

الاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً في القرآن الكريم، منها باختصار قال تعالى:﴿فاختلف الأحزاب من بينهم﴾[مريم].

وقال تعالى:﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره﴾ [النور]، والاِخْتِلاَفُ فِي الرَّأْيِ سَبَبًا لِلشّقَاق ونعوذ بالله.

*أيها العلماء الأكارم والفضلاء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد حفلت الدعوية الإسلامية في الصومال على مر السنوات في القرون الماضية، بمواقف ومآثر لم يشهد التاريخ لها مثيلاً سجلها علماء التاريخ بمدوناتهم، فكانوا(أي العلماء) نجوماً يهتدى بهم بين مجتمع الصومال في ظلمات الحياة، كانوا شمساً مشرقة تنير للأمة طريق العزة والكرامة وترشدهم إلى السبيل الرشاد، تلك المواقف التي نبعت من فهم وعلم بدين الله، تلك المواقف التي كانت ثمار المعرفة بطبيعة هذا الدين والتي كانت ثمار فهم عميق لمعنى قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)  وقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء).

ولا يسعني في رسالتي هذه إلا أن أذكركم بموقفي عن اختلافكم الجديد ألا وهو “التوسط في الأمر والتوقف على الحق ما بدا لي والله الموفق”

أيها العلماء:

إن ماضيكم حافل بالفتاوي والآراء العامة الواعية واللاواعية ومحاباة الحكام ومئايدتهم بكل الجوانب السياسية والاجتماعية وإطاعتهم في الباطل ولا أريد أن أذكركم ببعض فتاويكم ولكن أذكركم بقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ 

وقوله: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

أيها العلماء:

إن الإسلام في عصرنا الراهن يقف على مفترق طرق متعددة، ودين الله ظاهر لا محالة، ويريد من المسلمين عامة والعلماء خاصة أن يبذلوا أقصى جهدهم في بيان أحكامه وفي قول الحق وحمل الدعوة ناصرين الحق، مانعين الباطل، آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر ومحاسبي الظالمين. 

فإن لم تفعلوا فما فائدة وجودكم وليكن بطن الأرض خيراً لكم من ظهرها، قال الله – في شأن من أشبهكم في بعض الصفات- : (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ).

أيها العلماء:

كلّكم يعلم – ولو بنسبٍ متفاوتة – أن هناك غزوًا مذهبيًّا وعقديًّا مَشبوها مُمنهجًا؛ تحت ما يسمى بالتّيار (المدخلي) الذي تقودُه وتموّله بعض الدول العربية بسخاءٍ كبير جدًا،

إلى كل الإخوة والأخوات ممن يهمه أمر التدين والوطن والمجتمع، وأخص بهذا النّداء العلماء والدعاة والمثقفين ووسائل الإعلام ، وكل الوطنيين.

أيها العلماء: 

كلّكم يعلم -ولو بمتفاوت المراتب – أن هناك غزوًا مذهبيًّا وعقديًّا مَشبوها تجاه الأمة؛ تحت ما يسمى بالتّيار (العقدي) وعلى رأسه ناس الخارج ممن تعلموا الدول الأخرى وانبتهروا على ثقافاتهم وحضاراتهم، والذي تقودُه وتموّله بعض الدول العربية بسخاءٍ كبير جدًا، ويستهدف الهُوية الدينية لشعبنا الصومالي السني بشتى جوانب الاجتماعية والدينية والسياسية، وينتشر في كل مؤسسات الدّولة بخاصة الدينية والتّعليمية منها كالمدارس الخاصة وبعض المساجد وكذلك بعض جمعيات الدعوية والأوقاف وبعض المؤسسات الأمنية، في ظلّ غفلةٍ من عامة الشعب الصومالي لضعف وعيِهم بهذه القضايا، وجُبنٍ فاضح ومُواربة من المسئولين وبعض الدعاة المناطق المختلفة مع أفكارهم المتنائية جدا.

وهناك فوضى فكرية ودينية وأمنية عارمة، لا يفهما إلا من له باع في الوعي الراهن.

وربّما يصعب تداركها ، ما لم يتحمّل العلماءُ ورجال الدعوة وكلّ المثقفين مسؤوليتهم بشجاعة وإخلاص، لأن الوقاية خير من العلاج كما قاوا.

*المطلوب

على العلماء تَوعية المجتمع، والشباب، بل والجيل الصّغير، بالمنهج السّنيّ الوسطي الذي شكّل الهُوية الصومالي عبر القرون الماضية والمشهورين به، ووضع خطوات(وقائية) تحصّن الصوماليين من التّكفير، والتّبديع، وتقليد الأعمى،والهجر عما كنا ، وامتهانِ تراثنا الفقهيّ الشافعي، والعقديّ السني، وتشجيع الحوار العلمي الأخوي بين المختلفين للوصول لكلمة سواء، والتّحذير من أي اختراقٍ الحزبي سواء_الوهابي أوالسلفي أو الصوفي.

والمطلوب أيضا فكر يسعى لتوسيع شرائح المجتمع مع غرزه بالولاء والبراء وتركيزه لرفض الاراء الهدامة…

والمطلوب أيضا في كل الفئات وعلى مختلف المستويات. الاختلاف سنة كونية كما نعلم، تعددت أسبابه وتنوعت ألوانه واستعلمت فيه كل الوسائل من تكفير وتفسيق وتبديع وتشويه وتسفيه وما شئت من مصدر على وزن تفعيل، وعلى العلماء والدعاة التحاشي بهذه الأنواع. 

لقد بلع كثير من الدعاة ألسنَتهم، خوفًا وطمعًا، وجًهلا، حتى وصل الأمر ما لا يُحمد عواقبه،  وظنًا منهم أنه أمرٌ عبثيّ ، وها نحن اليوم نرى سلوكًا دينيًّا دخيلًا يَسري بين شبابنا- خاصة متعلمي العلوم الدينية-، وفكرًا مُتشدّدًا من بين دُعاتنا، و هجراتٍ مُتتابعة لخيرةِ الدعاة والعلماء من بلادنا الصومال، وفراغًا مُخيفًا يتّسع يومًا بعد يوم سوف يسألكم التاريخ والأحفادُ عنه، ثم تُردّون إلى العزيز الجبار فيوفّيكم حَسابكم غير منقوص، كما قال تعالى﴿كل نفس بما كسبت رهينة﴾[المدثر].

وعلى العلماء الأخرى وعلى رأسهم الشيخ محمد درر وغيره التدخل في أمر العلماء ولو كلمة قصيرة.

*معرفتي لهذين العلمين الجليلين

لا يوجد بيننا (بيني وبينهما) أي علاقة غير الإسلام، لكن مادام أصبح العالم قرية صغسرة كما يقولون علاقتنا في هذه القرية .

وأخيرا ، وليس آخرا ،،،  قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). والمعنى اتقوا سخطه وغضبه وهو أعظم ما يتقى. وعن أبي ذر ومعاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. 

قيل : المراد بالحسنة، فيها قولان:
الأول- يراد بالحسنة هنا التوبة والنصوص تدل على أن من تاب إلى الله توبة نصوحا واجتمعت شروط التوبة في حقه فإنه يقطع بقبول توبته كما يقطع بقبول إسلام الكافر وهذا قول جمهور العلماء وهو الصحيح.
الثاني- يراد بالحسنة مطلق العمل الصالح ما هو أعم من التوبة. والصحيح أن الحسنة في الحديث تشمل كلا القولين فهي تعم كل عمل صالح يكفر الخطايا والتوبة داخلة في ذلك.[ خالد بن سعود البليهد-صيد الفوائد].

انطلاقا من هذه النصوص أعلاه ، أقول بالجرءة مع احترامي لكما والمسئولية التي أشعر تجاه عقول المجتمع الذي يحيط بكما:

يا الدكتور فيصل محمد علي اتق الله ولا تلعب عقول الشباب وارفق لهم!

ويا الشيخ عبدالله بربراوي، اتق الله ولا تكن من الغافلين!

أيها العلماء : فالثرثرة والتشدق والجهر بالسوء صفات ذميمة لما تتضمنه من معنى العجب بالنفس والرد للحق والتعالي على الخلق.

إياكم توسيع الاختلاف وعليكم تجنبه،  فالخلاف سنة كونية وهو واقعي وطبعي فعليكما إدارته ولا يتجاوز فيما بينكما.

ثم عليكما ومن تبعكما من الشباب التمسك بالإسلام وهو أن يكون العالم حسن السلوك،  سامي الخلق،  شريف المعاملة،  ولقد كان في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام،  وسلف الأمة،  أعظم مثال على ذلك المجتمع الأخلاقي المثالي….وأنتم قدوتنا في الدعوة والارشاد ولا تنسوا الفضل بينكما… اللهم إنّي قد نَصحت وبلغت ، اللهم فاشْهد .

________________________________

عبدالقادر محمود علي (جيلاني)

الدكتوراة في التربية الإسلامية

الدكتور عبد القادر محمود علي جيلاني

دكتوراة في التربية الإسلامية . أستاذ ومحاضر في جامعة PSU بمدينة جروي- بونت لاند
زر الذهاب إلى الأعلى