تركيا والجيش الصومالي 

تعتبر تركيا احدى القوى الاقليمية التي تلعب دورا كبيرا في المشهد السياسي والعسكري في الصومال ، وذلك عندما توثّقت العلاقات بين الجانبين عبر محطّات تاريخية هامة نشير بعضها في السطور الآتية:

•افتتحت تركيا سفارتها في مقديشو عام 1979م، وكانت تلك العملية بمثابة إيذان ببدء العلاقات الدّبلوماسية بين البلدين والتي استمرّت حتى سقوط الدولة العسكرية الصومالية في 1991م.

•في عام 1993م، أرسلت تركيا جنودا لها إلى مقديشو ضمن قوّات المهام المشتركة.

•استضافت مدينة اسطنبول عام 2010م مؤتمرا نظمته الأمم المتّحدة حول الصومال.

•زار الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان والذي كان يومها رئيسا لوزراء تركيا مقديشو عام 2011م، إثر موجة جفاف ضربت البلاد.

بداية الدور التّركي في الصومال

مثّلت مجاعة عام 2011م، مدخلا أساسيا لاستعادة العلاقات التركية الصومالية، إذ إنّ رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيّب إردوغان قام بزيارة مع بعض من أفراد عائلته إلى الصومال للتّعرّف على مدى تأثّر الشعب الصومالي بالمجاعة، ودراسة سبل التعامل مع هذه المجاعة التي طال تأثيرها على معظم الأقاليم الصومالية، مما يعني أن الزيارة كانت لأغراض إنسانية بحتة، حيث إن تركيا قدّمت مساعدات إنسانية عاجلة إلى الشعب الصومالي أثناء وبعد هذه الزيارة التي قام بها رجب طيّب إردوغان.

ومنذ ذلك الحين بدأ الأتراك يتوغّلون في الصومال سياسيا واقتصاديا وعسكريا، حيث إنّه من الملاحظ، التّأثير التركي في شتّى مجالات الحياة في مقديشو، إذ قامت تركيا بتأسيس مدارس تركية في الصومال منها: مدرسة الشيخ صوفي الثانوية لإعداد الأئمة والخطباء، وغيرها من المدارس الفنية الأخرى، كما قامت تركيا بإنشاء مستشفيات مزوّدة بالأجهزة الطبية الحديثة والتي لا تتوفّر في معظم المستشفيات الصومالية، كما تتولّى شركات تركية أخرى إدارة المطار والميناء الرئيسين في العاصمة الصومالية مقديشو.

 وساهمت شركات تركية أخرى في تعبيد الطرق الرئيسية في مقديشو، من بينها شارع مكة المكرّمة الّذي يربط مطار آدم عدي الدّولي بالقصر الرّئاسي.

ثمّ دخلت تركيا في ميدان تدريب الجيش الصومالي، وذلك بابتعاث ضبّاط وأفراد صوماليين إلى تركيا لتلقّي التّدريبات العسكرية اللازمة والتي تؤهّل الجيش الصومالي لتولّي مهمته من قوّات الاتّحاد الإفريقي، ثمّ ما لبثت تركيا أن قامت بافتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها لتدريب الجيش الصومالي وتزويده بما يحتاج من الذخائر والأسلحة والعتاد العسكري.

القاعدة التّركية العسكرية في مقديشو:

تقع القاعدة العسكرية التركية في مقديشو على بعد حوالي 10كم تقريبا جنوب العاصمة مقديشو، في مساحة تقدّر بـ4كم2، واستغرق بناء هذه القاعدة حوالي عامين تقريبا وبتكلفة قدّرت بحوالي 50 مليون دولار أمريكي.

وقد تمّ افتتاح القاعدة العسكرية التركية بمقديشو في 30/سبتمبر- أيلول/2018م، وقد شارك في حفل الافتتاح كلاّ من رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري، ورئيس الأركان التركي خلوصي أكار.

وتضمّ القاعدة العسكرية المطلة على المحيط الهندي، مدارس عسكرية مثل الكلية الحربية ومدرسة ضباط صف، كما يوجد في داخلها صالة للسينما ومكتبة ومعهد لغات، وقاعة للمؤتمرات، وحديقة، ومسجدا، ومستوصفا، إلى جانب ملاعب صغيرة لكرة القدم والسلة.

وتهدف هذه القاعدة العسكرية التركية في مقديشو إلى إعادة بناء ودعم الجيش الصومالي وتحسين بنيته التحتية وأنظمته اللوجستية، والمساهمة في إحلال السلام والاستقرار في البلاد، حتّى يكون الجيش الصومالي قادرا على صون حدود البلاد وتوفير الأمن لمواطنيه.

أعداد الجنود الّذين تدرّبوا على أيدي الأتراك:

من الصعب معرفة العدد الرسمي للجنود الّذين تدرّبوا على أيدي الأتراك، إذ أن المسؤولين يتجاهلون ذكر أعداد المتخرّجين في الحفلات التخريجية التي تعقد للجيش الصومالي الذي ينهي تدريباته، ولعلّ ذلك يرجع إلى عدّة أسباب منها، عدم رغبة الجهات العسكرية بمشاركة المعلومات المتعلّقة بشأن الجيش مع الآخرين، وذلك ،ربما، للحفاظ على سرّية الشؤون العسكرية، إلاّ أنّه وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض المشاركات من قبل المؤسسة العسكرية، تشير فيه إلى تخريج عدد من الجيش الصومالي يضم ضبّاطا وضبّاط صفّ وغيرهم.

وتصل تقديرات البعض لأفراد الجيش الصومالي الّذي يتلقّى تدريبات عسكرية في القاعدة التّركية في مقديشو بحوالي 10 آلاف جندي وضابط صومالي. كما أنّه بين الفينة والأخرى تقوم هذه القاعدة بتخريج دفعات من الجيش الصومالي، حيث إنّه في عام 2017م خرّجت هذه القاعدة حوالي 150 ضابطا صوماليا.

وخرّجت هذه القاعدة أيضا في عام 2018م، 47 ضابط صفّ، بينهم 37 من القوات البرّية، و5 من القوّات البحرية، و5 من القوّات الجوّية، إلى جانب فوج ثالث من قوّات المشاة.

وعموما، فإنّه من الملاحظ جدّا أنّ تركيا تبذل جهودا كبيرة في تأسيس جيش وطني قادر على تحمّل مسؤوليات البلاد الأمنية والعسكرية، ويبدو أنّها قد قطعت شوطا كبيرا في ذلك، إلاّ أن العقبة الرّئيسية التي يجب التخطّي منها هي الانتماء العشائري لأفراد الجيش الصومالي، إذ إنّه من الممكن تسجيل المتدرّبين على أساس المحاصصة القبلية (4.5) المتعارف بها على تقاسم السلطة السياسية في الصومال، وعليه، فسيكون ولاؤه لقبيلته التي سجّلته في ديوان الجيش الصومالي ولولا اختيارها له لما كان هناك، وسيستمر وجود هذه العقبة حتّى يتم الانتقال من النظام القبلي العشائري إلى النظام الدستوري والمؤسساتي.

زر الذهاب إلى الأعلى