تحت كل راية صومالي                                                 

 

الحروب الأهلية، والصراعات الداخلية، تترك دوما آثارا وخيمة، منها المنظور من القتل والتدمير والتشريد، وانهيار الدولة، وعصف الفوضى في المجتمع، وانفصالات الأقاليم، والتدخلات الأجانب وغير ذلك مما هو معروف ومعهود.. ولكن هناك آثار أخرى غير منظور في وقت الحروب الأهلية ولكنها تظهر تدريجيا في نفسية المجتمع، وطريقة تفكيره، حيث الأرامل تعاني مشكلة فقدان أزواجها وأولادها، ويعاني الأيتام الذين شاهدوا سقوط آبائهم وأقاربهم أمام أعينهم مشكلة شعور السلبي والاكتئاب مستمر في حياتهم
وقد أحس ذلك شاعر جاهلي وهو زهير بن أبي سلمى حيث قال وهو يتحدث عن آثار الحروب الأهلية:
فَتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُـمْ

         كَأَحْمَـرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِـعْ فَتَفْطِـمِ..

وخلاصة القول:

الحروب الأهلية التي اندلعت في الصومال في التسعينات تركت بصماتها على الشعب الصومالي، ومن أهم مظاهر هذه البصمات التمزق والتشرذم. وتشتيت الشعوب وتمزيقها هي سنة قديمة من سنن الله عاقب بها الأمم العاتية، الذين عثوا في الأرض الفساد، لقد قطع الله بني إسرائيل في الأرض شعوبا وأمما بعد تمردهم على الله، وسفكهم دماء الأنبياء والصالحين، واستباحتهم السحت والحرام من أموال الشعوب، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه، كما مزق الرب جل وعلا أهل “السبا” لما ظلموا أنفسهم فذهبوا مثلا في التفرق والشتات والاختلاف، حتى قيل تفرقوا على أيدي السبا أي تفرقوا تفرقا لا اجتماع بعده. وحُكم على بني إسرائيل أربعين عاما من التيه والحيران، ولشعبنا حظ من هذه العقوبات، فزمن تيهه السياسي والاجتماعي والديني قارب أربعين عاما، ولا تلوح في الأفق رغبة جادة في الخلاص عن التيه من بعض قادة الشعب ورواده وساسته، بل يستميتون على نفس الوتيرة التي لدغنا منها، والعاقل لا يلدغ من جحر مرتين، فترى في تصرفاتهم وهم في طغيانهم يعمهون، وفي تصرفاتهم وهم يرنون إلى السلوكيات التي جلبت إلينا الدمار، وفي حكمهم وهم يترسمون خطى المفسدين الناهبين حقوق الأيامى والأيتام والضعفاء.

وترى وهم يغتصبون الأموال العامة ليخوضوا بها الانتخابات، وليشتروا بها أصوات الناخبين من البرلمانيين الذين لا تهمهم إلا كروشهم المتدلية، ولا يبالون من أين يأكلون أمن الحلال أم من الحرام،- لا أعمم- ولكن الأغلبية ركنت إلى الدنيا، ونسيت أنه لا يبرح أحد في موقف الحساب يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه، فمن اكتسب ماله من سطوة الشعب، ونهب أموال الأطفال والنساء والضعفاء والأيتام، فما أعظم خسارته في يوم يقتص للشاة الجلحاء من الشات القرناء، وللمرؤوس من الرئيس، وللمرعي من الراعي، في يوم لا شلن فيه ولا شلنات وإنما هي الحسنات والسيئات، وقد أفلس من طلب منه حقَه شعبٌ يربوا على تسع مليون نفرا
أف لدنيا زخرفت ** دنيا الأفاعي والكلاب
قد اشتراها مفلس ** بدينه فما أصاب.

وهذا الشتات الذي كتب علينا يظهر على الحجاج إلى بيت الله الحرام، لقد تأملتُ جماعات الحجيج في هذا العام فوجدت أن تحت كل راية صومالي، حتى الحجاج الذين قدموا من أوكرانيا كان تحت رايتهم صوماليون، قابلتُ شابا صوماليا في “مزدلف” وهو مع الحجيج الأوكرانيين، وعندما تحدثنا للتعارف اجتمعوا علينا وهم يتساءلون عن اللغة التي نتحدث بها، فتذكرت مقولة لمبعوث جامعة الدول العربية في السبعينيات عندما سئل بأي لغة يتحدث بها الصوماليون فقال كلاما معناه : لما خلق الله البشر أعطى كل أمة لغة تتحدث بها إلا الصوماليين، فقال لهم: تحدثوا بأي لغة شئتم! فقلت: ماذا كان يقول: لو رأى الصوماليين في هذا الزمن، وهم يجيدون جميع اللغات على ظهر البسيطة! هنا يتساءل المرء ترى من يلم شملنا بعد هذا الشتات؟ ..
الله وحده هو الذي يقدر على لمّ الشمل بعد التفرق، لكن على قادة الصوماليين أن يضعوا استراتيجية عملية وواقعية لإعادة الصوماليين إلى وطنهم؛ لأنه يمكن أن تحدث هجرة عكسية إذا توفرت في البلد الأصلي الشروط التالية:

١\العدالة في الحكم والإدارة، لأن دفة التقدم والرخاء تدور مع العدالة.
٢\ توفير الأمن بمعناه الواسع الذي يشمل أمن الغذاء والصحة والتعليم وحرية القول في إطار الشرع الحنيف.

يوسف أحمد محمد – مكة

الدكتور يوسف أحمد

الشيح يوسف أحمد ... طالب في دراسة الدكتوارة. تخرجت كلية الدراسات الاسلامية بمقدشو عام 1989. إمام وخطيب بمسجد في السويد.
زر الذهاب إلى الأعلى