الوساطة المصرية لحلّ النزاع الصومالي الكيني

على مر التاريخ كانت  مصر دولة محورية في العمل الإفريقي المشترك ولعبت دورا رائدا في دعم النضال الإفريقي ضد الاستعمار الغربي  الأمر  الذي أكسبها احتراما لدى شعوب القارة ومهد لها الطريق بإقامة علاقات وثيقية واستراتيجية مع كافة الحكومات الإفريقية ولاسيما مع دول منطقة القرن الافريقي وذلك لعدة اعتبارات أبرزها الموقع الجغرافي والصلات الدينية والتاريخية بين الجانبين والممتدة لآلاف السنين.

تشكل منطقة القرن الافريقي أهمية قصوى لأمن مصر القومي وأن أي توتر في المنطقة لها انعكاسات سلبية على مصر نظرا لكون عدد من دول القرن الإفريقي مدخلا رئيسيا  ومعبرا مهما للسفن التي تعبر قناة السويس المصرية.

ومن هذا المنطق جاءت مبادرة  الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتخفيف حدة الأزمة بين الصومال  وكينيا  على خلفية النزاع البحري بين البلدين والّذي من المقرّر أن تصدر محكمة العدل الدولي حكمها النهائي تجاهه نهاية هذا العام.

على هامش اجتماعات الدورة 74 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدّة في نيويورك، التقى الرئيس المصري مع كل من الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو والرئيس الكيني أهورو كينياتا انطلاقا من رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي في دورته الحالية، وجرى خلال الاجتماع بحث الخلافات بين   الصومال وكينيا والعمل من أجل تخفيف حدة الأزمة ومنع تأثيرها على العلاقة بين البلدين، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة ثنائية تعمل في بدء الإجراءات المطلوبة لإعادة الثقة وتنقية الأجواء وتسوية أي نقاط خلاف تمهيدا لعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها. 

يبدو أن الأزمة بين الصومال وكينيا معقدة وشائكة  ولا تقتصر بالنزاع البحري وانما هي امتداد لإرث تاريخي ، حيث كانت العلاقات بين البلدين منذ الاستقلال وحتى ما قبله متسمة بالتوتر والخلافات على خلفية النزاعات الحدودية وتبيان مواقفهما حيال القضايا المصيرية التي تهم المنطقة وشعوبها  وبالتالي هناك شكوك حول امكانية ايجاد حل جذري للأزمة السياسية بين البلدين على المدى القريب رغم أهمية دور مصر  ووزنها الثقيل في المنطقة وما تتمتع به من قبول لدى جميع الأطراف الاقليمية والدولية ذات العلاقات بالملف.

ويمكن أن نقرأ تعقيدات القضية من خلال تباين التصريحات الصحفية   التي أصدرتها رئاسة البلدين، حيث أكدت الرئاسة الصومالية في بيان صحفي على أن البلدين اتفاقا خلال القمة الرؤساء في الولايات المتحدة على ضرور انتظار الحكم النهائي لمحكمة العدل الدولية وأن مهمة  اللجنة المشتركة ليست سوى بحث امكانية إعادة العلاقات الدّبلوماسية بين البلدين إلى طبيعتها والتي ساءت بسبب النزاع الحدود البحري، في حين ذكرت الرئاسة الكينية في بيانها حول الاجتماع أن الطرفين اتّفقا مبدئيا على أن يتم حلّ المشاكل الإفريقية  عبر القنوات الافريقية في إشارة إلى رفضها دور محكمة العدل الدولية في القضية.

يعطي هذا التبيان في المواقف حول الاجتماع انطباعا  بأن القضية لا تزال تراوح مكانها وأن الوصول إلى حل قريب أمر بعيد المنال لكن فيما يبدو أن مصر تحرص على احتواء الأزمة ومنعها من التدهور وخاصة بعد صدور الحكم النهائي للمحكمة الدولية وتخفيف تأثيراتها السلبية على الملفات الأخرى ذات الاهتمام المشترك. وأن هذا الحرص قد جاء بنتائج سريعة حيث ساهمت القمة الثلاثة الأخيرة في نيويورك في خفص التصعيد بين البلدين وكانت لها أثر ايجابي على الخلافات السياسية بين الحكومة الصومالية وولاية جوبالاند المدعومة من قبل كينيا.   

ولذلك يمكن القول إن  مسعى مصر  لا يهدف سوى تهيئة أجواء سياسية تسمح للطرفين بدخول مفاوضات  لإنهاء الأزمة بعد أن تبتّ محكمة العدل الدولية حكمها في القضية، لأن الصومال مازالت متمسكة بموقفها الدّاعي إلى حلّ نزاعها البحري مع كينيا في أروقة محكمة العدل الدولية دون أن يؤثّر ذلك على العلاقات الدّبلوماسية بين البلدين، في حين تسعى كينيا إلى حلّ النزاع البحري عبر الطرق والقنوات الدبلوماسية المحلّية والإقليمية، بعيدا عن محكمة العدل الدولية، وبذلت وتبذل في سبيل ذلك الكثير من الوسائل المصعّدة أو المهدّئة، وبين هذا وذاك تحاول المنظمات الإقليمية ودول الجوار الإفريقي بإيجاد صيغة تفاهمية تجنّب البلدين من الانزلاق في أزمات دبلوماسية خطيرة. 

زر الذهاب إلى الأعلى