العلاقات الصومالية -الإثيوبية : هل سينجح  البلدان في تجاوز العداء التاريخي ؟

يعتقد كثير من الصوماليين أن إثيوبيا هي العدو التاريخي والأزلي للشعب الصومالي، مستندين إلى ذلك الوقائع والأحداث التاريخية التي تحدّد ملامح العلاقات بينهما، حيث إن الصراعات الدينية والسياسية المسلّحة في المنطقة كانت في الأساس بين القوى الصومالية التي تمثّل الوجود الإسلامي في المنطقة، والقوى الإثيوبية التي حملت على عاتقها مسؤولية حماية النصرانية في هذه المنطقة.

وعلى هذا المنطق كانت تقام الأحلاف والتكتلات العسكرية في هذه المنطقة منذ أواخر القرن الثامن عشر، حيث إن الدّولة العثمانية كانت تقدّم الدّعم العسكري والاقتصادي للقوى الإسلامية في المنطقة والتي كانت تمثّلها الممالك الإسلامية التي نشأت في سواحل القرن الإفريقي، بينما كانت القوى الغربية وخصوصا الدول الأوربية المستعمرة مثل البرتغال تساند بسخاء القوى الإثيوبية معتبرين إياها بحامية النصرانية في محيط إسلامي معاد لها.

هذا البعد التاريخي في العلاقات بين البلدين أدّى إلى أن يترسّخ في أذهان كثير من الشعب الصومالي أن إثيوبيا تصرّ على ابتلاع الصومال وجعله جزءا لا يتجزّأ عن إثيوبيا، خاصة، وأنها تحتل بقوّة أراضي صومالية منحها الاحتلال البريطاني خلال احتلاله لأجزاء من الصومال، وفي ذلك ما يزيد وتيرة الخلافات بين إثيوبيا والصومال التي تطوّرت إلى حروب عسكرية بين الطرفين كانت أولها حرب 1964 أي بعد 4 أعوام من استقلال الصومال، ثم كان حرب 1977م الّذي حاولت فيه الدّولة العسكرية الصومالية استرداد أراضي الصومال الغربي من إثيوبيا، إلا أن هذا الحلم لم يتحقق، وبدلا من ذلك وبعد أعوام قليلة من تلك الحرب بدأ الخلاف والضعف يدبّ في جسم الدّولة الصومالية، مما أدى إلى ظهور حركات معارضة ومسلّحة اتّخذ بعضها من أديس أبابا مقرّا لتخطيط مواجهاته العسكرية ضد النظام العسكري الصومالي، مما أدى في النهاية إلى سقوط الحكومة المركزية وتفكك النظام الإداري في البلاد، ودخول البلاد في فوضى سياسية وأمنية طويلة الأمد.

وخلال فترة الحروب الأهلية في الصومالي، كانت معظم الفصائل الصومالية المسلحة تتلقى دعما عسكريا من الحكومة الإثيوبية لإطالة أمد الحرب في البلاد مما يمثّل لها فرصة سانحة في إحكام سيطرتها على منطقة الصومال الغربي (أوغادينيا) المتنازع عليها من جهة، وتوسيع نفوذها وتأثيرها السياسي في الأروقة السياسية المتحكّمة بالفصائل الصومالية المسلّحة من جهة أخرى.

استمرّت الأوضاع بين الجانبين على هذه الشاكلة حتّى أواخر عام 2006م عندما استدعت الحكومة الفيدرالية الانتقالية آنذاك دعما عسكريا دوليا لمواجهة ما سمته بالخطر الإرهابي الذي يهدد كيانها والمتمثل في مجلس الاتّحاد الإسلامي الّذي قضى على قوّة أشهر أمراء الحرب في مقديشو والذين كوّنوا تحالف مكافحة الإرهاب الّذي شن حربا على المحاكم الإسلامية أوائل عام 2006م، إلا أن المحاكم الإسلامية قضت على قوة هذا التحالف.

واستجابة لنداء الحكومة الفيدرالية أرسلت الحكومة الإثيوبية جيشا كبيرا إلى الصومال لمواجهة القوة الإسلامية الجديدة فدارت معارك طاحنة بين الطرفين بالقرب من مدينة بيدوة التي كانت يومئذ عاصمة مؤقتة للحكومة الفيدرالية الانتقالية.

تسببت هذه الحروب في أن تجتاح القوات الإثيوبية العاصمة الصومالية مقديشو، وتدمير القوة العسكرية المنتظمة للمحاكم الإسلامية، إلاّ أن هذا الاجتياح كان مرحلة أو وجها جديدا من وجوه الصراع الإثيوبي الصومالي، إذ إن البلاد دخلت بعد ذلك في حرب شوارع شرسة ضدّ القوات الإثيوبية والحكومية، انضم إليها جماعات قبلية ووطنية، حيث ظهرت قوة قبلية تمثل سكّان مقديشو تخوض حربا ضد إثيوبيا إلى جانب المقاومة الإسلامية الصومالية التي تعددت مسمياتها وانتماءاتها الفقهية إلا أن جميعها كان متفقا على مخاطبة قوات الاحتلال (إثيوبيا) بالسيف والسنان. كما ظهر في تلك الفترة ما سمي بالبرلمان الحر بقيادة شريف حسن شيخ رئيس البرلمان آنذاك الّذي انشق عن برلمان الحكومة الفيدرالية عقب تصديقه على قرار مطالبة قوات أفريقية وكوّن هذا الفصيل المنشق من البرلمان الصومالي مع الجناح المعتدل من الإسلاميين -كما يسميه البعض-  بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد الرئيس التنفيذي لمجلس اتّحاد المحاكم الإسلامية آنذاك، تحالفا سمي بتحالف إعادة تحرير الصومال واتّخذ مكتبه السياسي في أسمرا عاصمة إرتيريا، وتبنى هذا التحالف مسؤولية العمليات العسكرية ضد القوات الإثيوبية والحكومية في الصومال آنذاك.

أواخر عام 2008م، تم في جيبوتي توقيع اتفاقية بين تحالف إعادة تحرير الصومال والحكومة الفيدرالية، ومن بين ما نصت هذه الاتّفاقية الانسحاب الفوري للقوات الإثيوبية من الصومال، وتشكيل برلمان جديد يأتي أفراده من الحكومة الفيدرالية ومن تحالف إعادة تحرير الصومال وفق نظام المحاصصة القبلية (4.5) المتعارف عليه في تقاسم السلطة في الصومال، وإجراء انتخابات رئاسية بعد استقالة الرئيس الصومالي آنذاك عبدالله يوسف أحمد.

أوائل عام 2009م، تم انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد الرئيس السابق للمجلس التنفيذي لاتحاد المحاكم الإسلامي، والرئيس السابق لتحالف إعادة تحرير الصومال رئيسا جديدا للصومال خلفا للرئيس عبدالله يوسف أحمد الّذي استقال عن منصبه بسبب خلافاته السياسية مع رئيس وزرائه آنذاك نور عدي.

ورغم أن القوات الإثيوبية انسحبت من الأراضي الصومالية بموجب اتّفاقية جيبوتي إلا أنها عادت مرّة أخرى باسم بعثة قوات الاتحاد الإفريقي في الصومال (الأميصوم)، إلاّ أن وجودها انحصر في الأقاليم الصومالية المتاخمة للحدود مع إثيوبيا، هذا مع عدم تغيّر في الاعتقاد الصومالي تجاه نوايا إثيوبيا الخفية.

 

العلاقات بين إثيوبيا والصومال في عهد أبي أحمد

اعتبر كثير من المتابعين أن وصول شخصية وطنية كالرئيس محمد عبدالله فرماجو إلى السلطة يعتبر تحقيق نصر قومي يضع حدّا للإملاءات والتدخلات الخارجية في الصومال وعلى رأسها التدخلات الإثيوبية، إلاّ أن الشعب الصومالي فوجئ بخطوات توضح مدى توطّد العلاقات بين الآراء السياسية التي يحملها فرماجو والحكومة الإثيوبية، حيث إن الشعب اصطدم بقرار ترحيل قلب طغح أحد قياديي الجبهة الوطنية لتحرير أوغادينيا وتسليمه إلى السلطات الإثيوبية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، مما جعل البعض يراجع حساباته في حقيقة وطنية التيار الجديد الذي يمسك بمقاليد قيادة البلاد.

ثم تطوّرت العلاقات بين النظام السياسي في كلّ من الصومال وإثيوبيا بعد مجيء آبي أحمد إلى السلطة العليا في إثيوبيا، والّذي حاول تحقيق استقرار سياسي داخل إثيوبيا التي واجهت تظاهرات شعبية ضدّ النظام الإثيوبي السابق مما أدى إلى استقالة هايلي ماريم ديسالين.

ولما حقق آبي أحمد بعض الإنجازات الداخلية توجه إلى إحداث إصلاحات في المنطقة فتصالح مع إرتيريا، ورفع حظر التنقل بين البلدين، وأبدى استعداده لإعادة الأراضي المتنازع عليها بينهما والتي تدعي إرتيريا ملكيتها.

أما في الجانب الصومالي، ورغم توقيعه عدّة اتفاقيات في مجال التعاون بين البلدين إلاّ أن كثيرا من المتابعين الصوماليين اعتبروا الانفتاح السياسي الإثيوبي خديعة جديدة يراد من خلالها خداع الشعب الصومالي، وخاصة، في ظل ما يعرّفه البعض بالارتماء السياسي لإدارة البلاد في أحضان إثيوبيا، في إشارة إلى العلاقات الصومالية الإثيوبية الجديدة، حيث يشيرون إلى عدّة نقاط تجعل علاقة الصومال بإثيوبيا علاقة تبعية، ومن أهم تلك النقاط اعتماد الحكومة الصومالية على القوة العسكرية في إرغام مخالفيها السياسيين، وخير مثال لذلك الأحداث الدموية التي شهدتها مدينة بيدوة أواخر العام الماضي نتيجة للخلافات السياسية بين الحكومة الفيدرالية والشركاء السياسيين في ولاية جنوب غرب الصومال، والتي انتهت حسب المتابعين باستخدام الحكومة الفيدرالية العنف المفرط لفرض اتجاهاتها السياسية على سكّان ولاية جنوب غرب الصومال، حيث طلبت الحكومة الفيدرالية من القوات الإثيوبية في بيدوة باعتقال أبرز مرشّحي الانتخابات الرئاسية في جنوب غرب الصومال آنذاك الشيخ مختار روبو علي (أبو منصور) ليخلو الجو لمرشحها عبدالعزيز لفتي غرين الّذي فاز في تلك الانتخابات التي يشبهها البعض بمهزلة انتخابية.

وعموما، فإنّه يرى كثيرا من المتابعين أن الانفتاح السياسي الّذي جاء به آبي أحمد ليس إلا وسيلة لخداع الشعب الصومالي حتى يتحقق لإثيوبيا مطامعها في الصومال المتمثلة في ضم الصومال كلّها إلى إثيوبيا أو الحصول على بعض الموانئ الصومالية، ومما يؤكّد على ذلك حسب المتابعين خريطة لإثيوبيا التي نشرها قبل شهور موقع وزارة الخارجية الإثيوبية، وقد تم في هذه الخريطة ضم الأراضي الصومالية إلى إثيوبيا مما يعني غياب الصومال كبلد عن تلك الخريطة، ورغم أن الوزارة سحبت لاحقا هذه الخريطة من موقعها مشيرة إلى أنها نشرت على موقع الوزارة عن طريق الخطأ، إلاّ أن كثيرا من المتابعين يرون أن عدم تقديم اعتذار رسمي إثيوبي للصومال بمثابة تأكيد على وجود تخطيط يهدف إلى توحيد البلدين خاصة بعد تسريبات إعلامية تشير إلى توقيع الرئيس فرماجو على اتفاقية تنص على ذلك، إلاّ أن فرماجو حسب التسريبات الإعلامية تراجع عن هذه الاتّفاقية.

ومهما يكن من أمر فإن تطبيع العلاقات بين إثيوبيا والصومال ليس بالأمر الهيّن ما لم يتنازل أحدهما عن حقوقه الوطنية والسيادية الكاملة، أو ما لم يتم وصول الطرفين إلى تفاهمات متكافئة بشأن القضايا العالقة بينهما، ولذلك يرى كثير من المتابعين أن أي خطوة أخرى غير ما قدمناه وتسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الجانبين لا تؤتي ثمارها، إذ في ذلك خديعة كبرى لأحد الطرفين.

زر الذهاب إلى الأعلى