الحرب التجارية ودورها في الكساد الاقتصادي

إذا كانت الحرب التجارية الأميركية – الصينية في حالة هدوء الآن، فإنها قد تنفجر مجدداً إذا لم يتم التوصّل إلى اتفاق كالذي حصل بين الولايات المتحدة وجارتيها الشمالية كندا والجنوبية المكسيك، وحل محل اتفاق “نافتا”.

ولا شك في أن تأجج نار الحرب مجدداً لن يؤثر في الدولتين المعنيتين وحدهما، بل سيؤثر في منظومة الاقتصاد العالمي كلها لأننا نتكلم هنا عن الاقتصادين الأول والثاني في العالم، ويكفي أن نفكر في عدد الشركات المرتبطة بالجانبين لنتخيّل ماذا قد يحصل، في حال تجدد الحرب، بأسعار أسهمها في البورصات العالمية.

في أي حال، الهدنة الأميركية الصينية تنتهي في مارس الماضي، ولا بد أن يظهر عندها مآل العلاقات بين الجانبين. ولا ننسى أن هناك نزاعات تجارية أخرى، أهمها ما يدور بين جانبي الأطلسي، وهذه الحرب لا تزال نارها تحت الرماد، لأن ملفات كثيرة تبقى عالقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ترغب في حسم المسائل العالقة مع الصين قبل أن تلتفت مجدداً إلى أوروبا.

وهذا الهدف الاستراتيجي هو محور السياسة الأمريكية، ولا يرتبط بترامب أو غيره؛ لأنّه أمر استراتيجي يمشي على ضوءه السّاسة الأمريكيون من مختلف الأحزاب، وهذا الهدف الاستراتيجي هو: إزاحة أية قوة صاعدة تهدّد هيمنة الأمريكان على قيادة العالم واستغلاله. وهو منبثق من “مصيدة توكيديدس” التي أشرنا إليها.

تقف أوروبا ومعها العالم أمام استحقاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست” الشهر المقبل، وسواء حصل ذلك باتفاق واضح ومتوازن أو من دون اتفاق، ستكون للأمر ارتدادات على الاقتصاد العالمي، فبريطانيا هي صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالم، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد سنوياً أكثر بقليل من 44 ألف دولار. ولا بد لطلاق مدوٍّ بعد زواج مع القسم الأكبر من اليابسة الأوروبية استمرّ عقوداً، من أن تكون له تبعات اقتصادية عميقة.

يقول المحلل في شركة “آر إس إم” العالمية للتدقيق والمحاسبة جو بروسويلاس، إن “خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق يبقيها في الاتحاد الجمركي ويحافظ على الوضع الراهن على الحدود الآيرلندية، سيجعل جدران الحصار الاقتصادي ترتفع في كل أنحاء الجزر البريطانية”.

وبالنسبة لأمريكا فقد اختزل بول وولفوتيز (نائب وزير دفاع سابق ورئيس البنك الدولي) سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية ضماناً لاستمرار نفوذ وسيطرة أمريكا بقوله: “هدفنا الأول هو منع ظهور منافس جديد لنا، وهذا تفكير سائد بسبب استراتيجية الدفاع الإقليمية الجديدة، وهي ما تتطلب منا أن نحاول أن نمنع أي سلطة عدائية من السيطرة على منطقة موارد تكون كافية لتوليد سلطة عالمية. تتضمن هذه المناطق أوروبا الغربية وشرق آسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق وجنوب غرب آسيا”. الصين تبيع ديونها لمدّة عشر سنوات بسعر أقل من السعر الحقيقي من أجل ضرب الاقتصاد الأمريكي…

 ولذلك من خلال تقليل حجم الديون ستصبح أمريكا هدفاً أصغر للصين، ويتقلص ضعفها الاقتصادي مقابل الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة الناتجة عن إغراق سندات الدين الأمريكية التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات”. “السندات قنبلة نووية اقتصادية، فإذا سحبت المفتاح وقررت التخلص من السندات سيكون لذلك تأثير كبير على سوق المال في أمريكا، وسيؤدي إلى صدمة تؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي”.

لان السياسة الصناعية في الصين: هذه السياسة تهدف إلى نمو القطاع الصناعي الصيني بعيداً عن المعايير الدولية والقانونية، ومسألة صناعة الصين المقلّدة للصناعات الأخرى تدل على ذلك بوضوح؛ لذا لا بدّ من التأثير على سياسة الصين الصناعية. التعريفات الجمركية التي فرضها تعمل بشكل جيد جداً.

 وأنّ كلّ دول العالم تريد أن تأخذ الثروات إلى خارج الولايات المتحدة على حساب مصالحنا، فلنفرض عليهم الضرائب، إذا كانوا لا يريدون أن يخضعوا للضرائب الأمريكية، فليصنعوا منتجاتهم في الولايات المتحدة، ما يعني المزيد من الوظائف والثروات لنا”.

لهذا نجد من الطبيعي أن تقود أمريكا الاقتصاد العالمي، وأن تؤثر على مسيرته سلباً وإيجاباً، ولا يخفى على المتابع للسياسة الأمريكية أنها دوماً تصب في خدمة مصالحها ولو أضرت بالاقتصاد العالمي، وحروبها الاقتصادية هي من سياساتها المعتادة والمعتمدة؛ لذا ليس غريباً محاربتها للاقتصاد الإيراني والتركي في هذه الأيام، حيث شارف الريال الإيراني على الانهيار، والليرة التركية ما زالت تنخفض أمام الدولار، ومحاربة الاقتصاد الروسي التي ما زالت مستمرة، والآن الحرب التجارية مع الصين.

نظرا لأن التجارة العالمية مرتبطة تماما مع بعضها البعض تم إنشاء «منظمة التجارة العالمية» لرعاية كل الأمور المتعلقة بالتجارة العالمية ورعايتها وتنميتها وزيادتها، بين كل أطراف ودول العالم. ولقد قامت هذه المنظمة العالمية بإصدار أحدث القوانين والأنظمة الخاصة بتقنين وتنظم المسائل المرتبطة بالتجارة العالمية حتى تستمر الأمور التجارية لمصلحة الجميع وبرغبة ودعم الجميع.

ومن أهم قوانين منظمة التجارة العالمية العمل على فتح كل الحدود للتجارة وعدم التمييز لأي جهة أو فئة، والعمل على وقف المنافسة التجارية غير الشريفة التي يجب أن يعمل الجميع لتثبيت أركانها.

 وظلت منظمة التجارة الدولية تعمل في كل الاتجاهات لتأصيل مبادئ التجارة الشريفة في كل أركان العالم، إضافة لمنع الممارسات التجارية غير السليمة كالحروب التجارية وكل ما يقود إليها. ولكن، نجد أمريكا والصين يمارسان ما يرغبان فيه دون الرجوع لمنظمة التجارة العالمية أو انتظار توجيهاتها، ودون الرجوع للقوانين والأنظمة القانونية الحديثة التي أصدرتها منظمة التجارة، بل إنهما يحتربان دون التفكير في آثر ما يقومان به على التجارة العالمية وعلى الدول الصغيرة الفقيرة. ولهذا نجد عدم قبول عالمي بما يحدث، بل هناك صدمة عالمية من هذه التصرفات غير القانونية غير المهنية غير المقبولة. وبسبب هذه الصدمة وغيرها أصبح الوضع العالمي مهيأ لحدوث كساد كبير في الاقتصاد العالمي، وهذا الطوفان القادم، سيؤثر على كل فرد في العالم في أي مكان كان وتحت أي سقف كان.

والسؤال، أين العالم وأين منظمة التجارة الدولية وأين عقلاء العالم؟ لهذا نجد من الطبيعي أن تقود أمريكا الاقتصاد العالمي، وأن تؤثر على مسيرته سلباً وإيجاباً، ولا يخفى على المتابع للسياسة الأمريكية أنها دوماً تصب في خدمة مصالحها ولو أضرت بالاقتصاد العالمي، وحروبها الاقتصادية هي من سياساتها المعتادة والمعتمدة؛

لذا ليس غريباً محاربتها للاقتصاد الإيراني والتركي في هذه الأيام، حيث شارف الريال الإيراني على الانهيار، والليرة التركية ما زالت تنخفض أمام الدولار، ومحاربة الاقتصاد الروسي التي ما زالت مستمرة، والآن الحرب التجارية مع الصين.

إذا لم تحلّ الصين مشكلتها مع الولايات المتحدة قد يتعرض اقتصادها لتباطؤ في النمو، مع الإشارة إلى أنه بدأ سلوك هذا المنحى مع الانتقال من النمو الذي يقوده التصدير والاستثمار إلى نمو مستدام قائم على الاستهلاك المحلي.

ولئن كان صعباً الآن تحديد مقدار تباطؤ الاقتصاد الصيني، فإن المؤكد أن التناقض الكبير بين النظام السياسي الشديد المركزية بقيادة الحزب الواحد، والحاجة إلى نظام اقتصادي لا مركزي يقوم على الاستهلاك، سيجعل النمو الطويل الأجل ينخفض بشكل كبير.

ومن الطبيعي أن من شأن أي انكماش كبير للنمو في الصين أن يهزّ اقتصادات آسيوية عدة، إلى جانب اقتصادات نامية وناشئة مصدّرة لمواد خام تحتاج إليها الصناعة الصينية. ولن تنجو أوروبا، ولا سيما ألمانيا، من أي اهتزاز صيني.

 وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أقل اعتماداً على الصين، فإن الصدمة التي ستتعرض لها الأسواق المالية سوف تجعل تباطؤاً صينياً أكثر إيلاماً بكثير مما يظنّ السياسيون والخبراء الأميركيون.

زر الذهاب إلى الأعلى