إثيوبيا في عهد أبي أحمد… الفرص والعقبات

pdf

 تشهد إثيوبيا تحولات سياسية هائلة منذ صعود أبيي أحمد على العرش الإثيوبي، في 2 ابريل 2018م حيث أخذ توجهات جريئة وغير مسبوقة بالنسبة للدبلوماسية الإثيوبية التقليدية، وذلك في السياسات المحلية والإقليمية والدولية مما أدى الى دخول اثيوبيا مصالحات داخلية مع المعارضة المسلحة، ومصالحات اقليمية مثل مصالحة اثيوبيا مع أريتريا، وإيجاد محور “أسمرا” الذي يشمل ثلاث دول في القرن الإفريقي، وهي (الصومال، واثيوبيا، وإريتريا)، إضافة الى المصالحة التاريخية الأخيرة التي أبرمها أبيي أحمد بين الفرقاء السودانيين، وفي هذا المقال نستعرض:

اثيوبيا، وقومياتها، والأحزاب السياسية فيها، ومراحل الحكم فيها، ونقاط القوة والضعف فيها، والتغيير السياسي الحالي وأسبابه فيها، وأبيي أحمد وسياساته الداخلية والخارجية، ثم نختتم المقال بتوصيات واقتراحات.

تعني كلمة اثيوبيا الإغريقية الأصل الوجه المحروق أو البني اللون، وهي معروفة في الكتب والمخطوطات القديمة باسم الحبشة، ومعناها الأجناس المختلطة والمختلفة إشارة الى التصاهر ما بين الساميين الوافدين من جنوب الجزيرة العربية والحاميين الكوشيين من السكان الأصليين للبلاد.

وهي دولة غير ساحلية تقع فوق الهضاب في القرن الأفريقي، تجاورها كل من جيبوتي و الصومال من جهة شرقا وأريتريا شمالا والسودان غربا وكينيا من الجنوب. يبلغ عدد السكان في أثيوبيا 938.00000 مليون نسمة حسب إحصائية عام 2014م، كما تبلغ مساحة أراضيها 1,127,127 كم2، نسبة المسلمين في إثيوبيا (30% حسب الإحصائيات الرسمية) وفوق (60% حسب احصائيات غير رسمية) و نسبة المسيحيين بمختلف مذاهبهم: (66% حسب الإحصائيات الرسمية) ونسبة الوثنيين: 3%.

اللغة: اللغة الرسمية في الحكومة الفدرالية هي الأمهرية، ولكل ولاية لغتها الخاصة بها.

العملة: بر إثيوبي – BIRR

نظام الحكم: والنظام السياسي جمهوري فدرالي (برلمان، ورئيس، ورئيس للوزراء، ونظام ولايات) ورئيس الوزراء الحالي هو: أبيي أحمد

التقسيمات الإدارية: تنقسم إثيوبيا إلى 9 ولايات إدارية على أساس عرقي، إضافة إلى مدينتين فدراليتين لهما وضع خاص وهما العاصمة “أديس أبابا” والعاصمة الثانية “ديريطوا”.

الثروة الاقتصادية:

تعتبر إثيوبيا دولة داخلية ليس لها منفذ بحري بعد انفصال اريتريا عنها ، بيد أنها غنية بمواردها الطبيعية الكثيرة، وفيها أربعة وعشرون نهرا وبحيرة, ومن أشهرها: نهر النيل، وبحيرة تانا، ونهر شبيلي، وغيرها وفيها ملايين الهكتارات الصالحة للزراعة ،كما يوجد في إثيوبيا مناجم لكافة المعادن من الذهب وغيره، إضافة إلى الثروة الحيوانية وحقول الغاز غير أن جل هذه الثروات لم تستغل بعد ويقبع معظم سكان البلد تحت خط الفقر، بيد أن الحكومة وضعت خططا للنهوض بالتنمية وجلب المستثمرين الأجانب ولقد حققت الخطة بعض النجاحات حيث انتعش الاقتصاد وتدفق  المستثمرون على البلد سواء في  ذلك على المستوى الدولي والشركات العالمية وصارت إثيوبيا من أكثر الدول الإفريقية نموا في هذا الصدد حيث بلغت نسبة النمو فيها 8% لعام 2018م.

العرقيات والقوميات:

  • قومية أرومو وهي أكبر القوميات في إثيوبيا، وأغلبيتها مسلمة.
  • قومية أمهرا، وهي ثاني قومية بعد أرومو وغالبيتها نصارى.
  • القومية الصومالية (اقليم أوغادين) وهي ثاني قومية من حيث سعة مساحة منطقتها، وثالث قومية في الكثافة البشرية، وكلها مسلمة سنية 100% ولها امتداد في كل من جيبوتي وشمال شرق كينيا وجمهورية الصومال.
  • قومية تكراي ، وأغلبيتها نصارى ولديها أقلية مسلمة وهي قومية النجاشي رضي الله عنه،كما أنها قومية ملس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل.
  • قومية عفر، وأغلبيتها مسلمة، ويوجد فيهم أقلية وثنية، ولها امتداد في كل من جيبوتي وأرتريا .
  • قومية بني شنغول وأغلبيتها العظمى مسلمة، ولها امتداد مع شرق السودان .
  • قومية الهرريين نسبة إلى (هرر) عاصمة الإمارة الإسلامية التي عرفت تاريخيا (بإمارة هرر الإسلامية) قبل احتلال الحبشة لها عام 1886، وهم جنس من ذوي البشرة الفاتحة، وينحدرون من أصول تركية ومصرية وغالبيتهم العظمي مسلمون .
  • جامبيلا وهم من الأفارقة الأصليين ولهم امتداد مع جنوب السودان وغالبيتهم نصارى .
  • إقليم الشعوب الجنوبية وهم خليط من 46 أثنية، عبارة عن قوميات مختلفة من العرب والعجم وتتركز فيهم أنشطة التنصير في العقدين الأخيرين مما رجح كفة النصارى .
  • قومية جراجي وهي قومية عريقة مشهورة بالتجارة وغالبيتهم مسلمون .

الأحزاب السياسية:

  • حزب عفر الوطني الديمقراطي ANDP
  • جبهة الوحدة الديمقراطية الشعبية لبني شنقول BGPDUF
  • جبهة التحالف من أجل الوحدة والديمقراطية CUDP
  • الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية EPRDF ويرأسها رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي “أبي أحمد” وهي الجبهة الحاكمة حاليا.
  • حركة قوميات جوارج الديمقراطية GNDM
  • حركة أورومو الفدرالية الديمقراطية OFDM
  • كونجرس شعب أورومو OPC
  • حزب الشعب الصومالي الديمقراطي SPDP.
  • القوات المتحدة الإثيوبية الديمقراطية UEDF

مراحل الحكم في اثيوبيا

يمكن تقسيم التاريخ السياسي لإثيوبيا الحديثة الى أربعة مراحل سياسية.

 المرحلة الملكية التي تنتمي الى أيام السلالة السليمانية حسب زعمهم وأنتهت عام 1974م، حيث قُتل آخر ملك لها وهو الإمبراطور هيلا سلاسي بيد العقيد منجستو هيلا مريم، وبموته انتهت حقبة طويلة من النظام الملكي في اثيوبيا الذي كان يعتقد أنه مختار من قبل الله سبحانه وتعالى ليحكم البلاد، وأن البشر والشجر والححر ملك له

المرحلة الشيوعية، وتبدء من عام 1975م وحتى 1991م. في هذا الفترة تم حكم اثيوبيا بقبضة من الحديد والنار وبنظام شمولي شيوعي صارم بقيادة منجستو هيلا مريام، الذي استولى الحكم بانقلاب عسكري بعد قتله الملك هيلا سلاسي، وحكم البلاد عقدين من الزمن بمساندة المعسكر الشرقي (الإتحاد السوفيتي) الا أن نظامه سقط عن الحكم بأيدي الجبهة الثورية الشعبية الديمقراطية EPRDF لعام 1991م.

مرحلة دولة حكم القوميات 1991-2012م. في هذه المرحلة التي تقدر بربع قرن من الزمن تم حكم اثيوبيا من قبل الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية برئاسة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليزناوي. وتعتبر هذه المرحلة خليطا من الديمقراطية والديكتاتورية، حيث وضع دستورا دائما للبلاد، وتمّ تأسيس حكومات محلية ذات صلاحيات معقولة على أساس عرقي، وفي المقابل كان هناك حزب حاكم واحد، وكانت الإنتخابات صورية في أغلب الأحيان، إضافة الى نظام أمني قمعي متسلط على أرقاب الناس.

 المرحلة الراهنة 2018م، وهي مرحلة رئيس الوزراء الجديد أبيي أحمد، ورغم أنها مرحلة جديدة في طور التشكل ويصعب على المرء تقييمها بشكل شامل وكامل، الا أنه يمكن توصيف الحالة الراهنة، كما يمكن التنبأ والتوقع بأنها ستكون مرحلة مغايرة الى حد بعيد للمرحلة السابقة حيث يسودها الإنفتاح والديمقراطية أكثر من أي وقت مضى، وذلك بناء على ما تمّ حتى الآن على أرض الواقع مع قصر مدتها.

نقاط القوة والضعف في إثيوبيا:

تمتلك إثيوبيا نقاط قوة كثيرة لعل أهمها: الكثافة السكانية الهائلة حيث يبلغ عدد سكانها 100,000 مليون نسمة بحسب بعض التقديرات، والنمو الاقتصادي الذي بلغ عام 2018 8%، وذلك لما تمتلكه من ثروات طبيعية في مختلف المجالات الزراعية والسياحية وإنتاج الكهرباء من المياه؛ حيث يمر فيها 24 نهرا محفوفة بأراض زراعية خصبة مما يجعلها من الدول الزراعية، وكذلك الثقل السياسي الذي تتمتع به إثيوبيا في إفريقيا، حيث يقع مقر الإتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، وفيها مقر الأمم المتحدة الثالث بمستوى العالم، مما يجعلها دولة مهمة ومركزية إفريقيا وعالميا، كما أنها تمثل خامس دولة عسكريا بمستوى افريقيا، إضافة الى أنها تعتبر طرفا مؤثرا في ملفات عربية هامة، مثل ملف النيل الذي يمثل الأمن المائي لدولتين عربيتين هما: السودان، ومصر، كما أنها طرف مباشر في الملف الصومالي سلبا وإيجابا. ورغم ذلك تعاني اثيوبيا من أزمات ذاتية اجتماعية، وجغرافية، وسياسية. فهناك مشكلة إجتماعية حادة، حيث يتواجد فيها أكثر من 80 عرقية مختلفة اللغات والأديان والأعراف،  كما أن لديها مشكلة جغرافية، وذلك لكونها دولة حبيسة برية مغلقة لا منافذ بحرية لها، مما جعلها تعتمد في صادراتها ووارداتها على دول الجوار (اريتريا، جيبوتي، الصومال)، وكذالك فإن الديمقراطية الإثيوبية الناشئة هشة وضعيفة، لم تصل سن البلوغ، إضافة الى أن الوضع السياسي مضطرب نسبيا، حيث تم تدبير 6 إغتيالات لشخصية رئيس الوزراء الحالي، وانقلاب عسكري واحد خلال 12 شهرا الماضية.

التغير السياسي الحالي في اثيوبيا وأسبابه:

لم تتوقف عجلة التغيير في اثيوبيا عن التقدم بدء من العهد الملكي ومرورا بالعهد الشيوعي ثم مرحلة دولة القوميات، وانتهاء بالمرحلة الراهنة، وكانت كل مرحلة جديدة أحسن من سابقتها، مما يجعل مرحلة أبي أحمد أكثر تميزا من غيرها. إن التغيير الحالي في أثيوبيا هو عبارة عن انتقال حضارة وسلطة سياسية من أيدي قوميتين (أمهرا وتكراي) كانتا تتبادلان السلطة وحكم البلاد فيما بينهما البلاد مئات السنين، كما أنهما قوميتان ذات انتماء وارتباط قوي مع القوى العالمية الخارجية على حساب شعوب المنطقة، كما صرح بذلك منللك الأول في رسالة بعثها الى الملكة البرتقالية آنذاك قائلا: ” نحن سفينة مسيحية في بحر اسلامية” لتنتقل هذه الحضارة الى إحدى القوميات المظلومة المضطهدة المهمشة، ذات أغلبية سياسيا وجغرافيا وعرقيا في إثيوبيا، وهي قومية أورومو.

 أسباب التغيير : هناك عوامل عديدة خارجية وداخلية أدّت الى سقوط النظام التكراوي ومجيئ أبيي أحمد رئيس الوزاء الإثيوبي الحالي الى سدة الحكم. فالعوامل الداخلية تمثلت في:

  • ممارسة النظام السابق الكبت السياسي والقمع الأمني على شرائح المجتمع الإثيوبي عامة، وزج المثقفين والناشطين السياسيين في السجون بصفة خاصة، مما أوصل الإحتقان السياسي الى درجة الإنفجار.
  • الإحتكار الإقتصادي للطقمة الحاكمة وحواشيها وحرمان بقية أفراد المجتمع من ثروات وخيرات البلاد، حتى وصلت نسبة الفقر في المجتمع بمرحلة قياسية.
  • الإضطهاد الديني على المسلمين السنة، حيث فرض النظام السابق فرقة ألأحباش المنحرفة عليهم، وتم اعتقال العلماء واغلاق المدارس وكثير من المراكز اسلامية، مما أدى في النهاية الى قيام انتفاضة شعبية عارمة على طول البلاد وعرضها استمرت أكثر من 8 سنوات.

أما أبرز العوامل الخارجية التي أسهمت في اسقاط النظام السابق فهي:

  • الإرادة الغربية (أوروبا وأمريكا) التي تسعى لإخراج الصين من اثيوبيا لتفتح الأسواق الإثيوبية الواعدة أمام الصناعات والمنتجات الغربية، وذلك بعد سيطرة الصينيين قطاعات حيوية واسعة في اثيوبيا، مثل قطاع تنقيب البترول والمعادن، واقامة السدود العملاقة مثل سد النهضة، وتطوير السكك الحديدية والقطارات، وبناء العقارات وغيرها، مستفيدا بذلك في حالة غياب الدول الغربية التي ضيعت وقتها خلال العقدين الماضيين بمطاردة ما يسمى الإرهاب الإسلامي في إفريقيا على حساب مصالحها الإقتصادية.
  • إن النظام الإريتري الذي كان معاديا للنظام التكراوي السابق لعب دورا كبيرا في اسقاطه وبكل الوسائل السياسية والعسكرية،حيث عاش الطرفان في وضع لا سلمي لا حربي بينهما منذ عشرين سنة.
  • إن وجود جبهات معارضة مسلحة إثيوبية، ترمي الى اسقاط نظام مليزناوي، ساهم أيضا في تعجيل سقوط النظام التكراوي.

إن هذه الأسباب الداخلية والخارجية مجتمعة أسهمت في اسقاط النظام الدكتاتوري السابق، وتتج منها ظهور ما عرف اليوم “إثيوبيا الجديدة” الى العلن بقيادة رئيس الوزراء الحالي أبيي أحمد.

سياسات أبيي أحمد الداخلية والخارجية

أبيي أحمد من مواليد عام 1976م، ويحمل العديد من الشهادات العلمية، واحدة في هندسة الحاسوب حصل عليها عام 2001 من العاصمة الإثيوبيةأديس أبابا، وشهادة ماجستير نالها عام 2005، وماجستير في إدارة الأعمال عام 2013، بالإضافة إلى شهادة دكتوراه نالها عام 2017 من معهد دراسات السلام والأمن التابع لجامعة أديس أبابا. إنضم آبي أحمد علي عام 1990 إلى الكفاح المسلح ضد نظام “الديرغ” الماركسي الذي تولى السلطة بين عامي1974 و1991، ثم صار جنديا في التحالف الذي أسقط ذلك النظام عام 1991، ثم تحوّل إلى جندي في قوات الدفاع الوطني الإثيوبية عام 1993. وفي عام 1995، كان ضمن عناصر حفظ السلام الأممية التي انتشرت في رواندا بعد الإبادة الجماعية التي حصلت في هذا البلد.شغل عضوية مجلس إدارة العديد من الوكالات الحكومية التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأنشأ عام 2007 وكالة أمن الشبكات الإثيوبية (إنسا).وفي عام 2016 تولى آبي أحمد منصب وزير العلوم والتكنولوجيا في الحكومة المركزية. ثم أدى اليمين الدستوري كرئيس للوزراء في اثيوبيا في 2 أبريل عام 2018م،

سياسته الخارجية

يبدو أن رئيس الوزراء الإثيوبي قد وضع لبنات لسياسة خارجية ذات ملامحة جديدة، تكاد تكون عكس السياسة الخارجية الإثيوبية القديمة المبنية في أغلب أحيانها على التعالي والترفع وممارسة سياسة فرق تسد ضد دول الجوار، مثل الصومال واريتريا والسودان، وفي هذا الصدد أخذ أبيي خطوات لها ما بعدها، ومنها:

  • تصفير العداء مع كل الدول المجاورة مع اثيوبيا، أي أن لا يبقى هناك دولة مجاورة لإثيوبيا معادية لها، ولهذا تصالح مع دولة اريتريا التي خاضت أشرس حرب في إفريقيا في هذا العصر مع اثيوبيا بدون شروط ولا قيد، ونجح بإنهاء هذا الصراع الذي استمر لمدة 20 سنة بين البلدين في فترة قياسية.
  • نادى بمشروع طموح وهو إيجاد صورة من صور الإتحاد بين الدول الثمانية المنطوية تحت مظلة IGAD، وجعلها منطقة مستقرة سياسيا، ومزدهرة اقتصاديا، وفي هذا الصدد قام بزيارات مكوكية الى كل دول الأعضاء لشرح الفكرة، ثم بدء بحل المشاكل الداخلية لبعض الدول الأعضاء في المنظمة، وكان آخرها حل الأزمة السودانية بين المجلس العسكري وقوة الحرية والعدالة في 17 يوليو 2019م، الذي تمخض منه الوفاق السوداني والحكومة المدنية السودانية الحالية.
  • يرى أبيي أحمد أن إيجاد دولة صومالية مستقرة وآمنة هو مفتاح الحل في القرن الإفريقي، بل ويؤمن أكثر من ذلك وهو أن قوة الصومال هي قوة اثيوبيا وهي عكس رؤية من سبقه من الرؤساء الإثيوبيين، الذين كانوا يعتقدون أن ضعف الصومال هي قوة إثيوبيا.
  • أوجد أبيي أحمد تحالفاً سياسيا نشطا يشمل 3 دول في القرن الإفريقي، وهي (الصومال، إثيوبيا، إريتريا)، عُرف بمحور “أسمرا” تيمنا بالقمة الرئاسية التأسيسية الأولى للرؤساء الثلاثة (الصومالي، والإريتري، والإثيوبي) والتي انعقدت في 5/9/2018 بالعاصمة الإريترية “أسمرا” ووضعت فيها حجر الأساس لهذا التحالف، ولقد صدر من هذا التحالف التعاون بين دول المنطقة في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والإقتصادية بشكل وثيق جدا بل وأقرب الى الوحدة.
  • وقف أبيي أحمد موقفا محايدا من الخلاف الخليجي الخليجي الذي حاول كل طرف أن يظفر بإثيوبيا ويضم الى جانبه، والحفاظ على مسافة واحدة من الجميع، متبعا سياسة عدم الانحياز إزاء هذا الملف الحرج، مبدياً بذلك حنكة سياسية فائقة واستقلالية إثيوبية تامة عن التبعية لأحد الطرفين المتنافسين.

سياسته الداخلية

أما سياسته الداخلية فهي تنطلق من رؤية أصلاحية وتطويرية شاملة كل المجالات السياسية والإقتصادية والفكرية، ومن أهمها:

  • في السياسة: يبدو أن أبيي أحمد يؤمن الديمقراطية الحقيقية في الحكم وتداول السلطة، وأن الحكم للأغلبية، ولهذا تقدمت عشرات الأحزاب بطلب للتسجيل رسميا كأحزاب سياسية معارضة، ومن المقرر أن تجري أول انتخابات برلمانية نرجو أن تكون نزيهة في اثيوبيا للعام القادم 2020م.
  • وكجزء من رؤيته التصالحية مع المعارضة فقد أجرى مفاوضات مع جمبع الجبهات المسلحة المعارضة لإثيوبيا، واستطاع خلال الأشهر الأُول من انتخابه أن يوقع اتفاقية مصالحة مع جميع الجبهات المسلحة، مما جعل اثيوبيا ولأول مرة في تاريخها خالية من أية جبهة معارضة مسلحة.
  • في لإقتصاد: أعلن الرجل تطبيق نظام الإقتصاد المفتوح والأسواق الحرّة، والمنافسة الشريفة للجميع، ولهذا خصخص الشركات الحكومية التي كانت تحتكر مجالات حيوية مختلفة مثل (الكهرباء، الإتصالات، المياه، الخطوط الجوية الإثيوبية، الإعلام، وغيرها)، فاتحا بذلك المجال أمام جميع الشركات الوطنية والأجنبية للمشاركة في هذه القطاعات، كما فتح نظام البنوك الإسلامية (اللا ربا)، وتم أعلان افتتاح 5 بنوك اسلامية حتى الآن، وهي (بنك النجاشي، وبنك الهجرة، وبنك زمزم، وبنك كوشيتك)، مما سينشط الأسواق المالية الإثيوبية.
  • في حرية القول: يؤمن أبي أحمد حرية القول والفكر والمعتقد لجميع المواطنين، ولهذا أعطى المسلمين الحرية المطلقة لإختيار رئيس المجلس الأعلى لمسلمي اثيوبيا الذي كان تحت قبضة فرقة الأحباش المنحرفة بدعم من النظام السابق، فتم انتخاب رئيس سني للمجلس، وبدء المسلمون يتنفسون سعداء، ولأول مرة في تاريخهم الطويل الذي عاشوا تحت مختلف الأنظمة التي حكمت إثيوبيا قبل أبي أحمد.
  • وجود دستور يضمن لجميع القوميات الإثيوبية الحريات الأساسية (حرية التعليم، والدين، والقول، والسياسة انتخابا وترشيحا) وإن كان التطبيق في ظل النظام السابق دون المستوى المطلوب، الا أن أبي أحمد الذي ينحدر من قومية أرومو ذات الأغلبية المطلقة كثافة أعلن في أكثر من مناسبة أنه سيطبق الدستور بحذافيره، كما أنه بدء مراجعة بعض بنود الدستور لتتماشى مع متطلبات المرحلة.
  • تطبيق نظام الولايات الذي يوفر هامشا كبيرا من الحرية والاستقلالية في جميع أنحاء إثيوبيا، بما يتماشى مع سياسة وأعراف وتقاليد وأديان كل ولاية.
  • إن حرية الدين والفكر والمعتقد التي نادى بها أبيي أحمد وتم تنفيذها ليعطى انطباعا بأن البلد في طريقه الى الأمن والإستقرار.
  • فتحت الحكومة الإثيوبية الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية، ومن المتوقع أن تنضم اثيوبيا الى منظمة التجارة العالمية قريبا، مما يعطي فرصة استثنائية للشركات العالمية عابرة القارات.
  • تصالحت الحكومة مع كل الجبهات المسلحة المناهضة للنظام، مما جعل اثيوبيا خالية من أي معارضة مسلحة. ورغم وجود هذه الفرص السياسية والإقتصادية وغيرها الا أن هناك بعض العقبات التي تكدر صفو الأجواء، ومنها:
  • وجود دولة عميقة قوية، تتآمر ضد رئيس الوزراء الجديد، قامت حتى الآن 6 محاولات لإغتياله، وانقلاب عسكري واحد، كما تسعى إفشاله اقتصاديا.
  • وجود متطرفين قوميين من القوميتين الحاكمتين السابقتين (قومية أمهرا، وقومية تكراي) غير مستوعبين بهذا التغيير الحاصل في اثيوبيا، أو بالأحرى غير مستعدين لقبول هذا التغيير.
  • التعصب الديني من قبل الكنيسة الأرثودوكسية التي تمثل المذهب السائد في البلاد، والأكثر من كل المذاهب الأخرى المسيحية مجتمعة في البلاد، من الكاثوليك وغيرها، كما أنها تهيمن مساحة كبيرة من اقتصاد البلاد وتمتلك نسبة كبيرة من الإستثمارات في مختلف المجالات، ولقد صدرت لغة الكراهية من عدد من القساوسة ضد رئيس الوزراء أبيي أحمد، حيث اتهموه بأنه ضد المسيحية، وأنه مثل أحمد بن براهيم الغازي المسلم الذي حكم اثيوبيا في القرن السادس عشر الميلادي.
  • يرى بعض المراقبين أن بقاء الإئتلاف الحاكم (EPRDF) السيئ السمعة في الساحة السياسية الإثيوبية من المعوقات، والذي أرتكب باسمه خلال العقود الأخيرة كثيرا من التجاوزات الإنسانية والسياسية والإقتصادية وغيرها في حق القوميات الإثيوبية، في ظل سيطرة قومية التكراي على مؤسسات الدولة.

واذا نظرنا الى الفرص المتاحة والعقبات فإننا نجد بأن الفرص أكثر من العقبات ولا شك، وعليه فإننا نقدم التوصات التالية:

  • أرجو من رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد أن يمضي قدما في تنفيذ برامجه الطموحة، وأن ينفذ ما وعده للشعب الإثيوبي وشعوب منطقة القرن الإفريقي، وأهمها: “وضع حجر أساس لديمقراطية حقيقية في اثيوبيا”، وهذا وحده كفيل بإنجاح كل البرامج الأخرى السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
  • نرجو من الإثيوبيين عموما ومن القوميات المظلومة خاصة الذين ذاقوا ويلات الأنظمة القمعية الساقة، ومن العالم الخارجي الحر، أن يقفوا الى جانب رئيس الوزارء الإثيوبي ضد التهديدات الداخلية والخارجية، لأن سقوطه يعني سقوط التغيير والحرية والعدالة.
  • ندعوا المستثمرين في أنحاء العالم الى الدخول في الأسواق الإثيوبية المفتوحة، والإستفادة من الخصخصة الحكومية في الشركات الحكومية، والبنوك الإسلامية، والزراعة، والمواشي، والبترول، والعقار، وغيرها.

إن مشروع أبيي أحمد الإقليمي الذي أحرز تقدمًا ملحوظًا خلال العام المنقضي في ظل سياسة خارجية نشطة في محيطها الإقليمي والقاري، يلعب دورًا مهمًّا في إعادة تموضع الدولة الإثيوبية على الساحتين الإقليمية والدولية بما يعزِّز من مكانتها الذي ينعكس بشكل واضح على تبوؤها أهمية متعاظمة كرقم مهم ضمن المعادلة الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي بالنسبة للقوى الدولية الكبرى في ضوء تصاعد التنافس الدولي والإقليمي على النفوذ والموارد هناك، وفي إطار المساعي نحو إعادة هندسة توازنات القوى في المنطقة. ولكن يظل استمراره مرهونًا بالتغلُّب على التحديات الداخلية التي تواجه آبي أحمد، والحفاظ على مكتسبات حركة السياسة الإثيوبية، وما أحرزته على صعيد السلام الإقليمي في القرن الإفريقي.

ابراهيم محمد حسين

باحث في الشؤون الإفريقية

Ibrahimdhere1964@gmail.com

إبراهيم محمد حسين

خبير في شؤون الإتحاد الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى