رياض الأطفال في الصومال… الآمال والتحديات

منذ أن بدأ القطاع التعليمي في الصومال يتعافى من آثار ويلات الحروب الأهلية، كانت ومازالت مقديشو تشهد تطورات في مجال العملية التعليمة بمختلف مراحلها ومستوياتها التعليمية بدءا من دور حضانة الأطفال، ومرورا بالمدارس الأساسية والثانوية، ووصولا إلى الجامعات بمختلف كلّياتها وتخصصاتها، وانتهاء ببرامج الدّراسات العليا من ماجستير ودكتوراة في عدد من التخصصات التي تقدّمها بعض الجامعات في الصومال عامة وفي مقديشو خاصة، وهو ما اعتبره بعض التربويين بخطوة إلى الأمام تساهم في تطوير العملية التعليمية في الصومال.

ويصعب على المرء الموجود في مقديشو تحديد كمية المدارس والجامعات المتوفّرة في مقديشو، وذلك لكثرة عددها وانتشارها في مناطق مختلفة من العاصمة، مما جعل بعض التربويين يقلقون على أدائها التّعليمي، وهو أمر وارد لا محالة في ظلّ غياب وزارة فعالة تقوم بمتطلّبات العملية التربوية من إشراف وتقويم ومحاسبة.

وقد انتشر في مقديشو في الفترات الأخيرة دور حضانة الأطفال التي تهتم بتربية الطفل وتعليمه ما قبل المدرسة حتّى يكون مستعدّا للتكيّف مع المدرسة عند التحاقه بها.

وتتميّز دور الحضانة أو رياض الأطفال باهتمامها لمرحلة التعليم في الطفولة المبكرة التي تتراوح من عمر 3_5 سنوات، وهي فترة “حساسة من التطور الشامل لشخصية الطفل بكلّ أبعادها، حيث يشكّل الطفل في هذه المرحلة حوالي 50% من قواه الذهنية والإدراكية مما يجعلها مرحلة أساسية وحيوية لمراحل التطور اللاحقة للفرد”[1].

وبما أن هذه المرحلة لها أهمية كبيرة في التكوين المستقبلي للطفل، سعت الجهات التربوية قديما وحديثا إلى بذل المزيد من الاهتمام للطفل الّذي يكون في أمسّ الحاجة إلى والديه في هذه الفترة بالذّات، وذلك لاكتساب قيم المجتمع الّذي يعيش فيه ومتطلّبات بيئته.

دور رياض الأطفال في تربية الطفولة المبكّرة:

يتّفق معظم التربويين على أن مرحلة الطفولة المبكرة والتي تمتد من عمر 3_5 سنوات هي مرحلة حساسة يفضّل أن يكون الطفل قريبا من والديه وذلك لأن يكتسب منهم الخبرات والمهارات الأساسية التي تساعده في حياته المستقبلية.

غير أن تقلّبات الحياة المعاصرة وتطوّراتها ألزمت بعض الأسر إلى أن يبحثوا لأطفالهم مكانا بديلا عن بيوتهم، ذلك لانشغال الآباء والأمهات في طلب العيش، مما يجعل الطفل وحيدا في البيت لا يحظى بحقوق الطفولة، وهنا سعى بعض التّربويين إلى إنشاء مكان للأطفال يكون وسطا بين المدرسة والبيت، أو بعبارة أخرى مكانا يجد فيه الطفل نوعا من الرعاية التربوية التي تشبه تلك التي كان يتلقّاها في البيت، كما يجد فيه بعض المبادئ والأساسيات التّعليمية للمجتمع، فكان وجود رياض الأطفال لهذا الغرض.

دور حضانة الأطفال في مقديشو:

وتماشيا مع التطوّرات التربوية التي يعيشها العالم، ظهرت في مقديشو دور حضانة الأطفال التي تحاكي تلك الموجودة في العالم، ورغم أنّه لا يمكن لنا تحديد التاريخ الّذي بدأت فيه ظهور هذه الدور في مقديشو إلاّ أنّه وكما يبدو ظهرت في العقدين الأخيرين غير أنها انتشرت وما تزال تنتشر بسرعة فائقة حيث يمكن القول بأنّ هذه الدور توجد في معظم أحياء العاصمة الصومالية مقديشو.

ويعود هذا الانتشار الواسع لهذه الدّور إلى جهود فردية، حيث إن قطاع التعليم في الصومال برمّته عبارة عن جهود فردية تعاونت فيما بعد فأنشأت المؤسسات والروابط التعليمية التي ساهمت في تطوير العملية التعليمية في الصومال خلال الحروب الأهلية.

 أهمية دور الحضانة في مقديشو للمجتمع:

رغم الانتقادات التي يوجّهها البعض إلى دور الحضانة في مقديشو واصفين إياها بمضيعة للوقت، إلاّ أن جانبا من التربويين يرى أن لها أهمية كبيرة في المجتمع الصومالي، حيث يشير الدكتور أبوبكر حاج خليفة مؤسس ومدير روضة ومدرسة الريحان بمقديشو في حديث له مع مركز مقديشو للبحوث والدّراسات، أشار الدكتور إلى أن دور الحضانة في مقديشو لها أهمية كبيرة للمجتمع إذا كانت أعمال هذه الدور تحت إدارة وإشراف وتنفيذ تربويين مدرّبين لهذا الغرض، حيث تقوم هذه الدور بتكوين الطفل المعرفي والاجتماعي من خلال ما يقدّم إليه من أنشطة تعليمية وترفيهية خلال وجوده في الروضة مما يعني أن دور الحضانة بمثابة فترة تمهيدية يتم فيها إعداد الطفل للتكيف مع المدرسة[2].

النظام التعليمي في دور الحضانة في مقديشو:

بما أن دور الحضانة قامت بجهود أفراد وشخصيات من ذوي الاتجاهات والآراء المختلفة، كان لزاما أن لا يكون هناك نظام تعليمي موحّد يتم اتباعه في هذه الدور كما يؤكّد الدكتور أبوبكر في حديثه مع مركز مقديشو للبحوث والدّراسات، إلاّ أنّه أشار إلى بعض النقاط الأساسية التي تكون منطلقا للنظام التعليمي في دور الحضانة في مقديشو، وخاصة في روضة ومدرسة الريحان التي يديرها والتي يصل الدوام فيها إلى 10 ساعات متتالية يوميا بما فيها فترات الأكل والاستراحة والترفيه والنوم، ويقسّم الأطفال في هذه الروضة حسب فئاتهم العمرية وتحصيلهم الدّراسي إلى ثلاث مستويات وهي:

المستوى الأول: وهو مستوى الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3_ 4 سنوات، وفيه يتم تحفيظ الصغار لبعض الأذكار والأوراد والأناشيد الدينية، كما يتمتّعون بألعاب ترفيهية حسب الإمكانيات المتاحة للروضة.

المستوى الثاني: وهو المستوى الذي ينتقل إليه أطفال المستوى الأول بعد تحقيق الأهداف الرئيسية للمستوى الأول، ويتم في المستوى الثاني تعليم الأطفال لبعض مبادئ القراءة والكتابة وتحفيظ بعض سور القرآن الكريم.

المستوى الثالث: وهو آخر مستويات روضة الريحان، وهو عبارة عن إعداد الطفل للالتحاق بالمدرسة حيث يتم له في هذا المستوى تدريس بعض أساسيات المواد الرئيسية في المدارس الابتدائية مثل اللغة العربية، والتربية الإسلامية، والرياضيات واللغة الإنجليزية.

وفيما يتعلّق بالفئات العمرية التي يتم قبولها في روضة الريحان أشار الدّكتو أبوبكر إلى أنها تتراوح ما بين 3_ 5 سنوات في الغالب، وفي الحالات الاضطرارية يمكن قبول طفل في عمره السادس لأسباب استثنائية.

التّحدّيات التي تواجه دور الحضانة في مقديشو:

تتقاسم رياض الأطفال في مقديشو مع مختلف المراحل التعليمية في مقديشو التحدّيات التعليمية التي تواجهها والتي تتمثل في غياب المنهج التعليمي الموحد، وغياب الإشراف والتدريب التربوي للعاملين في المؤسسات التعليمية، والتحدّيات الأمنية التي تؤدّي في بعض الحالات إلى إغلاق الطرق مما يجعل عملية الوصول إلى المكان أمرا صعبا. هذا بالإضافة إلى ذلك فهناك تحدّيات خاصة تواجه رياض الأطفال في مقديشو منها صعوبة إقناع بعض أولياء الأمور بتعليم الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، وقلّة أو غياب الكوادر التربوية المؤهلة للقيام بشؤون رياض الأطفال في مقديشو[3].

مقترحات لتحسين واقع رياض الأطفال في مقديشو:

بما أن العملية التعليمية عملية مستمرّة، ولا تستغني عن العمل على تحسين أدائها، فإن الدكتور أبوبكر حاج خليفة مدير روضة الريحان يقترح ما يأتي:

  1. القيام بتوعية المجتمع توعية مكثّفة تدله على أهمية رياض الأطفال للتكوين المستقبلي للطفل.
  2. القيام بتوظيف تربويين وبمؤهلات ودرجات علمية رفيعة في رياض الأطفال بدءا من أعلى شخص في الإدارة، إلى أدنى شخص ممن يباشرون عملية اهتمام الطفل أثناء تواجده في الروضة.
  3. العمل على وضع مناهج متطورّة لدور الحضانة في مقديشو تلبي حاجات الأطفال وميولهم.
  4. توفير برامج ودورات تدريبية للقائمين على أعمال رياض الأطفال في مقديشو.

الخاتمة:

رغم أهمية وجود الطفّل في فترة الطفولة المبكرة وفي غيرها إلى جانب والديه، إلاّ أنّ الظروف المعيشية التي تواجه بعض الأسر قد تؤدّي إلى أن لا يحظى الطفل بوجود والديه بالقرب منه، وعليه فإنّه في هذه الحالة ينصح بعض التربويين أولياء الأمور بتخصيص فترة من وقتهم للقضاء مع أطفالهم، إذ إن النمو العاطفي والشعور بالطّمانينة التي يحتاج إليهما الطفل يتم في ظلّ وجود والد يقترب من أولاده، كما ينصح أولياء الأمور على أن لا يتركوا أولادهم تحت مسؤولية رياض الأطفال إذ إنّ هناك حاجات لا يقضيها للطفل غير والديه، لذا ينبغي على الأسر وضع جدول للتوفيق بين أعمالهم الخارجية وأداء واجباتهم المنزلية، وذلك حتى لا يصبح أولادنا ضحية لعدم اهتمامنا بهم.

[1] . د. محمد محمود الخوالدة، المنهاج الإبداعي الشامل في تربية الطفولة المبكّرة، ط1، 2003م/1424هـ، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، ص:11.

[2] . مقابلة هاتفية مع الدكتور أبوبكر حاج خليفة مؤسس ومدير روضة ومدرسة الريحان

[3] . مقابلة هاتفية مع الدّكتور أبوبكر حاج خليفة مدير روضة ومدرسة الريحان

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى