إسرائيل في السودان، هل ستصمد؟

 

“ولادة القرن الأفريقي برؤية أمريكية لن يتحقق إلا عبر الخرطوم” هذا ما كنتُ وما زلتُ أردده في أي حديث أُدعى إليه يتعلق بمنطقة القرن الأفريقي والسودان أو عندما يطالبني أحدهم بتوضيح رؤية في ذلك الملف الشائك، وما يحدث اليوم من تدافع الدول العربية والأفريقية على التطبيع مع إسرائيل كنت قد أشرت إلى إمكانية حدوثه في دراسات ومقالات سابقة حملت عنوان ” الثورة السودانية، قراءة خليجية” و”الرياض-أسمره ومُحرك أحجار الشطرنج” تجدونها منشورة في المتصفح الإلكتروني، ورغم أن إستشرافي المستقبلي في تلك الدراسات جاء متوافقاً بما يحدث اليوم إلا أن ما يحدث اليوم جاء مُبالغاً فيه من ناحية التدافع الغير مفهوم .

إنضمت الخرطوم لقافلة التطبيع وهي مُكرهه وأجمل ما في ذلك التطبيع بين السودان و إسرائيل أنه لم تتخلله زغاريد أفراح ولا سقوط إعلامي يقوده معتوهون مشوهون أخلاقياً ونفسياً ولا أغاني وقصائد تُقبح ما بقى في الأوطان من جمال وهذا هو المهم .

تُدرك النخب السودانية بإختلاف أجيالها أن السودان لم يكن يوماً مُهملاً غائباً ساقطاً من المخيلة الإسرائيلية بل حاضراً تتوق تل أبيب لتعيشه ومُستقبلاً مُعززاً وداعماً لإستراتيجيتها الأمنية للقرن الواحد والعشرين، ولا تعتقد تل أبيب أن هناك فرصة أثمن من تلك الفرصة التي تستمع فيها ومن قلب الخرطوم لصوتٌ يطلب ودها ولا يهم إن كان ذلك الصوت الطالب لودها جاء على إستحياء أو مُكره، ومثلما تُدرك إسرائيل تُدرك واشنطن أن إتفاقية التطبيع بين تل أبيب والخرطوم ليس لها قبول حقيقي ليس فقط على المستوى الشعبي بل وحتى على مستوى القيادات الذين قبلوا بها على مضض وبمقابل تراه تلك القيادات بمثابة أخر الداء الكي وكل ما أخشاه أن بعد ذلك الكي يتم إبطاء تنفيذ أو تجميد قرار رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب حتى وإن تم التوقيع على القرار رسمياً، خاصة أن الخرطوم لها تجارب سابقة في تلقي الضربات الخارجة عن اللياقة الدبلوماسية ناهيك عن اللياقة الأخلاقية ولنا في الوعود التي سبقت إتفاقية نيفاشا 2005 وإستهداف مصنع الشفاء للأدوية السوداني بعد محاولة الخرطوم الجادة في التقارب والتعاون مع المجتمع الدولي عبرة حسنة.

ولكن ماذا أمام طرفي التطبيع تل أبيب والخرطوم؟

  • تدرك تل أبيب أن هناك قلة من النخب السودانية الداعمة لإتفاقية التطبيع، وتلك القلة ترى أن التقارب مع إسرائيل هو فرصة للعودة للمجتمع الدولي وحل لجميع مشاكل السودان العالقة، وهنا أرى أن الألة الإعلامية الإسرائيلية ستتدخل وبقوة في الوقت القادم لتضخيم ودعم تلك النخب السودانية المؤيدة لها تمهيداً لكسب رأي عام في الشارع السوداني وبناء قاعدة شعبية مؤيدة للتقارب السوداني الإسرائيلي ونتيجة ذلك إما تجريف المجتمع السوداني وإعادة تشكيله وإما إنقسام المجتمع السوداني وشق الصف الوطني بصورة تفوق ما أحدثته الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي.
  • تخشى إسرائيل أن تكون إتفاقية التطبيع مع السودان شبيهة بإتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي إقتصرت على ملفات معينة يتم التعامل فيها بين رجالات الدولة بعيداً عن الشعوب وهنا ستتشكل مُعضلة إقتاع الشارع السوداني بقبول التطبيع بالمعنى والطريقة التي تتطلع إليها تل أبيب والتي تبدو بعيدة حتى الأن، ولإقناع المواطن السوداني بأن للتطبيع فوائد ملموسة ستعمل تل أبيب على ضخ الإستثمارات ومُضاعفة فرص العمل والقضاء على البطالة في السودان لتحسين الأوضاع الأقتصادية، ومن ناحية أخرى ستعمل تل أبيب على التقارب مع الأحزاب السياسية السودانية .
  • لضمان إستمرارحالة الإرباك الخليجي المستفيدة منها الأطراف الدولية فمن المرجح أن يُطلب من الخرطوم إعادة علاقتها مع طهران لسابق عهدها وبصورة تناسب ما عليه السودان اليوم من إنفتاح دولي، أما المحاور الخليجية المتنافسة في القرن الأفريقي والسودان فتدرك قبل غيرها أن تطبيعها مع إسرائيل لا تراه تل أبيب كافياً حتى تكون داعمة للتوجّه الخليجيّ في السودان والقرن الإفريقي، فسلسلة التّنازلات الخليجيّة لم تبدأ بعد، وحتى لو بدأت بعد ذلك فلن تصل إسرائيل مع العرب لنقطة وسطى مراعاة لمصالحهم بقدر ما هو تثبيتاً لرؤيتها الإستراتيجيّة المستقبليّة تجاة شبه الجزيزة العربية.
  • من المتوقع ان الكتائب المسلحة السودانية الخاصة التي تحدث عنها ذات مره علي عثمان طه في لقاء سابق وأكد بأنها على أهبة الإستعداد لأي عمل يُطلب منها ستخرج للعلن قريباً وستؤدي دورها بما يجب وستجد لها مؤيدون حتى من أولئك الذين وقفوا عداءاً للإنقاذ ذات يوم ولكن يبقى السؤال هنا هل ستصمد تلك الكتائب أمام التكتيكات الإسرائيلية التي ستكون بلاشك مُستعدة لعالم من المفاجأت ينتظرها في شوارع الخرطوم ؟
  • بتغير الإدارة الأمريكية وإستلام الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية لن يتغير الكثير في الملف السوداني ولكن من المرجح أن تتم إدارة ملف العلاقات السودانية الإسرائيلية بصورة مختلفة وأراها أقل حدة مما شهدته الأيام الماضية من ضغوط أمريكية على الخرطوم خاصة أن السودان اليوم تعتبر فرصة لإدارة سيد البيت الأبيض الجديد لإقناع الأفارقة بجدية الإدارة الأمريكية بالتوجة الجديد للقارة الأفريقية مع إستمرار العمل بتقليص نفوذ المنافسين .

ملاحظة مهمة : (ما جاء في هذا المقال مُقتبس من مؤلفنا العلمي الذي حمل عنوان ” العلاقات الخليجية الأفريقية ، رؤية مستقبلية للقرن الحادي والعشرين”)

 

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

@gulf_afro

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى