ملامح التكامل الاقتصادي في إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي .. مؤشرات إجمالية!!

PDF

من المسلم به أن حركة التجارة البينية بين الدول في أي منطقة من العالم، تلعب دوراً كبيراً في حل مشكلات القطاع التنموي لدى الدول المتاجرة، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على القارة الإفريقية عموماً ومنطقة القرن الإفريقي على وجه الخصوص، حيث الاحتياج الدائم إلى تعزيز حركة التجارة البينية لمباشرة المهام الكبرى والشاقة في تسريع عجلة التنمية بين الأفارقة، خاصة في ظل ما تعانيه القارة السمراء من أزمات طبيعية مزمنة وحادة لعل أبرزها التغيرات المناخية الطارئة وموجات الجفاف المتكررة وتراجع القطاع الزراعي وازدياد مشكلاته، بالإضافة لاعتبارات اقتصادية وسياسية أخرى تحول دون سلاسة التنمية الاقتصادية والمعيشية، كما تعوق حركة التعاطى الاقتصادي بين دول هذه القارة؛ فعلى مدار عقود قريبة ماضية، سجلت مؤشرات التجارة البينية في أفريقيا مستويات منخفضة قياساً بمناطق أخرى من العالم؛ إذ” تراوح متوسط التجارة الأفريقية مع الأمم الأفريقية بين 10 و 12% فقط، بينما تحققت 40% من تجارة الولايات المتحدة الأمريكية مع بلدان أخرى في أمريكا الشمالية، كما بلغت نسبة التجارة فيما بين بلدان غرب أوروبا 63%”[1]

وبتأمل البناء الاقتصادي الإفريقي على مدار سنوات عديدة ماضية، نجد أنه ظل يعاني ـــ ولا يزال كذلك إلى الآن ــــ من تعقيدات الحواجز التعريفية والجمركية، ومحدودية العلاقات التجارية المتبادلة كنتيجة طبيعية للمعوقات والموانع التي تحول دون تحرير التجارة البينية تحريراً فعلياً لا شكلياً من جهة، وتفعيل خطط التكامل الاقتصادي الإقليمي في اتجاه إنشاء سوق قارية تنافسية وفاعلة تقوم على “تناسق السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والقطاعية على المستوى القاري”[2]من جهة أخرى، وإلى الآن، وحتى في ظل وجود كيانات اقتصادية جديدة ومتعددة في القارة الإفريقية، يرعاها الاتحاد الإفريقي مثل الكوميسا والسادك والإيكواس وغيرها، تظل دول القارة السمراء، ومنها دول القرن الإفريقي، تعاني العديد من القيود والمعوقات الراهنة، والتي يأتي على رأسها: عدم التوافق بين سياسات الاقتصاد الكلي لدى غالبية دول إفريقيا السمراء، وعدم وصول هذه الدول إلى مرحلة من النضج تتيح لها الفصل بين العلاقات السياسية من جانب والعلاقات الاقتصادية من جانب آخر، هذا بالإضافة إلى مشكلات التعارض بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وعدم اعتماد عملة نقدية مشتركة تتيح تيسير عمليات التبادل التجاري والاقتصادي، جنباً إلى جنب، مع التفاوت الكبير في الوضعيات الاقتصادية بين دول المنطقة الواحدة وارتفاع تكاليف النقل وهو ما يعوق محاولات التكامل والاندماج الاقتصادي بين الأطراف، ناهينا عن مشكلة تعدد العضويات الاقتصادية وتعارضها في آن؛ فعلى سبيل المثال تجمع أوغندا وكينيا بين العضوية في تكتل الكوميسا من جهة، والعضوية في تجمع شرق إفريقيا من جهة أخرى، الأمر الذي يخلق ازدواجية في الخطوات اللازمة لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود[3]

ومن حيث النتائج المتحققة حتى الآن في مجال التكامل الاقتصادي في ظل التكتلات الاقتصادية الإفريقية، فإنها متواضعة إذا ما قيست بالأهداف الإصلاحية المنشودة التي أنشئت هذه التكتلات من أجلها؛ فرغم تحقيق بعض النجاحات الطفيفة[4]، إلا أنه” لا تزال التحديات الأساسية قائمة؛ إذ تبلغ نسبة التجارة الرسمية في السلع 14% في إفريقيا، مقارنة بنسبة 17% في أمريكا الجنوبية والوسطى، و 42% في أمريكا الشمالية، و62% في الاتحاد الأوروبي، و 64% في آسيا، ولا تزال التجارة بين أكبر الاقتصادات الإفريقية تقوم على أساس الدولة الأولى بالرعاية”[5] ووفق أغلب التحليلات والحسابات” لم تحرز البلدان الإفريقية تقدماً كبيراً في مجال النهوض بالتجارة الإقليمية، فحتى العام 2011 لم يتجاوز متوسط حصة الصادرات بين البلدان الإفريقية من مجموع صادارت السلع في إفريقيا حدود الــ 11% مقارنة بنسبة 50% في البلدان النامية الآسيوية، و21% في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، و 70% في أوروبا”[6] وحتى بالنظر إلى مؤشر الصادرات والواردات الإفريقية، نجد أنها موجهة في الغالب الأعم إلى عقد شراكات تجارية مع التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم، وليس إلى عقد شراكات بينية داخل المحيط التجاري والاقتصادي الإفريقي، ومن ثم فإن الصادرات الإفريقية الرئيسية” تتجه إلى الشركاء التجاريين التقليديين، وعلى الأخص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذين يستأثرون بنصيب من الصادرات يصل في المتوسط إلى 57%، في حين يستحوذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على ما يزيد على 60% من أسواق التصدير الإفريقية، وحالياً تعد الصين بوجه خاص وآسيا بوجه عام، ضمن الأسواق المتنامية التي تقصدها الصادرات الإفريقية”[7]

ويبدو أن هناك أسباباً رئيسية تكمن وراء استمرار الضعف الإفريقي العام في مجال إحداث التكامل الاقتصادي والتجاري المنشود بين الدول الإفريقية؛ فبالإضافة إلى جملة الأسباب المتضمنة في السابق، يوجد سبب مهم ورئيسي لا بد من لفت الأنظار إليه، ألا وهو الانتقائية في التخطيط والتطوير لإحداث التكامل المشار إليه؛ إذ” أن النهج المتبع إزاء التكامل الإقليمي في القارة الإفريقية قد ركز حتى الآن على إزالة الحواجز التجارية أكثر من تركيزه على تنمية القدرات الإنتاجية الضرورية للتجارة، والتي يأتي على رأسها تعزيز قدرات التوريد والقضاء على محدودية دور القطاع الخاص في مبادرات وجهود التكامل الإقليمي، الأمر الذي يترتب عليه مجملاً ضعف الأداء التجاري للقارة”[8] ومن جهة أخرى مقاربة، يبدو” أن إخفاق تجارب التنمية بصفة عامة, ومن بينها تجارب التكامل في إفريقيا ــ كما يؤكد البعض ــ يرجع إلى التبعية الخارجية للاقتصادات الإفريقية, فمن أجل الحفاظ على الكيانات الوطنية الصغيرة عمد زعماء الدول الجديدة إلى تدعيم روابطهم مع القوى الدولية المهيمنة, ولذا فإن إفريقيا حتى اليوم تعتمد على أوروبا في جانبها الأكبر من معاملاتها الاقتصادية الخارجية”[9]

ومن العجيب حقاً، أن القارة الإفريقية رغم امتلاكها المقومات الممكنة لتحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري الأمثل فيما بين دولها، والتي يأتي في مقدمتها قابلية معدلات النمو للارتفاع، والقدرة على تنويع الاقتصاد، وغلبة التصنيع على التركيبة التجارية، جنباً إلى جنب مع جاهزية الأسواق الإفريقية لاستيعاب حراك تجاري واعد في مجالى السلع والخدمات، رغم كل هذه المقومات المتاحة، إلا أن غالبية الدول الإفريقية لا تزال عالقة في إشكاليات ضعف القدرة التنافسية للصادرات، ومحدودية حجم الاقتصادات الوطنية[10] إلى جانب بقائها ” في عداد الدول المتخلفة اقتصادياً؛ فبالرغم من أن القارة تستوعب 13% من سكان العالم؛ فإنها لا تحوز أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونصيبها من التجارة العالمية في مطلع الألفية الجديدة، لم يزد عن 2%، كما أن القارة هي الأقل فيما يتصل بنسبة الاستثمار إلى الدخل القومي قياساً بالدول والمناطق النامية الأخرى في العالم، وطبقاً لبيانات البنك الدولي؛ فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا لم يزد عن 1% من الاستثمار الأجنبي على المستوى العالمي”[11]

وبتتبع مسار المحاولات الأولى للتكامل التجاري والاقتصادي بين دول القرن الإفريقي، يبرز أمامنا تجمع الهيئة الحكومية للتنمية(IGAD) والذي كان قد تم إنشاؤه وتطويره منذ عام 1986 باتفاق ست دول في هذه المنطقة وهي الصومال وإثيوبيا وجيبوتي وأوغندا والسودان وكينيا ثم إريتريا لاحقا، ثم مصر وليبيا كمراقبين، وذلك بهدف وضع استراتيجية جماعية لمواجهة المخاطر الطبيعية كالجفاف والتصحر، جنباً إلى جنب مع أهداف شاملة أخرى كتعزيز الأمن الغذائي والبيئي وتحقيق التكامل والاندماج التجاري والاقتصادي عبر تذليل كافة العقبات الإجرائية والجمركية التي تعاني منها التجارة البينية بين الدول الأعضاء، وهو ما نجحت فيه هذه المنظمة بشكل جزئي حتى الآن، على الأقل من حيث قيامها باحتواء العديد من الأزمات والصدامات المسلحة بين دولها، وهو ما كان له أثر بالغ في مواصلة جهود هذه الدول في مجال تنمية التجارة البينية حتى الآن؛ ورغم أن هذه المنظمة تصنف ضمن التجمعات السياسية والأمنية في القارة الإفريقية، وليس الاقتصادية أو التجارية، إلا أنها تملك حالياً استراتيجية متطورة في اتجاه الاستيعاب الكامل لكافة قضايا التنمية الحالية والناشئة في منطق القرن الإفريقي، وخاصة ما يتعلق بالتنمية المستدامة وتحقيق والسلام والأمن، وهو ما تعمل المنظمة على تحقيقه من خلال تحفيز أعضائها على القيام بالإجراءات التالية[12]:

  • اعتماد جهود مشتركة بعيدة عن الفردية والانعزالية في مواجهة تحديات التنمية الإقليمية المشتركة، مع التركيز على المجالات ذات الأولوية القصوى وفق الرؤية الاستراتيجية للمنظمة.
  • التركيز على البرامج التنسيقية للمنظمة فيما يتعلق بتحقيق الحد الأقصى من التأثير الإنمائي وتقليل الهدر في الموارد وفق ثنائية الجهود/الموارد المعتمدة من قبل أمانة الهيئة الحكومية الدولية للمنظمة بالتعاون مع الشركاء والدول الأعضاء.
  • العمل على تكثيف الموارد المتاحة وتوظيفها للاستثمار في التنمية طويلة الأجل مع التركيز بشكل كاف على أنشطة الاستجابة للطوارئ جنباً إلى جنب مع الاعتماد على خبرات(IGAD) كأداة تطوير خاصة باعتبار خبراتها ومعرفتها بالقضايا العابرة للحدود.
  • اتخاذ منهج براغماتي تقدمي عبر التركيز على ما هو مفيد استراتيجيا وقابل للتنفيذ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتقنيا على المستويات الإقليمية والوطنية والدولية وفق الموارد البشرية والمالية المتاحة.

وفي واقع الأمر، لا يمكن الجزم بوجود ملامح ومؤشرات اقتصادية وتجارية واضحة وجلية يمكن الاطمئنان إليها، فيما يتعلق بحركة التبادل التجاري والاقتصادي بين دول القرن الإفريقي على المستوى الرسمي؛ فكما تمت الإشارة من قبل، تتوجه حركة التجارة الإفريقية عموماً، وفي القرن الإفريقي خصوصاً، إلى الشركاء الدوليين بالأساس لاعتبارات كثيرة في مقدمتها اعتبارات سياسية واستراتيجية مهيمنة على الأوضاع في هذه المنطقة التي تمثل محل صراع واستقطاب دولي كبيرين، لكن من خلال رصد حركة الصادرات والواردات ونسبتهما في دول القرن الإفريقي الرئيسية، يمكن إثبات حقيقة الضعف الكبير الذي تعاني منه حركة التجارة البينية بين هذه الدول، وهو ما يمكن رصده في الآتي:

  • الصومال: تقوم الصومال بتصدير الماشية والموز وجلود الحيوانات والأسماك والفحم النباتي والمعادن الخردة بقيمة إجمالية تبلغ 300 مليون دولار طبقاً لتقديرات العام 2006، وذلك إلى عدة دول هي: الإمارات العربية المتحدة بنسبة 53%، واليمن بنسبة 18.5%، وسلطنة عمان بنسبة 13.4%(طبقاً لتقديرات 2009)، بينما تستورد الصومال السلع المصنعة والمنتجات النفطية والمواد الغذائية ومواد الإنشاءات والقات بقيمة إجمالية 798 مليون دولار وفقاً لتقديرات العام 2006، وذلك من عدة دول هي: جيبوتي بنسبة 29.9%، وكينيا بنسبة 7.8%، والصين بنسبة 7.3%، وباكستان بنسبة7%، والبرازيل بنسبة 6.4%، واليمن بنسبة 4.8%، وسلطنة عمال بنسبة 4.6%، والإمارات العربية المتحدة بنسبة 4.5% وفقاً لتقديرات العام 2009 [13]
  • جيبوتي: تقوم جيبوتي بتصدير جلود الحيوانات والبن وإعادة الصادرات أثناء عبور السفن، وذلك بقيمة إجمالية قدرها 100 مليون دولار وفق تقديرات العام 2009، إلى عدة دول هي: الصومال بنسبة 75.3%، وفرنسا 4.8%، والإمارات العربية المتحدة 4.1%، وذلك طبقاً لتقديرات عام 2009، بينما تستورد جيبوتي الأغذية، والمشروبات، ومعدات النقل، والكيماويات، والمنتجات النفطية بقيمة إجمالية قدرها 644 مليون دولار طبقاً لتقديرات العام ذاته، وذلك من عدة دول هي: المملكة العربية السعودية بنسبة 15.7%، والصين 13.9%، والهند 11.8%، والولايات المتحدة الأمريكية 9.3، وماليزيا 6.9%، واليابان 4.6%، وباكستان 4.3%، طبقاً لتقديرات نفس العام[14]
  • إريتريا: تقوم إريتريا بتصدير الماشية، الذرة الصفراء، المنسوجات، الأغذية، الصناعات الصغيرة، بقيمة إجمالية للصادرات قدرها 415.4 مليون دولار طبقاً لتقديرات عام 2011، وذلك إلى عدة دول هي: إيطاليا بنسبة 30.5%، السودان 24%، السعودية 8.8%، الصين 8.5%، المملكة المتحدة 5.7%، مصر 4.8%، طبقاً لتقديرات عام 2008، في حين تستورد إريتريا  الآلات، المنتجات النفطية، الأغذية، بضائع مصنعة، بقيمة واردات إجمالية قدرها 899.9 مليون دولار وفق تقديرات العام ذاته، وذلك من عدة دول هي: السعودية بنسبة 15.7 %، مصر 11.9%، الصين 11.1 %، الهند 8.9 %، ألمانيا 7.2%، إيطاليا 7.2%، جنوب إفريقيا 6.5 %، البرازيل 5.9 %، كوريا الجنوبية 4.3 %، وفقاً لتقديرات عام 2008[15]
  • إثيوبيا: تقوم إثيوبيا بتصدير البن، القات، الذهب، منتجات الجلود، الحيوانات الحية، بذور الزيوت، بقيمة إجمالية قدرها 3.163 بلايين دولار وفق تقديرات العام 2012، وذلك إلى عدة دول هي:  ألمانيا بنسبة 14.2%، والصين 12.2%، وبلجيكا 7.8%، والمملكة العربية السعودية 6.8%، والولايات المتحدة الأمريكية 6.3%، وإيطاليا 5.1%، طبقاً لتقديرات عام 2011، في حين تستورد الأغذية، والحيوانات الحية، والنفط، والمنتجات النفطية، والكيماويات، والآلات، والسيارات، والحبوب، والمنسوجات، بقيمة قدرها 10.6 بلايين دولار وفقاً لتقديرات عام 2012، وذلك من عدة دول هي: المملكة العربية السعودية بنسبة 10%، والصين 9.9%، والولايات المتحدة الأمريكية 7.9%، والهند 4.6%، طبقاً لتقديرات عام 2011[16]

وبشكل إجمالي، تُظهر المؤشرات السابقة أن حجم الصادارت والواردات المتداولة بين الدول الأربع الرئيسية المشار إليها في القرن الإفريقي، وفق منظور التكامل الاقتصادي والتجاري الإقليمي،  تعد محدودة، مثلها مثل عموم المؤشرات المتداولة بشأن نظائرها لدى باقي الدول الإفريقية عموماً، قياساً بالتوجهات التجارية الإفريقية تجاه الشركاء الدوليين، ومن ثم فإن النتيجة المتوقعة لهذا الانكماش الاقتصادي الإقليمي والبيني إفريقيا، مقابل التمدد الموازي على المستوى الدولي، هي أن تظل الدول الإفريقية ” عاجزة عن تقديم الخدمات العامة وتوفير بنى تحتية مقبولة, وهو ما ينعكس على موقع هذه الدول على الصعيد الدولي، كما يؤدي إلى تراجع قدرة الدول الإفريقية على حماية اقتصادها في مواجهة المصالح الاقتصادية الأجنبية”[17]

وبتأمل التحليلات الراصدة لوضعية التكامل الاقتصادي الإقليمي بين الدول الإفريقية من جهة، وطبيعة الحراك التجاري القائم في منطقة القرن الإفريقي من جهة ثانية، تتضح لنا جملة المؤشرات التالية:

  • أن دفة التحكم في ارتفاع أو انخفاض مستوى التجارة البينية بين الدول الإفريقية، ظل منذ عقود ماضية وإلى الآن في أيدي قوى الاقتصاد الدولي، وخاصة فيما يتعلق بتحديد أسعار السلع الأساسية، وهو ما يؤكده تقرير صادر عن الأمم المتحدة خلال سبتمبر 2013، والذي أشار إلى أن الفترة من عام 2000 إلى عام 2011 على سبيل المثال، شهدت ارتفاعاً في القيمة الإسمية والقيمة الحقيقية في حجم التجارة بين البلدان الإفريقية، وذلك بواقع 4.1 أمثالها بالقيمة الإسمية، و1.7 أمثالها بالقيمة الحقيقية؛ بحيث زاد مستوى التجارة بين البلدان الإفريقية وفق القيمة الإسمية من 32 مليار دولار عام 2000 إلى 130 مليار دولار عام 2011، بينما زاد هذا المستوى وفق القيمة الحقيقية الثابتة من 32 مليار دولار عام 2000 إلى 54 مليار دولار عام 2011، غير أن التقرير أشار نصاً إلى أن” القسط الأكبر من هذه الزيادة يُعزى إلى ارتفاع الأسعار التي تُحدد خارج القارة بالنسبة إلى السلع الأساسية”[18]
  • أن المجالات التجارية التي تمثل فرصاً مهدرة في داخل البلدان الإفريقية، كثيرة ومتعددة، ويأتي المجال الزراعي ومجال المنتجات الغذائية، من بين أهم هذه المجالات التي تفتقدها التجارة بين هذه البلدان، ويدل على ذلك التوسع الإفريقي الكبير في استيراد المنتجات الغذائية والزراعية من بلدان تقع خارج القارة، ورغم أن القارة الإفريقية تستحوذ على 27% من الأراضي الصالحة للإنتاج الزراعي والغذائي، إلا أن 27 بلداً إفريقياً يستورد الأغذية، بينما 22 بلداً تستورد المواد الأولية للزراعة، وذلك خلال الفترة من 2007، إلى 2011، كما أن المؤشرات تؤكد تراجع حصة إفريقيا من التجارة العالمية في الأغذية والحيوانات الحية المنجزة داخل القارة إلى حدود 17%، بينما وقف متوسط الصادرات الإفريقية من المواد الغذائية بين دول القارة عند حدود 21% فقط، وهو ما يؤكد مجملاً وجود فرص للتجارة الإقليمية في المنتجات الغذائية والزراعية غير مستغلة إفريقيا[19]
  • أن بعض الأنشطة التجارية في القارة الإفريقية، تبرز باعتبارها أنشطة تجارية مهيمنة من جهة، ومخربة للاقتصاد الإفريقي العام من جهة أخرى، وربما سرية وغير رسمية من جهة ثالثة، وتأتي تجارة القات من بين هذه الأنشطة المشار إليها؛ فصوماليلاند على سبيل المثال تستورد القات من إثيوبيا بما يوازي 30% من الناتج المحلي الإجمالي وتحديداً بمقدار 524 مليون دولار سنوياً، وتقوم كينياً بتصدير القات إلى الصومال في تجارة قيمتها 400 ألف دولار يومياً، وكانت إثيوبيا قد جنت ما مقداره 250 مليون دولار من تصدير القات إلى المملكة المتحدة قبل أن تقوم الأخيرة بوقف استيراده، ما يعني مجملاً، أن من سوء طالع القارة الإفريقية، أن يكون هناك رواج للأنشطة التجارية المستنزفة لاقتصاديات البلدان الإفريقية، في حين يتم إهمال العديد من الفرص التجارية الواعدة في مجالات تجارية وإنتاجية عديدة تزدحم بها القارة العملاقة[20]
  • أن علاج المشكلات الخاصة بضعف معدلات التبادل التجاري البيني بين دول القارة الإفريقية، سيظل مرهوناً بعلاج التحديات الخاصة بهياكل الإنتاج والتصدير في معظم الاقتصادات الإفريقية، إذ أن الغالبية العظمى من هذه الهياكل” موجهة أساساً نحو السلع الأساسية مثل المعادن والأخشاب والبن والكاكاو والمواد الخام الأخرى، والتي يتصف الطلب عليها بتوجه خارجي”[21]

وخلاصة القول هنا، إن التكامل الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول القارة الإفريقية، ليس بخير حتى الآن، رغم الزخم الحادث بفعل شيوع وانتشار التكتلات الاقتصادية الإفريقية هنا وهناك، والتي تحاول جاهدة تحقيق المتاح بالنسبة لها من أوجه الاندماج والتعاضد الاقتصادي بين الدول في هذه القارة الواسعة، ولعل شعور هذه التكتلات بصغر حجم إنجازاتها في هذا الإطار، هو الذي دفع الاتحاد الإفريقي مؤخراً باتجاه إطلاق اتفاقية التجارة الحرة بهدف تسريع معدلات التبادل التجاري في القارة ، وتوسيع مجالات الاستثمار المتبادل بين دولها، إضافة إلى تنحية الموانع والعوائق التي تحول دون تيسير حركة التجارة، كبادرة أولية لتحقيق نتائج أكثر تكاملاً وإيجابية من الناحية الاقتصادية، وصولاً إلى تدشين اتحاد جمركي وآخر نقدي جنباً إلى جنب مع بلورة سوق اقتصادية وقارية مشتركة تصل بدول القارة الإفريقية مجتمعة إلى حيز التكتل الاقتصادي الموحد، وفق أطر تجارية واقتصادية ومالية واحدة ومعتمدة لدى جميع الأطراف الإقليمية والدولية، ومن البديهي القول إن الدول الإفريقية في أمس الحاجة حالياً إلى تفعيل وإنشاء منطقة للتجارة الحرة القارية، وهو ما يهتم الاتحاد الإفريقي بتحقيقه خلال المرحلة الراهنة، وسوف تشهد الأسواق الاقتصادية الإفريقية رواجاً كبيراً حال تحقيق النجاح في هذه الخطوة حالاً ومستقبلاً؛ إذ تتعدد منافع إنشاء منطقة تجارة حرة قارية بالنسبة للدول الإفريقية، على النحو التالي[22]:

  • يترتب على إنشاء وتفعيل منطقة تجارة حرة قارية، زيادة نمو التجارة البينية الإفريقية، ومساعدة دول القارة على تفعيل التجارة كأداة ومحرك لقاطرة التنمية المستدامة، وكذلك تمكين إفريقيا من الإسهام الفاعل والمؤثر في التجارة العالمية.
  • من شأن إنشاء منطقة تجارة حرة قارية أن يساهم في تعظيم الفوائد الاقتصادية لإفريقيا، خاصة في ظل توقعات محتملة بإمكانية تقليص الحماية العالمية المعرقلة للتجارة البينية بين دول القارة بواقع 68.7%، ما يعني تقليص حماية التجارة البينية الإفريقية من 8.7% إلى 2.7% في المتوسط.
  • يعمل إنشاء المنطقة المذكورة كذلك على تحقيق العديد من الفوائد الاقتصادية والتجارية المجملة بين الأفارقة، ومن أهم هذه الفوائد زيادة قدرة البلدان الإفريقية على الاكتفاء الذاتي من الواردات، إلى جانب تحسين المنافسة التجارية وخفض الأسعار التفضيلية بينها، إضافة إلى تقليص حجم احتياج دول القارة إلى القروض الخارجية بفعل تعزيز مشاركة القارة في التجارة الدولية، وتعاظم التبادل التجاري الإقليمي في القطاع الصناعي، ومن ثم تحقيق حصانة أفضل للاقتصاد الإفريقي في مواجهة منعطفات التجارة الخارجية.

الهوامش والإحالات

  • راجع: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf ، ص 3
  • المصدر السابق نفسه ، ص ص ، 1، 2 (بتصرف)
  • راجع موسوعة التكامل الاقتصادي العربي الإفريقي ؟، على الرابط: https://www.enaraf.org/page/183 ، (بتصرف)
  • على سبيل المثال نجح الاتحاد الجمركى لافريقيا الجنوبية، فى تحرير حركة عوامل الانتاج من خلال ازالة الحواجز الجمركية والتجارية بين دول الاتحاد، كما استطاع الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب افريقيا إنشاء سوق للأوراق المالية إثر قيامه بتدشين نظام لسياسات الاقتصاد الكلى من خلال وضع هيكل للمحاسبة المشتركة تتم مراجعته بانتظام بين الدول الاعضاء، في حين ونجحت السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا فى رفع حجم التجارة البينية للسوق من 3.1 مليار دولار عام 2000 الى 12.7 مليار دولار عام 2009 ثم الى 17.4 مليار دولار عام 2010، بينما ارتفعت التجارة البينية فى تجمع شرق أفريقيا بنسبة 49% بعد اطلاق مشروع الاتحاد الجمركى داخل التجمع( يراجع: نهلة أحمد أبو العز، تقييم مدى التقدم في تحقيق التكامل الإقليمي بالقارة الإفريقية: نحو سوق إفريقية مشتركة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، بدون تاريخ، متاح على: https://scholar.cu.edu.eg/?q=sharaf/files/shywn_fryqy_bhth_tqyym_ltkml.doc /بتصرف يسير)
  • راجع: كارلوس لوبيز، التقدم ببطء نحو التكامل، تقرير( التمويل والتنمية) الصادر عن صندوق النقد الدولي، يونيو 2016، ص 19، متاح على: https://www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/fandd/2016/06/pdf/lopes.pdf ، (بتصرف يسير)
  • راجع: وثيقة الأمم المتحدة حول التنمية الاقتصادية في إفريقيا، على الرابط: https://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdb60d4_ar.pdf ، ص 3 ( بتصرف)
  • راجع الوثيقة التالية على الرابط: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf ، ص 9 ( بتصرف)
  • راجع: وثيقة الأمم المتحدة حول التنمية الاقتصادية في إفريقيا، مصدر سابق ، ص 3(بتصرف)
  • راجع: مهدي،محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في إفريقيا.. قراءة في ضوء الدوافع والوقع والتحديات، دراسة بحثية ، مجلة قراءات إفريقية، الموقع الإلكتروني بتاريخ 26/3/2017، متاح على: https://www.qiraatafrican.com ، مع البحث بالعنوان المذكور
  • المصدر السابق نفسه، ص 5 ( بتصرف)
  • راجع: مهدي،محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في إفريقيا…، مصدر سابق
  • راجع موقع IGAD على الرابط: https://igad.int/about-us/strategy ،( بتصرف وترجمة)
  • راجع بيانات الصومال الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Somalia/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)
  • راجع بيانات جيبوتي الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Djibouti/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)
  • راجع بيانت إريتريا الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Eritria/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)
  • راجع بيانات إثيوبيا الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Ethiopia/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)
  • راجع: مهدي،محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في إفريقيا…، مصدر سابق(بتصرف)
  • راجع نص ما ورد في التقرير ضمن الوثيقة التالية على الرابط: https://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdb60d4_ar.pdf ، ص 6 ( بتصرف)
  • المصدر السابق نفسه ، ص 8(بتصرف)
  • راجع: صهيب عبد الرحمن، كيف تشكل تجارة القات الخريطة الاقتصادية في القرن الإفريقي؟، تقرير موقع حفريات، بتاريخ 4/6/2018، متاح على: https://www.hafryat.com ، مع البحث بالعنوان المذكور( بتصرف)
  • راجع الوثيقة على الرابط: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf ، ص 45 ( بتصرف يسير)

راجع الوثيقة التالية على الرابط: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf

[1] راجع: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf ، ص 3

[2] المصدر السابق نفسه ، ص ص ، 1، 2 (بتصرف)

[3] راجع موسوعة التكامل الاقتصادي العربي الإفريقي ؟، على الرابط: https://www.enaraf.org/page/183 ، (بتصرف)

[4] على سبيل المثال نجح الاتحاد الجمركى لافريقيا الجنوبية، فى تحرير حركة عوامل الانتاج من خلال ازالة الحواجز الجمركية والتجارية بين دول الاتحاد، كما استطاع الاتحاد الاقتصادى والنقدى لغرب افريقيا إنشاء سوق للأوراق المالية إثر قيامه بتدشين نظام لسياسات الاقتصاد الكلى من خلال وضع هيكل للمحاسبة المشتركة تتم مراجعته بانتظام بين الدول الاعضاء، في حين ونجحت السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا فى رفع حجم التجارة البينية للسوق من 3.1 مليار دولار عام 2000 الى 12.7 مليار دولار عام 2009 ثم الى 17.4 مليار دولار عام 2010، بينما ارتفعت التجارة البينية فى تجمع شرق أفريقيا بنسبة 49% بعد اطلاق مشروع الاتحاد الجمركى داخل التجمع( يراجع: نهلة أحمد أبو العز، تقييم مدى التقدم في تحقيق التكامل الإقليمي بالقارة الإفريقية: نحو سوق إفريقية مشتركة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، بدون تاريخ، متاح على: https://scholar.cu.edu.eg/?q=sharaf/files/shywn_fryqy_bhth_tqyym_ltkml.doc /بتصرف يسير)

[5] راجع: كارلوس لوبيز، التقدم ببطء نحو التكامل، تقرير( التمويل والتنمية) الصادر عن صندوق النقد الدولي، يونيو 2016، ص 19، متاح على: https://www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/fandd/2016/06/pdf/lopes.pdf ، (بتصرف يسير)

[6] راجع: وثيقة الأمم المتحدة حول التنمية الاقتصادية في إفريقيا، على الرابط: https://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdb60d4_ar.pdf ، ص 3 ( بتصرف)

[7] راجع الوثيقة التالية على الرابط: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf ، ص 9 ( بتصرف)

[8] راجع: وثيقة الأمم المتحدة حول التنمية الاقتصادية في إفريقيا، مصدر سابق ، ص 3(بتصرف)

[9] راجع: مهدي،محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في إفريقيا.. قراءة في ضوء الدوافع والوقع والتحديات، دراسة بحثية ، مجلة قراءات إفريقية، الموقع  الإلكتروني بتاريخ 26/3/2017، متاح على: https://www.qiraatafrican.com ، مع البحث بالعنوان المذكور

[10] المصدر السابق نفسه، ص 5 ( بتصرف)

[11] راجع: مهدي،محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في إفريقيا…، مصدر سابق

[12] راجع موقع IGAD على الرابط: https://igad.int/about-us/strategy ،( بتصرف وترجمة)

[13] راجع بيانات الصومال الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Somalia/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)

[14] راجع بيانات جيبوتي الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Djibouti/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)

[15] راجع بيانت إريتريا الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Eritria/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)

[16] راجع بيانات إثيوبيا الاقتصادية على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Ethiopia/Sec05.doc_cvt.htm ، (بتصرف)

[17] راجع: مهدي،محمد عاشور، مستقبل التكامل الإقليمي في إفريقيا…، مصدر سابق(بتصرف)

[18] راجع نص ما ورد في التقرير ضمن الوثيقة التالية على الرابط: https://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdb60d4_ar.pdf ، ص 6 ( بتصرف)

[19] المصدر السابق نفسه ، ص 8(بتصرف)

[20] راجع: صهيب عبد الرحمن، كيف تشكل تجارة القات الخريطة الاقتصادية في القرن الإفريقي؟، تقرير موقع حفريات، بتاريخ 4/6/2018، متاح على: https://www.hafryat.com ، مع البحث بالعنوان المذكور( بتصرف)

[21] راجع الوثيقة على الرابط: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf ، ص 45 ( بتصرف يسير)

[22] راجع الوثيقة التالية على الرابط: https://au.int/sites/default/files/documents/32456-doc-boosting_iat_assembly_au_2_xviii_arabic.pdf ، ص ص 60 ، 61 (بتصرف)

محسن حسن

باحث وأكاديمي مصري
زر الذهاب إلى الأعلى