ردود أفعال الشارع الصومالي على قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع  غينيا

تعدّ جمهورية غينيا من الدول الأفريقية في غرب أفريقيا والتي خضعت للاحتلال الفرنسي في الفترة ما بين 1849 إلى 1958م. تقع جمهورية غينيا على الساحل الغربي لأفريقيا، يحدّها من الشمال جمهورية السنغال وأجزاء من غينيا بيساو، ومن الجنوب جمهورية ليبيريا وسيراليون، ومن الشّرق جمهورية مالي وساحل العاج (أيفوري كوست)، ومن الغرب المحيط الأطلنطي. وعاصمتها كوناكري[1]، ونالت غينيا استقلالها من فرنسا في 2/أكتوبر-تشرين الأول/ 1958م[2].

زيارة موسى بيحي إلى غينيا:

قبل أيّام تلقّى موسى بيحي رئيس صوماليلاند دعوة من رئيس غينيا ألفا كونده يستضيفه في بلاده، فقام موسى بيحي على إثر ذلك بزيارة استغرقت يومين إلى جمهورية غينيا، حيث استُقبل هناك بحفاوة بالغة رفيعة المستوى.

انزعاج الحكومة الاتّحادية الصومالية من التصرّف الغيني

لم تكن غينيا الدولة الوحيدة التي زارها موسى بيحي منذ تولّيه السلطة، بل قام قبلها بزيارات إلى دول مختلفة مثل جيبوتي، كينيا، الإمارات العربية المتّحدة، وإثيوبيا، إلاّ أن زيارته الأخيرة إلى غينيا أزعجت الحكومة الاتّحادية الصومالية التي تسعى إلى إقامة حكم مركزي قويّ حيث تبذل جهودا جبّارة في إخضاع الولايات الفيدرالية وذلك عن طريق ممارسة ضغوطات سياسية واقتصادية على حكومات الولايات الفيدرالية المخالفة لها في السياسة العامة لإدارة البلاد، ورغم أن صوماليلاند تدّعي الانفصال عن بقية الصومال، إلاّ أن هذا الادّعاء الأحادي لم يحصل حتّى الآن على اعتراف دولي يمكن من خلاله لصوماليلاند ممارسة سياساتها كدولة مستقلة منفصلة عن الصومال، وهذا ما جعل الحكومة الاتّحادية تتعامل مع صوماليلاند على أنّها جزء من الولايات الفيدرالية المكونة للحكومة الصومالية الاتّحادية.

إن زيارة موسى بيحي إلى غينيا أحدثت نوعا من الارتباك في دوائر الحكومة الاتّحادية، وخاصة عندما تناقلت وسائل الإعلام صورا ومقاطع فيديوهات تظهر مدى استقبال السلطات الغينية لموسى بيحي، حيث كان استقباله استقبالا رفيعا يماثل الترحيب الرسمي الذي يحظى به  رؤساء الدّول المستقلة حيث كان هناك السجاد الأحمر المخصص لقادة الدول، كما كان هناك علم صوماليلاند إلى جانب علم غينيا في جلسة جمعت بين رئيس صوماليلاند مع رئيس غينيا، كلّ هذا وغيره، ربما، أثار حفيظة الحكومة الاتحادية الصومالية، والتي ارتبكت لمدّة قصيرة في الردّ المناسب لهذه الحادثة.

ويظهر ارتباك الحكومة الاتّحادية في المنشورات التي نشر على صفحات الوزارة الخارجية الصومالية في مواقع التواصل الاجتماعي حيث أن أحد هذه المنشورات كان عبارة عن إعلان موجّه لوسائل الإعلام المحلية والدّولية للمشاركة في مؤتمر صحفي يعقده وزير الخارجية الصومالية، لكن وبعد ساعات من هذا المنشور، نشرت الوزارة على صفحاتها أيضا منشورا آخر يفيد بتأجيل المؤتمر الصحفي للوزير إلى أجل غير محدد، وهو ما أثار موجة من التساؤلات وسط نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث علّق بعض الناشطين على تأجيل المؤتمر بعدّة تفسيرات، منها أن قادة الحكومة الاتّحادية يتشاورون حول عدّة قضايا تمس سياستها الخارجية ومنها قضية زيارة موسى بيحي لغينيا واستقباله هناك بصفة شبه رسمية، وهي القضية الأهم التي تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الصومالية

عقب هذه الأحداث، عقد وزير الخارجية الصومالية السفير أحمد عيسى عوض قبل يومين مؤتمرا صحفيا تناول فيه الموقف الرّسمي للحكومة الاتّحادية من تعامل السلطات الغينية مع زيارة موسى بيحي لبلادها، حيث أشار الوزير في مؤتمره الصحفي إلى أن الحكومة الاتّحادية قرّرت منذ ذلك الوقت قطع علاقاتها مع جمهورية غينيا التي انتهكت سيادة الوطن واستقلاله –حسب تصريحات الوزير-، والذي أضاف –أيضا- إلى وجود قوى خارجية أخرى تتعمد إلى تفكيك وحدة الصومال وتماسكه، وحذّر الوزير هذه الجهات من التمادي في هذه التصرفات، مضيفا بأن الصومال حكومة وشعبا لن يقبل المساس بوحدته واستقلاله وسيادته.

ردود أفعال الشارع الصومالي تجاه قرار الحكومة الاتّحادية:

تبدو ردود أفعال الشارع الصومالي تجاه القرار الحكومي متقاربة، حيث يشيرون إلى عدم تأثير هذا القرار على حياة الشعب الصومال بشكل كبير، ولعلّ ذلك يرجع إلى بُعد غينيا جغرافيا وسياسيا عن الصومال حيث أن قطع العلاقات بين البلدين لا يؤثّر كثيرا على شعوب البلدين إذ أنّه لا يوجد تبادل تجاري كبير بين البلدين، كما لا يوجد حدود مشتركة بين البلدين يتم غلقها تنفيذا لهذا القرار، وهو ما يشير إليه بعض المحللين إلى أن هذه الأسباب من أهم الأسباب التي شجّعت الحكومة الصومالية على إصدار هذا القرار بهذه السرعة، ويضيف المحلّلون، بأنّه وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة الصومالية ترسل رسائل سياسية ضمن هذا القرار إلى جهات تتعامل مع نظام صوماليلاند وكأنه كيان مستقل، ومفاد هذه الرسائل هو أن الحكومة الاتّحادية لن تتهاون في معاقبة من يفرط بسيادتها على أراضيها وتماسك شعبها.

لكن في المقابل هناك من يعتقد أن الحكومة الصومالية تسرّعت في اتّخاذ هذا القرار، حيث يفيد بعض المحللين، ومنهم البروفسور يحيى عامر الّذي أشار في حديث له لوسائل إعلام محلّية بأنّ الحكومة الصومالية تسرّعت في اتخاذ قرار قطع العلاقات مع غينيا، وأضاف بأن هذه الخطوة – أي قطع العلاقات مع غينيا- من شأنها أن تعرقل مسار المفاوضات بين الحكومة الصومالية والنظام الإداري في صوماليلاند، حيث تعتقد صوماليلاند أن الغرض من مثل هذه التصرّفات هو فرض حصار سياسي عليها، وهذا سيزيد الوضع السياسي بين النظامين تعقيدا وتأزيما.

من جانبه، وصف عبدالرحمن عبدالشكور، زعيم حزب وذجر المعارض، وصف قرار الحكومة الصومالية بأنه قرار تبدو عليه علامات التهور وعدم النضج الدّبلوماسي، مشيرا إلى أنّه لا يوجد أصلا علاقات دبلوماسية بين الصومال وغينيا، وأشار إلى وجود ازدواجية في ردود أفعال الحكومة الصومالية تجاه القضايا السياسية، حيث أفاد بأنه حين تقطع الصومال علاقاتها مع غينيا بسبب استقبالها الشبه الرسمي لرئيس صوماليلاند، تغضّ الطرف –أيضا-عن دول عاملت وتتعامل مع صوماليلاند وكأنه كيان مستقل قائم بذاته. وأفاد عبدالشكور في منشور على صفحته في الفيس بوك، بأنّ هذا القرار سيزيد هوة الخلافات بين الحكومة الصومالية والنظام الإداري في صوماليلاند.

ومهما يكن من أمر، فإنّه يجب على الدول والمنظمات الدولية احترام وحدة الصومال واستقلاله، وعدم بثّ الفرقة بين أبناء الوطن، في حين يتحتّم على القوى السياسية الصومالية وضع خلافاتها السياسية جانبا والعمل على وحدة البلاد من أجل الحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله وخاصة في هذه الأيام التي يحتفل فيها الشعب الصومالي لذكرى استقلاله 59 والتي توافق 26من يونيو/حزيران، والأول من يوليو/تموز من كلّ عام. ولن يتم ذلك –أي المحافظة على الوحدة والاستقلال- إلا عن طريق التفاوض المباشر بين الفرقاء السياسيين وتقديم تنازلات من أجل تحقيق المصالح العليا للعباد والبلاد.

[1]. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7

[2]. https://www.marefa.org/%D8%BA%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7

زر الذهاب إلى الأعلى