التسجيل الأخير لزعيم داعش في الصومال… دلالات الزمان والمكان

في أول ظهور له منذ سنوات ظهر زعيم تنظيم داعش فرع الصومال مع مجموعة من أنصاره المسلّحين في تسجيل مرئي نشرته وكالة الأعماق التابعة لتنظيم داعش.

يتمركز تنظيم داعش فرع الصومال في منطقة جبلية تبعد حوالي 75كم من مدينة بوصاصو الساحلية في بونت لاند

تصل مدّة التّسجيل حوالي 4 دقائق و45 ثانية، يجدّد فيها عبدالقادر مؤمن زعيم فرع التنظيم في الصومال البيعة لأمير التنظيم أبوبكر البغدادي.

ويرى كثير من المحللين أن هذا التسجيل لزعيم تنظيم داعش فرع الصومال له دلالات عميقة سواء من حيث الزمان والمكان.

فمن حيث الزمان يأتي هذا التّسجيل في وقت يتعرّض فيه تنظيم داعش المحلّي والدّولي ضغوطا عسكرية، تتمثل دوليا في القصف المكثّف لمواقعه من قبل التّحالف الدّولي، مما أدّى إلى إخلائه لمعظم مواقعه الرئيسة في العراق وسوريا.

أما محلّيا فيأتي تسجيل عبدالقادر مؤمن في وقت يتعرّض فيه فرع التنظيم في الصومال لقصف مكثّف من قبل الطّائرات الحربية الأمريكية والتي نجحت في إحدى غاراتها بالقضاء على الرجل الثاني لتنظيم داعش في الصومال وهو عبدالحكيم محمد إبراهيم (طوقب) الّذي توفّي إثر استهداف الغارات الجوية التي قامت بها الطائرات الحربية فيما بين مارس- آذار وإبريل- نيسان من هذا العام.

كما يتزامن هذا التّسجيل مع انتشار شائعات وأخبار حول الوضع الصحي للزعيم السبعيني، حيث تناولت وسائل إعلام أن الزعيم يعاني من أمراض مزمنة، وأنّه في وضع صحّي خطير، بل بالغت بعض هذه الوسائل في شأن مرضه حيث شكّكت في حياته ورجّحت إمكانية وفاته بسبب معاناته من الأمراض وإهمال طبّي لعدم تلقّيه العلاج اللازم، بسبب وجوده في منطقة نائية لا تتوافر فيها المشافي والأدوية.

كما يتزامن أيضا هذا التّسجيل في وقت تمارس فيه حركة الشباب ضغوطا على هذا التنظيم الّذي تخالفه في بعض السياسات.

كلّ هذه التوقيتات لها دلالات مختلفة أهمّها:

  1. إظهار تماسك التنظيم رغم تعرّضه لهجمات شرسة: يدلّ هذا التّسجيل لزعيم تنظيم داعش في الصومال إلى أن التنظيم لا يزال نشطا في القيام بأدواره رغم تعرّضه للغارات الجوية الأمريكية، وأنّه بذلك يرسل رسائل إلى الجهات المتربصة له مفادها أنّ التنظيم ما زال باقيا رغم الغارات الجوية الهادفة إلى عرقلة أنشطته العسكرية.
  2. لفت الاهتمام المحلّي والدّولي وإثبات وجود التنظيم في الساحة الصومالية: يعدّ هذا التّسجيل بمثابة لفت انتباه المهتمّين بشأن الحركات الجهادية، حيث يعتقد بعض المتابعين بأن وجود هذا التنظيم في الساحة الصومالية شبه معدوم، وأنّه ينحصر في منطقة جبلية بعيدة يصعب عليهم تنفيذ هجماتهم في المواقع الحيوية، وربما جاء هذا التسجيل لإزالة هذا الا عتقاد السائد لدى بعض أوساط المتابعين.

أما من حيث المكانفله دلالات أخرى، حيث يسعى هذا التّسجيل إلى دحض الآراء التي تجعل التنظيم منحصرا في العراق والشام، وبدلا من ذلك فإن هذا التسجيل يدل على أنّه متوغّل في مختلف بقاع العالم الإسلامي، ويمارس نشاطاته الطبيعية في الأماكن التي يتواجد فيه.

إن رسالة هذا التّسجيل هي إيصال الجهات المحاربة للتنظيم بأنّ التنظيم ما زال يمارس أعماله الجهادية، وأن زعيمه العام على قيد الحياة، حيث يجدّد أتباعه البيعة له رغم الانكسار والهزيمة التي لحقت التّنظيم في معاقله الرّئيسية في العراق وسوريا، بسبب غارات التحالف التي كثّفت من هجماتها على مواقع التنظيم في كلّ من العراق وسوريا.

ورغم الدلالات والرسائل التي يحملها التّسجيل الأخير لزعيم تنظيم داعش في الصومال عبدالقادر مؤمن، فإنّه من الواضح أنّ مجموعة من الخسائر لحقت بهذا التّنظيم الّذي كان يوما من الأيام قوّة فعلية في أجزاء كثيرة من العراق وسوريا، كما كان له دور كبير في تفجيرات ضخمة وهجمات شرسة حدثت في عمق أوروبا وأفريقيا وآسيا، إلاّ أنّه بدأ يتراجع وذلك عقب الهجمات التي شنّها التّحالف الدولي على المراكز الرئيسية للتنظيم في شتّى بقاع العالم مما أدّى إلى أن تلحق أضرارا جسيمة بكيان التنظيم، متمثّلة بفقد التنظيم لكوادره العسكرية، سواء قتلوا بالقصف الأمريكي مثل عبدالحكيم طوقب الرجل الثاني للتنظيم في الصومال، أو وقعوا في الأسر كما حدث مع “أبو أسامة المهاجر” زعيم تنظيم داعش في اليمن والّذي أعلن التّحالف الذي تقوده السعودية بالقبض عليه في 25/يونيو-حزيران/2019م، حسبما نشرته وكالة الأنباء السعودية.

كلّ هذا وغيره جعل البعض يعتقد أن تأثير التنظيم في الساحة بدأ يتراجع، تمهيدا لإزاحته من المشهد، إلاّ أنه من المبكّر جدا الجزم بزوال تأثير هذا التنظيم، وذلك بسبب التّخطيط العسكري للحركات الجهادية التي يستمرّ تأثيرها حتّى بعد إخلاء مواقعه ومراكزها الحيوية، وما تنظيم داعش إلا جزء من هذه الحركات التي تملأ ساحات العالم الإسلامي.

زر الذهاب إلى الأعلى