الذكرى 59 لاستقلال الصومال

يطلق الصوماليون على الفترة ما بين 26 يونيو/ حزيران إلى 1يوليو/تموز من كلّ عام بأسبوع الحرّية والاستقلال لوجود 3 أيام ذات أهمية كبيرة بتاريخ الصومال في هذه الفترة، إذ أن اليوم 26/يونيو- حزيران/1960م نالت الأقاليم الشمالية الصومالية استقلالها من بريطانيا في حين أنّ 27/يونيو- حزيران/1977م، نالت أقاليم الساحل الصومالي الفرنسي (جمهورية جيبوتي حاليا) استقلالها من الاحتلال الفرنسي، بينما نالت الأقاليم الجنوبية الصومالية استقلالها من الاحتلال الإيطالي في 1/يوليو- تموز/1960م، وفي هذا اليوم –أي في 1/يوليو-تموز/1960م-، تمّ توحيد الإقليمين الشمالي والجنوبي للصومال، ليكوّنا بذلك ما عرف لاحقا بجمهورية الصومال، مما يعني أنّ يوم 1/يوليو-تموز/1960م، ضم مناسبتين كبيرتين، هما: نيل الإقليم الجنوبي الصومالي على استقلاله، وتوحيد شطري الصومال في جسم واحد عرف بجمهورية الصومال، وهذا ما احتفلت به بعض الجماهير الصومالية يوم أمس الموافق للذكرى 59 لاستقلال الصومال وميلاد دولتها الجديدة المستقلة.

ويجدر بنا في هذه السطور الوقوف على بعض المحطات التاريخية الهامة لمسيرة استقلال الصومال:

موجز تاريخ الاحتلال في الصومال:

يعتبر الصومال من أشدّ الأراضي الأفريقية بل العربية والإسلامية التي تعرّضت لويلات الاحتلال، حيث تم تقسيم الأراضي الصومالية إلى 5 أجزاء رئيسة بين 5 دول أوروبية وأفريقية، والغريب في المسألة أن الصومال يعتبر الدّولة الوحيدة التي ساهم في تقسيم أراضيها دول أفريقية، حيث أن إثيوبيا وكينيا حصلتا – وبمساندة من الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا- على أراض ذات طبيعة وأغلبية صومالية، فكان إقليم أوغادين من نصيب إثيوبيا، بينما كانت أنفدي NFD من نصيب كينيا، مما كان له أثر سلبي على علاقات الصومال مع هاتين الدولتين منذ الاستقلال، إذ أن التوتّرات السياسية بل والمواجهات العسكرية بين الجانبين تعتبر السمة البارزة لعلاقات الصومال مع هاتين الدولتين المجاورتين.

بالإضافة إلى هاتين الدّولتين (إثيوبيا وكينيا) ساهم في احتلال الصومال 3 دول أوروبية وهي: بريطانيا التي احتلّت الأقاليم الشمالية، إيطاليا التي احتلّت الأقاليم الجنوبية، وفرنسا التي احتلت جيبوتي.

وكانت الاتفاقيات التجارية والمعاهدات التعاونية التي توقعها الشركات التجارية الأوروبية مع سلاطين المنطقة وأعيانها مدخلا للاحتلال الأوروبي إلى الأراضي الصومالية متستّرا بدعوى الحماية ونشر الحضارة.

وبمثل هذه الاتفاقيات احتلّت بريطانيا شمال الصومال عام 1884م، وسيطرت على مدنه الرّئيسة كزيلع وبربرة[1]، في حين أن إيطاليا استأجرت ساحل كسمايو عام 1889م، ومقديشو عام 1892م، ثم أعلنت حمايتها على الصومال الجنوبي عام 1896م، بينما كان يمتد مجيء الاحتلال الفرنسي لجيبوتي في الفترة ما بين شراء فرنسا لميناء أوبخ عام 1862، وحتّى تم الاتفاق بين فرنسا وبريطانيا عام 1888م، على أن تكون جيبوتي لفرنسا وزيلع لبريطانيا[2].

المقاومة الصومالية للاحتلال الأوروبي والحبشي:

لما وطّد الاحتلال أركانه في الأراضي الصومالية وشرع في إذلال الشعب الصومالي، نهض الشعب الصومالي بأسره لمحاربة الاحتلال ومنازلته عسكريا وسياسيا، فقامت حركات جهادية مسلّحة خاضت حروبا ومعارك شرسة ضدّ الاحتلال طلبا للحرّية والاستقلال.

ويعدّ السيد محمد عبدالله حسن وحركته الدّراويش من أشهر الّذين خاضوا حروبا ضدّ الاحتلال الأوروبي والحبشي، حيث أن حركة الدراويش خاضت معارك ضدّ الاحتلال البريطاني، والإيطالي، والحبشي، ومن ين هذه المعارك: أفبكيلة، وفرطدن، وبيرطغة، حققت الحركة في كثير من المعارك التي خاضتها إنجازات عسكرية، واستمرّ النضال المسلّح لهذه الحركة ما يقارب 20 عاما، حيث أنّ أولى الاصطدامات المسلّحة بين الحركة وقوى الاحتلال كانت عام 1900م، واستمرّ تبادل الهجمات والاصطدامات بين الطرفين حتى عام 1920م الّذي شنّت فيه بريطانيا على السيد وحركته الدّراويش هجوما مركّزا شمل القوات البحرية والجوية والبرّية مما أدّى إلى أن يلجأ إلى هضبة الصومال الغربي ليعيد تنظيم قوّاته من جديد، فوصل إلى إيمي في أكتوبر- تشرين الأول/1920م وقام هو ورجاله ببناء 13 قلعة جديدة رغم انتشار المجاعة والمرض في معسكره، حيث أصيب السيد محمد عبدالله حسن بمرض أثناء جمع قوّاته من جديد، إلاّ أن المنية وافته في 21/ديسمبر- كانون الأول/1920م[3].

وتخليدا لذكراه نُصب في مقديشو، وبالقرب من مبنى مقرّ البرلمان الصومالي تمثالا تذكاريا، إلاّ أن هذا التمثال كان من ضمن الممتلكات التي نهبت أو تهدّمت خلال الحروب الأهلية في البلاد.

ولم يكن السيد محمد عبدالله حسن الوحيد في مواجهة الاحتلال عسكريا فهناك الشيخ حسن برسني الّذي خاض حربا جهادية ضدّ الاحتلال وخاصة الاحتلال الإيطالي والحبشي.

وساهمت أحزاب سياسية –نشأت معظمها عقب الحرب العالمية الثانية- ساهمت هذه الأحزاب في مسيرة الحرّية والاستقلال، ويعدّ حزب وحدة الشباب الصومالي أهمّ  الأحزاب السياسة الصومالية المطالبة بالاستقلال.

 

استقلال الصومال:

بعد مسيرة كفاح طويلة تزيد عن 70 عاما، نال الصومال استقلاله من الاحتلال الأوروبي، حيث نال الجزء الشمالي من الصومال استقلاله من بريطانيا في 26/يونيو-حزيران/1960م، كما نال الجزء الجنوبي من البلاد استقلاله من إيطاليا في 1/يوليو- تموز/1960م، وفي نفس اليوم تم توحيد شطري البلاد تحت مسمى جمهورية الصومال، ونالت جيبوتي استقلالها من فرنسا -مؤخّرا أي في 27/يونيو- حزيران/1977م- ولذلك سمّي الفترة الممتدة من 26/يونيو-حزيران إلى 1/يوليو-تموز/ من كل عام، بأسبوع الاستقلال.

مظاهر الاحتفال بذكرى الاستقلال:

يحتفل الصوماليون بذكرى الاستقلال، وذلك بتنظيم مناسبات واجتماعات وطنية، يجتمع فيها نخبة المجتمع الصومالي، يُعقد غالبا في مقرّ بلدية مقديشو، يشارك فيها قادة البلاد، ويتمّ خلالها عرض برامج مختلفة من بينها الأشعار الحماسية والأغاني الوطنية التي تتحدّث عن قيمة الحرية وأهمية الاستقلال، كما يتم في هذه المناسبات إلقاء قادة البلاد خطبا يتحدّثون فيها عن الأبطال المجاهدين والمناضلين الّذين حاربوا المحتل بالسنان واللسان.

توقيت الذكرى 59 لاستقلال الصومال:

تتزامن الذكرى 59 لاستقلال الصومال هذا العام في وقت عصيب تتزايد فيه الخلافات بين الحكومة الاتّحادية والولايات الفيدرالية حول السياسة العامة لإدارة البلاد، كما تتزامن ذكرى استقلال الصومال هذا العام مع إغلاق معظم الشوارع الرئيسة في مقديشو لمدّة طويلة قد تصل إلى 3 أشهر مما عقّد التواصل والانتقال بين سكّان العاصمة حتّى شعر البعض بأنّه مسلوب الحرّية في وقت تقام فيه الحفلات الوطنية لإحياء الذكرى 59 لاستقلال بلاده!، فهذا عبدالرحمن علي أحد البنّائين الصوماليين ينقد الحكومة بإغلاقها الطرق لفترة طويلة حيث يقول عبدالرحمن علي في حديثه (ليس هناك معنى للحرية، طالما لا تستطيع ممارسة عملك اليومي الّذي تقتات عليه بسبب إغلاق الطرق).

ختاما، يجدر على كافة أطياف الشعب الصومالي في الذكرى 59 لاستقلال بلادهم، أن يتعاهدوا جديا بمواصلة ما بدأ به الآباء والأجداد من بذل وفداء وتضحية في سبيل القضية الكبرى للعباد والبلاد، كما ينبغي على المسؤولين أن يقتفوا أثر المجاهدين والمناضلين الصوماليين الّذين قضو نحبهم في سبيل تحرير البلاد.

[1] . https://halgankiixisbigasyl.wordpress.com/2014/06/27/xusuusta-xoriyada-26-jun/

[2] . https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/92e8886c-633f-4977-a08a-7ef6241be60d

[3] . آدم معلّم محمد حسن، السيد محمد عبدالله حسن الصومالي (حياته ومنهجه في الإصلاح في الفترة ما بين 1895 1920م)، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، مركز البحوث والدّراسات الإفريقة التابع لجامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم، 1431هـ/2010م، ص: 63_66 و76_85.

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى