مدارس تحفيظ القرآن الكريم بالصومال

مدارس تحفيظ القرن الكريم بالصومال PDF

مقدّمة

تهتم المجتمعات الإسلامية في شتّى بقاع العالم بتعلّم كتاب الله حفظا وتفسيرا، انطلاقا من قول الرّسول صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه”، ولكون القرآن الكريم المصدر الأول لمصادر التّشريع الإسلامي.

وقد تختلف المجتمعات الإسلامية في كيفية اهتمامها بتعلّم القرآن الكريم، إلاّ أنّه من شبه المتفق عليه بين معظم المجتمعات الإسلامية تخصيص مكان لحفظ القرآن بغضّ النظر عن الأسماء التي تطلق عليه. وقد يكون هذا المكان ملحقا تابعا لمدرسة أو مركز إسلامي، أو مسجد جامع، وقد يكون مكانا قائما بذاته.

وتعرف مدارس تحفيظ القرآن الكريم في الصومال (بملعمد أو كتّاب، أو دكسي)، ويعتبر الدكسي الاسم الأكثر إطلاقا على هذه المدارس في معظم أنحاء الصومال.

وكلمة دكسي كلمة صومالية يدلّ مدلولها اللغوي على المكان الدّافئ الذي يقي القر والحر، وبما أن الدّكسي يقي الناشئة من الجهل والأمية فقد أطلق الدكسي على “المكان المعدّ لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه وما يتطلّبه من تعلّم للقراءة والكتابة”1.

التطورات التاريخية للدكسي في الصومال:

لا يعرف حتّى الآن تاريخا محدّدا لنشأة الدكسي في الصومال، إلا أنّه من المؤكد أنه المكان الأول الذي يتلقى الصوماليون فيه تعليمهم، وتشير بعض الروايات إلى أن نظام التعليم في الدكسي قام على أكتاف المهاجرين المسلمين الذين وصلوا إلى الصومال في فترة مبكّرة، واستمرّ يؤدّي دوره حتى صار معلما مهما من معالم التعليم الإسلامي في البلاد2.

ويمكن القول بأن الدكسي بدأ وجوده في الصومال مع ظهور الإسلام فيها، كما يؤكّد معلمّ نور راغي – أحد مدرّسي القرآن بمقديشو- في حديثه للجزيرة نت، حيث قال: “أن “دكسي” (الكتاتيب القرآنية) يعتبر مؤسسة تربوية تقليدية ظلت عبر أزمنة طويلة من تاريخ الصومال الرافد الوحيد للمعرفة والأخلاق الإسلامية”3.

ومهما يكن من أمر فإنّ الدكسي مرّ بتطورات عمرانية عبر الأزمنة التاريخية التي مرّ بها إلاّ أن هذه التطورات العمرانية لا ترقى إلى المستوى الّذي يليق به، لكونه مكانا لتعلّم كتاب الله. ولعلّ بساطته في البناء هي التي ساعدت في أن ينتشر بكثرة في جميع أنحاء الصومال، حيث أنه من الممكن تواجد مجموعة من الدكسي في أحياء متقاربة ومتلاصقة، وغالبا ما يبنى الدكسي من أدوات البناء البسيطة كأغصان الأشجار المعروفة في الصومال بـ(ـطس Dhis)، أو من الصفيح والأخشاب وغيرها4.

أنواع الدكسي في الصومال:

يقصد بأنواع الدكسي هنا، الأنواع التي يتنوع إليها الدكسي طبقا للتقسيمات التعليمية الحديثة، وبناء على ذلك فإن في الصومال ثلاثة أنواع للدكسي وهي5:

الدكسي التقليدي: وهو الأكثر انتشارا في الصومال، حيث أنّه لا يتطلّب الكثير من أدوات البناء، وغالبا ما يتم بناؤه عند جنبات الطرق والشوارع، مما يقلّل حاجته إلى امتلاك رقعة رسمية من الأرض تكون ملكا له أو وقفا يتصرّف به أثناء تواجده هناك، كما أنّه لا يتطلب مجموعة من الإداريين والفنيين والمعلّمين، بل غاية ما يتطلّبه هذا النوع من الدكسي معلّم يحفظ القرآن ومكان يحضر إليه الطلاب.

دكسي شبه نظامي: وهذا النوع من الدكسي هي خطوة أولية لتطوير المكان الذي تتم فيه عملية تعلم القرآن وتعليمه، وكلمة “نظامي” في مجال التعليم يطلقها الصوماليون على التعليم الأكاديمي الحديث الّذي ينقسم إلى مراحل متعدّدة ومختلفة، أما شبه نظامي الّذي أطلقناه على هذا النوع من المدارس فيقصد بالمدارس القرآنية التي أقيمت بجهود أفراد أكاديميين -على الأقل أولئك الّذين أكملوا تعليمهم الثانوي أو ما يعادله-، ولديهم رؤية تطويرية تستهدف إلى تطوير المنهج التعليمي في المدارس، وغالبا ما تكون مثل هذه الأنواع من الدكسي في رقعة رسمية من الأرض، يدفعها المعلّم أو بعض المحسنين أجرة المكان، أو تكون أرضا أو مبنى وقفيا أنشئ لهذا الغرض، والصنف الأخير يتعذّر توفّره في الآونة الأخيرة.

الدّكسي النظامي: ويعرف أيضا بدُور القرآن الكريم، وهذا النوع خليط من النظام التعليمي المتطور في الدكسي، ونظام التعليم الأساسي بل والثانوي عند بعض هذه الدور. حيث تخصص هذه الدور فترة لتحفيظ القرآن الكريم وما يتبعه من مواد، والفترة الأخرى مخصصة للتعليم المدرسي، وقد بدأ ظهور هذه الدُّور أول أمرها في الصومال بشكل ملفت في عام 2002م، كما جاء في مقال لمحمد شعبان أيوب حول تعلمّ القرآن في أفريقيا نُشر على موقع مصر العربية في 1/ديسمبر- كانون الأول/2015م.

النظام الدراسي في الدّكسي وإجراءات الثواب والعقاب:

يختلف النظام الدّراسي في الدّكسي باختلاف خلفيات المعلّم التعليمية والأكاديمية، حيث أنّه لا يوجد على الإطلاق منهج تعليمي مخصص لمدارس تحفيظ القرآن، وكلّ ما يتمّ تدريسه في المدارس القرآنية هو مزيج من جهود الأفراد السابقين واللاحقين.

ويتّفق معظم العاملين بمدارس تحفيظ القرآن الكريم في الصومال على عدّة نقاط أساسية تعتبر محور العملية التعليمية في الدّكسي وهذه النقاط هي:

تحديد الفئات العمرية: حيث تحافظ معظم مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وخاصة مدارس الدكسي شبه النظامي، ومدارس الدّكسي النظامي، حيث تحدّد هذه المدارس عمر أصغر طالب يتمّ قبوله في الدكسي بخمس سنوات، في حين تحدّد عمر أكبر طالب يتم قبوله في الدكسي باثني عشر عاما، أما المدارس التقليدية فليس لديها، غالبا، هذا النوع من تحديد الفئات العمرية إذ أنّه من الممكن أن تقبل هذه المدارس طفلا لم يتجاوز الرابعة من عمره، كما يمكن – أيضا- لشاب عشريني الالتحاق بها، دون وضع خطة تنظيمية تراعي الفروق الفردية بين الطلبة المختلفين في العمر، كما أفاد بذلك معلّم حرو في حديثه لمركز مقديشو للبحوث والدّراسات.

الاهتمام بتعليم القراءة والكتابة: تعدّ القراءة والكتابة أساس العلم والمعرفة، لذلك يبذل المعلمون العاملون في الدّكسي جهدا كبيرا ليعلّموا الطلاب مبادئ القراءة والكتابة العربية، مستخدمين في ذلك أدوات تعليمية مختلفة، حيث يُستخدم –غالبا- اللوح والأقلام الخشبية في المدارس القرآنية التقليدية والتي تنتشر في القرى والأرياف والمدن، في حين أنّ معظم المدارس القرآنية النظامية وشبه النظامية والمنتشرة غالبا في المدن تستخدم كلاّ من السبورة والطباشير والدّفتر والقلم. وليس هناك منهج موحّد للقراءة والكتابة إلا أن هناك كتابان للقراءة والكتابة اشتهرا في أوساط المدارس القرآنية في الصومال وهما: معلمّ القراءة، ومبادئ القراءة المصوّرة.

تحفيظ القرآن الكريم: يتّفق معظم المعلّمين في مدارس الدكسي في الصومال ببدء تحفيظ الطلاب للقرآن الكريم من سورة الفاتحة، ثمّ سورة الناس، ثم سورة الفلق، وهكذا حتّى يكمل القرآن الكريم بتكميله لسورة البقرة، وغالبا ما يكون هناك جدول عمل يومي للمدرسة بحيث يشمل هذا الجدول درسا يوميا، مراجعة فردية يومية أو غير يومية تعرف في اللغة الصومالية بالدروريس (Dureeris) حيث يراجع الطالب ما تعلّم من القرآن الكريم، وهناك مراجعة جماعية تسمّى بالسُبع في اللغة الصومالية، وهي عبارة عن حلقة مدوّرة يكوّنها الطلاّب مع معلّمهم أو من يوكله إليه لهذه المهمة، ثمّ يبدؤون بتلاوة بعض أجزاء القرآن والتي يحدّد قبل زمن الحلقة إذ أن المطلوب أن يتلو كلّ شخص في الحلقة الآية عن ظهر قلب، فيبدأ المعلم بتلاوة الآية الأولى، ثمّ يقرأ الطالب الذي بيمينه الآية التي تلي الآية التي تلاها المعلّم وهكذا حتّى ينتهي المقدار المعيّن للسبع (Subac)، أو ينتهي الوقت المحدّد له. وتلتزم بعض المدارس القرآنية التقليدية وغير التقليدية بما يسمّى بهورس (Hooris)، وهو قراءة جماعية للجزء الأخير من كلّ آية أثناء حلقة السبع التي قدّمناها آنفا.

الثواب والعقاب في الدّكسي: يأخذ بعض التربويين على معلّمي القرآن الكريم إفراطهم في العقاب الجسدي للطالب الّذي أخفق في أداء واجباته اليومية المتعلّقة بتحفيظ القرآن الكريم، أو الّذي ارتكب مخالفة أيّا كانت نوعها. ويحاجج المعلّمون بأنّ العقاب وسيلة فعّالة لتأديب الصغار، ولعلّهم بذلك آمنوا المقولة الشهيرة القائلة بأنه “من أمن العقاب أساء الأدب”، ويحاججون أيضا بأنهم يعلّمون القرآن ويقتدون في ذلك بجبريل عليه السلام حيث شدّد على الرسول صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي عليه أول الأمر، ويفنّد التربويون حجّة المعلّمين الأخيرة بأن جبريل لم يعاقب الرسول صلى الله عليه وسلم على جرم ارتكبه، بينما المعلّمون يفرطون في عقاب الطلاب بسبب مخالفة بسيطة حسب رأي بعض التربويين. ومهما يكن من أمر فإنّه يبدو في الآونة الأخيرة أن العقاب بدأ يتراجع في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وخاصة في المدارس القرآنية النظامية وشبه النظامية، حيث حدّدت بعض هذه المدارس أقصى حدّ لضرب الطالب 3 جلدات في الكفّين أو في أي جز آخر من جسمه لا يخلّف جرحا، وبدلا من العقاب حلّ محلّها التحفيز والثواب الّذي يصل في بعض الأحيان إلى إعفاء الرسوم الدراسية لمدّة عام تقريبا للمتفوقين في القرآن والأخلاق.

دور الدّكسي في نشر الثقافة العربية والإسلامية بالصومال:

يلعب الدّكسي دورا هاما في نشر الثقافة العربية والإسلامية في أوساط المجتمع الصومالي لكونه المكان التعليمي الأول الذي يتلقّى فيه الطالب مبادئ القراءة والكتابة، وإنّه من المعلوم مسبقا أنّ أول ما يتعلّمه الطالب في الدكسي هو معرفة قراءة وكتابة الحرف العربي بدءا بحروف الهجاء وانتهاء بقراءة وكتابة القرآن الكريم وغيره مما يتم تعلّمه في الدّكسي.

هذا الدور الذي يلعبه الدكسي في نشر الثقافة العربية والإسلامية يحتاج إلى عناية فائقة وجهد جماعي مضاعف، لتحقيق غاية كبيرة وهي تأصيل الثقافة الإسلامية في نفوس الناشئة ليجابهوا الدعوات والمحاولات العبثية التي تسعى إلى استئصال الثقافة الإسلامية المتجذّرة في نفوس أبناء الصومال.

التحدّيات التي تواجه مدارس تحفيظ القرآن الكريم في الصومال:

تتمثّل التحدّيات التي تواجه مدارس تحفيظ القرن الكريم في الصومال بما يأتي:

غياب أماكن مخصصة لهذه المدارس: يعدّ غياب مكان مخصص لبناء الدّكسي تحدّيا كبيرا يواجه العاملون في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وهذا ما جعل وقوع معظم المدارس في أماكن غير مناسبة وغير لائقة بها، إذ أنّه ليس هناك جهة تموّل مشاريع إنشاء مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وغاية ما يقدّمه أولياء الأمور إلى المعلّم لا يكفي بسدّ حاجات المعلم المعيشية فضلا عن وجود مكان رسمي للدكسي، لذلك ينصح بعض المتابعين، المحسنين ورجال الأعمال والشركات التجارية ووزراة الأوقاف والشؤون الدينية البحث عن خطط لتطوير مدارس تحفيظ القرآن الكريم وإقامتها في أماكن مناسبة بها وبرسالته السامية.

إهمال المجتمع بما فيهم أولياء أمور الطلاب للدكسي: حيث لا يهتم بعض أولياء أمور الطلاب بتنظيم هندام أطفالهم عند ذهابهم إلى الدكسي كما يتم تنظيمهم عند ذهابهم إلى المدرسة، متذرّعين بأن الدكسي يقع في موقع غير نظيف أو أن الأدوات التعليمية المستخدمة في الدكسي مثل المداد المصنوع من الفحم يضرّ بنظافة الأطفال وهو ما يحمّلهم على أن لا يهتموا بتنظيم هندام أطفالهم عند الذهاب إلى الدكسي.

توصيات ومقترحات لتحسين أداء الدّكسي:

يقترح معلّم حرو، أحد مدرّسي تحفيظ القرآن الكريم، في حديثه لمركز مقديشو للبحوث والدّراسات ثلاث نقاط تساعد على تحسين أداء الدكسي وهي:

أن يبذل أولياء الأمور اهتماما كبيرا في متابعة مستجدّات المعلّم والطالب من قضايا في مجال تعليم القرآن الكريم.

أن يوجد منهج تعليمي موحّدد يعمّم تدريسه على جميع مدارس تحفيظ القرآن الكريم في الصومال.

أن يتلقّى معلّموا مدارس تحفيظ القرآن الكريم دورات تدريبية وندوات علمية تساهم في تنمية ثقافتهم وطرق تدريسهم مما يساعدهم على تحقيق الهدف التعليمي من الدكسي.

الخاتمة:

كان الدكسي ولا زال المكان الأول الّذي يتلقّى فيه الطفل الصومالي تعليمه الأول، لذا ينبغي على كلّ المعنيين بالقضية المسارعة في تطوير هذه المؤسسة التعليمية التقليدية والعريقة، حتّى يتحقق للجيل الناشئ مجابهة الدعوات المنحرفة، والآراء الضالة التي تسعى إلى تشكيك الأمة الإسلامية بثوابتها العقدية وأحكامها الشرعية، ولا يمكن مجابهة هذه الدعوات إلا بالعلم الشرعي، ولكون الدكسي المكان الأول الّذي يأتي إليه الطفل للتزوّد من العلم فإنّه لا بدّ من الاستفادة في استعدادات الطفل لتقبّل ما يتم تعليمه.

المراجع

  1. 1. د. محمد حسين معلم علي، الثقافة العربية وروادها في الصومال دراسة تاريخية حضارية، ط1، 1432هـ/2011م، دار الفكر العربي، مدينة نصر – القاهرة، ص: 229.
  2. 2. المصدر السابق، ص: 230.
  3. 3. https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2007/1/28/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%AE%D8%B4%D8%A8-%D9%88%D8%A3%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%81%D8%AD%D9%85
  4. 4. محمد حسين معلم، مصدر سابق، ص: 230.
  5. 5. مقابلة مع معلم حرو في مدرسته في: 10/يونيو- حزيران/2019م
زر الذهاب إلى الأعلى