ماذا ينبغي أن يكون موقف الصومال في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة؟

تشهد المنطقة الخليجية في الفترة الأخيرة توترات أمنية وتصعيدا عسكريا على خلفية إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات اقتصادية عليها وخصوصا القطاع النفطي  أهم الموارد الرئيسية لاقتصاد إيران.

من جانبها هددت ايران بإغلاق مضيق هرمز –الممر الرئيسي لناقلات النفط المصدّر من الخليج- في حال إقدام أمريكا على تنفيذ العقوبات الجديدة عليها.

لم يتوقّف الأمر عند الإدلاء بتصريحات إعلامية بل تعدّى إلى تحرّكات عسكرية حيث لوحظ في الأيام الأخيرة تحرّكات أمريكية في الخليج، مما زاد احتمالية الحرب بين الجانبين. أضف إلى ذلك تعرّضت أربع سفن تجارية لعمليات تخريب بالمياه الاقليمية لدولة الإمارات بالقرب من مياهها الإقليمي عند ميناء الفجيرة الذي تستطيع الإمارات والدول الخليجية تصدير النفط عبره دون المرور بمضيق هرمز.

ورغم أن عمليات التخريب التي تعرّضت لها السفن لم تخلّف خسائر مادية وبشرية، ولم يتم تحديد الجهة المنفذة لها حتّى الآن إلاّ أنها تبدو رسالة أو تلميحا ببدء المواجهة العسكرية في منطقة الخليج العربي، ومما يؤكّد ذلك تعرّض حقول نفط سعودية لعدوان  من قبل الحوثيين.

وهذا ما يساعد البعض على التنبؤ بنشوب حرب بين إيران والولايات المتحدّة الأمريكية، مؤكّدين أن الطرفين سيسعيان لكسب المجتمع الدولي وإقناعه بعدالة قضيته، وهنا لا بدّ أن يتساءل المواطن الصومالي بل ويقدّر ما سيكون الموقف الرسمي للصومال من هذه الحرب المحتملة باعتبارها طرفا أساسيا في الجغرافية الحربية سواء من حيث التأثير والتأثر.

وقبل أن نتطرّق إلى تحليل المواقف المحتملة للحكومة الصومالية من تلك الحرب، يجدر بنا إلقاء نظرة سريعة على العلاقات الصومالية مع الطرفين، إذ أنّه يمكن لنا الانطلاق من طبيعة العلاقات التي تربط الصومال بالجانبين.

أولا: العلاقات الصومالية الأمريكية

تعود تاريخ العلاقات الأمريكية الصومالية إلى عشية حصول الصومال على استقلالها في 1/يوليو- تموز/1960م، حيث بادر الرئيس الأمريكي آنذاك دوايت إيزنهاور بتحويل قنصلية بلاده في مقديشو إلى سفارة في عهد الرئيس الصومالي آدم عبد الله عثمان.

وعقب ذلك مرت العلاقات الأمريكية الصومالية بمراحل مختلفة حسب المصالح والمواقف السياسية التي تتعرّض لها الدولتين، غير أن الصورة العامة لتلك العلاقات كانت متسمة بالتجاذبات والتوتّرات السياسية، لعدّة أسباب منها الموقع الاستراتيجي للصومال، ورغبة الصومال في استعادة أراضيها في كلّ من كينيا وإثيوبيا، وهو ما لم تكن أمريكا جاهزة آنذاك في المشاركة فيه إذ أنها وقعت معاهدة عسكرية مع إثيوبيا في عام 1953 لمدة 25عاما قابلة للتجديد، مقابل حصولها على تسهيلات عسكرية في ميناء (كاجينوا) بإرتريا. ولعلّ ذلك ما جعل أمريكا تشترط في تسليح وحدات من الجيش الصومالي ألا يستخدم ضدّ إثيوبيا وكينيا، وهو ما لم يستسيغه الوفد الصومالي الذي زار الولايات المتحدة بقيادة رئيس الوزراء الصومالي آنذاك السيد عبدالرشيد علي شرمأركي أي في عام 1963م، مما أدّى إلى أن تتجه الحكومة الصومالية الي الاتحاد السوفييتي الذي وعد ببناء جيش صومالي قوامه 20 ألف جندي خلال عشرين سنة. ووقعت معاهدة تعاون بين البلدين في هذا الشأن في عام 1963م.

لكن وبعد توتّر العلاقات بين الصومال والاتحاد السوفييتي في السبعينات عادت الصومال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدورها عززت وجودها في الصومال للتحكم بحركة النفط القادم من بلدان الخليج، والتصدي لأي توسع روسي بالمنطقة، كما بنت قواعد عسكرية في شمال الصومال وخاصة أن جارتها أثيوبيا كانت حليفة لروسيا.

ووصلت العلاقات الأمريكية الصومالية أوجها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، حيث قدمت واشنطن في هذه الفترة مبلغ 20 مليون دولار للنهوض بالاقتصاد الصومالي في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى جانب إرسالها للقوات المسلحة الصومالية كمية من الأسلحة لحماية مصالحها من التهديد الروسي والحد من زحفها باتجاه القارة الأفريقية.

 وبعد اندلاع الحروب الأهلية في الصومال انقطعت علاقات الحكومة الصومالية بدول العالم ومن بينها أمريكا التي سحبت بعثتها الدبلوماسية من الصومال عام 1991م، لتعود أمريكا إلى الصومال بجيش قوامه 30 ألف جندي أمريكي بقرار من الأمم المتحدة لقيادة عملية إعادة الأمل في 9 ديسمبر/ كانون الأول عام 1992م.

لكن أمريكا واجهت الجنرال محمد فارح عيديد والذي استطاعت مليشياته إسقاط مروحية أمريكية ومقتل 18 جنديا أمريكيا في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 1993م، وسحل جثثهم في شوارع مقديشو مما أثار الرأي العام الأمريكي، والّذي عجّل باتخاذ قرار الانسحاب من الصومال وهو ما تم بعد ستة أشهر من تلك العملية المشهورة.

ومنذ ذلك الحين كانت أمريكا تراقب الأوضاع الأمنية الصومالية عن كثب وتديرها عبر وكلائها أو حلفائها في المنطقة سواء كانوا الدول المجاورة للصومال مثل كينيا وإثيوبيا، أو زعماء الحرب الصوماليين.

وخلال حكم المحاكم الإسلامية ازدادت اهتمامات أمريكا بالأوضاع الأمنية في الصومالية رغبة منها في مواجهة زحف المحاكم الإسلامية فساندت إثيوبيا في حربها ضدّ المحاكم الإسلامية في مقديشو.

وفي 17 يناير/ كانون الثاني 2013م، وخلال مؤتمر صحفي عقده كلّ من الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود ووزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيللري كلينتون أعلنت عن استعادت أمريكا علاقتها الدبلوماسية مع الصومال.

ورغم عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلّا أنّه وكما يبدو لافتا للنظر فإن الاهتمام الأمريكي في الصومال ينصب في الملف الأمني  فقط ، حيث تنفّذ الطائرات الأمريكية هجمات عسكرية على مواقع يعتقد أنها تابعة لمقاتلي حركة الشباب.

ثانيا: العلاقات الصومالية -الإيرانية 

بعيدا عن الجذور التاريخية للعلاقات الصومالية الإيرانية يجدر بنا إلقاء نظرة على العلاقات الصومالية الإيرانية الحديثة، ففي بداية الثورة الإيرانية في 1979م، كانت الصومال تتمتع بعلاقات عربية وطيدة، إذ أنها انضمت إلى جامعة الدول العربية قبل ذلك بأعوام قليلة أي في 1974م، ما دفعها لارسال وحدات من الجيش الصومالي إلى العراق والقتال ضد ايران إلى جانب الجيش العراقي في الحرب العراقية الإيرانية حيث أسر ما يقارب 20 مقاتلا صوماليا أفرج البعض منهم في 1998م بعد انتهاء مدّة محكوميتهم.

إضافة إلى ذلك كان النظام الاشتراكي القائم في الصومال يحارب الصحوات الإسلامية، والثورة الإيرانية قائمة على أسس دينية لذلك كان لزاما أن لا يتم حدوث علاقات ثقافية واجتماعية بين البلدين في هذه الفترة وإن كانت العلاقات الدبلوماسية الرسمية قائمة.

وخلال الحرب الأهلية الصومالية لم تكن هناك علاقات إيرانية صومالية تذكر ، بل كان دورها مزعزعا.في أيام المحاكم الإسلامية في الصومال، “اتهمت الأمم المتحدة -عبر اللجنة الأممية لمتابعة فرض حظر الأسلحة على الصومال- حزب الله في لبنان، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولًا أخرى بإرسال أسلحة وذخائر إلى المحاكم الإسلامية، وكذلك تدريب مقاتلين صوماليين في معسكرات حزب الله في لبنان، وإشراكهم في حرب تموز/يوليو عام 2006 ضد إسرائيل، وأشارت هذه التقارير إلى أن إيران تريد دعم المتطرفين في القرن الإفريقي”.

بدأ الدور الإيراني في الصومال ملحوظا في أيام حكم الرئيس الصومالي الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد وخصوصا عند إعلانه حالة المجاعة في المناطق الجنوبية الصومالية عام 2011م، حيث “زار وزيرُ الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي مقديشو في أغسطس/آب عام 2011م، والتقى بالرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وأعلن آنذاك بناء مستشفى متكامل ومجهز لتلبية الاحتياجات العلاجية، مع إنشاء مخيم يتسع لألفى نازح، وهي المرة الأولى التي يُسجَّل فيها اهتمام إيراني رسمي”.

“وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، توجه الوزير الإيراني نفسه إلى مقديشو مرة أخرى، والتقى خلالها الرئيس حسن شيخ محمود، في القصر الرئاسي، وأعلن أثناء مؤتمره الصحفي افتتاح سفارتهم في الصومال بعد أكثر من عقدين من الغياب، وفتح مكتب للهلال الأحمر الإيراني، ومكتب آخر لمؤسسة الإمام الخميني الخيرية.”.

وهكذا بدأت إيران تتوغل في المجتمع الصومالي عبر العمل الإنساني، حتّى تعدّاها الأمر إلى القيام بأنشطة مشبوهة تتردد شكواها على المسامع مما أدّى في النهاية وبناء عليها أن تقدم السلطات الصومالية مطلع عام 2016م على اتخاذ قرار طرد السفير الإيراني لدى الصومال وإغلاق سفارتها والمكاتب التابعة لها.

بعد الاستعراض لعلاقات الصومال مع كلّ من إيران وأمريكا فإنه يمكن لنا وبالانطلاق مما توصّلنا إليه أن نتنبأ بموقف الصومال في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. ويصعب على المتابع للشأن الصومالي التنبؤ بمواقف الحكومة الصومالية تجاه القضايا السياسية الحساسة، ولعلّ ذلك راجع لكون الحكومة الصومالية في طريق تكوينها ولذلك تتحاشى الدخول في القضايا التي لا تهمها سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ومع ذلك فإنّه وبالمقارنة بمواقف صومالية تجاه قضايا مماثلة يمكن أن تعطينا تصوّرا تقريبيا لموقف الصومال تجاه الحرب الإيرانية الأمريكية المحتملة، ومن تلك المواقف:

  • موقفها من الحرب في اليمن
  • موقفها من الأزمة السعودية الكندية في 2018م.
  • موقفها من الأزمة الخليجية
  • موقفها من قضية مقتل جمال خاشقجي.

وقفت الصومال في حرب اليمن مع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وذلك إيمانا منها بأنّ ما يربط بينها وبين المملكة أقوى بكثير مما يربطها بجماعة الحوثي التي تتلقى الدعم من إيران.

وقفت الصومال أيضا إلى جانب المملكة العربية السعودية في الأزمة التي اندلعت بين كندا والمملكة على خلفية اعتقالات قامت بها المملكة داخل أراضيها، فأدانت كندا تلك الاعتقالات واعتبرتها انتهاكا لحقوق الإنسان، وهو ما اعتبرته المملكة العربية السعودية تدخلا سافرا لشأنها الداخلي، وهو ما أكّدته الخارجية الصومالية في بيان أصدرته آنذاك.

وقفت الصومال موقف الحياد من الأزمة الخليجية واعتبرته خلافا عائليا يجب حله داخليا، ولذلك لم تنضم إلى الكتلتين، ورغم ذلك، يعتقد البعض أنها تنحاز سياسيا إلى قطر التي تساندها في كثير من المجالات الاقتصادية والأمنية.

وقفت الصومال إلى جانب المملكة العربية السعودية إثر الهجمة الدبلوماسية الشرسة التي شنت على المملكة العربية السعودية على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.

من خلال اطلاعنا  على الموقف الصومالي تجاه القضايا السابقة فإنه من الممكن أن تقف الصومال أحد الموقفين الآتيين تجاه الحرب المحتملة بين إيران والمملكة المتحدة، وهما:

  1. موقف الانحياز لسياسة المملكة العربية السعودية: سيكون موقف الصومال تجاه الحرب المحتملة الانحياز لسياسة المملكة العربية السعودية وتأييدها، مما يعني أنّها تكون في صف جامعة الدول العربية التي هي عضو منها، وفي صف المملكة العربية السعودية التي في خلاف عقدي وسياسي مع إيران والذي غالبا ما سيكون موقفها من تلك الحرب منحازا للويات المتحدة الأمريكية لما يربط بينهما من علاقات تعاون وطيدة، ولكون إيران الخصم اللدود للمملكة في المنطقة وذلك بتأييدها لجماعة الحوثي في اليمن التي في حرب وطيس مع المملكة العربية السعودية منذ 2015م.
  2. موقف الحياد: ويمكن أن تتبنّى الصومال موقف الحياد تجاه هذه الحرب، تجنّبا لأيّ صدام مع قوى أخرى تدعمها مثل تركيا وقطر اللتان تعدّان حليفا لطهران، حيث من الممكن أن تقف هاتين الدولتين موقف الحياد من تلك الحرب، واحتراما لموقف الدولتين تقف الصومال موقف الحياد هي أيضا في هذه الحرب حتى لا تخسر كلّ الأطراف، لكن هذا الموقف يضر بشكل كبير مصالح الصومال في الدول الخليجية ويعتبر نكرانا للعلاقات التاريخية بين الصومال والدول الخليجية عموما والمملكة العربية السعودية بشكل خاص.
زر الذهاب إلى الأعلى