«الباصات البحرية» … الرئة التي تتنفس بها مدينة «مركه» المحاصرة 

تقع مدينة «مركه» الساحلية عاصمة إقليم شبيلي السفلى جنوب العاصمة الصومالية مقديشو وتبعد عنها مسافة 90كم تقريبا. تطلّ المدينة على المحيط الهندي الّذي يحدّها من الشرق، مما جعلها من أهم المدن الساحلية في الصومال.

تشتهر مدينة «مركه» بإنتاج الأقمشة التقليدية الصومالية والمعروفة بأليندي، كما أن معظم سكّانها يشتغلون بالتجارة والزراعة والرعي وصيد الأسماك.

كانت «مركه» منذ سقوط الدّولة المركزية، مسرحا للمواجهات بين العشائر المتقاتلة والحرب بين  الحكومة وحركة الشباب المرتبطة بتظيم القاعدة، حيث يتناوب السيطرة عليها لسنوات القوات الصومالية وحركة الشباب المتمردة والمجموعات القبلية المسلحة .

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008م سقطت المدينة في أيدي حركة الشباب واستمرّ حكمها حتّى أواخر أغسطس/آب عام 2012م حينما دخلتها القوات الصومالية مدعومة بقوة بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال.

في يوليو/تموز عام 2016م عاد حكم حركة الشباب من جديد إثر انسحاب القوّات الإفريقية منها. لكن لم يدم هذه المرة طويلا، وأطيح حكمها 19/ أغسطس/آب عام 2018 م على أيدي الجيش الصومالي .

ومنذ ذلك الحين ومدينة «مركه» في قبضة الحكومة ويتطلع أهلها إلى مزيد من الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها رغم التحديات الأمنية والاقتصادية  التي تواجههم، حيث تحدث بين الفينة والأخرى هجمات وعمليات اغتيال تنفذها حركة الشباب داخل المدينة أو مداخلها الرئيسة، وللتغلّب على هذه العراقيل أصدرت إدارة «مركه» عدّة قرارات بينها إلزام الداخلين إلى المدينة بتسجيل أسماءهم عند مراكز الشرطة ووجود كفيل يتم الرجوع إليه عند الضرورة.

رغم الجهود التي تبذلها إدارة المدينة الا أن  سكان مدينة «مركه» يعانون من حصار خانق فرضته حركة الشباب على المدينة في أوائل إبريل/نيسان الماضي، حيث منعت السيارات والبضائع من المدينة وإليها،  ما أدى إلى ارتفاع أسعار المعيشة وتفاقم الحياة اليومية للسكان الذين كانوا منهكين أصلا من جراء الحرب الأهلية والكوارث الطبيعية.

قامت الحركة في مطلع إبريل/ نيسان الماضي بمقتل اثنين من أشهر تجار المنطقة عند أحد مداخل مدينة «مركه» إثر محاولتهم إدخال مواد غذائية على متن عربتين تجرهما الثيران. هذه الحادثة أربكت السكان، وأجبرتهم على البحث عن بديل للطريق البري بين مقديشو الرئيسي ومركه، غير أنهم لم يجدوا أمامهم سوى أحد هذين الخيارين:

  • طّريق جنالي – بولو مرير- مركه وهو طريق طويل وشاق ويمرّ بقرى ومدن كثيرة في شبيلى السفلى، ويستغرق السفر عبره ما يقارب 24 ساعة أو أكثر من ذلك بقليل.
  • إنشاء سفن نقل تعمل بين «مركه» و«مقديشو» وهي محاولة لا تخلو من المخاطر إلاّ أنها ساهمت ولو بدرجة قليلة تخفيف الأعباء الناجمة من الحصار الذي فرضته حركة الشباب على المدينة.

أصبحت هذه السفن وسيلة النقل الرئيسية التي تنشط بين«مركه» و«مقديشو» ، وهي عبارة عن سفن متوسطة الحجم كتلك التي تستخدم في ضفاف الأنهار وشواطئ البحار، إلاّ أنّ ركّابها الآن ليسوا سياحا وإنّما ألجأتهم الظروف لاستخدام هذه السفن كوسيلة تمكنهم من دخول مركه وإدخال المواد الغذائية والأدوية وبعض البضائع والسلع الأساسية الأخرى عبرها لتستمرّ الحياة وبات الرئة الوحيدة التي ينفس بها سكان مدينة «مركه» .

وذكر أشخاص  سافروا عبر هذه السفن لمركز مقديشو للبحوث والدراسات فإنها تتسع للرحلة الواحدة لما بين 20 _ 40 شخصا حسب حجم السفينة، تنطلق من ميناء«مركه»، وتبلغ قيمة سعر الشخص الواحد الذي يسافر عبرها ما بين 15 _ 20 دولار أمريكيا.

وتخضع تحرّكات تلك السفن للظروف والأحوال الجوية وما يترتب عنها من تقلّبات الأوضاع البحرية، كما أن الرحلة العادية بين مركه ومقديشو عبر هذه السفن تستغرق ما بين ساعتين أو ثلاثة، وهو ما يزيد الإقبال الشديد عليها من قبل المعنيين بحركة التنقل بين مركه ومقديشو، حيث أنّه يوجد في مقديشو نقطتان رئيسيتان لانطلاق هذه السفن، فالأولى عند شاطئ ليذو في مقديشو، والأخرى عند شاطئ منطقة جزيرة الواقعة جنوب مقديشو، كما أن هناك مكتب ينظم الرحلات ويحدد لكلّ شخص موعد رحلته، بينما الرحلة من«مركه» إلى«مقديشو» مشروطة باكتمال عدد الركاب الّذين تسعهم السفينة.

ومع أنّ هذه السفن ساهمت في تخفيف معاناة سكّان مدينة«مركه» إلاّ أنّها ليست خالية عن مخاطر بحرية وأخرى أمنية، حيث ذكر أحد المسافرين لمركز مقديشو عبر هذه السفن أن السفينة التي كان يركبها في إحدى رحلاته ضلّت عن الطريق المعهود التي كانت تسلكها بسبب الأحوال الجوية واقتربت من قاعدة ساحلية لحركة الشباب مما جعلهم عرضة لإطلاق الرصاص الحيّ تجاههم، إلاّ أنّ هذه الحادثة لم تسفر عن خسائر بشرية ولا مادية غير الرعب والخوف الّذي أصاب الركاب.

وتحدث مثل هذه الحوادث لبعض قوارب الصيد عند اقترابهم من القواعد التي تقيمها حركة الشباب عند السواحل حيث أنها تقوم بإطلاق الرصاص تجاه هذه السفن خوفا من مباغتة السفن التابعة للجهات التي تعتبرها معادية.

أكّد المسافرون عبر تلك السفن الذين تحدثوا لمركز مقديشو للبحوث والدراسات أنه لا يمكن أن تكون هذه السفن بديلا عن الطرق التقليدية التي اعتادها السكان مرورها طيلة العقود الماضية، مطالبين الأطراف المتنازعة على سيطرة مدينة «مركه»، بإعادة النظر في قراراتهم وتجنيب المدنيين من مخاطر الصراع، والسماح لهم بحرية التنقل وممارسة نشاطاتهم اليومية من خلال فتح كافة الطرق البرية المؤدية لمدينة «مركه» عروس المحيط الهندي.

زر الذهاب إلى الأعلى