وعلى الثلاثة الذين افتضحوا

ورد في المثل أنه “عند الشدائد يُعرف الرجال”، ذلك أن الشدائد تتكشف معادن الناس الأصيلة، وتمنحنا فرصة ثمينة لنتعرف على الوجوه الزائفة التي تتقنع بقناع الوطنية، كي نتمكن من كنسها من الذاكرة إلى الأبد.

ففي الحادثة الأخيرة التي حصلت في مطار جومو كينياتا مع مسؤولين كبار في الحكومة الفيدرالية الصومالية سقط القناع عن ثلاث من هؤلاء؛ وهم، وزير التخطيط والتعاون الدولي، السيد جمال محمد حسن، ووزيرة الصحة، الدكتورة فوزية أبيكر نور، ومستشار الأمن للرئيس فرماجو، السيد عبدي سعيد موسى.

فالحادثة بقدر ما أفصحت عن نوايا كينيا العدائية تجاه الصومال، بقدر ما أسقطت القناع عن الوجه الكالح لبعض كبار مسؤولي الحكومة الفيدرالية، وأظهرتهم على حقيقتهم من دون زيف. ولا أبالغ إن قلت، أن ما فعلوه في مطار كينياتا، يستوجب إنزال سور -وليس سورة فقط- من القرآن، يتلى إلى يوم الدين، تفضح مواقفهم، وتكشف لنا سرائرهم في اللحظات الأخيرة قبل أن يذعنوا لسلطات مطار كينياتا، ويشهروا بجوازات سفر أجنبية، فقط من أجل الدخول إلى نيروبي. وهل الوصول إلى نيروبي يفرض على مسؤولي الحكومة الفيدرالية كل هذا الخنوع والاستسلام، والانسلاخ كليا من الجواز الصومالي، والتبرئة منه؟!.

إن الصورة الحقيقية التي تظهر جليا في سياق هذه الحادثة الاستفزازية، تعطينا انطباعا حقيقيا بأن لا أحد من مسؤولي الحكومة الفيدرالية يستطيع الصمود ساعة أمام مسؤولية الضمير، إذا كان الأمر متعلقا بمسألة الجواز، فهم على قناعة تامة بأن جواز بلادهم لا يشفع لهم السفر إلى الخارج، ولا يضمن لهم الخروج الآمن من المطارات الدولية. تلك القناعة المتجذرة في عقليتهم أضحت الجواز الصومالي غير ذي قيمة أصلا، وأنه لا يختلف عن منديل الحمام في شيء؛ سوى أنه يصدر من دائرة حكومية فقط!، فإذا كان جواز بلدك بهذه الوضعية الوضيعة، بسبب مسؤوليك، فكيف بجهة أخرى أن ترفع من قيمته، وترد له الاعتبار؟.

ببساطة، فالحادثة وإن كانت عبارة عن سحابة صيف تنقشع قريبا -كونها تأتي في إطار افتعال أزمة مع الجيران، لا أكثر-، إلا أنها تركت في نفسية الشعب جرحا غائرا، لا يندمل في القريب العاجل، ذلك أنه ازداد يقينا بأن لا أحد من مسؤوليه لديه ولاء كامل لجواز بلده، والاعتزاز بهويته، والدفاع عن كرامته، وأن مسرحية “إعادة الاعتبار للجواز الصومالي” مجرد نكتة سمجة، يحيك فصولها سماسرة أجانب بقناع وطني زائف، وإلا فسّر لي كيف يتجرأ مسؤول حكومي رفيع أن يُشهر جوازا أجنبيا في أول امتحان للنخوة والكبرياء، ضاربا عُرض الحائط بهويته التي يدّعي أنه يردّ لها الاعتبار؟، كيف يتطابق هذا الادّعاء الفارغ بالنفاق العلني والتبرَئ من الجواز الصومالي؟، وكيف لهؤلاء أن يظلوا وزراء ونوابا ومستشارين، ويمثلوا الصومال في المؤتمرات العالمية؟ كيف لمن انسلخ عن هويته -باعتبار الجواز هوية- أن يمثل شعبا، ويتحدث باسمها؟، كيف له أن يقرر مصيرهم، وهو يتباهى بالجواز الأجنبي؟

كنّسوا من ذاكرتكم هؤلاء الذي افتضحوا في أول امتحان للكرامة، واركلوهم صوب أقرب حاوية قمامة، “ولا تدعوهم يمرّون من فوقكم” فلا شي -في الحقيقة- يقبل أن يظل الحال مزريا للأبد هكذا، إلا إذا كان الشعب من الصنف الأهبل!

محمد الحمراوي

محمد حمراوي كاتب ومدن صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى