قبيلة “أيله” في الصومال… سكان منطقة بور-هيبه الأصليين 

 قبلية “أيله” من القبائل الصومالية الصغيرة التي تعيش على هامش المجتمع، ويرفض قطاع عريض من الصومالين مصاهرتها أو التعامل معها وتنتشر أبناء قبيلة “أيله” في قرى وبلدات تابعة لإقليمي باي وبكول غرب الصومال وأجزاء من محافظتي شبيلي السفلى وجوبا الوسطى في الجنوب، ووصف بعض الكتاب بأنهم ناس قوي البيان، طوال القامة،  مفتولوا السواعد والعضلات ولديهم سمات وسجايا تحتلف عن خصال الشخصية الصومالية الحامية، ويعتمدون على  صيد الحيوانات  بواسطة الكلاب، وصناعة أدوات الصيد كالسهام التي تحمل رؤوسا مسممة، والأقواس للحصول على الطعام والغذاء، وعاش كثير منهم  في سفوح الجبال وأعماق الغابات الكثيفة بعيدا عن أعين الناس، وتعقيدات الحياة اليومية، حيث يقضى أفراد الأسرة دون تفريق بين الكبار والصغار والرجال والنساء جل أوقاتهم في الترحال والتنقل بحثا عن الماء والصيد حاملين معهم شعب السفود وأدوات الطهي لا يخافون سوى الموت.

عاشت  قبيلة “ أيله” في الأراضي الصومالية منذ عهد حكم الأروميين، فعندما هزم الأوروميون سلطنة الأجوران في منطقة بورهكبا غرب الصومال ومحيطها وتمكنوا من السيطرة عليها بشكل كامل ، جاء إلى منطقة بور- هيبه  باقليم باي أناس مجهولون يشبهون قبائل “كبلا-له”( Kablaale ) و”غرماغله” (Garmagale)  الذين عاشوا قبلهم في تلك المنطقة وكانوا يتميزون بالطول الفارع والبنية القوية. تنحذر قبائل “كبلا له” و”غرما غله” من مجموعة النيليين الحاميين (Nilo-Hamitic) الذين قطنوا في جنوب شرق السودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا، وجاءؤوا قبل أو مع الصوماليين الذين وطنوا فترة بمناطق في وسط إثيوبيا.

وكانت المجموعة الجديدة التي قدمت إلى منطقة بور-هيبه بعد احتلال الاورميين لإقليمي باي وبكول تمارس مهنة الصيد البرى بالكلاب ولذلك أطلق الصوماليون عليهم بـ”إي-له” وتعني باللغة الصومالية (صاحب الكلب)، وأقامو في سفوح جبل هيبه ( Buur – Haybe) الذي يقع على بعد حوالي 180 كم شمال غرب مقديشو  وعلى بعد حوالي 75 شرق مدينة بيدوة، ويسمى أيضا بور أيله (جبل ـ أيله) مما يشير إلى السكان المؤسسين للقرى والبلدات المحيطة (بردالي ، موني ، وهوال -طيري). ومدينة بردالي التي تقع تحت الجبال ، هي السوق الرئيسية لبلدة بورـ أيله.

تاريخياً ، كان بور هيبه مركزًا سياسيًا ودينيًا مهمًا في المنطقة لسلالات كانت تعيش هناك ما قبل الإسلام وكانت تستخدم (بور هيبيه) أو (بور أيله) مقرا لها، وكان هناك مقابر لرجال قدسين مجهولي الهوية يزار من قبل السكان المحليين، وكان هناك خندق لا يمكن لأي شخص لديه ماض شرير أن يعبره ، ولكنه

يسقط فيه بلا عودة. خلال عهد الإسلام ، تم إعادة تسمية تلك المواقع في بلدة بور هيبه على أنها مواقع إسلامية مقدسة. على سبيل المثال ، هناك مقامات يزورها أهل البلدة مثل مزار (Abul Al Qasim) ، وهو أسم آخر لنبي الإسلام وإلى ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني.

 وكان مجموعة  “أيله” يأكلون من لحوم الحيوانات البرية واحيانا يأكلون من المواشي دون إذن صاحبها مما كان يسفر عن اندلاع مواجهات دامية وحروب مع القبائل الصومالية الرعوية في تلك المنطقة، وكان أبناء قبيلة أيله رجالا شجعانا يتقنون فنون القتال وخاصة فن الرماية واستخدام الكلاب المدربة والسهام المسمومة التي لم يكن استعمالها في ذلك الوقت مشهورا في تلك المناطق والتحصن في الجبال التي كانت استراتيجية قتالية لم يكن يعرفها أبناء القبائل الأخرى.

أصول قبيلة أيله

وفق ما يقوله بعض علماء الانثروبولوجيا الصوماليين جاء أصل كلمة “أيله” من الكلمة الصومالية ( Eey -leh) وتعني  بلهجة ماي ( لهجة قبائل رحنوين) الذي يملك الكلاب ولهذا سمي أيضا الجبل الذي سكنوا فيه جيل “أيله” ( Buur-Eyle). ويعتقد أن قبيلة أيله جاءت من إثيوبيا ومما يدل على ذلك  السم الذي كان يستخدم أبناؤها، لأن هذا السم لم يكن يصنع في تلك المنطقة وكان يأتي من إثيوبيا، وجاءت هذه المجموعة إلى منطقة باي ومعها السهام المسمومة، ويقال أنهم هاجروا لأسباب أمنية من مناطق في  إثيوبيا  التي عاشوا فيها لفترة طويلة،حيث هزموا في معاركة طاحنة خاضوها مع قبائل أخرى ما اضطرهم  إلى  الهجرة وهناك قرائن تدل على أنهم جزء من عشيرة “شبيلي” التي تنتشر في الحدود بين الصومال وإثيوبيا وأن الاثنين تم طردهما من إثيوبيا جراء حروب قبلية وهناك أوجه شبه بين المجموعتين، بحسب ما ورد في كتب تاريخية. وهناك سببان دفعت الأيليون إلى اختيار  تلك المنطقة للسكن، أولا لأنهم كانوا صيادين والمنطقة تتمتع بالأشجار العريسة المليئة بالحيوانات ، والسبب الثاني وجود عيون مائية غذبة لا تنضب  حتى  في  أوقات الصيف ومواسم الجفاف.

عاداتها وتقاليدها

يعتقد البعض أن قبيلة أيله كانوا لا دينين وحتى عندما وصل الإسلام إلى الصومال لم يمارسوا الشعائر الدينية ولم يشاركون في التجمعات الدينية ، مثل الصلوات في المساجد وزيارات الأضرحة والسبب في ذلك انشغالهم في عمليات الصيد وجمع الثمار، وكانوا يصطادون طوال العام وهم كذلك حتى الآن. وكانت لديهم عادات وتقاليد مستوحاة من مهاراتهم  وكانوا يصطادون الظبي والغزال والزرافة والنعامة والطاؤوس والحرباء. وكان لقبيلة “أيله” قيادات عشائرية تتمتع بالسلطة والإحترام  لدى القبيلة وكانوا يصطادون في الغالب جماعات وتحت قيادة رجل منهم وكان ذلك من أسباب وحدتهم وتماسكهم وبقائهم في تلك المنطقة لمدة طويلة رغم الحروب  التي كانوا يخوضونها باستمرار مع المجتمع الرعوي والزراعي في تلك المنطقة.

 وكان لقبيلة أيله رقصات شعبية لكن معظمها انقرضت ومن بين الرقصات الي لا تزال  باقية، رقصة إسمها بال – دوريو(Baal- Dooriyow) وهي رقضة يمارسها الصيادون حيث يظفرون بإصطياد حيوان كبير مثل الزرافة.

قيادات مشهورة من قبيلة “إيله”

كان في منطقة بوهكبا قائدا مشهورا إسمه دوبكا -بالو ( Dubkaa-baalow) ينحذر من عشيرة أي لي وكان قائدا مستبدا ذائع الصيت في تلك المناطق وكان متهما بإرتكات انتهاكات خطيرة ، مثل القتل  والاغتصاب والنهب والسلب. وكان يقطع الطريق أمام المسافرين وكان يقتل كل غريب ويسلب أمواله على العكس من ذلك  كان يتعامل مع عشيرته معاملة طيبة حتى نصبوه سلطانا لتلك المنطقة وكان له مساعدين يشاركون معه في القتل والأعمال الشنيعة التي كان يرتكبها، وكانوا يبلغونه إذا دخل مسافر غريب في منطقتهم ثم يكون مصيره الموت.

غيدي بابو (Geedi baabow)

قضى “دوبكا- بالو” كل عمره  في سبيل النهب والسطو، وكان الذي علمه البطش والاجرام سلطانا آخر عاش فترة  في منطقة بورهكبا إسمه غيدي بابو (Geedi baabow) وكان يحكم أهالي بور – هكبا بقبضة من حديد وبلغ به الحال أن يفرض على أي عروس أن تقضي معه سبعة أيام قبل انتقالها إلى بيت العريس ما أدى إلى انتحار عدد كبير من الفتيات خلال فترة حكمه حفاظا على شرفهن وعرضهن.

فايل – آرو ( Faayla -aarow)

وكذلك كان في بلد صغيرة تسمى بور- هليدي ( Buur- Helede) قريبة من مدينة بيدوة شخصا آخرا يدعى فايل – آرو ( Faayla -aarow) لا يختلف كثيرا عن غيدي بابو وكان يقتل المسافرين واذا جاء غريب إلى البلدة كانوا يأتون إليه ثم يذهب به إلى بئر عميقة  خارج البلدة ثم يرمي بها ليلقي مصيره.

في الوقت الراهن تغير كثيرا عن وضع قبيلة أيله بسبب الحروب والكوارث الطبيعية كالجفاف والمجاعة التي شهدت مناطقهم وتفرق أبناؤها في مختلف مناطق الصومال وإلى خارج البلاد، وفيما يبدو لم يتبق من آثارهم الا أعداد قليلة لا تزال تكافح من أجل البقاء  وتعض ارث أجدادها بالنواجد.

زر الذهاب إلى الأعلى