حماية المستهلك من الغش

أن تشديد العقاب في جرائم التدليس والغش وحده لا يكفي لتحقيق الردع العام والخاص، وتقليل ارتكاب هذه الجرائم، فيجب أيضاً تأكيد تطبيق وتنفيذ العقوبات الواردة في قانون قمع التدليس والغش وقوانين غش الأغذية الأخرى، وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم لتطبيق العقوبات عليهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن تتضافر كافة الأجهزة المعنية في الدولة في السهر على حماية المستهلك، فليس بالعقوبات وحدها، أو بالأحرى بتشديد العقوبات بشتى أنواعها -تضفي حماية كاملة للمستهلك من الغش والخداع، بل يجب تضافر كل الأجهزة الحكومية وغير الحكومية في الدولة لتحقيق حماية المستهلك، فضلاً عن ضمان تأكيد وتنفيذ العقوبات الواردة في قوانين غش الأغذية وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وإصابتهم في أنفسهم وأموالهم، وذلك هو أكبر ضمان يحقق الغاية المرجوة في هذه القوانين وهي حماية المستهلك من الغش.

ويعد قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 بما ورد فيه من أحكام إجرائية، بمثابة الشريعة العامة لكافة قوانين غش الأغذية الأخرى واجبة التطبيق عند تعارضه مع الأحكام العامة الواردة في قانون الإجراءات الجنائية، تطبيقاً لمبدأ (القانون الخاص يقيد العام).

لما كان لقوانين غش الأغذية في بعض أحكامها ذاتية خاصة تميزها عن أحكام القانون العام – قانون العقوبات – ، وأن معظم هذه القوانين جاءت متفرقة في قوانين كثيرة على النحو السالف بيانه بالدراسة، لهذا فنهيب بالمشرع بأن يقوم بلم شتات هذه القوانين المتفرقة وجمعها في قانون واحد، يكون هدفه وغايته الأساسية حماية المستهلك جنائياً من الغش، ويشتمل على تجريم الغش في كافة المجالات كغش، الأغذية والغش الصناعي، وغش العلامات والبيانات التجارية، والغش في مجال البناء، والغش في الوزن والقياس والكيل، والغش في المعادن الثمينة،

 والغش في البيوع التجارية وعقود التوريد، والغش في براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، ويكون لكل نوع من أنواع الغش سالفة البيان موادها الخاصة التي تتواءم وطبيعتها على أن يكون كل ذلك في قانون واحد يجمع ويحتوي على أنواع الغش السابق بيانها، لما لهذا من غاية وهدف أساسي واحد وهو حماية المستهلك جنائياً من الغش، على أن تشكل لجنة تكون مهمتها صياغة هذا القانون تتكون من رجال وفقهاء القانون والمهنيين والخبراء المتخصصين في مجال مكافحة الغش والمستهلكين وتمثلهم جمعيات أهلية. “جمعيات حماية المستهلك”.

إن المناداة بقانون لحماية المستهلك أصبح ضرورة لازمة فى الآونة الأخيرة، وهو يشمل مساحة من الحماية للمستهلك لا تنظمها التشريعات الحالية فى القانون الحالى، وأهم ملامح القانون الجديد الذى يتطلع الجميع لاستصداره هو حماية المستهلك من التعسف في المعاملات التي يقع فيها فريسة لخبرة التجار أو مقدمي الخدمة، أو قدرة ذلك الشخص المعنوي الاقتصادي على المفاوضة أو التحايل الذى لا يصل إلى حد التجريم، وذلك من خلال إعلانات فيها بعض التضليل أو شروط في العقد قد تؤدى إلى خسارته بعض المال أو بعض الضمانات، لهذا فإن معظم الدول

 وجميع الدول المتقدمة قد نظمت حماية المستهلك من خلال تشريعات المتخصصين لتغطى المجالات السابقة، مثل تنظيم مسئولية مقدم الخدمة أو بائع ومنتج السلعة عن التعسف أو المغالاة في تحديد الثمن بقدر لا يتناسب أبداً مع ما يتم تقديمـه من سلعـة أو خدمة، ومن الأشياء المتميزة في هذا القانون – حماية المستهلك – أنه يسمح للمشترى بالرجوع على المنتج الأصيل “صانع البضاعة” – في حالة غشها – سواء بمصر أو بالخارج بدعوى مباشرة رغم أن هذا المنتج لم يوقع معه العقد ، وفى حالة عدم التمكن من الوصول إليه تسمح هذه التشريعات بالرجوع على ال مستورد وهذا ما تنص عليه تشريعات السوق الأوروبية المشتركة .

أهمل المشرع المصري جانب تلوث السلع الغذائية بالإشعاع الذرى، خاصة السلع الواردة من خارج البلاد مع انتشار مثل هذه الأمور في الآونة الأخيرة، ويؤدى تلوث السلع الغذائية بالإشعاع الذرى إلى إصابة المستهلك بأضرار خطيرة تودى في النهاية بحياته، ولا تظهر علامات ذلك إلا بعد فترة معينة، كما لم يجرم المشرع شراء السلع المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهى تاريخ صلاحيتها بقصد بيعها، ولهذا نهيب بالمشرع المصري أن يتعرض بالتجريم لمثل هذه الأفعال مواكباً بذلك التطور التكنولوجي، ومتخذاً التدابير الجنائية اللازمة لمنع وصول السلع الغذائية الملوثة إشعاعياً إلى داخل البلاد، لما تشكله مثل هذه الأمور من خطر وهلاك للمستهلك .

أخذ المشرع في العقاب على جرائم التدليس والغش بعقوبة الغرامة التي تصل أحياناً لقيمة السلعة، ويبدو لنا أن المشرع لم يصب الهدف بذلك فقيمة السلعة بافتراض أنها بعشرة جنيهات على سبيل المثال،

فإن الفائدة التي سيحصل عليها الجاني مرتكب هذه الجرائم من وراء بيعها قد تصل إلى عشرة أضعافها، فكيف يحاسب على قيمة السلعة في حين أنه قد يكون حقق عشرات أضعافها مكسباً، ولهذا نهيب بالمشرع المصري أن يتبع في تقديره للغرامة في جرائم التدليس والغش مدى الربح أو الفائدة التي حققها الجاني في هذه الجرائم، أو التي يسعى إلى تحقيقها تفويتاً على الجاني قصده،

 وأن يطبق قواعد الغرامة النسبية والتي من أهم مزاياها أنها ذات طبيعة عينية موضوعية وليست شخصية، بمعنى أن أساس تقديرها يكون على المنفعة أو الفائدة التي حصل عليها الجاني، ولا يمكن المحاجة في ذلك بأن الغرامة النسبية تتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة، فهذا مردود عليه بأن الجناة متضامنين أو أحدهم هو الذى يتحمل قيمة الغرامة وليس غير الجاني، ولكل ما تقدم نهيب بالمشرع المصري أن يأخذ بمبدأ الغرامة النسبية بدلاً من مجرد فرض حدٍ أدنى وحد أقصى للغرامة، أو حتى قيمة السلعة المغشوشة أو الفاسدة أو التي انتهى تاريخ صلاحيتها، كما نقترح تخصيص الغرامات المتحصلة عن جرائم الغش وكذا حصيلة بيع المواد المصادرة في هذه الجرائم لإنشاء صندوق لحماية الغذاء، يكون غرضه الأساسي تطوير الأساليب المتبعة في الكشف عن غش الأغذية في مصر، فضلاً عن القيام باقتراح التشريعات الحديثة المتعلقة بالغش التي تواكب التطور التكنولوجي في مجال الغش ومواجهته ومكافحته لتحقيق حماية المستهلك .

لم يتعرض المشرع المصري بالنص في قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 إلى مصادرة الربح المتحصل من جرائم غش الأغذية، وهذا أمر ما كان أن يلتفت عنه المشرع المصري بالرغم من أهميته وما فيه من فائدة، تنحصر في رد قصد التاجر المخادع الغاش بمصادرة ما كان يبتغى أن يحققه من كسب غير مشروع،

 ولهذا نهيب بالمشرع المصري أن ينتبه لذلك لما فيه من ردع للجناة مرتكبي هذه الجرائم، فضلاً عن عدم تعرض هذا القانون لمكافحة الفساد الحكومي في جرائم الغش والتلاعب من جانب ذوي النفوذ، وهذا كان من الموضوعات التي تطرق إليها مؤتمر الأُمم المُتحدة لمنع الجريمة الذي انعقد في القاهرة عام 1995م.

نهيب بالمشرع المصري أن يمنح جمعيات حماية المستهلك عند مقاضاة التاجر المخادع أو الغشاش، الحق في الإبلاغ وتلقى الشكاوى من المجنى عليهم في حالات الغش وإبلاغ الجهات المختصة عنها ومتابعتها، فضلاً عن تمثيل المجنى عليه أمام القضاء سواء بطريق التدخل أو بطريق الادعاء المباشر للمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن حالات الغش .

زر الذهاب إلى الأعلى