المدارس الأجنبية في الصومال… السلبيات والإيجابيات

يعتقد كثير من التّربويين أن المدرسة مؤسسة اجتماعية وثقافية أنشئت لخدمة المجتمع حيث أنّ من أهم وظائفها تزويد أبناء المجتمع بالخبرات العلمية والفنية ونقل التراث الثقافي إليهم بعد تنقيته من الشوائب والخرافات، مما يعني أن المدارس لا بدّ وأن تكون وثيقة الصلة بالمجتمع لتتعرّف على رغباته واحتياجاته وآماله وتطلّعاته حتّى يتسنى لها إخراج مواطن صالح.

وتتعدّد تعاريف التربويين حول المدرسة، ومن بينها هذا التعريف الذي أوردته الباحثة زهرة عثمان في الصفحة 56 لدراسة بعنوان أساليب التربية الاجتماعية بين الأسرة والمدرسة وكفاءة المتعلم الابتدائي (دراسة ميدانية لبعض المدارس الابتدائية بأورلال)، مقدمة لنيل درجة الماجستير في علم اجتماع التربية بجامعة محمد خضر في الجزائر، أوردت الباحثة في دراستها هذه أنّ النجيمي عرّف المدرسة “بأنها مؤسسة أنشأها المجتمع من أجل القيام بإعداد النشء الجديد للمشاركة في عمل النشاطات الإنسانية التي تسود حياة الجماعة، لها وظيفة تكييف وإدماج الأفراد داخلها، أي أنها تعبّر عن أفكار وفلسفة وأهداف المجتمع الذي أنشأها لخدمته“.

ويتبيّن لنا من خلال هذا التعريف للمدرسة عدّة نقاط أهما:

  • أنّ المدرسة مؤسسة وثيقة الصلة بالمجتمع.
  • أنّ هدف إنشاء المدرسة هو خدمة المجتمع الّذي أنشأها، وأنّ غاية وظيفتها هي المشاركة في الأنشطة التي تحتاجها الجماعة التي أنشأتها.
  • أنّ المدرسة تعبّر عن فلسفة المجتمع الّذي أنشأها وأفكاره وأهدافه.

هذه النقاط توضّح أنّ المدارس لا بدّ وأن تكون من وإلى المجتمع الّذي تخدمه، إذ أن المدارس منذ بدايتها وتأسيسها لا بدّ وأن يكون لها منطلقات تنطلق منها، وأهداف تسعى إلى تحقيقها وفق خطة تربوية مدروسة.

وبما أنّ العالم أصبح كقرية واحدة من حيث التأثير والتأثّر بسبب التطور العلمي والتكنولوجي الهائل الّذي نعيشه، ظهرت بعض الدعوات التي تدعوا إلى العولمة، وأن الانغلاق الثقافي قد انتهى عصره، وآن أوان الانفتاح العالمي، مما مهّد الطريق لإنشاء مدارس تسمّى بمدارس عالمية لها فروع في مختلف الدّول والأوطان.

بالإضافة إلى ذلك سعت بعض الدول القوية أو المتقدمة إلى افتتاح مدارس تابعة لها في الدول النامية أو المتأخرة وذلك للتأثير عليها ثقافيا حتّى يسهل تأثيرها في قراراتها السياسية والسيادية مما يجعل الدولة تابعة للدولة القوية التي افتتحت مدارس بأراضيها.

والصومال كغيره من الدول النامية أنشئت فيه مدارس أجنبية، ساعد في إنشائها الأوضاع التعليمية والاقتصادية والسياسية في البلاد، حيث أن الصومال يعاني من تخلّف في شتى مجالات الحياة وخاصة في المجال التّعليمي منذ سقوط الدولة المركزية، ومرّ التعليم خلال الحروب الأهلية بمراحل مختلفة سواء من حيث المنهج الدّراسي، أوالكوادر التدريسية، أو مباني المدارس التّعليمية.

وبفضل جهود أفراد وهيئات من المجتمع المدني وبالتعاون مع جهات خارجية تهتم بالتّعليم استمرّ عمل المدارس في الصومال وأخرجت وما زالت تخرج العديد من الطلاب ممن سانحتهم الفرصة الالتحاق بها.

هذه المدارس التي أنشئت في الصومال بعد انهيار النظام التعليمي الحكومي في الصومال كانت مختلفة المآرب والمشارب بسبب اختلاف المناهج التي كانت تتبعها، وذلك بناء على المناهج التي تقدّمها لهم الجهات التي تساعدهم في تسيير العملية التعليمية إلى أن جاء عام 2015م، حينها حاولت وزارة التربية والتعليم توحيد مناهج المدارس الثانوية كخطوة أولية لتوحيد مناهج المدارس الصومالية كلّها.

إلى جانب ذلك ظهر في الصومال بعض المدارس الأجنبية التي تستقل عن التكتلات التعليمية التي ظهرت في فترة الحروب الأهلية، إذ تختص بنظامها الإداري والتدريسي الّذي تقدّمه للطلاب، ويعدّ المدارس التركية أكثر هذه المدارس انتشارا في الصومال حيث أن مؤسسة المعارف التركية ومؤسسة وقف الديانة التركيتين لهما مدارس في كل من العاصمة الصومالية مقديشو وهرجيسا وذلك منذ عام 2012م.

ويعدّ مدرسة أبارسو للعلوم والتكنولوجيا في قرية أبارسو الواقعة شمال غربي هرجيسا، والتي أسسها جوناتون ستار الأمريكي عام 2009م، هي كذلك من أشهر المدارس الأجنبية في الصومال، والتي أثارت موجة من الشكوك حول الأنشطة التي تقدّمها لطلاّبها.

ومن أبرز الّذين وجّهوا انتقادات صريحة لهذه المدرسة الناشط الإعلامي الصومالي عبدالملك موسى علدون الّذي نشر في عام 2018م، مجموعة من المنشورات على صفحته في الفيسبوك ينتقد فيها أداء إدارة المدرسة التّعليمي حيث اتهمها بأنّها تسعى إلى إحداث تغيير ثقافي في المجتمع الصومالي حيث أنّ هذه المدرسة التي أيضا لها داخلية يسكنها الطلاب والطالبات، تشجّع -حسب تحقيقات علدون- على الاختلاط بين الجنسين وذلك عبر إقامة المسابقات والأنشطة الأخرى، ورافق علدون هذه المنشورات عدّة صور تؤكّد ما ذهب إليه، وأضاف إلى أن المدرسة أسسها أغنياء أمريكيون بعضهم يعتنقون اليهودية، وذلك في إشارة منه إلى أن الهدف الرئيسي لهذه المدارس هو تغيير الدين الإسلامي الذي يعتنقه الطلاب. وهو ما وصفه بأمر خطير بالنسبة للمجتمع وللبلاد.

إلى جانب علدون، ظهر نشطاء آخرون في مواقع التواصل الاجتماعي ينشرون مقاطع فيديو ينتقدون من خلالها إدارة المدرسة، كما يبثون من خلال هذه المواقع صورا تخدش ثقافة المجتمع وقيمه لطلاب وطالبات يقال أنها سرّبت من المدرسة، ومن بين هؤلاء الناشطين فتاة تساءلت نفسها في مقطع فيديو سبب افتتاح المدرسة، وأثارت موجة من الشكوك حول أندريسون كوبر الّذي يعتقد أنه يمتلك المدرسة، إذ ذكرت في مقطعها هذا أن المدرسة يدرّس فيها المواد التي تدرس في باقي المدارس إلا أن هناك أشياء أخرى لا تعرفها وتخفيها إدارة المدرسة، ولربما يقود ذلك إلى تصديق روايات تقول إنّ أندريسون كوبر من مثليّ الجنس، ولربّما ينشر هذا الرأي في أوساط التلاميذ حسب رأيها.

من جانبها نفت إدارة المدرسة في بيان لها أصدرته إثر اتهامات علدون، التهم التي وجّهت إليها وأشارت إلى أنها اتهامات مبنية على الجهل بما يجري داخل المدرسة من تعليم وتوعية للطلاب، وأضافت الإدارة في البيان ذاته أنّ هناك مجلس إداري يتكون من بعض أولياء الأمور وإدارة المدرسة، وذلك لمتابعة الأنشطة المدرسية، وأكّدت آمنة عثمان دعالي التي ذكرت أنها عضو في مجلس أولياء الأمور للمدرسة من خلال مقطع فيديو منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ذكرت فيه أن هناك إجراءات صارمة فيما يتعلّق بالاختلاط بين الجنسين حيث لا يسمح للطالبة في الداخلية مقابلة أخيها للتوديع في الجانب الآخر من الداخلية المخصصة للبنين، إلاّ بعد حصولها على إذن من الإدارة، وذلك دليل على مدى اهتمام الإدارة بمحاربة الاختلاط بين الجنسين.

وعموما يمكن القول بأن المدارس الأجنبية في الصومال لها سلبيات منها:

  1. طمس الهوية الثقافية للشعب: حيث إنّه من المؤكد أن المدارس الأجنبية تستخدم اللغات الأجنبية كلغة تدريس مما يعني إهمال اللغة الصومالية وعدم الاهتمام بها في الغرف الدراسية مما يترتب عليها طمس الهوية الثقافية للأمة حيث أن اللغة تعدّ وعاءً لثقافة الأمم والشعوب، فانعدامها ومحاربتها تهديد لكيان ثقافة الأمة وهويتها.
  2. ربط الطلاب بالدولة التي تمتلك المدرسة: حيث أن المدارس الأجنبية في الصومال توفّر فرصا ومنحا دراسية للخريجين منها في الوطن الأم الذي تنتمي إليه المدرسة، وبذلك سيخرج جيل لا علاقة له بمحيطه الاجتماعي ولا يعرف عن ثقافة بلده وتاريخه إلا القليل، وهذا يعدّ كارثة حقيقية بالنسبة للتربية والتعليم حيث أن غاية التربية هو إخراج مواطن صالح يسعى إلى خدمة مجتمعه، فكيف يمكن لمن لم يتعرف على احتياجات مجتمعه ورغباته إلا القليل الّذي لا يجدي شيئا؟!

ورغم تلك السلبيات التي تنسب إلى المدارس الأجنبية في الصومال، إلاّ أنه هناك بعض الإيجابيات لهذه المدارس منها:

  1. المنح الدّراسية: تمنح هذه المدارس منحا دراسية للطلاب وخاصة الأيتام الذين لا يجدون من يسدد عنهم لقمة العيش فضلا عن رسومات دراسية، وهذه الخاصية سمحت لكثير من أبناء الأسر الفقير الالتحاق بالمدارس الأجنبية التي تقدّما مسكنا وتعليما مجانيا لطلاّبها وخاصة المدارس التركية حيث يتقدم نحو ألفي طالب كل عام إلى مدرسة شيخ صوفي لإعداد الأئمة والخطباء والتي تديرها مؤسسة وقف الديانة التركية، إلاّ أنّه يتم قبول 100 فقط بسبب قيود تتعلق بقبول عدد محدد من الطلاب كما جاء في تقرير نشر على موقع العربية TRT في 30/يناير/2018م.
  2. استخدام وسائل تعليمية حديثة: إن ما تتميّز به المدارس الأجنبية استخدام وسائل تعليمية حديثة تساعد على تعليم الطلاب، وهو ما لا يتوفّر في معظم المدارس الصومالية، وفي هذا السياق يقول محمد، وهو من بين الطلاب الصوماليين الذين استطلعت الأناضول آراءهم، إن “المدرسة تمثل فرصة عظيمة لجميع الطلاب هناك، حيث نحصل على مزيج من المعرفة العلمية والدينية، ونتعلم بأفضل وأحدث الأساليب” .

وختاما ينبغي تنظيم الأنشطة الدراسية للمدارس الأجنبية في الصومال ومراقبتها وفق خطة تربوية وتعليمية تضمن الأهداف التعليمية المفيدة لكلا الجانبين دون الاعتداء على ثقافة المجتمع وثوابته، وفي الوقت نفسه تيسّر له مواكبة التغيّرات الحديثة في المجال التعليمي.

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى