البنوك والمصارف الصومالية … على خطى المؤسسات المالية الكبرى في العالم

تعتبر البنوك التجارية عماد اقتصاديات الوطن وعصب الحياة فيها، حيث أنها تساهم في تنمية المشاريع التجارية الدّاخلية، وذلك عن طريق الاستثمارات التي تنفذها البنوك، بالإضافة إلى ذلك القروض الميسرة التي تقدّمها للراغبين في إحداث تغيّرات اقتصادية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

شهد الصومال في الآونة الأخيرة نشوء بنوك تجارية تنشط في مجالات تنمية اقتصاد الوطن، وتوفّر خدمات تجارية تساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني.

صحيح أنّ النظم واللوائح الحكومية المتعلّقة بشؤون تنظيم البنوك والمصارف الخاصة أصابها الفتور والاندثار منذ سقوط الدولة العسكرية الصومالية، وعلى الرغم من ذلك، قام بعض المهتمين بتنمية المجتمع تجاريا واقتصاديا بإنشاء بنوك ومصارف خاصة تقدّم خدمات تجارية تساعد الكثير من قطاعات الشعب الصومالي وتساهم في إنعاش اقتصاديات أسر فقيرة والتي أي الأسر بسبب استفادتها من خدمات البنوك أصبحت ميسورة الحال.

خدمات البنوك الصومالية

وينشط في الصومال ما يقارب 10 بنوك تجارية في القطاع الخاص، وأشهرها: بنك دهب شيل الدولي، بنك سلام الصومالي، بنك بريمر، بنك الصومال العالمي، بنك أمل، … وتوفّر كلها للمجتمع خدمات اقتصادية متطورة كتلك الموجودة في الدول المتقدّمة اقتصاديا، فعلى سبيل المثال يوفّر بنك سلام الصومالي خدمة تسمّى بــــ ديقتون Deeqtoon وهي عبارة عن نظام يسمح للشخص إدارة حسابه البنكي عبر هاتفه الجوّال، وخصوصا فيما يتعلق بسحب الأموال ومعرفة الرصيد المتبقي في الحساب، وهي خدمة ساعدت الكثير من زبائن هذا البنك في إجراءاتهم البنكية، وتشمل أهم الخدمات التجارية الأخرى التي تقدمها البنوك الصومالية المحلّية ما يأتي:

  1. تمويل مشاريع استثمارية: وهي عبارة عن تقديم مبلغ معيّن من المال وفق شروط وضوابط متفق عليها، واستفاد من هذه المشاريع عدد من المجتمع الصومالي من بينهم عائشة محمد أفرح التي تمتلك متجرا متعدد الأغراض في حيّ وابري، حيث أن بنك دهب شيل موّل لها هذا المتجر الّذي ساعدها على تحسين ظروفها الاقتصادية. كما أفادت في ذلك في مداخلة لها لتقرير بعنوان انتعاش التمويل المصرفي للمشاريع الاستثمارية، أعدّه جامع نور مراسل الجزيرة في مقديشو عام 2016م.
  2. تقديم قروض ميسّرة للراغبين: تقدّم هذه البنوك قروضا ميسرة للراغبين في تأسيس أعمال تجارية بسيطة تساعدهم على تحسين ظروفهم الاجتماعية، على أن يقضوا القروض في وقت زمن معين وفق خطة متفق عليها.
  3. تمليك عقارات: تنفذ بعض البنوك مشاريع تمليك عقارات لبعض زبائناها بشرط أن يدفع الزبون 40% من قيمة العقار، ويدفع الباقي على أقساط في مدّة زمنية أقصاها ثلاثة أعوام حسب تقرير للجزيرة بعنوان استئناف المصارف عمليات تمويل المشاريع الاستثمارية والسكنية، أعدّه عمر محمود عام 2018م.

بالإضافة إلى ذلك هناك خدمات أخرى تقدّمها هذه البنوك للشعب ومنها: فتح حسابات لتوديع الأموال وتحويلها، وهي خدمة يستفيد منها الكلّ على السواء حيث أن التجار يودعون أموالهم في البنوك ومن خلالها يستطيعون تحويل أموالهم وإرسالها إلى شركائهم في الخارج لاستيراد السلع والبضائع، كما أن هذه الحسابات ساعدت أصحاب الدّخل المتوسط في ادّخار جزء من دخلهم في البنوك مما يساعدهم على إنماء نشاطهم الاقتصادي، وأيضا هذه الحسابات تسهّل التواص بين الطلاب والمؤسسات التعليمية إذ عن طريقها تتم إجراءات دفع الرسومات الجامعية والمدرسية، كما تساعد هذه الحسابات ذوي الأرباب ومديروا الشركات والمؤسسات دفع رواتب العمال والموظفين عبر البنوك التي توفر معظمها خدمات تسمح لصاحب الحساب إدارة حسابه عبر الإنترنت. في حين أن بعض البنوك أدخلت في نظامها استخدام الصرّاف الآلي ATM، ويعدّ بنك بريمر الّذي افتتح عام 2014م الرائد في هذا المجال كما صرّح بذلك المدير العام لبنك بريمر أحمد عبدالرحمن شيخ بشير في حديث له لمجلّة اتحاد المصارف العربية نشر على موقعها في الإنترنت، حيث قال في سياق جوابه عن سؤال المحاور الّذي سأله عمّا إذا كانت لديهم تدابير لتجاوز نظام المصرف الجوال المنتشر في الصومال الذي قد يجلب  مخاطر جمة حسب دراسة  قام بها البنك الدولي، فأجاب بأن” بنك بريمير لم يتعامل بعد مع نظام المصرف الجوال، ولكن دشن وللمرة الأولى في الصومال بطاقات الدفع الإلكتروني، بحيث يصدر بطاقات الخصم الفوري (ماستركارد) باعتبارها أكثر أماناً للدفع، كذلك إمكانية استخدامها في الحصول على النقد، وفي الشراء عبر نقاط البيع المنتشرة في داخل الصومال وخارجها. كما استحدثنا الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والتي تُمكّن من المتعامل إجراء كل القيود عبر الإنترنت من عمليات التحويل والشراء وغيرهما”.

ويعتبر بنك بريمر رغم افتتاحه مؤخّرا من أنشط البنوك التجارية في الصومال، وذلك لتنوع خدماته وسهولة سبل توفيرها للمستفيدين.

ويرى محللون اقتصاديون أن نماء البنوك وازدهارها وتشعب استثماراتها يساهم في إنعاش اقتصاد الوطن، ويؤكّدون على ضرورة دعمها بوضع اللوائح والقوانين المنظمة لسير أعمالها وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ففي مؤتمر علمي بعنوان المصارف الإسلامية ودورها في المجتمع الصومالي نظمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الصومال وبرعاية بنك سلام الصومالي، شدّد المشاركون على ضرورة تنمية المصارف والبنوك الإسلامية في الصومال ووضع قوانين رقابية لمراقبة مدى مخالفة وموافقة معاملات البنوك المالية للشريعة الإسلامية.

وفي الاجتماع الأخير الّذي اختير فيه عبدالرزاق محمد أحمد مدير الأشغال لبنك بريمر رئيسا لاتحاد البنوك الصومالية لعام 2018م، تبنى الاجتماع العمل على تنمية وتوسيع خدمات البنوك الصومالية لتشمل خدمات بنكية تكون محورا لإيجاد فرص عمل تساهم في تنمية اقتصاد الوطن بطرق مباشرة وغير مباشرة، وكذلك العمل على رفع ثقافة المجتمع تجاه البنوك، وتوعيتهم على سبل التعامل مع البنوك.

إن نشوء البنوك التجارية المضبوطة بمبادئ الشريعة الإسلامية في الصومال، وتنسيق العمل التجاري فيما بينها  يساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني، والّذي سيمثل رصيدا تحفيزيا لرجال الأعمال الصوماليين للاستثمار في البنوك التجارية المحلّية.

 رغم هذه الأعمال الجليلة والضرورية التي تقوم بها البنوك والمصارف الصومالية ودورها الكبيرة في تسهيل التبادل التجاري بين الصوماليين ونظرائهم الأجانب في الداخل والخارج الا أنها تتعرض أحيانا لحملات مغرضة من قبل جهات تسعى وراء تحقيق مصالحها الخاصة على حساب أكثر من 13 مليون صومالي في ربوع العالم وتنشر تقارير غير دقيقة عن بعض البنوك في الصومال  -ونقصد هناك تقرير قناة الجزيرة بعنون حرب الموانئ -دون أن تأخذ بعين الاعتبار تدعيات ذلك على حياة الصوماليين؛ لأن مثل هذه التقارير من شأنها أن تسبب ضررا كبيرا لا يمكن تداركه بسهولة على  شريان الاقتصاد الصومالي وخدمات البنوك الصومالية أحد روافد تمويل الأسر الصومالية التي تعتمد بشكل شبه كلي على ما تحصلون من ذويهم في الخارج، وسيعطي مبررا للدول التي تحسد الصوماليين على الانجازات التي حققوها في مجال التحويلات المالية في ظل غياب البنية التحية لتلك القطاع، وتتنمى زوالها، بل أكثر من ذلك ستشكل تلك التقارير فرصة للمؤسسات المالية الدولية التي تتحاشى التعامل مع المؤسسات الاقتصادية الصومالية وتملي عليها شروطا تعجيزية بغية فرض مزيد من الهيمنة والسيطرة على الاقتصاد الصومالي ومنعه من التعافي والنهوض من الكبوة التي لحقته عام 1991، وأن يكون الشعب الصومالي  شعبا فقيرا معتمد على المعونات الخارجية ومنهكا جراء شروطها غير العادلة وغير المنصفة.

زر الذهاب إلى الأعلى