أيام عشناها بفرحها وترحها

شئنا أم أبينا فان فترة حكم الانقلاب أو الثورة المباركة –كما لقبها مذيع الرئاسة الأشهر عبدي حاجي غوبدون- تعتبر الفترة الأكثر تميزا في تاريخ الصومال حيث شهدنا كل ما هو سيئ، وكل ما هو جميل.

عاصرنا الرفيق سياد والمجلس الأعلى للثورة الذي جاء الى الحكم بانقلاب ابيض وشهدنا ما اتخذه رجال أكتوبر من قرارات أثّرت في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد

شهدنا اعلان الاشتراكية العلمية وتأميم البنوك والشركات ولا تزال في ذاكرتنا الطوابير الطويلة لشراء المؤن بالبطاقة والثورة حددت لكل أسرة حسب عدد أفرادها ما تأكله والويل لمن ذهب الى السوق السوداء واشترى حاجة دون البطاقة!

عاصرنا قرارات الثورة فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية والمساواة بين الجنسين وما ترتب عليه من اعتقال بعض رجال الدين الذين عارضوا تلك القوانين ما ادى الى محاكمتهم واعدامهم رميا بالرصاص.

عاصرنا كتابة اللغة الصومالية واعتمادها كلغة رسمية في الدواوين الحكومية وفي المناهج التعليمية شهدنا تأسيس الحزب الاشتراكي الثوري الصومالي وتولي اللجنة السياسية للحزب المكونة من خمسة اعضاء ادارة شؤون البلاد.

عاصرنا حرب 1977 لتحرير الصومال الغربي وفي المدارس واللجان الثورية بأحياء مقديشو كنا نردد الاغاني الوطنية التي تمّ تحفيظها لنا لكن وبكل الاسف لم تنفع تلك الاغاني ولا حماس قائد الثورة الرفيق سياد وتهوره فقد هزم الجيش الصومالي في الحرب وهرب الجنود من عتادهم في جبهات القتال وجرت محاكمات ميدانية اصدرت احكاما باعدام عشرات من خيرة الضباط والصف لأسباب غير معروفة حتى اللحظة.

شهدنا محاولة الانقلاب الفاشلة في أبريل 1978 وما نجم عنه من اعدام قادته وهروب بعضهم الى إثيوبيا ليأسسوا أول جبهة مسلحة ضد حكم سياد بري.

جذبتنا تمثيليات راديو مقديشو واغانيه وبرامجه واستمعنا الى مشاهير الطرب في ذلك الوقت أمثال محمد سليمان تبيع ومحمد أحمد كلع والأخوين موغي وحليمة مغول وزهرة أحمد وشنكرون وشاهدنا مسرحيات فرقة وابري على خشبة المسرح الوطني ولعل اشهرها «المقلاع والطيور » لعثمان آدم اسكري و « أيتها البنات متى تتزوجن » لمحمود تكالي عثمان و « ثلاثية سنغب: ذكرى الحب ، وقبر الحب ، والحوت ابتلع الحبّ»

استمعنا الى نشرات الأخبار وتعليق النشرة بأصوات أشهر المذيعين آنذاك  أحمد حسن عوكي،  ومحمود دلمر،  ومحمد عمر هيدرا،  ودعالي،  ويونس علي نور،  ومحمود بلبل،  ومحمد عرب فلح فلح ، وعبدالقادر مرسل محمد تيرا ، ولول حسن لولا ، وسعدية سلاد

استمتعنا بسماع تلاوة القرءان في أيام رمضان والتواشيح ومدح الرسول الاعظم عليه وعلى آله الطاهرين السلام ومن الوعّاظ المشهورين آنذاك الشيخ آدم عبدالله علي مفسر القرءان،  والشيخ آدم علي حسن،  والشيخ محمد كلميه،  والشيخ طاهر حاجي محمد 

قرأنا قصصا ذاعت شهرتها مثل سيئة الحظ لعبدالله حسين هنتوداغ ومانو فاي لمحمد طاهر أفرح والخدامة لمحمد حاج عثمان وكفاح الحياة لشري جامع وديوان تمعدي لبوبي يوسف وديوان السيد محمد للشيخ جامع عمر عيسى

طالعنا جريدة نجمة أكتوبر وهي اليومية الوحيدة في ذلك الوقت وصورة الرفيق سياد وتوجيهاته على الصفحة الاولى دائما وكاريكاتير أمين عامر في الصفحة الأخيرة رسوم تبجل الثورة وتعبر عن انجازاتها لا هذه الرسوم التي ينشرها أخونا أمين عامر في موقعه الالكتروني حاليا.

ارتدنا دور السينما ولعل أشهرها «سينما حمر » و«مسيوني »  و«شنترالي » و«بنادر » و«سوبر » و«افريكا » و«عيل غاب » «ونصر » وشاهدنا افلام «رعاة البقر » والبوليسي » وبفضل هيئة الرقابة لم يكن مسموحا عرض المشاهد المخجلة والمخلة بالآداب وبسبب لغة الافلام كنا نظن ان الممثلين طليان لكن فيما بعد اكتشفنا ان الافلام ترجمت الى الايطالية.

كانت هواياتنا اللعب في الطرقات والأزقة وخاصة الليالي المقمرة و«لعبة التخفي » كانت مشهورة لدي أبناء مقديشو لعبنا «الترق» (علبة الكبريت) وهي لعبة شعبية كانت مشهورة أيامها بواسطة علبة الكبريت ولعبنا «الامبلي » بواسطة الغطاء الحديدي لزجاجات الكوكاكولا والفانتا ولم نكن أيامها عرفنا البلاي ستيشن والعاب الفيديو الاخرى ولا عرفنا الفيس بوك والواتس آب والمحمول حتى الهاتف الارضي ابو القرص لم يكن متوفرا لدى كل الأسر وانما كان خاصا بالمكاتب الحكومية والاثرياء فقط.

ذهبنا الى شاطئ الليدو خلسة لأن أولياء الامور لا يسمحون لابنائهم الذهاب الى البحر خوفا عليهم من هجوم سمك القرش المعروف باسد البحر لكن في مطلع الثمانينيات اقامت السلطات سلكا حديديا على الشاطئ الثاني من الميناء القديم الى جزارة الشرق لمنع اسماك القرش من مهاجمة هواة السباحة.

ولاننا لا نملك ثمن التذكرة لدخول ستاد كونس الذي سمّي فيما بعد بستاد بنادر كنا ننتظر انتهاء الشوط الاول للمباريات حيث تخفّ المراقبة ويسمح للمتطفلين دخول الملعب لمشاهدة مباريات دوري «الدرجة الأولى» و«كأس الجنرال داؤود» وفرق القمة في ذلك الوقت هي «هرسيد»  للقوات المسلحة و «جينيو» لوزارة الاشغال و«وغد»  للنقل و«مطبعدا» لوزارة الاعلام و«منيشيبيو» لبلدية مقديشو.

حقا كنا جيلا عاش حياة لا بأس بها صحيح أنها وبسبب الظروف الصعبة لم تكن كما نحلم . ركبنا الأتوبيس شتاوي وعربة نصف النقل التي يسمونها سيتي والتاكسي ذا اللونين الأصفر والأحمر وفي بداية الثمانينيات ظهرت تويوتا حاجيو الخمسين والميكروباص العاصي لكن عربة الحمار ظلت الوسيلة الاشهر لنقل البضائع والامتعة وحدّث ولا حرج عن الحمار ذي أربع تنكات لبيع المياه قبل مجيء البرميل.

عبد الرحمن غوري

عبدالرحمن غوري باحث في الأدب والفلسفة
زر الذهاب إلى الأعلى