أخطاء المؤسسات العاملة في المجال الإنساني في الصومال… حالات التسمم نتيجة المواد الإغاثية نموذجا

تسود  الصومال منذ انهيار الحكومة المركزية وحتّى هذه اللحظة حالة من الفوضى  انتابت جميع مجالات الحياة نتيجة الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية وغياب المؤسسات الوطنية ، الأمر الذي أدّى إلى تدهور الوضع  المعيشي في ربوع البلاد وانشار الفقر والمرض وزيادة عدد  المحتاجين إلى المساعدات الغذائية العاجلة ، وتصدر الصومال قائمة الدول الأكثر فقرا في العالم.

اتسمت تلك الفترة بنشاطات هيئات الإغاثة الدولية والعربية والإسلامية التي تدخلت  لسدّ الفراغ الحكومي ولتقديم ما يمكن تقديمه من ضروريات الحياة  للشعب الصومالي ، فقامت بإنشاء مراكز ايواء للمشردين والنازحين ونفذت مشاريع لتوزيع السلال الغذائية على الأسر المجتاجة والمتضررة جراء الكوارث الطبيعة، كما قامت بإنشاء مدارس ومعاهد لتعليم الأطفال مجانا.

في الحقيقة ساهمت تلك الجهود   بشكل كبيرة في  انقاذ حياة مئآت  المواطنيين في مختلف المناطق الصومالية وتحسين مستوى آلاف آخرين  ابتلاهم الله بشيئ من الخوف والجوع والمرض، وبدأت الحياة تعود إلى طبيعيتها  في عدد كبير من المدن نتيجة الجهود المبذولة من قبل المؤسسات الخيرية وخصوصا الهئيات الإسلامية والعربية.

لكن على الجانب الآخر، بعض المنظمات والهيئات الإغاثية لم تكن على المستوى المطلوب من النزاهة والشفافية التي تزرع الثقة في نفوس المواطنين، فكوّن ذلك رأيا عاما ينظر إلى الهيئات والمنظمات العاملة في المجال الإنساني، على أنها منظمات انتهازية تسعى إلى إضرار الشعب متى ما سنحت لها الفرصة.

ونسرد هناك بعض ما ارتكبته تلك الهيئات والتي أدى إلى الاعتقاد السلبي تجاهها:

1- توقيت المساعدات الإنسانية مع موسم الحصاد

إنّ من الشكاوي التي اعتادها بعض المزارعين تقديمها أن المنظمات الإغاثية العاملة في الصومال توازي عملها الإنساني مع موسم الحصاد مما يؤثّر سلبا على الإنتاج الزراعي للوطن، كما تشجع بعض المزارعين العزوف عن الزراعة طالما أنه لا يحصل منها غير التعب والخسارة. لكن في المقابل تقول المنظمات الإغاثية للإجابة على هذه الإشكالية أن العمل الإنساني ليس عملا عشوائيا ولذا لا بدّ من إكمال مراحل العمل الإنساني الّذي يشمل كلا من: إجراء دراسة شاملة يمكن من خلالها تحديد حاجات المتضررين بالكوارث الطبيعية والبشرية، ثم رفع تقرير إلى الجهات المختصة والمعنية بالأمر، ومن ثم الاستجابة. ولا شكّ أن هذه المراحل تتم في فترات زمنية مختلفة قد تصل إلى شهر أو عدد أشهر مما يؤدّي إلى تأخر المساعدات عن وقتها المناسب. وعليه فلا بدّ من تكوين غرفة عمليات لحالات الطوارئ تكون مهمتها معالجة هذه الكوارث في الوقت المناسب ولذلك تكون المنظمات قد أزالت موقفا أثّر سلبيا على نزاهة عملها الإنساني وشفافيته.

2- توزيع أغذية منتهية صلاحيتها وفاسدة وملوثة

في منتصف يونيو من عام 2016م، تم  ضبط شحنة غذائية فاسدة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في مطار آدم عدي الدولي في مقديشو على يد السلطات ، مما أثار موجة من الشكوك والتساؤلات حول نزاهة البرنامج وبقية المنظمات العاملة في العمل الإنساني، حينها أشار بعض المعنيين بالقضية إلى إجراء تحقيق نزيه وعادل يمكن من خلاله التحقق مما إذا كان الأمر مجرّد حدث عابر غير مقصود، أو كان أمرا مخططا له ومن ثم يجب الحذر منه. لكن يبدو أنّ تلك النصائح لم تجد آذانا صاغية حيث أنه تم الليلة البارحة نقل -عدد يقارب 35 شخصا من الأطفال والنساء من سكان مخيمات النازحين في حيي وابري وكحذا في مقديشو تسمموا نتيجة تناول مادة غذائية مطبوخة وجاهزة توزّعها مراكز صحية لرعاية الأمومة والطفولة تابعة لمنظمات الإغاثة على الأسر الفقيرة في تلك الأحياء- تمّ نقلهم إلى مستشفى بنادر لتلقي العلاج.

قامت بسمة عامر شكيتي وهي نائبة رئيس بلدية مقديشو للشؤون الاجتماعية بزيارة المتضررين جرّاء الحادثة، وذكرت لوسائل الإعلام أن المتضررين تأثّروا بمواد غذائية مسمومة تناولوها بعدما وُزّع لهم من قبل المراكز الصحية التابعة لمنظمات الإغاثة الإنسانية. كما حذّرت السيدة بسمة سكان المخيمات من تناول الأطعمة الجاهزة التي توزّعها المراكز الصيحة التابعة لمنظمات الإغاثة الإنسانية! وأضافت إلى أنّه سيتم التحقيق حول هذا الملف لمعرفة ملابسات الحادث ولتمييز المنظمةالتي قدّمت هذه المادة المسمومة للنّازحين، من بين الكثير من الهيئات العاملة في الصومال.

إنّ إجراء تحقيق نزيه وعادل حول هذه القضية أمر ضروري جدّا، حيث أن هذه الأطعمة الجاهزة التي تقدّمها المنظمات للنازحين تساهم في إدارة معيشتهم اليومية وهذه الحادثة ستؤثر على البقية الباقية، وسيكونون حيالها على قسمين:

  • قسم يحسم أمره ويمتنع عن هذه المساعدات للمحافظة على صحّته وسلامته دون أن يكون له بديل.
  • قسم يواصل تلقّي هذه المساعدات ولكن بعد اليأس والاستسلام للهلاك المحتم.

ولكن التحقيق النزيه والعادل يؤدّي إلى نتيجة تطمينية يمكن من خلالها التعامل مع المستجدّات في هذا المجال.

وأخيرا نوصي المعنيين بالقضية بإجراء تحقيق نزيه وعاد؛ لأن  التحقيق النزيه هو الّذي يمكن من خلاله تبني سياسة التعامل مع المنظمات الإغاثية العاملة في الوطن، ومراقبة المراكز الصحية التي تقدّم الأطعمة الجاهزة، حيث تستدعي الضرورة تكوين فريق عمل رقابي لديه المختبرات الطبية التي يمكن عبرها اكتشاف الأطعمة الفاسدة والملوثة والأدوية المنتهية صلاحيتها، حفاظا على صحّة المواطنين وسلامتهم التي هي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحكومة الصومالية بمختلف مؤسساتها الدستورية والاجتماعية.

  

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى