هل فقد فرماجو شعبيته؟

قبل أكثر من عامين , وتحديدا في 8/2/2017 انتخب السيد محمد عبدالله محمد الشهير بفرماجو رئيسا جديدا للصومال عن طريق البرلمان الصومالي الجديد،  وما ان اعلن عن فوز فرماجو ، وتناقل الخبر عبر وسائل الاعلام الصومالية المحلية ووسائل التواصل الاجتماعى حتى عمت مظاهر الفرحة والابتهاج العاصمة مقديشو ، وكثير من المدن والبلدات الصومالية الاخرى معبرين عن ذلك بمظاهرات عفوية تعبر عن الفرحة والابتهاج بهذا الفوز ، في مشهد نادر على الساحة الصومالية ، ولكن هل لازالت شعبية الرئيس فرماجو لدى غالبية الشعب كما هي بعد مرور عامين على توليه الحكم؟.

فرماجو خلال الفترة ( 2010-2017 )

لم يكن الرئيس محمد فرماجو معروفا لدى اغلب الشعب الصومالي قبل 2010 عندما استدعاه الرئيس السابق شريف شيخ احمد لتولي رئاسة مجلس الوزراء خلفا لرئيس الوزراء عمر شارماركي ، في ظرف كانت تعاني فيه حكومة شريف من ضعف شديد نتيجة سيطرة حركة الشباب على معظم مساحة العاصمة مقديشو والكثير من المناطق الاخرى في الصومال ،  وفي خلال عدة اشهر من توليه رئاسة مجلس الوزراء استطاعت القوات الصومالية والافريقية المساندة من فك الحصار عن القصر الرئاسي والمنطقة المحيطة به في مقديشو ، وتم طرد حركة الشباب من معظم احياء العاصمة ، وخلال هذه المعارك كان فرماجو يظهر مع الجنود رفعا لمعنوياتهم وحثهم على القتال اضافة الى لقائه بالجماهير مما رفع شعبيته بينهم ، كما تحقق خلال فترته القصيرة العديد من الانجازات على الصعيد السياسي والعسكري ، لكن ما رفع شعبيته كثيرا خلال تلك الفترة طريقة اقالته من منصبه بعد اندلاع خلاف في اعلى هرم السلطة الصومالية آنذاك ، والتي تزامنت مع انطلاق الربيع العربي في عدد من البلدان العربية ،  واندلعت مظاهرات في مقديشو تطالب ببقائه في السلطة لكن اتفاقا تم في كمبالا انهى الخلاف بإقالة فرماجو مما عده الكثير من الجماهير الصومالية تدخل خارجي في الشأن الصومالي خصوصا من قواعده الشعبية التي تشكلت في مقديشو خلال فترة حكمه، كما فقد على اثر هذه الازمة الرئيس شريف شيخ احمد الكثير من شعبيته عند توليه الرئاسة في 2009 لصالح فرماجو ، وفي عام 2012 اجريت اول انتخابات رئاسية من قبل البرلمان الصومالي المعين من شيوخ القبائل بعد انتهاء الفترة الانتقالية ، وتقدم السيد محمد فرماجو مع آخرين للمنافسة على منصب الرئيس , ولم يحظى محمد فرماجو آنذاك سوى بعدد 14 صوتا من البرلمان في الجولة الأولى ، وفسر ذلك بضعف استعداد فرماجو لهذه الانتخابات، وعدم تكوينه تحالفات ضرورية في البرلمان للفوز ، وبعد فوز الرئيس السابق حسن شيخ محمود ، ظلت شعبية فرماجو حاضرة لدى قاعدته الجماهيرية على امل تعيينه في منصب رئيس الوزراء لكن الرئيس حسن شيخ محمود تجنب اختياره لهذا المنصب رغم تغيره اكثر من مرة خلال فترة حكمه، ربما لكي يتجنب مصير شريف شيخ احمد الذي فقد الكثير من شعبيته لصالح فرماجو ، ومن جهة أخرى فإن وجود فرماجو في منصب رئيس الوزراء الى جانب الرئيس حسن شيخ محمود يجعله يتقاسم السلطة التنفيذية معه كما ينص على ذلك الدستور الحالي وبالتالي فان أي نجاح للحكومة الصومالية سيجير لصالح فرماجو ، وفي حال الاخفاق سيجير ضد الرئيس باعتباره المسؤول الاول، ولهذا السبب وغيره لم يعينه حسن شيخ محمود رئيسا للوزراء.

وفي اوائل عام 2017 تمت الانتخابات الرئاسية للمرة الثانية بعد تأخر اجرائها عدة مرات, وفي هذه المرة كان استعداد فرماجو جيدا لهذه الانتخابات، وبدا الاستعداد مبكرا في عام 2015 بزيارات لعدد من الدول والمدن التي بها جاليات صومالية كبيرة ، وتم عقد لقاءات مع الجاليات الصومالية في امريكا وجنوب افريقيا واوروبا وغيرها، كما تم تعيين السيد فهد ياسين مديرا لحملته الانتخابية وهو الشخص الذي ادار حملة الرئيس السابق حسن شيخ محمود عام 2012 ونجح في ايصاله لسدة الحكم ، وبالفعل تحقق لفرماجو ما اراد ،واستطاع الفوز في الجولة الثانية من الانتخابات باغلبية مريحة ، وتم تنصيب السيد محمد عبدالله فرماجو رئيسا للصومال، ومعه امال عريضة وكبيرة من الشعب الصومالي بتغير الحال الى الافضل ومعالجة الازمات المزمنة للصومال.

فرماجو ما بعد الحكم (2017- 2019)

هناك ظاهرة عامة تؤكد على أن المرشحين ذو الشعبية العالية قبل الانتخابات تنخفض شعبيتهم عند الحكم , ما لم يحققوا قدرا كبيرا من برامجهم ووعودهم الانتخابية للجماهير ، وفي حالة فرماجو الذي خاض الانتخابات تحت شعار (Nabad iyo Nolol).

كانت هناك وعود كثيرة ،  وكان لدى مؤيديه سقف عالي من الطموح الكبير بتعديل اوضاع الصومال بشكل كبير ، ونقلها من دولة هشة الى دولة اكثر استقرارا وتطورا ،  لكن الوعود شيء والتطبيق على ارض الواقع شيء آخر،  ومع بدء توليه السلطة برزت التحديات امامه كان اولها اعلان المنظمات الدولية أن الصومال يعاني من جفاف حاد ، وأن هناك ملايين السكان يعانون من موجة الجفاف،  ولكن هطول الامطار في شهور لاحقة خفف من تأثيره ، اما التحدي الابرز الذي كان يعول عليه كثير من المواطنين فهو القضاء على حركة الشباب، وبالتالي انهاء التفجيرات المتكررة في العاصمة مقديشو وبعض المدن الاخرى التي تسيطر عليها الحكومة ، وتحرير ما تبقى من بلدات بأيدي هذه الحركة،لكن الحقيقة انه لم يحدث تقدم مهم في هذا الملف فلا زالت حالة التفجيرات تتكرر بنفس الوتيرة وربما اعنف في مقديشو , ولعل انفجار شارع سوبي يعد اعنف انفجار في تاريخ الصومال ، وذهب ضحيته الالاف بين قتيل وجريح،  كما ان وضع الحواجز واغلاق الطرق في العاصمة ادى الى مضايقة سكان العاصمة ، وزيادة امتعاضهم من الحكومة والرئيس.

ومما اطاح بشعبية فرماجو كثيرا عند كثير من الشعب تسليم عضو جبهة تحرير اوغادين عبدالكريم شيخ موسى قلب طفح الى اثيوبيا التي يعتبرونها عدوا ، كما ان اندلاع الازمة الخليجية بين قطر ودول المقاطعة قد اثر على الحكومة الصومالية حيث كانت تتلقى دعما سياسيا واقتصاديا من هذه الدول ، وبعد اندلاع الازمة فقدت هذه المساعدات من بعض هذه الدول ، كما ان اندلاع الازمة مع حكام الاقاليم اضعفت موقف الحكومة وفقدت الدعم من الاقاليم في وقت تحتاج فيه الحكومة الى الدعم والمساندة ، اضف الى  ذلك الفشل في محاربة الفساد المستشري في الدولة وتأسيس الحكم الرشيد.

لا يوجد في الصومال حاليا مراكز لقياس الرأي العام ، ولا استطلاعات تبين مدى انخفاض شعبية الرئيس أو ارتفاعها بعد اكثر من عامين على الحكم ، ولكن المؤكد أن فرماجو فقد الكثير من شعبيته نتيجة ما ذكر من عوامل وغيرها ، يدل ذلك على ذلك امتعاض الكثير من الصوماليين منذ فترة طويلة من الرئيس وحكومته عبر وسائل التواصل الاجتماعي عكس ما كان عليه الحال خلال الاشهر الاولى من وصوله الى سدة الحكم.

   

  

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى