باكتل وطريق نيروبي مومباسا

في ستينيات القرن الماضي قال أحد الصحفيين العربالدول العظمى لا تغير إستراتيجياتها بسهولة لأن هذه الإستراتيجيات لم يوجدها الإلهام أو النزوة ولا تتقرر بقيام حكم أو سقوطة ولا يؤثر فيها أن يذهب رئيس ويأتي أخر، فالإستراتيجيات تعلم دارسيها أن الأهداف يمكن الإقتراب منها بطريق مباشر أوغير مباشر مع بقاء الهدف في الحالتين ظاهراً أمام عيون طالبية حتى وإن أخذتهم التضاريس إلى الطرق الدائرية” .

أدركت واشنطن أهمية كينيا في الإستراتيجبة الأمريكية منذ إستقلالها 1963 وترجمت ذلك بدءاً بتعزيز العلاقات الدبلوماسية إلى التعاون العسكري والذي تمثل بإختيار نيروبي مركزاً لإدارة العمليات الأمنية إلى الشراكة الإستخباراتية، أما حديثاً فأعلنت واشنطن قبل سنوات قليلة عن مبادرة الطاقة لأفريقيا التي تهدف إلى إضافة أكثر من 10 آلاف ميغاواط من قدرة توليد الكهرباء النظيفة وشملت تلك المبادرة أكبر مشاريع توليد طاقة الرياح في أفريقيا والذي أطلق عليه إسم أبولوس كينيا، وهذا ما يفسر موافقة الكونغرس الأمريكي على تمديد قانون النمو والفرص في أفريقياأغوامما يعزز الشراكة الإقتصادية الأفريقية الأمريكية حتى عام 2025، وهذا أيضاً ما يوفر الضمانات اللازمة للإستثمارات الأمريكية طويلة الأجل، ومن الجدير بالذكر أنه منذ يناير 2019 أصبحت هناك العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء مؤهلة للحصول على مزايا قانون أغوا وعلى رأسهم كينيا التي تعتبر أكثر دول شرق إفريقيا تطوراً من الناحية التكنولوجية مما جعلها ملاذاً لجيل الشباب في إفريقيا، وأمام تلك التطورات إزداد طموح نيروبي إلى تطوير بنيتها التحتية التي تشكل جزءًا من برنامج تطوير رؤية 2030 في كينيا والذي يبدو أنه جاء متوافقاً مع تطورها التكنولوجي المتسارع فوجدت نيروبي في منتدى الأعمال الأفريقي الأمريكي الذي أقيم في نيويورك عام 2016 ضالتها بعد أن أعلن المنتدى عن تسعة مليار دولار لدعم التجارة في إفريقيا فجاء حضور شركة باكتل الأمريكية مناسباً لحاجة كينيا المُلحة خاصة أن باكتل  لها خبرة أكثر من سبعون عاماً في بناء وإدارة مشاريع البنية التحتية في أفريقيا .

توجهت شركة باكتل إحدى أهم الشركات العالمية في مجال الهندسة والبناء لتشييد أحد أهم الهياكل الأساسية الجديدة في شرق إفريقيا وهو طريق سريع سيربط بين العاصمة نيروبي وميناء مومباسا البحري، وتم تمويل المشروع من وكالات إئتمان الصادرات الأمريكية مثل بنك التصدير والإستيراد الأمريكي ومؤسسة الإستثمار الخاص لما وراء البحار وهي مؤسسة تمويل التنمية التابعة للحكومة الأمريكية وتقوم بحشد رأس المال الخاص للمساعدة في حل تحديات التنمية الحرجة، ويُذكر أن نيروبي إستعانت في هذا المشروع قبل البدء به بخبرةبي دبليو سيإحدى أهم شبكة الخدمات المهنية متعددة الجنسيات التي قامت بدراسة جدوى تجارية وتقنية لطريق نيروبي مومباسا السريع، ومن الجدير بالذكر أن شبكة الخدمات المذكورة أنفاً هي ذاتها التي تنبأت في عام 2017 بأن سوق الطائرات بدون طيار في العالم سيصل إلى 127 مليار دولار بحلول عام 2020 وهي ذات الجهة التي صاغت رمزإي سبعةلوصف الإقتصاديات الناشئة التي يتوقع بروز دورها بحلول عام 2050.

المأزق الذي واجه باكتل هو رفض نيروبي لنموذج التنفيذ الذي قدمتة وإصرار كينيا على نموذج أخر،ولتوضيح نقطة الخلاف بين الجانبين فإن باكتل تؤكد أن الشراكة البديلة بين القطاعين العام والخاص الذي تتبناه كينيا سيكلف خمسة أضعاف لمبلغ خمسة عشرة مليار دولار وسيستغرق وقتاً أطول وفي الوقت الذي تريد كينيا من باكتل الحصول على تمويل أولي والحصول على المطالب مرة اخرى من خلال فرض الرسوم بعد فتح الطريق ترى باكتل أن ذلك سيكلف دافعي الضرائب في كينيا خمسة مليارات دولار على مدى عقدين ونصف، وحذرت باكتل نيروبي إذا إختارت الطريق الأخر فإنها ستجد نفسها في منطقة التدفق النقدي السلبي وسيترتب على ذلك عبء دفع خمسة مليار دولار سنوياً على مدى خمسة وعشرون عاماً.

تدرك النخب الكينية أن هذا المشروع المدعوم أمريكياً جاء منافساً للصين التي نفذت أهم مشاريع البنية التحتية في كينيا بل وتشير الجلسات العلمية الخاصة بالعلاقات الدولية أن طريق نيروبي مومباسا السريع هو في الأساس كان لشركة صينية تقوم بمشاريع الهندسة المدنية العالمية إلا أن بكين تسببت مؤخراً في إثارة جدلاً سياسياً في نيروبي بسبب إحتكار الصين للمناصب العليا في سكك الحديد الكينية لصالح الموظفين الصينين مما أعطى واشنطن فرصة لإقتناص الهدف الذي سيحقق الإيرادات والوظائف وفرص النمو في الداخل والخارج، خاصة أن الشارع الكيني يرى أن مردود هذا المشروع سيكون ضعف ما أنفق عليه.

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى