المسيرات الاحتجاجية ضد التدهور الأمني في مقديشو … فشلت أم أفشلت ؟

منذ ما يقارب الأسبوع كان نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي يتداولون دعوات للمشاركة في تنظيم مسيرات سلمية في مقديشو احتجاجا على الوضع الأمني المتدهور، وإغلاق الطرقات، واستهداف سائقي التوك توك من قبل أفراد الشرطة الصومالية، لكن لم  تشهد المدينة أي مظاهرات أو مسيرات احتجاجية تذكر.

 تتباين الأراء  حول الأسباب الحقيقة وراء قلة حجم تلك المسيرات،حيث رأي البعض أن السبب الحقيقي هو  فشل منظميها في كسب قطاع عريض من الشعب ولاسيما المجالس الدينية والرموز الثقافية والقيادات الشعبية الذين انبروا للتصدى لها بدلا من دعمها، في حين يعتقد آخرون أن المسيرات لم تفشل وانما تم قمعها سياسيا وأمنيا بعد أن استنفذت  الحكومة كل  طاقاتها أوراقها السياسية والأمنية  في سبيل اجهاضها، ويرى أن الوقفات الاحتجاجية التي شهدتها  مدينة مقديشو الأسبوع الماضي ليس الا بداية لحراك سياسي واجتماعي قادم مؤكدا على أهمية ارتداداتها على المشهد السياسي في المستقبل والأثر التي ستتركها في الحياة السياسية والاجتماعية بالبلاد.

لقد نشرت  الحكومية عددا كبيرا من قوات الشرطة بما فيها شرطة مكافحة الشغب، وقوات حفظ الأمن المزودة بالأسلحة والسيارات المدرعة في تقاطعات شوارع مقديشو الرئيسية مثل، تقاطعات: كم4، تليح، دبكا، أفرتا جردين، صنعاء، بنادر، وتقاطعات أخرى في مقديشو، وهذا الامر فيما يبدو ألقى الخوف والرعب في نفوس سكان العاصمة مقديشو ودفعهم إلى الامتناع عن الخروج وممارسة حقهم في التظاهر بصورة سلمية وحضارية، وبعث رسالة تهديد إلى الشباب الذي كانوا ينظمون المظاهرات.

ويقول الفريق الثاني أن سياسيين وعلماء دين اختفوا  عن الانظار ولم يظهروا على الشاشات منذ شهور، عادوا  إلى الواجهة بصورة مفاجأة وفور انطلاق الدعوات المطالبة بالخروج إلى الشوارع وأطلوا على سكان العاصمة عبر الشاشات والمنابر الاعلامية المحلية سواء التقليدية منها أو  مواقع التواصل الاجتماعي يدعون الشعب إلى ضبط النفس والالتزام بالهدوء وعدم الخروج إلى الشوارع، ومن بين هؤلاء يوسف غراد عمر وزير الخارجية السابق، وثابت عبده محمد عمدة مقديشو السابق في بيان موحّد لهما ذكرا فيه بأهمية الحفاظ على الأرواح والممتلكات والالتزام بالهدوء من قبل المتظاهرين، بينما طالبوا الحكومة الاستجابة للمطالب المشروعة وعدم تعميم المتظاهرين بأنهم مخرّبون بل يجب التمييز بين المتظاهرين السلميين والمخرّبين.

وفي حديثه لوسائل إعلام محلية  حذّر الشيخ علي وجيز أحد كبار مسؤولي هيئة العلماء الصوماليين الشعب من تنظيم مظاهرات في مقديشو، معلّلا ذلك إمكانية حدوث خسائر في الأرواح والأموال جراء هذه التظاهرات وعدم الحاجة إلى تنظيم ومشاركة تظاهرات طالما أنه يمكن للشعب تقديم شكواه عبر الأعيان وعبر مجلس البرلمان، بحسب الشيخ علي وجيز.

دخل رئيس الوزراء الأسبق على محمد غيدي على الخط  وألقى مسؤولية تدهور الوضع الأمني في مقديشو على عاتق جهات أخرى وصفها بالسياسية في محاولة لتخفيف الضغط عن الحكومة وحمل مسؤولية الانفجارات التي تحدث في شوارع مقديشو على سياسيين مناوئين للحكومة الصومالية، وقال إنهم يريدون من وراء ذلك إحداث بلبلة وضجة كبيرة حول الوضع الأمني في العاصمة، وليس الأمر كما يفسره البعض بأنها هجمات تنفذها حركة الشباب.

وميّز جيدي الانفجارات التي تشهد بالعاصمة مقديشو، قائلا: إن العمليات  التي تنفذها حركة الشباب تتسم بالطابع الانتحاري، أما التفجيرات الناجمة عن العبوات الناسفة التي يوضع في جوانب الطرق لا تقف وراءها حركة الشباب وانما هي حرب سياسية يراد من خلالها تقويض الجهود الأمنية التي تبذلها الحكومة الصومالية.

وطالب علي محمد غيدي في مقابلة مع قناة يونيفيرسل الصومالية الشعب بأخذ الحيطة والحذر من كل ما من شأنه إحداث قلاقل أمنية قد تنجم عنها خسائر في الأرواح والأموال.

ومن جانبه دافع السياسي المعارض عبدالرحمن عبدالشكور عن أحقية سكان مقديشو بتنظيم تظاهرات سلمية للتعبير عن مشاعرهم، كما ندّد بمحاولات الحكومة لمنع المسيرات السلمية وقمع المتظاهرين، وأكد عبدالرحمن عبدالشكور بأن التظاهرات السلمية حق قانوي يكفله الدستور للمواطنين الصوماليين للتعبير عن آرائهم، موضحا بأن لكل شخص الحق في تنظيم اجتماعات أو تظاهرات سلمية، ومشاركتها للتعبير عن شكواه، كما هو منصوص في المادة 20 من الدستور، ولا يهاب في ذلك أحدا بغض النظر عما يحمل من الألقاب الدينية والسياسية والقبلية . وأشار السياسي عبد الرحمن عبد الشكور إلى أنه ليس هناك من هو أسوأ  ممن يدافع الجلاد ويسكت عن مأساة الضحية.

فمهما اختلفت الآراء الا أن الدعوات المطالبة بالتظاهر ضد الاحتقان في مقديشو كشفت عن حجم الأزمة السياسية والأمنية الراهنة والضرورة الملحة لايجاد مخرج سياسي ينهي الأزمات التي تعصف بالبلاد ، وأكدت بأن الحل الأمني وحده لا يكفي والدليل على ذلك أنه رغم الاجراءات الأمنية واغلاق الشوارع الا أن التهديد الأمني مازال قائما، وأنه سجّل خلال الأيام الماضية حدوث أعمال عنف في عدد من أحياء العاصمة مقديشو.

لايمكن في أي حال من الأحول أن تتغلب الحكومة على جميع التحديات الأمنية التي تواجها مدينة  مقديشو ما لم تتجرأ على محاسبة نفسها ولم تقدم على اتخاذ خطوات شجاعة وجادة تتمثل في اعلان مؤتمر تشاوري سياسي عام يشارك فيه جميع الاطراف السياسية ورؤساء الإدارات الإقليمية للاتفاق على خارطة طريق سياسية وأمنية تهدف إلى مواجهة خطر الارهاب بشكل جماعي ودون اقصاء أحد وتلتزم بها جميع الأطراف بما فيها الحكومة، بالإضافة إلى اجراء  تعديل وزاري شامل وتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تقود البلاد حتى انتخاب عام  2020 وأبرز مهام تلك الحكومة سيكون دخليا تطبيق خارطة الطريق وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، الاسراع في تعزيز الثقة بين الصومال والقوى الاقليمية والدولية المعنية بالشأن الصومالي.

زر الذهاب إلى الأعلى