احتجاجات مقديشو … إرهاصات تحوّل أم مجرد حدث عابر؟

وقعت ، صباح أمس السبت،  حادثتان أليمتان في العاصمة مقديشو، هاجت مشاعر الناس،  واشعلت موقع التواصل الاجتماعي تضامنا مع ضحايا الحادثتين، الأولى كانت اقدام جندي من الشرطة الصومالية، على مقتل سائق التوك توك وراكبها مع سبق الاصرار والترصد عند تقاطع هول وذاغ، ويدعى السائق القتيل ديق فولي، ويبلغ من العمر 20 عاما، وينتمي إلى عائلة فقيرة كان معيلها الوحيد والقائم بأمرها، كما أفادت بذلك وسائل إعلام محلية.

أما الحادثة الثانية، فكانت  اطلاق جندي النار على راكوبة التوك توك أخرى قرب تقاطع ديغفير  ما أدى إلى اصابة السائق وراكب نقلا على إثرها  إلى المستشفى لتلقي العلاج، بحسب  شهود عيان .

لم تكن هاتان  الحادثتان المرة الأولى التي يتم استهداف سائقي التوك توك  من قبل الشرطة، إذ أنه قبل أيام لقي سائق عربة التوك توك مصرعه في حيّ وابري على أيدي جندي من الشرطة الصومالية، ما أثار عضب زملائه الذين نظموا مظاهرات جابت في عدد من أحياء مدينة مقديشو، وهو ما حدث اليوم أيضا، حيث تجمع بعد مقتل سائق التوك توك والشخص المرافق له مئات من المدنيين وسائقي التوك توك في تقاطع هول وذاغ وسط مقديشو احتجاحا على ما حدث، وتعبيرا عن مواقفهم  الرافضة تجاه تصرفات بعض أفراد الشرطة، وتنديدا للعمليات المتكررة التي تستهدف سائقي التوك توك.

اتسع نطاق المظاهرات  الاحتجاجية  وانتشرت في عدد من التقاطعات الرئيسة بالعاصمة وخاصة في تقاطعات هول وذاغ، بكاره، وسيّدك،- وتحولت إلى أعمال شغب، حيث قام بعض المتظاهرين -أو المندسين برأي البعض- بإشعال إطارات السيارات في الشوارع، واغلاق الطرقات وسمع أصوات طلقات الرصاص الحية الّتي تستخدمه الشرطة لتفريق المظاهرين، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.

وكخطوة أولية لاحتواء الأزمة استنكر عمدة مدينة مقديشو المهندس عبدالرحمن عمر عثمان (يريسو) مقتل السائق وعبر في منشور على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، الفيس بوك عن ادانته مقتل السائق والشخص المرافق له، وقدم تعازيه الحارة إلى أسر الشخصين اللذين قتلا على أيدي الشرطة، متعهدا بتعقب الجاني لتقديمه إلى العدالة، ودعا سائقي التوك توك إلى الالتزام بالنظام والتعبير عن مشاعرهم بطرق سلمية بعيدا عن العنف والتخريب. كما طالبهم بتوقي الحذر ازاء المندسين الّذين يريدون التخريب وإثارة القلاقل.

لم يكتف عمدة مقديشو عبد الرحمن يريسو بهذا المنشور، إذ أنه لم يغيّر عن الواقع شيئا، وتجرأ على الوقوف أمام المتظاهرين الغاضبين الذين احتشدوا في عدد من الطرق الرئيسية في مقديشو، ليعبر لهم عن استنكاره الشديد لمقتل سائق التوك توك والشخص المرافق له، ورفضه الاعتداء على سكان العاصمة، وقال إن هذا  لأمر لا يمكن قبوله.

ورافق العمدة في لقاءه مع المحتجين قائد الشرطة الصومالية العميد بشير عبدي محمد الذي من جانبه أكد للمتظاهرين بأن الجاني لن يفلت من العقاب وأنه سيمثل أمام القضاء العادل، في محاولة منه لطمأنة المتظاهرين ولاحتواء الأزمة قبل تفاقمها.

صحيح أن خطوة عمدة المدينة ساهمت بشكل كبيرة في تخفيف الاحتقان وتفريق المتظاهرين الا أنها لم تنجح بالطبع  في اغلاق الملف كما أنها لم تفتح أفقا جديدا نحو معالجة أسباب المشكلة والتي من بينها أغلاق معظم الشوارع الرئيسية في مقديشو لأسباب أمنية، بل وتركت الباب مفتوحا أمام  وقوع حوادث مشابهة.

لقد شهدت مقديشو الأسابيع الأخيرة احتناقا مروريا بسبب إغلاق الطرق الرئيسية ومعظم الشوارع الفرعية مما عطّل الأعمال اليومية لسكان العاصمة، حيث تعذّر عليهم الذهاب إلى أماكن عملهم ودراستهم، بل صعب عليهم الذهاب إلى المستشفيات لتلقي العلاج. وفسّر إغلاق الطرق محاولة لإسترجاع أمن العاصمة ومواجهة الّذين يريدون العبث بأمن المدينة الذي تفاقم وضعه في الآونة الأخيرة حتى مع إغلاق الطرق، مما يعني أنه يتحتم على الجهات الأمنية البحث عن طرق أخرى لحلّ معضلة الأمن غير إغلاق الطرق والشوارع.

ويعتبر بعض المراقبين والمحللين  أن مظاهرات اليوم ربما ستكون شرارة ثورة عارمة تسعى إلى التغيير الشامل في الوضع الراهن في مقديشو، ما لم تبحث الحكومة والجهات الأمنية حلولا أخرى غير إغلاق الطرق، إذ أن حياة الشعب تعطّلت بسبب إغلاق الطرق، وأصابها الركود في كثير من جوانبها الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية مما سيؤثر سلبا على الحياة الطبيعية في مقديشو، وخصوصا، وأن الناس في استعداداتهم لاستقبال شهر رمضان المبارك الذي لم يبق منه إلا أياما معدودة ، وأهل مقديشو يحبون الاستعداد لاستقبال شهر رمضان بالتسوق، فإذا كانت الطرق مغلقة فلا يمكن لهم التسوق بشكل جيد، مما يؤدي إلى إصابة السكان بالإحباط تجاه عمليات إعادة الأمن وتوطيده في العاصمة.

وعليه فإن الجهات الأمنية لا بدّ من أن تأتي بخطة أمنية محكمة تضمن في الوقت ذاته للمدنيين  ممارسة أعمالهم اليومية بحرية وتسهل تحركاتهم وتنقلاتهم، مما يعني البحث عن بديل آخر غير إغلاق الطرق قبل ازدياد الخسائر في الأرواح والأموال الناجمة عن سوء التفاهم بين الجهات الأمنية وبعض المدنيين المتأثرين جراء إغلاق الطرق.

زر الذهاب إلى الأعلى