قراءات بحثية: كتاب الاتحاد الإفريقي وتسوية المنازعات (دراسة حالة الصومال)

الإتحاد الإفريقي وتسوية المنازعات PDF

في كتابه الصادر عن دار العربي للنشر والتوزيع بالقاهرة، تحت عنوان( الاتحاد الأفريقي وتسوية المنازعات.. دراسة حالة الصومال)، والذي بلغت صفحات طبعته الأولى الصادرة عام 2015 ما يقرب من ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط، يتناول مؤلفه الدكتور(مهند عبد الواحد النداوي) تاريخ نشوء التنظيمات الإقليمية الهادفة إلى تحقيق حلم الوحدة الإفريقية الذي بدأ يراود الكتاب والمفكرين الأفارقة منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، أملاً في تخليص الشعوب الأفريقية من الرق والعبودية، وعلى رأس هذه التنظيمات(منظمة الوحدة الأفريقية) التي رأت النور بعد نجاح العديد من دول القارة في التحرر والحصول على الاستقلال خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، ثم( منظمة الاتحاد الأفريقي) التي ظهرت مع بدايات القرن الحادي والعشرين، وتحديداً في عام 2002، بعد أن شهدت القارة السمراء تزايد حدة النزاعات المسلحة، واتخاذها أبعاداً خطيرة على الأمن والاستقرار، منذ نهايات العقد الأخير من القرن العشرين، مما أثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه القارة، ودفع القادة الأفارقة إلى الإعلان عن تأسيس هذا التنظيم الأفريقي الأخير، من أجل مواكبة التطورات التي حدثت على الصعيد الدولي، فضلاً عن تحقيق أهداف عدة، من أبرزها تحقيق السلم والأمن والاستقرار فيما بين الدول والشعوب الأفريقية، ومن ثم تحقيق الوحدة والتكامل الأفريقي على صعيد القارة ككل.

إخفاقات منظمة الوحدة الإفريقية

ويستهل المؤلف، فصل كتابه الأول، والذي حمل عنوان( الإتحاد الأفريقي وتسوية المنازعات)، بالحديث عن أجواء تأسيس الاتحاد الإفريقي، وعن آليته المتبعة في تسوية منازعات القارة، مؤكداً على أن هذا التأسيس إنما جاء بعد أن منيت (منظمة الوحدة الأفريقية) بالعديد من الإخفاقات عبر سنوات عملها الممتدة ما بين عام 1963وعام 2001، ومشيراً إلى أبرز هذه الإخفاقات على النحو التالي:

  • على الصعيد السياسي: واجهت المنظمة مشكلات كثيرة في مجال عقد مؤتمرات القمة؛ منها عدم التزام العديد من رؤساء الدول والحكومات بحضور هذه المؤتمرات، والاكتفاء بإرسال ممثلين عنهم. إلى جانب معاناة المنظمة من أزمات عدة بخصوص تحديد مكان انعقاد مؤتمرات القمة؛ حيث لم يحدد ميثاق المنظمة آلية واضحة لهذا الأمر. ويضرب المؤلف مثالاً لهذه الإشكالية بما حدث حين تقرر عقد مؤتمر القمة الثاني في أكرا عاصمة غانا في الأول من أيلول/سبتمبر عام 1965، وذلك عندما رفضت بعض الدول الأفريقية عقد المؤتمر في غانا بحجة عدم التزامها بمباديء الميثاق، حيث تقرر عقد المؤتمر في كمبالا عاصمة أوغندا في حزيران/يونيو عام 1971، إلا أن حدوث انقلاب في أوغندا في كانون الثاني/يناير من العام ذاته، أدى إلى عقد مؤتمر القمة في أديس أبابا.
  • على الصعيد الأمني: وكما يؤكد مؤلف الكتاب، فقد فشلت منظمة الوحدة الأفريقية في تسوية الكثير من المنازعات في القارة، لا سيما المنازعات ذات الطابع الداخلي؛ وذلك نتيجة أحد المباديء المنصوص عليها في ميثاق المنظمة، وهو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، ومن ثم لم تحاول هذه المنظمة إدانة أي انقلاب، ولم تتدخل في أي نزاع مسلح ذي طابع غير دولي عبر سنوات عملها، كما أنها اتبعت نهج التأييد الكامل للحكومات الموجودة في السلطة بغض النظر عن كيفية وصولها إلى سدة الحكم، الأمر الذي أفضى ــ كما يؤكد مؤلف الكتاب ـــ إلى أن تصبح أفريقيا القارة الأولى في أعداد اللاجئين؛ حيث أشار تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إلى أن القارة السمراء الإفريقية احتلت في عام 1998 المرتبة الأولى(لأول مرة منذ عام 1989) بوصفها المنطقة الأكثر خطورة في العالم من حيث عدد الحروب والمنازعات، وأن 50% من المنازعات المسلحة في العالم تقع في أفريقيا، وان من بين 22 مليون لاجيء في العالم، هناك على الأقل 8 مليون لاجيء أفريقي، فضلاً عن ملايين من النازحين داخل دولهم.
  • على الصعيد الاقتصادي: يذكر الكاتب أنه على الرغم من نجاح منظمة الوحدة الأفريقية في وضع الأسس المؤدية للتكامل الاقتصادي من خلال تبني خطة عمل لاجوس في عام 1980، والميثاق الأفريقي للمشاركة الشعبية في التنمية عام 1990، وإنشاء الجماعة الاقتصادية الأفريقية بمقتضىى معاهدة أبوجا 1991، فضلاً عما تم إنجازه من هياكل مؤسسية وآليات للاتصال والتخطيط والتنفيذ، إلا أن المنظمة فشلت في مواجهة المشكلات الاقتصادية الإفريقية، بدليل تراجع نصيب القارة الإفريقية من التجارة العالمية؛ حيث يذكر الكاتب مثلاً انخفاض حصة القارة بالنسبة للصادرات العالمية من 3.1% عام 1955 إلى 1% فقط خلال تسعينيات القرن العشرين، بينما قدرت ديون أفريقيا بــ 330 مليار دولار عام 2000، كما شكلت الديون الخارجية للقارة بأكثر من 80% من إجمالي الناتج المحلي الإفريقي، بل وقدرت أعداد الوفيات من الصوماليين فقط جراء نقص الغذاء عام 1999 ما يقرب من 100 ألف شخص.

تأسيس الاتحاد الإفريقي

وبعد أن يوضح مؤلف الكتاب، أن الإخفاقات المشار إليها، كانت دافعاً إلى تنامي الاتجاهات السياسية والفكرية لدى الأفارقة في اتجاه تطوير المؤسسات الوحدوية الأفريقية، ما أدى إلى التفكير في إنشاء منظمة الاتحاد الأفريقي، يستعرض تالياً أهم المؤتمرات التي أسهمت في تأسيس الاتحاد الأفريقي، والتي أورد في مقدمتها(قمة سرت الأولى/ ليبيا/سبتمبر 1999)، و(قمة لومي/توجو/ 2000)، ثم( قمة سرت الثانية 2001)، ثم قمتى لوساكا/ زامبيا 2001، ودوربان/جنوب أفريقيا 2002، بالإضافة لاستعراض أهم الأهداف والمباديء التي تشكل آليات وبنود عمل الاتحاد الأفريقي، والتي أكد الكاتب خلال استعراضها، أنه على الرغم من تشابهها مع الموجود في بنود وأهداف منظمة الوحدة الأفريقية، إلا أنها اشتملت على أهداف ومباديء جديدة منها أن القانون التأسيسي للاتحاد أولى أهمية خاصة للتعاون السياسي والأمني تفوق ما كان عليه في منظمة الوحدة الأفريقية؛ حيث أجاز القانون المشار إليه حق الاتحاد في التدخل في أية دولة عضو في ظل الظروف الخطيرة المتمثلة بجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، مع حق الدول الأعضاء في طلب التدخل من الاتحاد الأفريقي لإعادة الأمن والاستقرار.

وخلال الفصل الأول أيضاً ، لم يغفل المؤلف استعراض أهم أجهزة الاتحاد الإفريقي، والتي أوضح أنها مكونة من تسعة أجهزة هي: مؤتمر الاتحاد(الجمعية) ــ المجلس التنفيذي ـــ برلمان عموم أفريقيا ـــ محكمة العدل ـــ اللجنة(المفوضية) ـــ لجنة الممثلين الدائمين ـــ اللجان الفنية المتخصصة ــــ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ــــ والمؤسسات المالية. وكان مما أشار إليه المؤلف خلال تناوله آليات الاتحاد الأفريقي في تسوية المنازعات، أموراً تتعلق بتعريف بعض الأجهزة الملحقة بالاتحاد عبر الآلية المذكورة، ومن ذلك مثلاً ما يعرف بــ( مجلس السلم والأمن) والذي عرفه الكتاب، بأنه جهاز دائم لصنع القرارات فيما يتعلق بمنع المنازعات وإدارتها وتسويتها، بما يعد أحد ترتيبات الأمن الجماعي والإنذار المبكر، لتسهيل الاستجابة الفعالة في الوقت المناسب لأوضاع النزاعات والأزمات في أفريقيا. وبعد أن يذكر مؤلف الكتاب أن مجلس السلم والأمن هذا منوط به متابعة وتكييف آليات المواجهة الإفريقية الداخلية الخاصة بفض المنازعات والحيلولة دون تطورها أو نشوئها أصلاً، أشار الكاتب أيضاً إلى أحقية هذا المجلس في توظيف واستخدام ما يعرف بــ( القوة الأفريقية الجاهزة) والتي تضطلع بصلاحيات عدة؛ أبرزها القيام ببعثات المراقبة والمتابعة ومهام حفظ السلام والأمن والتدخل في حالة وجود ظروف خطيرة في دولة عضو أو بناء على طلبه، فضلاً عن الانتشار الوقائي من أجل منع تجدد المنازعات بعض توصل الأطراف المتنازعة إلى تسوية، وكذلك منع تصعيد النزاعات وانتشارها إلى المناطق أو الدول المجاورة، كما تضطلع القوة الأفريقية بمهام نزع السلاح وتسريح القوات في مدة ما بعد النزاع وإيصال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، إضافة لأية مهام أخرى يتم التكليف بها وفق هذا الإطار.

الحالة الصومالية

وبانتهاء الفصل الأول من الكتاب، يتطرق المؤلف إلى تناول الحالة الصومالية، من خلال الفصل الثاني من الكتاب، والذي حمل عنوان( مضامين الأزمة الصومالية)، وهي الحالة التي تناولها الكاتب من خلال مبحثين؛ الأول/ الجغرافية السياسية للصومال. والثاني: تطور الأزمة الصومالية؛ ففي المبحث الأول كان من أهم ما أشار إليه الكاتب وتناوله، جملة الإحصاءات التوصيفية للبيئة الديمغرافية والاجتماعية بالصومال؛ حيث ذكر مثلاً أن معدل الزيادة الطبيعية في السكان هي ما بين 2.5% إلى 2.8%، وأنه من المتوقع أن يبلغ عدد سكان الصومال قرابة 12.2 مليون نسمة في عام 2020 بالتزامن مع ضعف البنيان الاجتماعي لأغلب هؤلاء السكان؛ حيث يبلغ معدل البطالة قرابة 47.4% منها 65.5% في الحضر، و40.7% في الريف بحسب تقارير البنك الدولي للعام 2002، وأن 43.2% من السكان يعانون من الفقر المدقع؛ حيث بلغت نسبة من يعيش على دولارين في اليوم قرابة 73.4%، في حين تصل نسبة عدد النشطين اقتصادياً 3.631 مليون نسمة تقريباً منها 39.1 من النساء وفق تقديرات العام 2009، بالإضافة إلى تزايد نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة والخطيرة؛ إذ يذكر المؤلف أن 64% من سكان الصومال لا يحصلون على التحصين ضد مرض السل الذي بلغت نسبة الإصابة 374 حالة من بين كل مائة ألف، وهو ما جعل الصومال في المرتبة الأولى عالمياً من حيث الإصابة بهذا المرض، هذا بالإضافة للإصابة بأمراض أخرى عديدة يذكرها المؤلف، منها مرض الملاريا(30 ألف مصاب/2003)، فيروس نقص المناعة(0.5% بين شرائح 15 ــ 45/2007) ، في حين أشارت تقارير إلى أن احتمال عدم البقاء على قيد الحياة حتى سن الأربعين هدد 34.1% من مجموع السكان في الصومال خلال الفترة من 2005/2010. وقد تطرق مؤلف الكتاب ضمن هذا المبحث أيضاً إلى تراجع إمكانية الحصول على المياه النقية في الصومال، وإلى ارتفاع نسبة وفيات الأمهات أثناء الولادة لدرجة احتلال البلاد المرتبة الأولى عالمياً في هذه النسبة خلال المدة من 2005/2007، كما أشار المؤلف إلى تدهور صومالي ملحوظ في مجال التعليم، وفي تدني معدلات من يعرفون القراءة والكتابة بين البالغين، كنتيجة طبيعية لتدني نسبة الإنفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية. وقد خلص مؤلف الكتاب في نهاية ها المبحث إلى أن الصومال يتميز ببيئة جغرافية واجتماعية واقتصادية متنوعة، لكن هذا التنوع صاحبه تخلف وفقر وضعف في البنى الأساسية وفي جميع نواحي الحياة، مما شكل عاملاً مساعداً في تدهور الحالة العامة للبلاد.

مراحل تطور الأزمة الصومالية

وفي المبحث الثاني من الفصل الثاني، تناول مؤلف الكتاب، مراحل تطور الأزمات السياسية في الصومال؛ فذكر أن تجربة الحكم المدني في الصومال فيما بين عامى 1960، 1969 آلت إلى الفشل لأسباب عدة، من أهمها انتهازية القيادات السياسية، وضعف مؤسسات الدولة، وعجزها عن احتواء واستيعاب الاختلافات والانقسامات التي حدثت في البلاد، لا سيما بين القبائل الصومالية فيما بين الإقليمين الشمالي والجنوبي، وكذلك بين الشمال والشمال، وبين الجنوب والجنوب، والتي نتجت من الحقبة الاستعمارية، الأمر الذي أسفر ــ وفق ما يؤكد مؤلف الكتاب ــ عن تدهور الحالة السياسية وضعفها، وأدى إلى تدخل المؤسسة العسكرية ودخول البلاد في مرحلة جديدة، خاصة بعد اغتيال الرئيس الصومالي(عبد الرشيد شيرماركي) على يد أحد حراسه في شمال البلاد.

ويواصل الكاتب، تناول مرحلة تطور الأزمات الداخلية في الصومال، بعد رحيل شيرماركي، وذلك خلال الفترة من 1969 وحتى 1991، وهي الفترة التي أسقطت خلالها الحكومة المدنية، بعد تدخل المؤسسة العسكرية في الحادي والعشرين من شهر تشرين/أكتوبر 1969، ومكنت اللواء(محمد سياد بري) من حكم البلاد عبر مجلس أعلى للثورة تكون من 25 ضابطاً برئاسته. ويقرر المؤلف أن الشعب الصومالي ارتضى حكم المؤسسة العسكرية أول الأمر نتيجة للأهداف الإيجابية المعلنة من قبل المجلس الأعلى للثورة، والتي كان من أهمها: العمل على إجراء الإصلاحات الداخلية في البلاد، عبر القضاء على الفوضى والفساد والروح القبلية، وإلغاء المحسوبية والمنسوبية، وتنمية الأقاليم، فضلاً عن العمل على استعادة الأقاليم المحتلة وتوحيدها على الصعيد الخارجي، الأمر الذي نظرت معه جموع الشعب الصومالي ــ وفق ما يذكر الكاتب ــ إلى الرئيس سياد بري باعتباره الزعيم الوطني الذي سيعمل على تحقيق حلمهم في الاستقرار وتوحيد الأمة الصومالية، إلا أن مؤلف الكتاب يؤكد على أن هذه التوقعات كانت واهمة؛ حيث شهدت الصومال استبداد النظام السياسي آنذاك، وعدم تطبيقه للبرامج والأهداف التي أعلن عنها؛ حيث يسوق مؤلف الكتاب عدة مؤشرات تدل على هذا الاستبداد، من أهمها:

  • اتجاه النظام السياسي آنذاك نحو الشمولية في الحكم فرغم حل البرلمان ووعود الرئيس بري بإجراء انتخابات عادلة، إلا أنه احتكر السلطة، وتولى مراكز القرار العليا في الدولة، وقد دعم دستور عام 1979 شخصنة السلطة في البلاد؛ فأصبح بري هو رئيس الدولة، والقائد الأعلى للجيش، وسكرتير عام الحزب الحاكم، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس المجلس القضائي، وأصبحت كلمته هي القانون، كما عمل على تعديل الدستور في عام 1980 لتصبح سلطته نافذة دون الرجوع إلى البرلمان أو مجلس القضاء، كما حرم حرية التعبير والاجتماعات، ومنع تأسيس الأحزاب السياسية.
  • قيام الرئيس بري بعد توليه الحكم بتحريم النظام القبلي على المستوى الرسمي في عام 1971، بحيث أصبح الانتماء القبلي ورابطة الدم يعد عملاً إجرامياً، ولكنه في نفس الوقت لم يطبق ذلك على نفسه؛ حيث سعى لإحياء الانتماء القبلي عبر الاعتماد على أبناء قبيلته ، فقام منذ توليه الحكم بتقوية قبيلته(الماريحان) وأخضع كل مرافق الدولة تحت سيطرة قبيلته على حساب باقي القبائل الصومالية.
  • تلاعب الرئيس بري بمبدأ الاشتراكية؛ فعلى الرغم من تبنيه للنظام الماركسي اللينيني وتأسيسه للحزب الاشتراكي الثوري الصومالي عام 1976، إلا أن الحزب لم يكن سوى مجرد واجهة للحكم العسكري ــ وفق ما يذكر المؤلف ــ كما أن مبدأ(الاشتراكية العلمية) الذي أعلنه بري كان مشوشاً ويفتقر إلى الوضوح، بحيث كانت الاشتراكية التي يطبقها تمثل نوعاً من البراغماتية التي تخدم مصالحه وأهدافه في المحافظة على السلطة أطول مدة ممكنة، وهو ما اتضح أعقاب حرب أوغادين عام 1977، حينما اتجه بري نحو الغرب وتحديداً نحو الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما اتجه السوفييت إلى دعم الإثيوبيين وقتها.
  • مخالفة بري ــ بحسب ما يذكر مؤلف الكتاب ــ للتوجهات القومية الصومالية، واستغلاله السييء لعمق التأثير الأيديولوجي للقبلية الصومالية؛ فبعد شعاراته لتحقيق الوحدة القومية لكل الأمة الصومالية، تخلى عن مطالبته بضم باقي الأقاليم المحتلة للصومال، وخاصة بعد هزيمته في حرب أوغادين عامى 1977/1978، مما أدى إلى سخط الصوماليين وفقدان نظامه الشرعية على المستوى السياسي.

وينتهي مؤلف الكتاب، إلى أن نشوء الأحزاب المعارضة، وتعرض الصومال إلى موجات من الجفاف الشديد أوائل السبعينيات وحتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين، بالتزامن مع تراجع الدخل القومي الصومالي، أدى كل ذلك إلى إسقاط النظام السياسي للرئيس بري، بعد أن تطورت حدة النزاع بين المعارضة وهذا النظام؛ إثر قيام ما يقرب من 114 من الشخصيات المعارضة بإصدار ما يعرف بــ(إعلان مقديشو) للمطالبة باستقالة بري والعمل على تشكيل حكومة انتقالية لإنقاذ البلاد من الدمار والفوضى التي أصابتها، وهو ما رد عليه الرئيس وقتها باعتقال 50 شخصاً من الموقعين على هذا الإعلان، وتشديد القبضة العسكرية على شمال البلاد، وتحديداً في(هرجيسيا)، وهنا يذكر المؤلف أن بعض التقارير أشارت إلى أنه سقط في تلك الأزمة قرابة الـــ 50 الف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى واللاجئين، ليشهد النصف الثاني من عام 1990 قيام تحالف ثلاثي بين المؤتمر الصومالي الموحد والحركة الوطنية الصومالية والحركة القومية الصومالية، نجحوا خلاله من إسقاط النظام في السابع والعشرين من كانون الثاني/ يناير 1991.

تداعيات سقوط النظام الصومالي 1991

ويتطرق مؤلف الكتاب بعد ذلك لتناول تطور الأزمات السياسية بعد سقوط نظام سياد بري، وتحديداً من 1991 وحتى تشكيل أول حكومة اتحادية للصومال في عام 2012، وكيف أن الصدامات العسكرية الداخلية بين صفوف المعارضة، كانت سبباً في سقوط أكثر آلاف القتلى والجرحى، فضلاً عن نزوح أعداد كبيرة من الصوماليين داخلياً وخارجياً، لا سيما من العاصمة مقديشو وما حولها، كما أصبحت الصومال عملياً أجزاءً منفصلة، بحيث فشلت كافة المؤتمرات التي حاولت تسوية هذه الأوضاع والصدامات والتي بلغت قرابة 12 مؤتمراً في الفترة ما بين 1991/2000، إلى أن تم تشكيل أول حكومة انتقالية بعد سقوط نظام سياد بري، والتي رغم تأييدها إقليمياً ودولياً، كانت تعاني الضعف والعزلة، لتدخل الصومال مرحلة جديدة بظهور المحاكم الإسلامية عام 2006، والتي استطاعت خلال مدة قصيرة أن تقضي على الفصائل الصومالية المسلحة وأن تعيد الأمن والاستقرار في العديد من المناطق الومالية ــ وفق ما يذكر مؤلف الكتاب ــ ولا سيما في العاصمة مقديشو، إلا أن اختلاف المصالح والأهداف والرؤى فيما بين المحاكم الإسلامية من جهة، والحكومة الصومالية من جهة أخرى، أدى إلى اشتداد المواجهة بينهما وعودة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً .. وهكذا يستمر المؤلف في تتبع أحداث وتطورات الأزمات الصومالية الشاملة، مروراً بظاهرة القرصنة على السواحل الصومالية، وانتخاب حسن شيخ محمود رئيساً للبلاد في أيلول/سبتمبر 2012، ثم اشتداد هجمات حركة الشباب. ويختم المؤلف هذا الفصل، مؤكداً أن تطورات الخريطة السياسية في الصومال، منذ الاستقلال عام 1960، أسهمت في بروز نمط جديد من المنازعات المسلحة عرفت بالصوملة؛ إذ تحولت هذه المنازعات من كونها ذات طابع دولي تطالب باستعادة الأراضي التي اقتطعت من الصومال الكبير، إلى منازعات مسلحة داخلية من أجل السيطرة على مقاليد الحكم.

القوى الإقليمية/الدولية والأزمة الصومالية

وفي الفصل الثالث من الكتاب، والذي حمل عنوان( القوى الإقليمية والدولية والأزمة الصومالية)، تناول الكاتب ملامح وتفاصيل الموقف الإقليمي والدولي من الأزمات في الصومال، وذلك على النحو التالي:

أولاً: الموقف الإقليمي من الأزمات في الصومال:

وقد تناوله الكاتب على مستويين: على مستوى المنظمات الإقليمية، ثم على مستوى الدول:

  • فعلى مستوى المنظمات الإقليمية، أشار الكاتب إلى أن هذه المنظمات كان لها دور بارز في مراحل تطور الأزمات الصومالية، لا سيما منذ سقوط نظام الرئيس سياد بري، لكن الكاتب يؤكد أن دور جامعة الدول العربية مثلاً كان دوراً إنسانياً، ومرتبطاً بالموقف الدولي من الأحداث في الصومال؛ فقد عملت الجامعة على تقديم الدعم المالي للحكومات الصومالية التي تشكلت منذ عام 2000، في حين كان دور منظمة الإيغاد أكثر تفاعلاً وبروزاً ــ كما يقرر الكاتب ــ في مراحل تطور أزمات الصومال السياسية على الرغم من بعض السلبيات التي رافقت عمل الإيغاد في بعض الأحيان.
  • وعلى مستوى الدول، أشار مؤلف الكتاب إلى أن الأزمة الصومالية شهدت تدخل العديد من الدول على المستوى الإقليمي، بشكل إيجابي مرة وسلبي مرة أخرى، أو بالإثنين معاً في أحيان كثيرة؛ وعندما يتطرق المؤلف إلى تفاصيل هذا التدخل، يبدأ بالموقف الإثيوبي؛ فيقرر أن الحكومة الإثيوبية تعاملت مع الأزمة الصومالية عقب تشكيل الحكومات في الصومال بعد عام 2000 وفق نمطين سياسيين أساسيين: الأول دعم ومساندة الفصائل الصومالية المسلحة التي توجد خارج العملية السياسية، لإشاعة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، إذا كانت الحكومة الصومالية المشكلة معادية وغير موالية لإثيوبيا. والثاني: دعم ومساندة الحكومة الصومالية، ومساندة استقرار الصومال، إذا كانت الحكومة الصومالية المشكلة موالية وداعمة لإثيوبيا. ويضرب الكاتب مثالاً للنمط الأول بموقف إثيوبيا من حكومة(عبد القاسم صلاد) في عام 2000 عندما رفضت إثيوبيا الاعتراف بها، بل والقيام بتوقيع اتفاقية بين البنك التجاري الإثيوبي وبنك(صوماليلاند) بهدف تنمية التجارة المشتركة بين الطرفين في أعقاب إعلان(جمهورية أرض الصومال) رفضها لمقررات عرتة، الأمر الذي دفع رئيس وزارء الصومال وقتها إلى القول: إن النظام الإثيوبي مصر على تنفيذ سياسة القضاء على الدولة الصومالية كليا. ويضرب مؤلف الكتاب مثالاً للنمط الثاني بموقف إثيوبيا من الحكومة الصومالية في ظل حكم الرئيس(عبدالله يوسف) عام 2004، عندما قامت إثيوبيا بدعم ومساندة هذه الحكومة في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها لا سيما بعد بروز المحاكم الإسلامية التي تبنت أديس أبابا موقفاً عدائياً تجاهها. أما إريتريا فقد قرر الكتاب أن مواقفها من الأزمات الصومالية، كانت على طرفي نقيض مع إثيوبيا في تعاملها مع الأزمات ذاتها، مما انعكس بالسلب على تطور الأوضاع في الصومال. ثم يواصل مؤلف الكتاب رسم ملامح العديد من مواقف الدول الإفريقية الأخرى من الحالة الصومالية مثل: جيبوتي وكينيا.
  • وعن موقف الدول العربية من الحالة الصومالية، أكد الكتاب أن موقف العديد من الدول العربية لم يكن إيجابياً إزاء تسوية الأزمة الصومالية، على الرغم من كون الصومال بلد عربي، ويستثني المؤلف هنا بعض الوساطات العربية الفردية التي لم تتطور ــ في رأيه ـــ إلى جهد عربي مشترك، وفي هذا السياق يذكر الكاتب أن أحد تقارير منظمة (أفريكا ووتش) وجه نقداً إلى الدول العربية باستثناء مصر والسعودية، لعدم الإسهام الواجب في إغاثة اللاجئين الصوماليين ، ولا سيما إحدى الدول العربية التي لم تقدم ما يتفق مع ثرائها في الوقت الذي تبرعت فيه بمليون جنيه استرليني لإنقاذ حديقة حيوان في لندن.
  • وعن ملامح الموقف الإسرائيلي من الحالة الصومالية، أشار الكتاب إلى أن إسرائيل سعت إلى مد نفوذها في الصومال منذ الخمسينيات وبداية ستينيات القرن العشرين، وذلك للأهمية التي تحتلها الصومال على الخريطة السياسية الدولية، ولموقعها الاستراتيجي المهم والمطل على المحيط الهندي والبحر الأحمر لا سيما في مدخله الجنوبي، ويقرر الكتاب أنه بعد سقوط نظام سياد بري 1991 وتفكك الدولة الصومالية إلى عدة أقاليم، نجحت إسرائيل في زيادة نفوذها في الصومال، وخاصة في(جمهورية أرض الصومال).

ثانياً: الموقف الدولي من الأزمات في الصومال

وقد تناوله الكاتب أيضاً على مستوى المنظمات الدولية، ثم على مستوى الدول:

  • فعلى صعيد المنظمات الدولية، أوضح الكتاب أن دور الأمم المتحدة إزاء تطور الأزمة الصومالية، كان متنوعاً بعد سقوط نظام سياد بري 1991؛ فبعد اشتداد حدة النزاع الداخلي المسلح بين الفصائل الصومالية، قامت الأمم المتحدة بناء على قرار من مجلس الأمن بالتدخل الدولي في الشأن الصومالي، لكن فشل القوات الدولية في التسوية بعد خسائر كبيرة، منيت بها هذه القوات، قامت الأمم المتحدة بسحب قواتها من الداخل الصومالي، وتركته نهباً للفوضى والنزاع الداخلي، ليقتصر الدور الأممي بعد ذلك على رعاية ودعم مؤتمرات التسوية من أجل تشكيل حكومة قادرة على إعادة الأمن والاستقرار في البلاد، وخاصة رعاية ودعم بعثة السلام التابعة للاتحاد الإفريقي منذ العام 2007، ثم قامت الأمم المتحدة ــ وفق ما يذكر الكتاب ـــ مدفوعة بتزايد حدة ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، باستصدار عدة قرارات عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق، تجيز للأطراف الإقليمية والدولية المرتبطة بمصالح في الصومال، التدخل في الشأن الصومالي من أجل مكافحة هذه الظاهرة.
  • وعلى صعيد الدول، تناول الكتاب موقف الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، ثم موقف دول الاتحاد الأوروبي ثانياً؛ فبالنسبة لدور الولايات المتحدة، خلص الكتاب إلى أن الدور الأمريكي في الصومال بدأ منذ سبعينيات القرن العشرين، وكان وقتها التدخل الأمريكي يسير وفق سياسة الحرب الباردة ومن منطلق تقوية العلاقات الأمريكية مع أكبر عدد من الدول في إطار المنافسة الأمريكية السوفيتية، ثم تطور هذا الدور بعد سقوط النظام في الصومال عام 1991؛ حيث عملت الولايات المتحدة الأمريكية ــ وفق ما يذكر مؤلف الكتاب ــ على استغلال تفكك الاتحاد السوفييتي وتوظيف انفرادها بالهيمنة على النظام السياسي الدولي، من أجل مد نفوذها في منطقة القرن الإفريقي عبر التدخل العسكري في الصومال، إلا أن الهزائم التي منيت بها القوات الأمريكية في الصومال عام 1992، وظهور أيديولوجيات مناهضة للسياسة الأمريكية، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أدى ــ وفق ما يرى الكاتب ــ إلى تغير السياسة الأمريكية في الصومال عما كان سائداً منذ العقد الأخير من القرن العشرين؛ إذ انتهجت أمريكا في تنفيذ مخططاتها تجاه الصومال، أسلوب التدخل غير المباشر من خلال الاعتماد على القوة الإقليمية والدولية، وتقديم الدعم لهذه القوى، فضلاً عن تهيئة أوضاع صومالية جديدة تلبي المصالح الأمريكية ، وتعكس تصوراتها الخاصة بشأن ما يجب أن يكون ويسود في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي بصفة عامة.
  • وفيما يتعلق بدول الاتحاد الأوروبي، فقد أكد الكتاب بداية على أهمية الدور الأوروبي عبر مراحل تطور الأزمة الصومالية، ثم تطرق إلى رصد ملامح هذه الدور؛ فتناول الدور الفرنسي في الصومال، مؤكداً ارتباطه بطبيعة العلاقات الفرنسية/الجيبوتية من جهة، والفرنسية/الأمريكية من جهة أخرى؛ وهو ما فسره الكاتب بأن جيبوتي تعد قاعدة فرنسا للانطلاق نحو أفريقيا لتحقيق مصالحها، في حين أوضح بعد ذلك أن مواقف فرنسا إزاء الأزمة الصومالية كانت ثانوية قياساً بالدور الأمريكي، وخاصة منذ العام 1991، وهو ما دلل عليه الكاتب بعدم ممانعة فرنسا قيام الإدارة الأمريكية وألمانيا وأسبانيا، بإقامة قواعد لها في جيبوتي في إطار الحملة الأمريكية لمكافحة الإرهاب. وحين يتناول مؤلف الكتاب ملامح الدور الإيطالي في الصومال، يبرز الدعم التجاري والاقتصادي الموجه من قبل الأولى للأخيرة؛ حيث يذكر قيام إيطاليا بتمويل أكبر مشروع تنموي في الصومال خلال عهد سياد بري والمتمثل في مشروع سد(بارطيرا) على نهر جوبا بتكلفة 600 مليون دولار، ثم تقديم مساعدات بقيمة 50 مليون ليرة إيطالي خلال الثمانينيات من القرن العشرين، ثم يشير الكتاب إلى تكرار أدوار الوساطة الإيطالية بين الرئيس سياد بري والمعارضة الصومالية، ثم إلى تباين الدور الإيطالي مع الدور الأمريكي والأممي بعد سقوط النظام في الصومال عام 1991، ثم يتطرق مؤلف الكتاب إلى تناول الدور البريطاني، ليخلص في النهاية إلى أن تأثير القوى الدولية في الأزمة الصومالية كان كبيراً وواضحاً بحيث أسهم النظام الدولي في تفاقم الأزمة الصومالية واتخاذها بعداً دولياً، كنتيجة طبيعية لوجود خلل في آليات تعامل هذا النظام مع الأزمة المشار إليها، كما أكد الكاتب على قيام بعض القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، باستغلال القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لتحقيق أهداف ومصالح خاصة على حساب المصلحة العامة للصومال.

الاتحاد الإفريقي والأزمة الصومالية

وفي الفصل الرابع والأخير من الكتاب، والذي جاء تحت عنوان( إدارة الاتحاد الأفريقي للأزمة الصومالية)، يتطرق مؤلف الكتاب إلى تحليل ومناقشة موقف الاتحاد الإفريقي من الحالة الصومالية، وكيفية قيامه بإدارة الأزمة في البلاد، وطبيعة آلياته في إدارة المنازعات، وملامح سياساته العامة حيال الأزمة الصومالية، ثم التطرق إلى ذكر أهم التحديات والفرص المتعلقلة بإمكانية نجاح الاتحاد الإفريقي في إحلال السلام والأمن في القارة الإفريقية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

أولا: الاتحاد الإفريقي وإدارة المنازعات

ويخلص المؤلف هنا، بعد ذكر العديد من التفاصيل الجزئية، إلى أن الاتحاد الإفريقي عمل على وضح منهج وقيم جديدين في إدارة المنازعات، من خلال إقرار مبدأ حق الاتحاد في التدخل في الحالات الضرورية والمتفاقمة، والتي تشكل تهديداً للسلم والأمن، بالإضافة إلى تأكيده بناء نظام أفريقي فعال للأمن الجماعي عن طريق وضع سياسة أمنية ودفاعية قارية مشتركة، مما يسهم حالياً وسيسهم مستقبلاً( في حالة اتخاذه الجانب العملي من قبل مجلس السلم والأمن)، في إعادة الاستقرار والأمن للقارة الإفريقية، وفي سياق تناول هذا المحور، يتطرق مؤلف الكتاب إلى ذكر أهم التحديات التي يواجهها الاتحاد الإفريقي أثناء التدخل لفض المنازعات، وهي:

  • ارتباط إدارة المنازعات في ظل الاتحاد الإفريقي، بتحدي التسوية فيما بين الدول الأفريقية، وبداخل الدولة الواحدة، وعبر القوميات.
  • ضرورة وجود اعتراف من قبل الاتحاد الإفريقي بالدول المتنازعة وبسيادتها وأحقيتها في مباشرة مفاوضات الحلول للنزاعات القائمة أو الناشئة، وذلك بوصف المنازعات تمثل تعبيراً عن إرادة القابضين على السلطة السياسية.

ثانياً: سياسة الاتحاد الأفريقي حيال الأزمة الصومالية

وبعد تفاصيل عديدة، تبرز جهود الاتحاد في السعي نحو إحلال السلام الشامل في الداخل الصومالي، يخلص مؤلف الكتاب إلى أن الاتحاد الإفريقي حقق بعض النجاحات أحياناً في هذا الإطار، لكنه ــ وفق ما يذكر المؤلف ــ تعرض لإشكاليات عدة، أدت إلى فشل جهوده في إيجاد تسوية نهائية للأزمة الصومالية أو الحد منها، ويذكر الكاتب من هذه الإشكاليات:

  • أن مسألة نشر قوات حفظ سلام تابعة للاتحاد الإفريقي، كانت تفتقر إلى القبول من جانب العديد من أبناء الشعب الصومالي، فضلاً عن أن وقوف الاتحاد إلى جانب طرف معين ضد طرف آخر أدى إلى خلق حالة من العداء فيما بين قوات الأميصوم والعديد من فئات المجتمع الصومالي، وتعرضها لهجمات المسلحين.
  • اقتصار عمل بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال على حماية المؤسسات والمقار الحكومية وبعض المنشآت الحيوية في العاصمة مقديشو، دون البحث عن حلول جذرية وشاملة للأزمة الصومالية.
  • تلكؤ الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي في الاستجابة السريعة للتهديدات التي تواجهها الصومال على الصعيدين السياسي والأمني، بالإضافة لعزوف العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد عن دعم البعثة في الصومال سواء من ناحية إمدادها بالقوات الإفريقية، أم بالدعم المالي واللوجيستي.
  • اقتصار اهتمام الاتحاد الإفريقي على الجانب السياسي والأمني في الصومال، دون الاهتمام بالجانب الاقتصادي والإنساني.
  • فقدان مجلس السلم والأمن ضمن الاتحاد الإفريقي عنصر الاستقلالية، بسبب اضطراره لقبول التمويل من الأمم المتحدة والمنظمات والقوى الدولية، الأمر الذي أدى إلى تزايد المطالب الصومالية وكذلك مطالب الاتحاد الإفريقي ذاته، بتدويل الأزمة الصومالية عبر الدعوة لنشر بعثة سلام في الصومال تابعة للأمم المتحدة.

ثالثاً: الاتحاد الإفريقي وإمكانية إحلال السلام والأمن

وفي هذا الإطار، تناول الكتاب أهم الاعتبارات التي تحول دون استطاعة الاتحاد الإفريقي، تحقيق وإحلال السلام والأمن في القارة الإفريقية، والتي جاء على رأسها:

  • افتقار الاتحاد الإفريقي لاستكمال الهياكل المؤسسية المعنية بتسوية المنازعات، وحاجة هذه الهياكل للفاعلية اللازمة للنهوض بأعباء الاتحاد، فضلاً عن عدم القدرة على تحمل أعباء وكلف عمليات حفظ السلام في دولة واحدة، ناهينا عن عدة دول.
  • عدم وجود قدر معقول من التنازل عن السيادة من جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لصالح المنظمة القارية من أجل تنفيذ عمليات حفظ السلام، الأمر الذي يحول ـــ وفق رأي مؤلف الكتاب ــ دون تطوير العمل الجماعي الأفريقي؛ إذ يعد تمسك الدول الإفريقية بسيادتها الوطنية، من بين التحديات التي تواجه عمل الاتحاد أثناء تسوية المنازعات، الأمر الذي يجعل الدول الأعضاء في الاتحاد تفضل العمل الفردي على حساب العمل الجماعي الإفريقي عند محاول إيجاد حلول للمنازعات بينها.
  • وجود مشكلات متعلقة بميزانية الاتحاد الإفريقي، تتمثل في أن 65% من هذه الميزانية ـ بحسب ما يذكر مؤلف الكتاب ـــ توفرها خمس دول فقط هي : مصر، جنوب أفريقيا، ليبيا، نيجيريا، والجزائر، في حين تسهم 49 دولة أخرى عضو في الاتحاد بالنسبة المتبقية وهي 35%، وهو ما يؤكد تفاوت كبير في القدرات المالية لدول الاتحاد، ما ينعكس سلباً على عمل الاتحاد أثناء تسوية المنازعات.

مستقبل الاتحاد الإفريقي

وفي ختام الفصل الأخير من الكتاب، يقرر المؤلف أن مستقبل عمل الاتحاد الإفريقي، يحمل بين طياته العديد من التحديات والصعوبات، والتي ستقف عقبة في سبيل جعل أفريقيا قارة خالية من المنازعات، وهو ما يعني في رأي الكاتب، أن المشهد المتوقع لدور الاتحاد الإفريقي في تسوية المنازعات الإفريقية في المستقبل المنظور، هو مشهد الاستمرارية، أي بقاء الوضع على ما هو عليه؛ بحيث يكون الاتحاد فااعلاً في أحيان، ومهمش وضعيف في أحيان أخرى، نتيجة عدم ترجمة جميع البروتوكولات والاتفاقيات إلى واقع ملموس.

ويختتم الكتاب تناوله، بالتأكيد على وجود مؤشرات إيجابية يمكنها الإسهام ــ رغم التحديات ــ في قيام الاتحاد الإفريقي بتسوية العديد من المنازعات الأفريقية أو الحد منها، ومن أهم هذه المؤشرات إمكانية تفعيل العديد من المواثيق المتعلقة بالحكم الرشيد وسيادة القانون ومكافحة الإرهاب ومنع التغييرات غير الدستورية وحسن الجوار وسيادة مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومناهضة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، فضلاً عن التفعيل الكامل لبروتوكول مجلس السلم والأمن وإطلاق هيئة الحكماء وإنشاء العناصر الرئيسة للقوة الإفريقية الجاهزة والنظام القاري للإنذار المبكر وغير ذلك.

محسن حسن

باحث وأكاديمي مصري
زر الذهاب إلى الأعلى