مفاوضات الخرطوم هل ستنجح؟

بدعوة كريمة من المنبر الصحفي الأفريقي العالمي قمت بإلقاء ندوة حول مفاوضات أفريقيا الوسطى التي قادتها الخرطوم مؤخراً، وأسعدني في تلك الندوة مشاركة الوزير عطا المنان الذي قاد وفد تلك المفاوضات التي حملت ظروفها وتدوال حديث أطرافها الكثير الذي لم يُعلن.

تسعى الخرطوم منذ فترة ليست بالقريبة إلى إنهاء حالة عدم الإستقرار في أفريقيا الوسطى ذلك البلد الذي تتنازع علية قوى داخلية أفقدتة صوابة وقوى دولية قضت على ما تبقى من مستقبل أبناءه، ويرجع حرص السودان على دعم الإستقرار في بانغي هو الحدود المشتركة، تلك الحدود التي ساعدت الأطراف المتناحرة على التسلل للأراضي السودانية وإيجاد دعم لها من بعض القوى السودانية المعارضة في دارفور مما أدى إلى تفاقم حالة عدم الإستقرار، وأكدت الأمم المتحدة بأنه إذا لم يتم السيطرة على ما يحدث في أفريقيا الوسطى ستندلع أزمة إقليمية لها ما بعدها، وليست الخرطوم وحدها في ذلك الحرص بل تساندها أنجمينا التي ذاقت هي الأخرى من ويلات التدفق البشري القادم من بانغي إلى أراضيها، ومن الجدير بالذكر أنني في إحدى المناسبات العملية إلتقيت بالرئيس التشادي أدريس ديبي في عام 2016 وطرحت علية السؤال التالي :”سيدي الرئيس هناك مثل افريقي هوساوي قديم يقول مياه إطفاء الحرائق ليست بالضرورة أن تكون نظيفة، سؤالي هو ما الدور الذي قامت به تشاد في إخماد الحرائق التي إندلعت بين الأنتي بلكا والسيلكا في أفريقيا الوسطى؟ ولي في إجابة الرئيس مقال قادم.

تدوالت النخب الافريقية تحفظ باريس على حضور ممثل موسكو أندرية كيمارسكي مدير إدارة أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية لتلك المفاوضات ويعود سبب ذلك التحفظ إلى النشاط الروسي في أفريقيا الوسطى، أضف إلى ذلك ظهور قنوات إعلامية في افريقيا ممولة من موسكو تناهض الوجود الفرنسي في افريقيا، ردت عليها وزيرة الدفاع الفرنسي فلورنس بارلي بتصريح إتهمت فيه موسكو بقيادة حملات تضليل ضد فرنسا في افريقيا، والذي إعتبرتة باريس تحدياً لوجودها.

في الوقت الذي كانت القيادة السياسية في بانغي تنظر إلى إنتهاء عملية سانغاريس الفرنسية الداعمة لقوات حفظ السلام في افريقيا الوسطى بأنها ستضاعف إنعدام الأمن وجدت موسكو في ذلك الخروج الفرنسي فرصة ثمينة للدخول إلى قلب افريقيا جنوب الصحراء وترسيخ اقدامها وكان لها ذلك ، فالمشروع الروسي في افريقيا الوسطى قام على تكثيف التعاون العسكري والصناعي، ومنح المساعدات، وإلغاء الديون والدبلوماسية التي أوصلت موسكو إلى إبرام اتفاقية عسكرية أمنية مع الرئيس فوستن توديرا تنص على إرسال مستشارين عسكريين روس إلى بانغي للمشاركة في تدريب القوات المسلحة وإستفادت موسكو من رفع الحصار الجزئي على افريقيا الوسطى وقدمت لها الاسلحة لتجهيز قوات الأمن الداخلي، وحلت القوات الخاصة الروسية محل القوات الرواندية لضمان أمن الرئيس فوستن وتم تكوين كتيبة عسكرية من المدربين الروس، وأمام كل ذلك تنتظر باريس منذ حينها ردة فعل أمريكية تجاة نشاط موسكو المتصاعد في افريقيا وبدأ الإعلام الفرنسي إرسال رسائلة لواشنطن يقول في إحداهاالمستشارون العسكريون الروس في بانغي يتصرفون كقناصل محترفين“.

إتخذت السياسة الروسية بعدًا جديدًا في وسط الغرب الأفريقي، وتضاعف موسكو التعاون والدعم العسكري عن طريق روسوبورون اكسبورت وهي وكالة الوساطة الحكومية الوحيدة للصادرات والواردات الروسية من المنتجات والتقنيات والخدمات ذات الصلة بالدفاع المزدوج وهي مكلفة بتنفيذ سياسة الدولة في مجال التعاون العسكري التقني بين روسيا والدول الأجنبية، ومن المفارقات أن من أهم الشركات التي تتعاون مع روسوبورون هي تاليس اوبترونيكس الفرنسية وهذا هو المحك الحقيقي أمام باريس قبل موسكو فهل سيتباين التعاون بينهما أم سيصل الطرفان إلى نقطة توافق يتقاسمان فيها المصالح في افريقيا الوسطى؟

أرى بأن المفاوضات التي جرت في الخرطوم تعتريها بعض العقبات الحقيقية، فخشية باريس من الوجود الروسي في مستعمراتها الافريقية لن تلغيها طمأنة الخرطوم التي تنظر إليها باريس بحذر بعد التقارب الروسي السوداني الأخير وعليه سيكون هناك تعاون فرنسي أمريكي يسعى إلى كبح جماح التصاعد الروسي في الوسط والغرب الأفريقي، كما أن هناك نقطة تعثرت فيها المفاوضات السابقة وقد تتعثر فيها المفاوضات الأخيرة وهي الطلب الذي يتقدم به قادة الميلشيات بضرورة العفو عنهم وعن أتابعهم وترى باريس والقوى الدولية أن القبول بذلك هو قتل للمفاوضات قبل بدايتها وفي المقابل يساند الرئيس فوستن تواديرا تلك الرؤية الدولية خاصة أنه يعارض أية وسيلة تسىء لمصداقيته، وبالتالي لن تترك تلك الميلشيات السلاح مما يرجح عودة إندلاع الصراع مما يدخل أفريقيا الوسطى في أتون حرب قادمة .

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى