اللّغة الصومالية: تاريخها، كتابتها، ودورها في حفظ الهوية الصومالية

قبل الحديث عن تاريخ اللغة الصومالية وكتابتها، يجدر بنا الإشارة إلى الأسرة اللغوية التي تنتمي إليها اللغة الصومالية حيث أنّ اللغويين قاموا بتصنيف اللغات حسب اقتراب بعضها عن البعض إلى عدّة أسر لغوية تضم كلّ أسرة عدّة لغات بينها قواسم لغوية مشتركة سواء من حيث الاشتقاقات الصرفية أو التراكيب النحوية.

ومن هنا فإن اللغة الصومالية تعدّ من الأسرة اللغوية الكوشية التي هي فرع من اللغات الأفروآسيوية أو السامية الحامية واللغة الصومالية من الكوشية الشرقية خصوصا،. ويذهب بعض اللغويين إلى أن للغة الصومالية علاقة باللغة القبطية القديمة فيما يتعلّق بأسماء الأشياء وصفات الملكية. كما يلاحظ على اللغة الصومالية تأثّرها الكبير باللغة العربية وتشابهها معها بحيث تصل تقديرات الباحثين إلى أن 40% من الكلمات الصومالية ذات أصول عربية، ولا غرابة في ذلك إذ أنّ اللغة العربية كانت اللغة الرسمية في الصومال في فترة ما قبل الاستعمار حيث أن العلماء والمثقفين والتجار كانوا يستخدمونها في كتاباتهم ودواوينهم ورسائلهم، وهذا ما أدّى إلى وجود تلك النسبة من الكلمات العربية في اللغة الصومالية.

ويقسم معظم اللغويين اللغة الصومالية إلى لهجتين رئيسيتين هما محاتري وماي،غير أن فوزي محمد بارو -وهو لغوي صومالي- يعتقد أن ماي لغة مستقلة من ضمن اللغات الصومالية، وهو ما ذهب إليه آدم معلم محمد حسن في رسالة ماجستير له بعنوان تحليل الأخطاء النطقية الشائعة في اللغة العربية لدى متكلمي لغة ماي الصومالية (أسبابها وعلاجها).

وإلى جانب هاتين اللهجتين هناك لهجات أخرى غير قويّة في الصومال إذ أن انتشارها محدود في جيوب ومناطق محدودة من البلاد، أو إن التحدث بها محصور ببعض بطون القبائل مما جعلها غير داخلة في إطار اللهجات الرّئيسية للغة الصومالية.

واللغة الصومالية هي اللغة الرسمية في كلّ من الصومال وجيبوتي، كما يتكلم بها قطاعات كبيرة من سكّان كلّ من إثيوبيا وكينيا خاصة المناطق التي يسكنها الصوماليون من تلك البلاد. بالإضافة إلى ذلك يتحدثها المغتربون الصوماليون في شتّى بقاع الأرض.

وقد بقيت اللغة الصومالية كلغة منطوقة فقط غير مكتوبة حتى عام 1972 عندما كتبت بالحرف اللاتيني من قبل الحكومة الصومالية حينها.

مراحل كتابة اللغة الصومالية

وقد مرّت كتابة اللغة الصومالية بمراحل تاريخية مهمة، فقبل الاستعمار إلى جانب اللغة العربية كان الصوماليون يستخدمون الحرف العربي لكتابة لغتهم، وكانت هناك محاولات لكتابة اللغة الصومالية بالحرف العربي، لكن مجيء الاحتلال الأوروبي ومحاربته لكلّ ما يربط الشعب الصومالي باللغة العربية والثقافة الإسلامية أدى إلى أن تنحصر اللغة العربية في العلوم الدّينية وفي الحلقات التعليمية في المساجد، وأصبحت لغة الاستعمار -الإنجليزية في الشمال، والإيطالية في الجنوب- اللغة الرسمية للدّوائر الحكومية الاستعمارية. ولم يأل الاستعمار جهدا في وضع أبجدية لاتينية للغة الصومالية إلاّ أن محاولاته باءت بالفشل.

اللجنة الوطنية الأولى لكتابة اللغة الصومالية

يعود القرار الرسمي  لكتابة اللغة الصومالية إلى عام 1960 وفي عهد رئيس الوزراء الأسبق عبد الرشيد شرماركي الذي عين لجنة مكونة من 9 أشخاص برئاسة موسي حاج اسماعيل غلال في يناير عام 1961 ضمت

كل من :

  1. ياسين عثمان يوسف
  2. محمد صالح
  3. الدكتور إبراهيم حاشي
  4. خلف سوذي
  5. مصطفى شيخ حسن
  6. شري جامع
  7. حسين شيخ أحمد كدري
  8. يوسف ميغاغ سمتر … سكرتير

ولم يكن قبل تلك الفترة سوى دراسات قام بها بعض العلماء  لفهم طبيعة اللغة الصومالية ومن أبرز تلك الدراسات، الدراسة العلمية للمستشرق الإنجليزي ديفيد سولت عام 1814 والتي تعتبر أول دراسة علمية للغة الصومالية وصدرت بعدها دراسات عديدة أخرى.

فشلت اللجنة التي كلفها عام 1961م رئيس الوزراء الأسبق عبد الرشيد شارماركي بوضع أبجدية للغة الصومالية في اختيار الحروف المناسبة بسبب الخلاف الناجم عن النقاشات المحتدمة بين أعضاء اللجنة حيث أن البعض عرضوا استخدام الحرف العربي نظرا للروابط والقواسم المشتركة بين الصوماليين والعرب، بينما البعض الآخر كانوا متحمسين للحرف اللاتيني لكونهم تربّوا على ثقافة المستعمر أو لاعتقادهم بالحصول على مساعدات لكتابة هذه الأبجدية من الدول الكبرى.

وبعد ما يقارب أحدى عشر عاما من تلك النقاشات، أصدر الحاكم العسكري في الصومال في أكتوبر/تشرين الأول/ عام 1972م، أمرا بموجبه تمت كتابة اللغة الصومالية بالحرف اللاتيني ومنذ ذلك الحين ما زالت اللغة الصومالية تكتب بالحرف اللاتيني.

اللجنة الوطنية الثانية لكتابة اللغة الصومالية

في  يناير عام  1970 أصدر المجلس الأعلى للثورة بقيادة الرئيس الراحل محمد سياد بري، قرارا بتعين لجنة خاصة مكلفة بكتابة اللغة الصومالية واعداد الكتب المدرسية، تضم شخصيات لها باع طويل في مجال الأدب واللغة من بينهم شعراء وأدباء عملوا فترة طويلة  في وزارة التربية والتعليم وفي مجال التعليم، وضمت اللجنة الوطنية الثانية 21 كادرا وهم :

  1. عمر أو نوح
  2. محمد شري محمد
  3. عبدي طاهر أفي
  4. شيخ جامع عمر
  5. ياسين عثمان كيناديد
  6. أحمد علي أبوكر
  7. موسي اسماعيل غلال
  8. أحمد عرتن حانغي
  9. عبد الله حاج محمود اناسنية
  10. حسين شيخ أحمد كدري
  11. إبراهيم حاشي محمد
  12. شريف صالح محمد
  13. عبد الله أرديي
  14. عبد الله حاج أبوبكر
  15. محمد نور عالم
  16. محمد حسن آدم
  17. مصطفى شيخ حسن
  18. حرسي مغن عيسى
  19. دهبة فارح حسن
  20. محمد حاج حسين شيكو حرير
  21. يوسف حرسي أحمد

وخلال عام ونظرا لصعوبة المهمة وحاجتها إلى مزيد من الكوادر أضيف إلى اللجنة خمسة أشخاص وهم :

  1. شيري جامع أحمد
  2. أيكر بان هداد
  3. أحمد عبد الله غالب
  4. فاطمة حسن محمد
  5. محمد أحمد أبوبكر

وبعد عام حافل بالانجازات والعقبات قررت الحكومة بزيادة أعضاء اللجنة واضافتها خمسة أشخاص أخرين وهم:

  1. يوسف شيخ علي
  2. أحمد أشكر بوتان
  3. حاج آدم أفقلوع
  4. جامع حاج حسن
  5. أحمد فارح علي “إذا جاء”

وكذلك جرى تعيين مساعدين شاركوا في جهود كتابة اللغة الصومالية وقاموا بإعمال جليلة خلال فترة عمل اللجنة وهم :

  1. آدم حسن خلف
  2. عبد الرحمن  أحمد يوسف
  3. شيخ عاقب عبد الله
  4. يوسف ميغاغ سمتر
  5. عبدي عبدولي علي
  6. عبد القادر شيخ

العقبة الكبرى التي واجهتها اللجنة

بذلت لجنة كتابة اللغة الصومالية  جهودا كبيرة خلال الفترة ما بين  عامي 1970- 1972 وحققت انجازا ملموسا رغم العقبات التي كانت تعتري طريقها. وكانت أكبر عقبة واجهتها اللجنة، الجدل القديم والمتجدد حول ما اذا سيتم كتابة اللغة الصومالية  بالحروف اللاتينية أو الحروف العربية التي اعتادها المثقفون الصوماليون باستخدمامها في كتابة رسائلهم، وهناك الكثير من المخطوطات المكتوبة تدل على ذلك. وبعد مناقشات ومدولات حادة بين أعضاء اللجنة حول الحروف التي ستكتب اللغة الصومالية في ظل  طرح عدد من الأبجديات مثل الأبجدية العربية والعثمانية والأبجدية اللاتينية اتفقت اللجنة في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 1972 على  كتابة اللغة  الصومالية  بالحروف اللاتينية. كما تمكنت اللجنة من اعداد مجموعة من الكتب المدرسية للمراحل الإبتدائية من بينها كتب قواعد اللغة الصومالية.

الحملة الوطنية لتطوير الريف ومكافحة الأمية

وفي 21 يناير عام 1973 أعلن المجلس الأعلى للثورة رسميا أن تكون اللغة الصومالية اللغة الرسيمة للدولة يجب استخدامها في الدائر الحكومية والمرافق الأخرى وتطبقها في المدارس والمعاهد والجامعات.

وفي نشوة هذه الإنجازات العظيمة المتلاحقة، أطلق المجلس الأعلى للثورة حملات وطنية لتطوير البدو ومكافحة الأمية ونشر فرقا متخصصة ومتطوعين في انحاء البلاد وحتى في البوادي والمناطق النائية تستهدف إلى تعليم كتابة اللغة الصومالية لأكبر قدر ممكن من سكان البوادي والأرياف، وكان ذلك في عام 1974م.

اللغة الصومالية ودورها في حفظ الهوية

أصبحت اللغة الصومالية فيما بعد اللغة الرسمية في الدوائر الحكومية، ومادة دراسية تدرس في المدارس، بل وتدرس بها بعض المواد لبعض المراحل المدرسية إبّان الحكم العسكري، وبذلك ساهمت اللغة الصومالية في تحديد الهوية الصومالية وحفظها، حيث برز لاحقا كتّاب ومؤّلفون باللغة الصومالية يستخدمون الأبجدية اللاتينية المعدّلة، وبذلك حفظت اللغة الصومالية جزءا كبيرا من الثقافة الصومالية حيث يوجد دواوين شعراء صوماليين باللغة الصومالية. إلى جانب ذلك أصبحت الصومالية لغة علمية حيث تمكّن بعض كتّابها من ترجمة المصادر العلمية المكتوبة باللغات الأخرى إلى الصومالية ليسهل على القارئ الصومالي مسايرة التطور العلمي الّذي يشهده العالم.

ختاما ينبغي الإشارة إلى أنّ اللغة من أهمّ مقوّمات الأمم والشعوب مما يعني أن ضعف لغة قوم يدلّ على ضعفهم، وقوّة لغتهم تدلّ على قوّتهم. وتظهر قوّة اللغات في قدرتها على استيعاب التطورات والمصطلحات العلمية إلى جانب ثرائها الأدبي واللفظي. وعليه فإنّ القائمين على تطوير كتابة اللغة الصومالية ينبغي لهم الإتيان بسياسة تقوم على مراعاة وتطوير اللغة الصومالية دون الحساب على اللغة العربية والتي يمكن أن يقال عنها أنها أقدم من اللغة الصومالية في هذه البلاد. ويرى البعض أنّ اختيار الأبجدية اللاتينية كان ضربة مسددة على ثقافة هذ المجتمع ولغته، ولا يمكن الآن التراجع عن الأبجدية اللاتينية بعد هذا الكم الهائل من الإنتاجات العلمية والأدبية والفنية التي كتبت بها، وهذا ما يجعل الحاجة ملحة لإيجاد طريق وسط يحفظ للغة العربية مكانتها ولا يضيع إنجازات اللغة الصومالية بأبجديتها اللاتينية التي حفظت الهوية الصومالية حتّى الآن.

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى