العدالة التنظيمية

تعرفُ العدالة في التوزيع بأنّها؛ إدراك الإدارة، أو صاحب العمل لضرورةِ توزيع المهام بين الموظفين، والعاملين في المنشأة بالتساوي ويساهمُ ذلك في التأثير على كميّةِ مخرجات العمل ويؤدّي إلى زيادتها، وتحسين أداء جميع الأفراد ضمن بيئة العمل، وتعتمدُ العدالة في التوزيعِ على ثلاثِ قواعدٍ أساسية،

ولقد لاقت العدالة التنظيمية اهتماماً كبيراً من قبل الباحثين في مجال ادارة الموارد البشرية والسلوك التنظيمي. فيركز الباحثون في مجال العدالة التنظيمية على دور العدالة التنظيمية في بيئة العمل، حيث أوضحوا أن إدراك العاملين للعدالة التنظيمية يؤثر بشكل كبير على الكثير من النتائج التنظيمية ومنها اتجاهات العاملين والتي تشمل الرضا الوظيفي ونوايا ترك العمل والالتزام التنظيمي وأيضاً على سلوكياتهم في العمل مثل سلوكيات المواطنة التنظيمية والغياب عن العمل (Kumar et al., 2009).

 كما أنه من المحتمل أن يحقق وجود العدالة التنظيمية فوائد كبيرة لكل من المنظمات والعاملين على حد سواء وتشمل هذه الفوائد زيادة الثقة التنظيمية والالتزام التنظيمي (Jamaludin, 2009).

ويساهم الاهتمام بالعدالة بشكل كبير في رفع مستويات أداء الأفراد نظراً لإتاحة الفرصة لتوليد الأفكار وبناء جسر من الثقة بين العاملين والإدارة من جهة وبين العاملين وبعضهم البعض من جهة أخرى (عبد المتعال & جوده، 2003).

ومن ثم فتعد العدالة التنظيمية من أهم العوامل المؤثرة على العلاقات بين الموظف والمدير، وعلاقات الموظفين ببعضهم البعض، وكذا علاقة الموظف بالمنظمة.

 وبالتالي فإن إدراك الموظف للعدالة التنظيمية يفترض أن يؤثر على علاقاته بالمنظمة والزملاء والمدراء، كما يؤثر على سلوكياته ومخرجات العمل (Khan et al., 2010).

كما أدرك الكتاب والباحثون في مجال العلوم الاجتماعية والسلوكية أهمية القيم الخاصة بالعدالة التنظيمية ودورها في تحقيق الرضاء ورفع الروح المعنوية للعاملين مما ينعكس إيجاباً على تحسين الأداء في المنظمات، وعلى العكس من ذلك فإن شعور العاملين بعدم العدالة أو المساواة يجعلهم يعانون من التوتر والإحباط والاغتراب في العمل، الأمر الذي ينعكس سلباً على الأداء والإنتاجية (نجم ،2001).

ويعد الالتزام التنظيمي أحد أوجه الارتباط بين العاملين والمنظمات، كما أن للالتزام التنظيمي آثاراً مختلفة على اتجاهات وسلوكيات العاملين في المنظمات، ولقد حظي موضوع الالتزام التنظيمي بالاهتمام منذ عدة عقود، لما له من تأثير هام على كثير من سلوكيات الأفراد، ولما له من انعكاس على الفرد والمنظمة التي يعمل بها. فالالتزام التنظيمي يؤثر على كفاءة وفعالية المنظمات حيث يجنبها الكثير من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على مستوى الفرد والمجموعات، فعلى سبيل المثال نجد أن النمو الاقتصادي الذي حققته كل من ألمانيا واليابان يعود إلى قوة عمل ملتزمة. وعلى الجانب الآخر فإن ضعف الالتزام التنظيمي يترتب عليه تحمل تكلفة الغياب، وفقدان الإبداع، وترك العمل، وانخفاض الدافعية (حواس، 2003).

 يعكس مفهوم عدالة التوزيع شعور العاملين بالعدالة بخصوص ما يحصلون عليه من مخرجات قد تكون على شكل أجور وترقية وحوافز مقابل جهودهم في العمل، فالعاملون لا يركزون فقط على كمية المخرجات التي يستفيدون منها، بل يهتمون كذلك بعدالة هذه المخرجات(جوده،2007).

وتشير أيضاً إلى إدراك الفرد لعدالة المخرجات التي يتسلمها، حيث يقارن الفرد بين ما يبذله من جهد وما يحصل عليه من جهة، وبين ما يبذله الآخرون وما يحصلون عليه من جهة أخري (صديق، 2007، ص 198). كما تركز على عدالة المخرجات المستلمة نسبة إلى العمل المؤدى (Jamaludin, 2009)، بالإضافة إليإدراك الأفراد لعدالة العلاقة بين المدخلات والمخرجات (Thorn, 2010).

ويتناول البعض عدالة التوزيع على أنها العدالة في توزيع المكافآت والموارد بين الموظفين في المنظمة (Hassan, 2010)، كما تتعلق بإدراك العاملين للعدالة في تخصيص المكافآت التي يحصلون عليها والتي تشمل الترقية والحوافز (DeConinck& Johnson, 2009 ; Annamalai et al., 2010)، وتمثل أيضاً الدرجة التي يتم فيها تخصيص المكافآت بأسلوب عادل (Ali et al., 2010).

ويتناولها آخرون على أنها ترتبط برضا الموظفين عن مخرجات العمل الخاصة بهم (Khan et al., 2010)، وتشير عدالة التوزيع إلى العدالة المدركة للمخرجات مثل الأجور والتعويضات والمكافآت والترقيات (Ambrose et al., 2002; Bell et al., 2006; Jeon, 2009; Nadiri&Tanova, 2010; Royal, 2010; Sulu et al., 2010)، كما تشير أيضاً إلى إدراك الأفراد لعدالة تخصيص الموارد من جانب المنظمة (Martinsonet al., 2006; Abu Elanain, 2010; Yavuz, 2010).

إنّ نجاح المؤسسات التربوية يعتمد بشكل أساسي على وجود إدارة فاعلة، لها من المواصفات والخصائص التي تؤهلها للقيام بدورها القيادي الذي يقوم على التنسيق بين الجهود، وتحقيق العدالة التنظيمية بين العاملين والمعلمين بالمدرسة، للوصول إلى مستويات الولاء التنظيمي من المعلمين مما يساعد في الالتفاف نحو العمل والإدارة المدرسية لتحقيق الأهداف التربوية والتعاون، للوصول إلى جودة المخرجات التعليمية.

 وإنّ انهماك الإداريين بالتعامل مع مختلف القضايا الإدارية والتربوية يشغلهم أحياناً عن ضرورة الاهتمام والعناية بالأبعاد القيمية والأخلاقية كالعدالة التنظيمية، وضرورة تكامل هذه المعتقدات والقيم التنظيمية مع سلوكياتهم الإدارية (الطويل، 1997). وتفترض أخلاقيات مهنة الإدارة المدرسية التزام المدير بالعدل والمساواة في التوزيع والاستحقاق بين جميع العاملين والمعلمين، وفق القوانين والأنظمة والتعليمات والأصول الإدارية المعمول بها (الصواف، 1994).

  ويرتبط مفهوم العدالة، من الناحية التاريخية، ارتباطاً وثيقاً بالقانون والشرعية، وتعني كلمة “Jus” في اللاتينية نفس ما تعنيه كلمة قانون، والكلمة تستمد منها كلمة العدالة “Justitia“، وعلى الرغم من أن مصطلح “Justice” أي العدالة يستخدم إلى حد ما مكثفاً أكثر في الدوائر القانونية أكثر من استخدامه في دوائر أخرى، إلا أنه لا يوظف اليوم كمصطلح قانوني بصورة أساسية، ولكن يُستخدم كمصطلح أخلاقي، وإداري، وتربوي (هوسبرس، 2002).

 ولم تلقَ العدالة التنظيمية الاهتمام الكافي على مستوى الإدارة المدرسية إلا في بدايات القرن الحادي والعشرين، عندما قدم اثنان من كبار أساتذة الإدارة التعليمية، وهما: هوي وتارتر (Hoy & Tarter) أول محاولة لهما لتطبيق مبادئ العدالة التنظيمية في المدرسة، وقد قدما مبادئ أساسية للعدالة التنظيمية يمكن تطبيقها على المدارس (Hoy & Tarter, 2004).

  ويرى محارمة (2000) أن جذور العدالة التنظيمية بالإدارة تعود إلى نظرية المساواة التي نادى بها آدمز (Adams)، وبشكل موجز فإن هذه النظرية تفترض أن الفرد يوازن ويقارن بين معدل مخرجاته إلى مدخلاته مع معدل مخرجات الآخرين إلى مدخلاتهم، فإذا تساوى المعدلان يشعر الفرد بالمساواة والعدالة، وإذا لم يتساو المعدلان، بسبب حصول الفرد على مخرجات أكثر من المدخلات التي يقدمها أو العكس، فإن الفرد يشعر بعدم المساواة، مما يولد لديه شعوراً بالتوتر.

 “وترتبط العدالة بما هو صحيح وخاطئ وفق معايير القوانين والشرعية الخلقية والوظيفية، فقد أشار سانتروك (Santrock, 2003) أن مفاهيم العدالة تتضمن الأفكار والمشاعر والسلوكيات المتعلقة بمعايير الصح والخطأ. والعدالة التنظيمية هي المعاملة العادلة والأخلاقية للأفراد داخل المنظمة (Charles, 2003)، ويعرّفها مارك (Mark, 2003, 361) بأنها مدركات الأفراد للعدالة، من خلال تصنيف آراء الموظفين ومشاعرهم عن معاملتهم معاملة الآخرين داخل المنظمة.

 وقد أشار كارولينا (Carolina, 2005) إلى أن العاملين في بيئات العمل الإدارية يقسمون العدالة التنظيمية وفقاً لثلاث فئات من المعاملة، تمثل الأولى النواتج التي يحصلون عليها من المنظمة، وهي: (العدالة التوزيعية)، وتمثل الثانية السياسات الرسمية أو العمليات التي بناء عليها تم توزيع هذه النواتج (العدالة الإجرائية)، والثالثة تتضمن المعاملة الشخصية معهم، هي (العدالة التفاعلية).

زر الذهاب إلى الأعلى