الظنون والحقائق في الأزمة الدبلوماسية الطارئة بين كينيا والصومال.. تحليل أولي

فوجئت الأوساط الدولية والإقليمية بالأزمة الدبلوماسية الطارئة بين الصومال وكينيا؛ حيث قامت كينيا باستدعاء سفيرها لدى مقديشو(لوكاس تومبو)، بالتزامن مع مطالبة السفير الصومالي لديها(محمود ترسن) بمغادرة البلاد، ودون إفادته بمعلومات عن توقيت عودته لممارسة مهامه الدبلوماسية، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب تجدد الخلافات والصراعات بين البلدين على المستوى الدبلوماسي بشكل مفاجيء هكذا، كما أثار العديد من المخاوف بشأن مستقبل العلاقة بين البلدين، خاصة في ظل تاريخ قديم من الخلافات السياسية والحدودية وغيرها.

ووفق التداعيات الظاهرة لهذا الخلاف المفاجيء، وبناءً على التصريحات الرسمية الصادرة عن الجهات الكينية، فإن سبب الخلاف يعود إلى قيام الحكومة الصومالية في مقديشو، بطرح مناقصات وعطاءات لبيع حقوق نفطية متعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز في أحد المزادات، الأمر الذي أثار حفيظة كينيا تجاه هذا التصرف الأحادي من قبل الصومال، خاصة وأن كينياً ترى عدم أحقية الحكومة المركزية في مقديشو، طرح مثل هذه المناقصات والعطاءات في المناطق المتنازع عليها، وخاصة المنطقة البحرية الكينية المرتكزة على حدود البلدين.

وعند التفتيش عن مقصد الجانب الكيني مما أسمته نيروبي بــ(بيع حقول نفطية في مزاد علني)، وُجد أنها تقصد مباحثات الحكومة الصومالية في مؤتمر لندن بشأن النفط، والذي تم خلاله استعراض مجموعة من خرائط الحقول النفطية؛ وهنا يظهر جلياً وجود ما يمكن تسميته بـــ(سوء تفاهم) أو(التباس) في التصور المتبادل بين الجانبين بشأن ما جرى خلال هذا المؤتمر، وخاصة من جهة الجانب الكيني؛ فنيروبي تبدي تأكيدات بأن الخرائط التي تم عرضها في لندن، تضمنت حقول نفطية واقعة في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين، وهو ما فسرته كينياً بأنه اعتداء متعمد على أراضيها وعلى حقوقها البحرية والحدودية والنفطية، خاصة في ظل وجود تقارير اقتصادية وتجارية تشير إلى قيام الحكومة المركزية في مقديشو، على هامش مؤتمر لندن، بعقد اتفاقيات وصفقات بيع لأكثر من 40 حقلاً نفطياً ضمن الحدود الصومالية الكينية، وهو ما فسرته كينيا بأنه استباق للقرارات والنتائج المنتظرة من المحكمة الدولية بلاهاي، بشأن البت في النزاع المتبادل على تلك الحدود، في حين أن التصريحات الرسمية الصادرة عن حكومة الرئيس محمد عبدالله فرماجو، تؤكد أن ما تم عرضه خلال مؤتمر لندن، أو على هامشه، لم يكن يتعلق سوى بخريطة الحقول النفطية الصومالية الواقعة في المناطق البحرية التابعة للبلاد، وأنه لم يكن هناك أي مزادات علنية بهذا الشأن، وفق ما روجت له وزارة الخارجية الكينية في نيروبي!!

وبتحليل هذا الأزمة الدبلوماسية الطارئة بين نيروبي ومقديشو، نلمح تسرعاً كبيراً في اتخاذ قرار تعليق العلاقات الدبلوماسية عبر استدعاء السفير الكيني، وإقصاء السفير الصومالي، وذلك لعدة اعتبارات هي:

  • أنه لم تظهر حتى الآن أية تداعيات تطبيقية أو ميدانية أو اقتصادية لما أسمته نيروبي بــ(بيع في مزاد علني)؛ فلم تقم أي من الشركات العالمية التي ادعت نيروبي أنها قامت بشراء الحقوق النفطية للحقول المتنازع عليها، بأية أنشطة ملموسة أو ظاهرة تؤكد قيام مقديشو بعقد تلك الصفقات، وهو ما يعني أن القرارات الدبلوماسية الأخيرة من قبل كينيا، تقوم على فرضيات ظنية وغير مؤكدة.
  • أن القضية المرفوعة لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي، بخصوص المناطق البحرية المتنازع عليها بين البلدين، كان الصومال هو من قام بتصعيدها دولياً للمحكمة، وليس الجانب الكيني، وهو ما يؤكد أن الأضرار الاقتصادية الواقعة على الجانب الصومالي أكثر بكثير من الأضرار الواقعة على الجانب الكيني، وفق تلك النواحي والاعتبارات الاقتصادية، وخاصة في ظل امتداد فترات الخلاف المتبادلة بشأن تلك المناطق المؤثرة في حجم الاحتياطات النفطية الصومالية ضمن الإطار الحدودي الممتد في نطاق منطقة حيوية بحرية كالمحيط الهندي.
  • أن شركات النفط العالمية والدولية التي تدّعي نيروبي أنها قامت بعقد اتفاقات شراكة مع مقديشو، للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها، هذه الشركات لابد أنها معروفة ومسماة طالما أنها قامت بعقد اتفاقيات رسمية مع الحكومة الصومالية، خاصة وأن هذه الاتفاقيات ــ كما تدّعي نيروبي ــ تمت خلال مزاد علني!!، فلماذا إذن لم يقم الجانب الكيني بتسمية هذه الشركات وتحديدها على خريطة الشركات النفطية العالمية، على الأقل من باب تسهيل الحصول على معلومات أكثر شفافية وحيادية بشأن الادعاءات الكينية؟.. ثم إن أية شركات دولية وعالمية تتعامل في المجال النفطي بيعاً وشراءً وتنقيباً، لديها احترازات مخاطر كبيرة عند الدخول في اتفاقيات من هذا النوع في الأحوال العادية، فما بالنا بالادعاءات الكينية التي تريد إقناعنا بقيام تلك الشركات بعقد صفقات في مناطق حدودية متنازع عليها، بل وفي حقوق وحقول نفطية بحرية تخضع لنظر محكمة العدل الدولية في لاهاي!!؛ فمن المنطقي جداً أن هذه الشركات ستفكر آلاف المرات قبل التوقيع على أية اتفاقيات من هذا النوع، كما أن المهمة لن تكون سهلة لحكومة مقديشو لإقناع الشركات العالمية بالتوقيع على عقود غير مؤكدة أو مهددة بالإلغاء حال كان حكم المحكمة الدولية مخالفاً لأمنيات تلك الحكومة، وكل هذا يصب في إطار القناعة المؤكدة بأن موقف وزارة الخارجية الكينية هو موقف متسرع، وفي غير صالح العلاقات بين البلدين!!
  • أنه بافتراض قيام الحكومة المركزية في مقديشو باستغلال تواجدها في مؤتمر لندن حول طبيعة الخريطة النفطية الصومالية في جانبها البحري، لتحقيق بعض التربيطات والترتيبات الإدارية والتشغيلية للحقول والمناطق المتنازع عليها، باعتبار أنها تتوقع أن يكون حكم المحكمة في صالحها، فإن ذلك لا يبرر للطرف الآخر المطالبة بمنعه؛ لأن التنازع على الحقوق والحقول النفطية بين طرفين، ورفع هذا التنازع للمحكمة الدولية للبت فيه، لا يعني بالضرورة منع أي من الطرفين المتنازعين، الترتيب والتنسيق(الودي) المسبق مع أطراف تشغيلية وإدارية واستخراجية، لحين صدور حكم المحكمة في النزاع، طالما أن هذه الترتيبات والتربيطات، لم تدخل في حيز التنفيذ على الأرض والميدان، وهنا الأمور تكون متعلقة بالسيادة الداخلية للأطراف المتنازعة، وكما قلنا لن تستطيع الشركات الدولية ممارسة عملها أو النزول إلى المناطق المتنازع عليها، ما لم يصدر حكم المحكمة بشأن النزاع على هذه المناطق، وهنا تثار بعض التساؤلات الموجهة للحكومة الكينية: هل قامت الشركات النفطية المشار إليها في الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بممارسة أية نشاطات تشغيلية أو إدارية أو استخراجية في الحقول النفطية المتنازع عليها؟ هل قامت الحكومة الصومالية بإخضاع الحقول المتنازع عليها مع كينيا لإدارة هذه الشركات المزعومة؟ في الحقيقة نيروبي نفسها لم تؤكد حدوث أي من هذه الأمور!!
  • أن تاريخ الصومال مع الخلافات النفطية الداخلية على سبيل المثال، يؤكد التزام مقديشو بالمعايير الدولية المناسبة والكفيلة بعدم إثارة المشكلات الأمنية والسياسية، فمن المعروف أن الصومال يعاني منذ سنوات طويلة من الخلافات المتعلقة بحقوق التنقيب عن النفط والغاز بينه وبين الحكومات والولايات الإقليمية كحكومة أرض الصومال والحكومة الإقليمية في بونتلاند، ورغم تكرار هذه الخلافات واشتعالها من حين لآخر، إلا أن الحكومات المركزية في مقديشو، وعلى رأسها حكومة الرئيس فرماجو، التزمت المسالك الرسمية والقانونية والقضائية ــ وهي مستمرة في ذلك ــ تجاه تلك الخلافات وكذلك تجاه طرق التعامل التقنية والبيئية المرتبطة بعمليات التنقيب والاستخراج النفطي، لتجنب وقوع مشكلات داخلية على المستوى الأمني أو البيئي أو السياسي، وهذه الاعتبارات تمنح تأكيدات ومحاذير راسخة ومسبقة لدى مقديشو، تمنعها من تجاوز المعايير والقوانين الدولية فيما يخص الشأن الداخلي، فكيف تريد نيروبي إقناع المجتمع الدولي بعكس ذلك، خاصة في مشكلة متنازع عليها دولياً وتنظرها المحكمة الدولية في لاهاي؟؛ إذ من المستبعد أن تخاطر مقديشو بسمعتها الدولية عبر القفز على القرارات المنتظر اتخاذها من قبل المحكمة الدولية في قضية تقدمت بها الصومال بنفسها إلى المحكمة المذكورة!!
  • أن الصومال ليست مضطرة اضطراراً إلى عقد اتفاقات جديدة بشأن حقولها النفطية مع الشركات العالمية؛ فمنذ العام 1991 وحتى الآن، تملك الصومال تعاقدات كبيرة وموسعة مع شركات نفط عالمية ودولية بإمكانها تحقيق الأهداف النفطية الصومالية في أية حقول نفطية تابعة حالياً أو مستقبلاً لحكومة مقديشو، وهي شركات معروفة كشركة (سوما) لصناعة البترول البريطانية،وشركة(رويال داتش) الهولندية، بالإضافة للعديد من الشركات البترولية الأمريكية كشركات(إكسون موبيل، شيفرون، وكونكو فيليبس) إلى غير ذلك من الشركات الدولية والعالمية المتخصصة في استخراج النفط والتنقيب عن النفط والغاز، فلماذا تجازف مقديشو في ظل أجواء متوترة وعلى هامش مؤتمر دولي بعقد مزاد علني بين شركات دولية جديدة لاستخراج النفط في حقول متنازع عليها، وبين يديها شركات دولية كبرى لديها خبرات كبيرة بالأجواء والأوضاع الصومالية الشاملة؟ هذا ما لم تستطع نيروبي تقديم قناعات قوية بشأنه في أزمتها الطارئة مع مقديشو مؤخراً؟! خاصة وأن هناك صراع دولي بين القوى الكبرى العالمية، تجاه الحصول على امتيازات استخراج النفط والتنقيب عنه في عموم الأقاليم الصومالية، ما يعني عدم اضطرار البلاد لخوض مخاطر ومجازفات خاسرة في هذا التوقيت!!

وعند النظر في محددات الموقف الكيني تجاه أزمته المتبادلة والطارئة مع حكومة مقديشو، نلمح الآتي:

  • أن قيام نيروبي بإثارة هذه الأزمة الدبلوماسية، وبشكل مفاجيء ومبالغ فيه، يشي ويُلمح إلى أن كينياً ربما تملك معلومات تمهيدية قد تكون مسربة من إحدى دوائر صنع القرار في المحكمة الدولية في لاهاي، وأن هذه المعلومات سيكون لها شأن ما في إضعاف الموقف الكيني تجاه النزاع المتبادل والمشترك بينها وبين الصومال؛ ولعل ما وضعه الجانب الكيني على المستوى الرسمي من شروط لعودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية مع مقديشومؤخراً، يؤكد هذه التوقعات، خاصة وأن نيروبي تطالب مقديشو بسحب القضية المرفوعة بشأن النزاع النفطي والحدودي من أمام المحكمة الدولية، والاقتصار فقط على الحلول الودية البينية للمشكلة ذاتها بين البلدين.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تقوم كينيا بوضع شرط كهذا ضمن شروط عودة العلاقات الدبلوماسية مع مقديشو، إلا إذا كان لديها شعور ذاتي أو معلومات مسربة تؤكد أن الحكم سيكون في صالح الصومال؟
  • أن موقف حكومة الرئيس فرماجو في مقديشو، يتسم بالقوة والوضوح فيما يتعلق بمصير القضية الحدودية والنفطية المتبادلة بين البلدين؛ وهو ما يتضح من إصرار مقديشو على المضي قدماً في تصعيد هذا الخلاف لدى المحكمة الدولية للبت الكامل بشأنه، وعدم الاستجابة لمقترحات ومطالب نيروبي بسحب القضية من أمام المحكمة، وهذا الرفض الصومالي المؤكد لسحب القضية، في حد ذاته، وبمنتهى الصراحة، قد يؤكد وجود المعلومات المشار إليها بشأن طبيعة القرار المتوقع صدوره عن المحكمة، وأنه غالباً سيعزز السيادة الصومالية على بعض أو كل المناطق المتنازع عليها مع كينيا، وفي ظل معلومات كهذه، ربما سيكون منطقياً التسليم ببعض ما جاء في الادعاءات الكينية الأخيرة بشأن اتفاقات نفطية على هامش مؤتمر لندن، ولكن حتى مع التسليم بمنطقية ذلك، فلن تكون الاتفاقات التي يُحتمل وجودها، سوى ترتيبات شفوية أو وعود قابلة للتفعيل والتعاقد المستقبلي؛ إذ يبقى كل ذلك مرهوناً بالقرارات الحاسمة المتوقع صدورها عن المحكمة الدولية بشأن حقول النفط البحرية في المناطق المتنازع عليها بين البلدين!!وهو ما تدركه شركات النفط الدولية جيداً قبل أن تدركه الصومال بطبيعة الحال.
  • أن افتعال كينيا أزمتها الدبلوماسية مع مقديشو، يأتي في إطار محاولة نيروبي التأثير على القرارات المتوقع صدورها من محكمة لاهاي، وأنها أرادت بهذه الأزمة الدبلوماسية تحقيق عدة أهداف استراتيجية؛ الأول هو إظهار حكومة مقديشو في صورة المنتهك لأدبيات النزاعات السياسية والحدودية المتعارف عليها لدى دوائر صنع القرار في المجتمع الدولي. والثاني هو التلميح لقضاة المحكمة الدولية بأن أية قرارات ستكون في صالح الصومال فيما يخص النزاع المتبادل، سيكون له عواقب غير مريحة أو سلسلة في فضاء العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية في منطقة القرن الإفريقي، وهو ربما(من وجهة نظر الجانب الكيني) ما قد يؤثر في طبيعة وتوجهات القرارات المنتظرة من المحكمة. والثالث هو استدعاء الحلفاء الاستراتيجيين لكينيا للقيام بدور ما قد يكون من شأنه الضغط على مقديشو في قضية النزاع المتبادل، ومن ثم إمكانية قبول الأخيرة بمقترح سحب القضية من أمام المحكمة، واللجوء لحلول ودية قد تحفظ بعض الحقوق النفطية والثرواتية لكينيا في منطقة المحيط الهندي وعلى الحدود البينية مع الصومال.

وبالنظر إلى العرض السابق، يمكن التوصل إلى جملة النتائج التالية:

    • أزمة كينيا مع الصومال، هي أزمة مفتعلة ومبالغ فيها وفق الاعتبارات الدبلوماسية واجبة المرونة والتعاطي بين دول متجاورة وفي منطقة حيوية كمنطقة القرن الإفريقي، وهي أزمة ناقضت نيروبي فيها نفسها، عندما تسرعت في قطع العلاقات الدبلوماسية(الودية) مع مقديشو، ثم مطالبة الصومال بإلغاء التحكيم الدولي في النزاع محل الخلاف، والاقتصار على الحلول الودية التي قامت نيروبي بالإساءة إليها وقطعها دون منح الدبلوماسية فرصة التعاطي المرن والتشاور المنطقي والطبيعي.
    • احتمالية وجود معلومات مسربة من دوائر صنع القرار بمحكمة العدل الدولية، أو من أي طرف دولي موثوق به في حسم النزاعات البينية الإفريقية، تفيد تعزيز موقف الصومال في نزاعها النفطي والحدودي والثرواتي مع مقديشو، وأن القرارات الدولية المتوقع صدورها عن محكمة لاهاي، ليست في صالح الجانب الكيني، وهو ما أفضى إلى وجود هذا التصرف الأحادي لنيروبي على المستوى الدبلوماسي تجاه الصومال.
    • كينياً توظف العلاقات الدبلوماسية الخارجية في أزمتها مع الصومال، لتحقيق أهداف استراتيجية، لكنها أغفلت أن العلاقات الدبلوماسية هي آخر ما يمكن التضحية به في أية علاقات خارجية مع الدول بصفة عامة، ودول الجوار بصفة خاصة؛ لذا فقد خانها التوفيق في قرار سحب سفير وإقصاء آخر استناداً لمعلومات ظنية وغير موثوقة.
    • الأزمة المتبادلة بين البلدين، أظهرت ضعف الموقف الكيني مجملاً ، كما أظهرت ضعف الدبلوماسية الكينية أمام القضايا العالقة والخلافات الناشئة، في مقابل قوة الموقف الصومالي، وإصراره على تحري الانضباط في قضايا النزاع بما يحفظ السيادة، وينأى بالبلاد عن إقحامها في مخالفة المعايير الدولية لأدبيات الخلافات الحدودية والإقليمية عبر التحكيم الدولي والحسم القانوني، وهي الإجراءات التي يحرص عليها الصومال حتى في خلافاته الداخلية مع الأقاليم والولايات، وهو ما ظهر أيضاً من الاعتراف الرسمي الصومالي في ظل الأزمة، بدور كينيا الإيجابي في الصومال.
    • مؤتمر لندن لم يشهد إبرام تعاقدات نهائية للصومال بشأن أية حقول نفطية أو حقوق استخراجية للنفط والغاز الطبيعي، لصعوبة تحقيق مثل هذه التعاقدات في ظل وجود نزاع دولي وقضية منظورة بشأنه لدى محكمة العدل الدولية، ولاستحالة مخاطرة شركات النفط العاملة في مجال استخراجه والتنقيب عنه، باقتصادياتها وسمعتها من خلال الدخول في صفقات معلّقة أو مهددة بالتعليق والإلغاء، ولكن من الممكن أن يكون المؤتمر قد شهد مجرد تربيطات شفوية أو وعود مستقبلية بالاتفاق بشأن الاستخراج والتنقيب، في مرحلة تالية لصدور قرار المحكمة بشأن النزاع حول الحقول المراد العمل بها، وهو ما لا يمكن اعتباره انتهاكاً لأدبيات النزاع واعتبارات الخلاف الحدودي والإقليمي، باعتباره حق مكفول لكل الأطراف دون استثناء.

وبناء على ما تقدم ، نتوقع الآتي:

  • الاحتواء السريع لهذه الأزمة، على الأقل بالنسبة لعودة العلاقات بين البلدين؛ وهو توقع مرهون بتحركات إيجابية سريعة لمنظمة الاتحاد الإفريقي في ظل رئاسة مصر للاتحاد في دورته الحالية، وأيضاً في ظل احتمالية قيام إثيوبيا وإريتريا بأدوار إيجابية ضمن هذا الإطار، وأيضاً لوجود محاذير دولية كبيرة تجاه السماح لاشتعال الأزمات السياسية والحدودية بين دول القرن الإفريقي.
  • عدم قيام الصومال بسحب القضية المرفوعة من أمام محكمة العدل الدولية، خاصة وأن الأمر أصبح يتعلق بسيادة الصومال، وبإظهار مدى تماسك الحكومة المركزية في مقديشو أمام الضغوط الإقليمية والدولية وتداعيات العلاقات الدبلوماسية المفاجأة مع دول الجوار، وأيضاً مع ظهور اصطفاف بعض الأحزاب المعارضة مع قرارات الحكومة المركزية بهذا الخصوص.
  • صدور قرارات محكمة العدل الدولية بشأن النزاع في صالح تعزيز السيادة الصومالية على بعض أو كل المناطق المتنازع عليها مع كينياً، لكن مع مراعاة موازنات النزاع البيني بين الطرفين، ومع اتخاذ قرارات احترازية تحيط بالقرار الرئيسي في النزاع، تلزم جميع الأطراف بالتنفيذ الفوري العاجل أو المرحلي الآجل، مع إمكانية اشتمال هذه القرارات على حلول تكاملية تجمع بين مصالح الطرفين المتنازعين بشكل أو بآخر، ودون المساس بسيادة كل منهما.
  • سيكون قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ــ إذا استمر فترة أطول ــ مثاراً للاستياء الشديد لدى كل الأطراف المحبة لكليهما، كما ستؤدي هذه القطيعة المفاجئة لتصعيب مهام الكثير من الأمور والإجراءات الاعتيادية الخاصة بالسفر والتبادل المجتمعي والتجاري والاقتصادي بين البلدين؛ لذا فسيصب ذلك حتماً في غير صالح الشعبين، لكن الاستياء الأكبر سيكون لدى المواطنين الكينيين والصوماليين، تجاه الموقف الرسمي الكيني، لتسرعه في تجميد العلاقات الدبلوماسية.

وختاماً، نوصي بالآتي:

  • سرعة تدخل الأطراف الدولية والإقليمية لتدارك تجميد العلاقات الدبلوماسية، مع دعوة الطرفين للتعاطي الإيجابي المرن، وتحفيز نيروبي لرفع أية اشتراطات لعودة هذه العلاقات، وقيامها بتوجيه دعوة مباشرة وأحادية للسفير الصومالي للعودة لمباشرة مهامه، بالتزامن مع إعادة السفير الكيني إلى مقديشو؛ فالأزمة الدبلوماسية بدأتها كينيا بشكل متسرع، وعليها أن تنهيها كذلك وبنفس السرعة.
  • ضرورة قيام مقديشو بالتعاطي الإيجابي لدحض كافة الشكوك والظنون السلبية لدى نيروبي، مع إبداء الاستعداد للتعاون الجاد في عودة العلاقات إلى سابق عهدها، تحت مظلة التقدير الكامل للسيادة المتبادلة لكل من الدولتين.
  • أهمية قيام الدبلوماسية المصرية بدور كبير في هذا الملف، خاصة وأن هذه الأزمة هي الأولى تحت مظلة رئاستها للاتحاد الإفريقي، وسيكون فرصة جيدة لمصر أن تثبت قدرتها على التدخل لإنهاء النزاعات الدبلوماسية الطارئة بين الجيران والأشقاء، وإيجاد دور فاعل لمنظمة الاتحاد الإفريقي في التحرك السريع لتطويق الأزمات الإفريقية.

محسن حسن

باحث وأكاديمي مصري
زر الذهاب إلى الأعلى