الصومال لا يحتاج إلى مزيد من السجون وإنما مصانع وجامعات

كشفت الحكومة الصومالية قبل أيام عن بناء مجمع سجون جديد يعد الأحدث من نوعه  في “القارة الإفريقية”-بحسب قائد قوات مصلحة السجون الوطنية اللواء بشير جامع جوبي-  بالضاحية الغربية من العاصمة مقديشو بتمويل من عدة دول غربية .

أثار المجمع الذي يضم سجنا كبيرا ومحكمة ومكاتب  وفندقا للقضاة  عدة ملاحظات وتساؤلات لدى قطاع عريض من الشعب ولا سيما في أوساط النخب ينبغي أن تتنبه بها الحكومة الصومالية  وخصوصا  وزارة العدل وقيادة مصالح السجون، ويتساءل الجميع ما الجدوى من بناء مزيد من السجون في “عام الرماد” وماذا يجني الشعب من هذه السجون في ظل المشاكل والأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منه الشعب وفي ظل وجود الأسباب الحقيقية وراء ظاهر انتشار الجرائم والأعمال الإرهابية في البلاد، وبالتالي الا يعتبر بناء مجمع سجون  اهدارا  للأموال بما لا طائل فيه.

لقد وصفت بعض المواقع الإعلامية الصومالية  مجمع السجون الجديد بـ” الأجمل” في القارة الأفريقية، وربما جاءت هذه العبارة  أيضا على لسان بعض المسؤولين، لكن يبدو أن هذا الوصف مبالغ فيه وغير منطقي ، لأن السجون لا تكون جميلة وحتى أن جرى تصميمها بشكل رائع وتشييدها بالمرمر ورصعت جدرانها بالزبرجد والياقوت فلن يغير ذلك من واقعها شيئا كثيرا وستبقى سجونا  يكره كل أنسان أن يقضى فيها ولو ساعات بسيطة من حياته وبالتالي بالغ البعض في وصفه بأنه سجن جميل وعصري تتوفر فيه كل ما يتطلبه المحبوس كأنهم يحثون المواطنين على ارتكاب الجرائم ليكونوا نزلاء هذا السجن “الحديث”.

ينبغى أن يسع صدرنا ونقبل أن بناء السجون في الغالب لا تكون دليلا على الانجاز والتقدم- أن الدول المتقدمة تحول سجونها إلى متاحف- وإنما تكون دليلا على التخلف وارتفاع نسبة الجرائم والأعمال الإجرامية التي تؤدي بدورها إلى مشكلة جديدة ، زيادة عدد السجناء وتكدسهم في عنابر الحبس الأمر الذي يجعل لزاما على الحكومات البحث عن  حل لهذه المشكلة، وكثيرا من السلطات غير الديمقراطية ترفض أن تجرى دراسة حقيقية على أسباب زيادة معدلات الجريمة  في بلادهم لايجاد  حلول جدرية لتلك الظاهرة وتلجأ  بدلا من ذلك إلى خيارات تثقل كاهل خزينة الدولة أو تطلب مزيدا من المساعدات الخارجية لإنشاء قوات أمنية خاصة لمحاربة المنظمات الإرهابية أو تخصص مزيدا من القوات والشرطة لمحاربة الجرائم والأعمال الإرهابية، وتوسعة السجون أو بناء مزيد منها لكن كما أثبتت التجارب لن تزيد هذه الخطوات للمجرمين الا اصرارا على أفعالهم  ولن توقف الانحرافات الاخلاقية وتزايد عدد المرتكبين بالجرائم، لأن هناك أسباب حقيقية تجعلهم يمارسون الأفعال التي يعرفونها أنها مرفوضة شرعا وقانونا وعقلا مع سبق الإصرار والترصد وبالتالي ينبغي على الحكومة أن تعطي مزيدا من الوقت للبحث عن خيارات أخرى ناجعة بدلا من اهدار الأموال  هباء وصرفها فيما ليس فيه حاجة ملحة.

يحتاج الشعب الصومالي إلى مجمعات تعليمية ومجمعات لإسكان الفقراء والمشردين وليس إلى مباني وقصور تؤدي إلى توسيع الفجوة بين الصوماليين وانتشار موجات العنف وروح الكراهية فيما بينهم، لقد كان الأجدر أن يتم بناء مجمع صناعي يساهم في تأهيل المساجين ويوفير فرص عمل لآلاف من الشباب العاطلين والمهددين بالإنضمام إلى الشبكات الإجرامية والتنظيمات المسلحة لتأمين لقمة عيشهم، أو مجمع تعليمي يساهم في انتشال  الشباب من براثين الجهل وضمان مستقبل أفضل للأجيال الناشئة. كان الأجدر أن تقوم الحكومة بتحول الأموال التي صرفت على مجمع السجون الجديد إلى مشاريع لبناء مجمعات سكنية للأسرة الفقيرة والمشردين من مناطقهم جراء الحروب والمجاعة، لأن معظم نزلاء السجون الصومالية يتنمون إلى هذه الفئآت ولن يتخلوا بتلبية نداء كل ضال أو منحرف ما لم تلب اجتياجاتهم ولن  ترتدعهم “السجون العصرية”؛ لأنهم ببساطة جائعون وجاهلون ويعانون من أمراض نفسية.

زر الذهاب إلى الأعلى