رئيس البنك المركزي الصومالي 

بدأ الجدل الدائر حول تعيين أجنبي على رئاسة البنك المركزي الصومالي بعد تسريب معلومات تفيد بأن الحكومة تنوي بتقديم مشروع إلى البرلمان من أجل تغيير بعض البنود المتعلقة في كيفية اختيار رئيس البنك المركزي لأن النظام يحصر في تولى هذا المنصب من يحمل الجنسية الصومالية فقط ، وأن الحكومة الحالية تريد تولية رئاسة البنك رجلا أجنبيا غير مسلم .

واعتقد كثير من الناس بأن هذه التسريبات لا تعدوا كونها جزءاً من الحرب الضروس الدائر بين أنصار الحكومة وبين معارضيها في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ، وأن كل واحد منهما يريد تسجيل موقف ضدّ الآخر ليس حبا في تقدم البلد أو تأخره ، بل في حساب المصلحة الشخصية والفئوية لا أقل ولا أكثر .

وقد أثبت الأحداث الأخيرة  بأن هذه التسريبات لم تكن رجما بالغيب ولا بالونا للاختبار أو محاولة  لقياس نبض الشارع ( إن كان هناك شارع تحسب له الحكومة ألف حساب ) بل كانت خطة مفروغة منها وقرارا اتخذ مسبقا ولا يعيق به إلا إذا رفض البرلمان بإقراره ، ولم تمض الأيام حتى عرضت الحكومة مشروعها على المجلس النيابي بصورة شبه استثنائية لأن البرلمان توقف عن ممارسة عمله اليومي منذ فترة بعيدة ، فقد صوت البرلمان لصالح المشروع بأغلبية الموجودين مع اعتراض بعدد قليل منهم ، ثم رفعت الجلسة بصورة عاجلة .

ولم يمنع هذا الإجراء السريع الذي حصل في داخل قبة البرلمان من ظهور أصوات تندد بتمرير هذا القانون الحساس في هذا العجالة وعدم احترام النظام المعمول به في إدارة البنك المركزي منذ نشأة الدولة الصومالية الحديثة ، واعتبر بعض النواب بأن هذا الاجراء سيفتح أبوابا أخرى لانتهاك النظام والقانون والتعدي على كرامة الشعب الصومالي.

وقد دارت معركة حامية الوطيس في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عامة وفي الفيس بوك خاصة بعد صدور القانون الجديد بين مؤيدي ومساندي الحكومة وبين معارضيها ، وهذه المعركة وصلت إلى حد التراشق والاتهام بما لا طائل تحته ، ولكن هذا الدفاع المستميت عن كل ما تقوم به الحكومة من تحركات  أو اتهامها على تقويض مصالح الأمة  يدخل في باب المكايدة السياسية والتنافس على كسب الأنصار والمؤيدين فقط .

والخلاف في شأن هذا القرار لم يتوقف في أروقة السياسة بل انتقل إلى ساحة العلم وبين طلبة العلم ، فانبرى في تأييد ما قامت به الحكومة عدد من طلبة العلم مستدلين بحوادث تاريخية وأقوال مروية عن بعض أهل العلم ، كما قام بتحذير ما تصبوا إليه الحكومة من تطبيق هذا القرار عدد آخر من طلبة العلم متسلحين بالنصوص الدالة على أن لا ولاية على المسلمين إلا بأنفسهم .

لست في مقام من يريد تصويب ذلك الفريق أو تخطئة ذاك ، لأنها قضية تتعلق في مصالح الأمة كلها  وهي أكبر وأعظم من أن ينفرد بها شخص أو حركة أو جماعة فكرية مؤيدة للسلطة أو معارضة لها ، وتحتاج إلى اجتهاد جماعي يشترك في مناقشتها وتوصيفها عدد من علماء الشريعة ، ويساندهم خبراء في الاقتصاد والقانون والإدارة ثم ينفرد في تحريرها حسب القواعد المعتبرة لدى الشرع العلماء لتكون فتوى شرعية يجب العمل بها والانقياد لها شعبا وحكومة .

ولكن المؤسف أن بعض الفضلاء لم يكتفوا بالتأييد أو بالإنكار أو بمناقشة من لا يوافقهم فيما ذهبوا إليه بأسلوب علمي رصين يعتمد على البحث العلمي والمحاورة الهادفة ومقارعة الرأي بالرأي والفكرة بالفكرة من أجل التوصل إلى نتيجة صحيحة ومقنعة ، ولكنهم  تجاوزا عن حدود اللياقة والأدب العلمي  فسفهوا لمن قال بالمنع أو قال بالجواز واتهموهم بقلة العلم وقصر الفهم في ادراك مقاصد الشرع وغير ذلك من ألفاظ وكلمات لا تليق لمن يريد أن يقنع الناس بقبول رأيه ومنطقه .

والغريب في هذا الشأن هو كيفية تناول المعلقين على  كلام العلماء تأييدا أو معارضة ، فبعضهم انتصر لمن قال بالجواز ، والآخر وقف مع من قال بالمنع ، وكلا الفريقين أشاد بشيخه واتهم الأخر بالانتصار لقبيلته ، وادعى بأن المسألة ليست شرعية فقط بل دخلت في التوظيف القبلي ومؤازرة سياسيي العشيرة  لأن الأحداث التي تقع بين المجتمع الصومالي تفسر دائما تفسيرا قبليا وخاصة إذا كان لها علاقة بالسياسة والحكم .

وقد فات كل الإخوة الذين تناولوا الموضوع بجانبه الشرعي أن ينتظروا حتى تتضح  المسألة بصورة أفضل لأن الانخراط في نقاش مسألة لم تكتمل أركانها بعد من الصعوبة بمكان أن يوجد لها حلا جذريا ، لأن إقرار القانون لا يوجب على  الحكومة بتنفيذه  وقد تعيد النظر في شأنه ، ومع هذا لا يمنع ذلك أهل العلم  من تناول وتدارس هذا الموضوع ولو لم يتم تنفيذه لأنه يمس في مصالح الأمة . 

ولكن هناك أسئلة كثيرة تدور حول مغزى هذا القرار ولماذا تريد الحكومة بتطبيقه يجب على الحكومة أن تشرح للناس الأسباب التي حملت على اتخاذ هذا القرار وتقديم أجوبة شافية كافية تبدد المخاوف التي أوجدها هذا القرار.

ومن هذه الأسئلة:

  • لماذا احتاجت الحكومة لتغيير القانون ؟ .
  • ألا يوجد من بين الصوماليين من هو أهل لهذا المنصب ؟ .
  • هل هذا القرار فُصِل لمقاس من تم تداول اسمه في وسائل التواصل الاجتماعي،  أم يجوز للجميع أن يتقدموا بطالباتهم ؟.
  • هل يتم نشر إعلان الترشح لهذا المنصب في الجرائد الدولية ؟ .
  • هل العلماء الذين أيدوا هذا المسلك استشارت بهم الحكومة أم جاءت  المبادرة من عند أنفسهم ؟ .
  • ماذا سيكون جواب الحكومة إذا ما اتهم بأنها خرقت نظام تقاسم السلطة المبني على أساس قبلي ؟ .

الصومال يعاني من مشاكل كثيرة لا أول لها ولا آخر  ، ولا يمكن له استعادة موقعه إلا إذا تضافرت جهود أبنائه في بناء وطن يسع للجميع  ، كل يتقدم بعطائه وكفاءته لا بقبيلته ونسبه ، مع توفر النية الصادقة في العمل ، وأما اذا ما بقي البلاد على الحالة التى هو عليها الآن ، فلا وطن تقدم ولا جهد توفر  .

وأخيرا …. العلماء قادة الأمة ومصابيح الدجى ومرجع الأمة عند المدلهمات فيجب عليهم حماية مصالح الأمة العامة والسعي للإصلاح والتقريب بين المختلفين ودعوة الناس إلى  العدل والوقوف أمام من يريد اهدار مكتسبات الأمة بحجج واهية ، وألا يكونوا عونا للظلم ، فإن فعلوا ذلك فهم أهل لأن يسمعوا ويطاعوا ، ولكن إذا انحرفوا عن طريق العلم والعلماء ووظفوا دينهم من أجل الدفاع عن مصالح شخصية وقبلية ومناطقية ، أو انخرطوا في السياسية الفاسدة المبنية على الظلم والمكر والخديعة واستغلال السلطة ، ففي تلك الحال سيصبحون جزا من الأنظمة الفاسدة ولا يمثلون إلا أنفسهم ولا ينطقون باسم الحق والعدل وإن تدثروا بلباس العلم والعلماء وتظاهروا بالديانة وحاولوا اقناع الناس بما يخالف الواقع ، فباستقامتهم استقامة للمجتمع وبانحرافهم انحراف وهلاك.

اللهم أصلح أحوال المسلمين .

عبدالباسط شيخ إبراهيم

السبت ١٩/٠١/٢٠١٩م 

١٣/٥/١٤٤٠ه 

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى