العلاقات الصينية الإفريقية: كيف تغلغلت الشركات الصينية في أسواق شرق إفريقيا؟

ليست العلاقات الصينية الإفريقية وليدة اللحظة بل لها جذور ممتدة وضاربة في التاريخ القديم والحديث فضلا عن المعاصر، إلاّ أنّ هذه العلاقات كانت تمر بمراحل وبمحطات مختلفة تحدّد نوعيتها وطبيعتها.

وتذكر المصادر أن العلاقات بين الصين وإفريقيا ازدهرت في مرحلة محاربة الاستعمار الأوروربي الّذي أذاق الطرفين الأمرّين، إلاّ أن هذه العلاقات أخذت الشكل الّذي هي عليه اليوم ابتداء من عام 2000م وذلك عندما تمت انطلاقة منتدى التعاون الصيني الإفريقي لتعزيز  العلاقات التجارية والاستثمارية بين الصين والبلدان الإفريقية، وبذلك أصبحت الصين أكبر شريك تجاري مع إفريقيا منذ 2009م وحتّى الآن، وقد يعود ذلك لأسباب ومبادئ  منها ما أورده الباحث ألاولي إسماعيل في دراسة بعنوان: العلاقات الصينية الإفريقية – شراكة أم استغلال- وجهة نظر إفريقية، نشر على مركز الجزيرة للدراسات في 19/إبريل/2014م، يقول الباحث فيها: “وطبقًا لسياسة الصين في إفريقيا للعام 2006، فإن مبادئ الصين التي تحكم علاقتها بإفريقيا وأهدافها هناك تتمثل في التالي: 

  • الإخلاص والصداقة والمساواة. 
  • المنافع المشتركة التبادلية، والازدهار المشترك.
  • الدعم المتبادل والتنسيق الوثيق والتعاون مع إفريقيا والأمم المتحدة والأنظمة التعددية. 
  • التعلم من بعضهم البعض، والحرص على التنمية المشتركة. 
  • مبدأ الصين الواحدة.”

ونظرا لتلك النقاط أو المبادئ التي أسست عليها الصين علاقتها مع إفريقيا، كان لزاما على الإفريقيين ترحيبهم بالصين وتكوين الشراكات معها، خاصة أنّ الصين تختلف عن الغرب فيما يتعلّق بالتعامل مع إفريقيا، حيث لا ينظر إليها على أن لديها نوايا استعمارية، في حين يعتقد معظم الأفارقة أن الغرب قوة استعمارية تسعى إلى الهيمنة، وأنّ مساعداتها وتكوين شراكتها مع الأفارقة أيضا مشروطة بحزم من الشروط التعجيزية التي هي غير قابلة للتنفيذ لدى معظم الأنظمة السياسية في إفريقيا.

بالإضافة إلى ذلك أنّ الصين تبنت منطقا مختلفا عن السياسة المالية للغرب في التعامل مع الأنظمة الإفريقية، ويتمثّل هذا المنطق في:

  • القروض الميسّرة
  • المساعدات الجزيلة .
  • الاستثمارات غير المشروطة.

وقد تحقّق من ذلك أن تغلغلت الصين إلى داخل إفريقيا من خلال مشروعات تطوير البنى التحتية ومدّ الطرق والجسور وتشييد المستشفيات وغير ذلك مما يتعلّق بمجالات التنمية في أفريقيا.

مجالات العلاقات الصينية الإفريقية

 تشمل العلاقات الصينية الإفريقية المجالات الآتية:

1- المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري: للصّين رؤية اقتصادية في إفريقيا قائمة على تبادل المصالح بين الطرفين، وقد درست الصين الوضع الاقتصادي وقدرة الأفارقة على التعامل مع الأسواق العالمية فاتضح لها –كما يقول الشيخ باي الحبيب في دراسة بعنوان الاستثمارات الصينية بإفريقيا : كيف نجحت الصين في كسب القارة الإفريقية؟ نشر على مركز الجزيرة للدراسات في 1/مايو/2014م- يقول فيها أن الصين اتّضح لها “أنّ الأفارقة يمتازون عن غيرهم بضعف القدرة الشرائية بسبب انتشار الفقر”، وعليه فلا بد من سياسة للتعامل المالي معهم، فيقول الشيخ باي الحبيب “فاعتمدت الصين على عدّة سياسات مالية منها ما يأتي:

  • جعل السلعة الصينية أرخص ما في المتناول
  • تغليب لغة المصالح المتبادلة والاحترام والمساواة دون التدخل في شؤون الآخرين.
  • القروض الميسرة والاستثمارات غير المشروطة

هذه الأسس السياسية للتعامل المالي الصيني مع الأفارقة عملت على تغلغل الصين إلى عمق القارة الإفريقية من شمالها لجنوبها، ومن شرقها ووسطها إلى غربها، وبناء على تلك الأسس قدّمت الصين لإفريقيا أرقاما هائلة من الدولارات،إما على شكل منح أو قروض ميسرة أو تبادل تجاري؛ ففي تقرير نشر على موقع ن بوست في 7/ديسمبر/2015م بعنوان توجّه الصين نحو إفريقيا … خيار استراتيجي أم استعمار اقتصادي، ورد فيه أن “التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا نمت من 10.6 مليار دولار عام 2000 إلى 160 مليار دولار في عام 2011 وبحسب تقرير للبنك الدولي أصبحت الصين منذ عام 2009 الشريك الاقتصادي الأكبر والأهم لقارة أفريقيا؛ حيث ارتفع التبادل التجاري بينهما من 12 مليون دولار عام 1955 إلى 166 مليار دولار في عام 2005 وإلى 210 مليار دولار في عام 2013 “.

وتأتي أنجولا في مقدّمة الدّول التي استفادت من التبادل التّجاري مع الصين، حيث تعتبر الشريك الإفريقي الأكبر للصين بحجم تجارة بلغ 17.66 مليارات دولار، تليها جنوب إفريقيا 16.6 مليارات، والسودان 6.39 مليارات، ومصر 5.86 مليارات، ونيجيريا 6.37 مليارات. وتستورد الصين من إفريقيا منتجات زراعية بنحو 2.33 مليارات دولار، من بينها: القطن والبرتقال من مصر، والكاكاو من غانا،والبن من أوغندا،والزيتون من تونس، والسمسم من إثيوبيا، والخمور من جنوب إفريقيا. بالإضافة إلى الفوسفات والحديد والنحاس والبترول، خاصة من أنجولا والسودان ونيجيريا، إضافة للجلود والرخام والنسيج والمعادن ومنتجات الأخشاب من بعض الدول الإفريقية الأخرى. حسبما أورده الشيخ باي الحبيب في دراسته.

2- المجال الثقافي والتّعليمي: عند الحديث عن الثقافة والتعليم الصيني في إفريقيا يأتي معهد كونفيشيوس في مقدّمة الحديث، وكونفيشيوس عبارة عن مؤسسة ثقافية تمنح الأجانب إمكانية تعلّم اللغة الصينية والاطلاع على ثقافة شعبها، ويعتبر من أبرز روافد “القوة الناعمة” الصينية، فيما لا يقل عن 22 بلدا أفريقيا، بحسب وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”. بالإضافة إلى هذا المعهد فإنّ التعاون الصيني الإفريقي في المجال التعليمي يظهر في الجامعات والمنح التي توفّرها الصين للطلبة الإفريقيين، إذ أن ” بكين بدأت منذ 2009 مشروعًا ضخمًا للمنح الدراسية وصل بمقتضاه عدد الطلبة الأفارقة في الجامعات الصينية لحوالي 12 ألف طالب يدرسون على نفقة الصين” كما يقول الشيخ باي الحبيب في دراسته السابقة. وهذا يؤشر على مدى متانة العلاقات الصينية الإفريقية في المجال الثقافي والتّعليمي.

3- المجال السياسي والدّبلوماسي: وهناك تعاون وثيق بين الصين وإفريقيا في المجال الدبلوماسي، فبفضل الأصوات الإفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة استعادت الصين مقعدها الدّائم في الأمم المتحدة كما أنّ الدبلوماسية المرنة التي انتهجتها الصيّن أثمرت أن تتخلى الدول الإفريقية وتقاطع تايوان مؤيّدة بذلك مبدأ الصين الموحّدة. وبالمقابل وقفت الصين إلى جانب الحركات التحررية في إفريقيا وأيدت عدم التدخل في شؤون الدول الإفريقية.

4- المجال العسكري والأمني: تساهم الصين في عمليات حفظ السلام في إفريقيا، بل وأقامت بعض القواعد العسكرية لها في بعض الدول الإفريقية، مثل جيبوتي التي افتتحت الصين فيها أول قاعدتها العسكرية خارج حدودها لتساهم في ذلك جهود الدول الكبرى في محاربة القرصنة البحرية، إلى جانب ذلك تساهم هذه القاعدة في توفير الخدمات العسكرية اللازمة لجيبوتي.

الصين في شرق إفريقيا

علاقة الصين مع دول شرق إفريقيا قديمة قدم التاريخ حيث يروى أن بواخر بحار صيني مسلم اسمه “تشنغ خه” كانت تجوب السواحل الشرقية لإفريقيا منذ ستة قرون تحمل البضائع الصينية من الأواني الخزفية والأقمشة وتعود محملة ببعض المنتجات الزراعية الإفريقية، وأسست لعلاقات تجارية وثقافية وحضارية بين الجانبين.

أما كيفية تغلغلها في شرق إفريقيا فلا يختلف عن كيفية تغلغلها في بقية القارة، بل هناك في شرق إفريقيا ما يشجّع الصين على أن تدخل بشركاتها في صفقات تجارية ضخمة ومشاريع استثمارية كبيرة، لكون المنطقة ساحة للتنافس الدولي، تبحث القوى الدولية والإقليمية عن موطئ قدم  لها فيها.

ويعدّ السودان الذي هو جزء من دول شرق إفريقيا ثالث دولة إفريقية تنشط فيها الشركات التجارية الصينية والتبادل التجاري بينهما، بينما جيبوتي هي الأخرى سمحت للصين أن تفتح فيها أول قاعدة عسكرية صينية خارج حدود الصين، وفي إثيوبيا هناك شركات صينية تعمل في استخراج النفط من الأراضي الإثيوبية، بينما الصومال وقّعت مع شركات صينية مختلفة وبفترات متعددة عدّة اتفاقيات في مجال النفط والبنى التحتية، أما إرتيريا فكانت الصين لها بمثابة الحضن الدافئ الّذي أنساها ألم العزلة المفروضة عليها من قبل الدول الغربية كما يعتقد طاهر محمدعلى الذي نشر على موقع مركز دراسات القرن الإفريقي في 10/8/2009م ،دراسة بعنوان النظام الإرتيري ما بين العزلة الدولية والاحتضان الصيني.

كلّ هذه مؤشرات على أن الصين تغلغلت في إفريقيا وثبّتت أقدامها في بعض الدّول الإفريقيّة ونشطت بينها جميع العلاقات السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية…

موقف الغرب من التغلغل الصيني في إفريقيا

 لم ترحّب الأنظمة الغربية بالتغلغل الصيني في إفريقيا، بل تعدى بهم الأمر إلى اتهام الصين بأنها متورّطة في عمليات انتهاك حقوق الإنسان لتعاونها مع أنظمة إفريقية تنتهك حقوق الإنسان حسب مزاعم الغرب. لكن ردّ هذا الاتهام جاء من الرئيس الرواندي بول كيغامي الّذي قال في مقابلة أجرته معه وكالة أنباء الصين الجديدة: “الجانب الآخر من المسألة هو أن هؤلاء الذين ينتقدون الصين حول مسألة الديون يقدمون القليل جدا”. وهذا دليل على أن القادة الأفارقة مرتاحون للسياسة الصينية البعيدة عن التدخل في شؤون الآخرين والقائمة على الدعم غير المشروط الّذي تقدّمه الصين لدولهم.

ختاما بقي أن نقول أن مستقبل الصين في إفريقيا وفق المؤشرات الآنية مبشّر، إلاّ أنّه – أيضا-  مرهون في قدرة الصين على التوفيق بين معطيات عدّة تتلخص في سياستها في التعامل البراغماتي مع دول القارة أوّلاً. ومراعاتها للمواثيق الدولية التي تحدّد أو تضع أسس العلاقات الدولية ثانياً، وقدرتها على خوض منافسة أو صراع للبقاء أو الفناء في إفريقا مع القوى الكبرى أخيرا.

  

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى