الرشوة والعفو من العقاب

أن دور الدولة ووظائفها تجاه مواطنيها فاق كل تصور, فلم تعد مهامها محصورة بتسيير مرافق العدالة والأمن والدفاع كما كان عليه الحال في طور الدولة المحايدة , فالدولة اليوم يقع على كاهلها تسير شؤون الجماعة على مختلف الأصعدة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والخدمية .

وهذه المهمة الكبيرة التي تقع على كاهل الدولة تستتبع بالضرورة استخدام جيش من الموظفين الذين يشكلون فعلياً الكادر البشري لجسم الدولة والذين يعد نشاطهم وسلوكهم الوظيفي في القيام بالمهام الملقاة على عاتقهم من أهم المعايير من وجهة نظر المجتمع للحكم على سلوك الدولة ومدى كفاءتها في أداء واجباتها تجاه مواطنيها .

فالموظفون العموميون يمثلون القطب من الرحى بالنسبة للدولة ولسان حالها, الأمر الذي استتبع ضرورة منحهم ثقة كبيرة في أداء عملهم وتخويلهم سلطات وصلاحيات واسعة تتناسب مع حجم مسؤولياتهم .

على أن الدولة مهما حاولت توخي الدقة في اختيار موظفيها لجهة الكفاءة والنزاهة , فإن هذا لن يمنع بشكل تام ولوج بعض ضعاف النفوس إلى عالم الوظيفة العامة والقطاع العام , والذين ما ‘ن يصلوا إلى الوظيفة حتى تتبدى لديهم نوازع المصلحة الشخصية والأنانية الفردية بأبشع صورها فيعمدون على إساءة استخدام السلطة الممنوحة لهم بغية تحقيق مكاسب ومنافع شخصية مادية أو معنوية لا تمت إلى الصالح العام بصلة .

وهذا ما يعبر عنه بالفساد الإداري والذي يتمثل في كل انحراف بالوظيفة العامة وأهدافها عن الغرض الذي وجدت لأجله , ألا وهو تحقيق الصالح العام .

ولعل من أخطر صور الفساد وابلغها ضرراً سواء فيما يتعلق بمصالح الأفراد وحقوقهم أو ما يتعلق بمصلحة الجماعة ممثلة بالدولة والمجتمع جريمة الرشوة , تلك الجريمة التي تمثل أسوء مظاهر الاستهتار بالمصلحة الاجتماعية بغية تحقيق مصالح فردية ضيقة للموظف العام من خلال اتجار الموظف العام بوظيفته.

فالرشوة باتت اليوم من أبرز صور الفساد الإداري وأكثر أدواته تدميراً للمجتمع وتشويها لقيمه ومبادئه , وأكثرها خطراً على الدولة كجهاز كبير يسهر على تلبية حاجات المجتمع المختلفة ويقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين .

” والرشوة ليست جريمة حديثة أفرزتها التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية التي بدأت تطرأ على المجتمعات كافة , بل هي قديمة قدم البشرية حيث وجدت مظاهرها الأولى في التشريعات القديمة وتمثلت هذه الظاهرة على شكل عطاء يقدمه أفراد الطبقات المغلوبة على أمرها في الثروة والسلطان إلى أصحاب النفوذ كالحكام والموظفين حتى بات الاعتقاد القائم أنه ( لا يوجد حاكم لا يرتشي ). أن المادة 107 تحولت لرخصة ووقاية لطبقة جديدة من المجرمين ممن امتهنوا إفساد الموظفين العموميين واحترفوا جريمة الوساطة في الرشوة، وهم على يقين بأنهم سيفلتون من العقاب، مطالبين المشرع بإعادة النظر في المادة السابقة وإحاطتها بمزيد من الضوابط والقيود.

أن إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة في المادة 107 من قانون العقوبات، لكشف الموظف العام المرتشي، وحماية المال العام من السرقة والنهب وفضح المرتشين باعتراف الراشي بتفاصيل الجريمة أمام جهات التحقيق، موضحًا أن الهدف هو مساعدة جهات التحقيق بمعلومات عن الجريمة وكيفية حدوثها لمعاقبة مرتكبها.

 أن جريمة الرشوة من الجرائم الدقيقة والمعقدة، ولا يوجد فيها شهود واعتراف مقدم الرشوة يساعد في تجميع معلومات وتفاصيل عن الجريمة، وخوفا من اعتراف المرتشي أن المبالغ المضبوطة معه مجرد دين على مقدمها أو للاستثمار المشترك، أن المادة 107 تحتاج إلى دراسة من الخبراء لتعديلها، خصوصا بعد التقدم التكنولوجي وعدم الحاجة إلى الراشي، للإيقاع بالمرتشي لأن الأجهزة الحديثة تساعد على فضح الجريمة وضبط الطرفين متلبسين بالصوت والصورة.

أن تغيير إحدى مواد القانون يتطلب أن تتقدم الحكومة بطلب لتغيير المادة إلى مجلس النواب، أو يتقدم أحد أعضاء المجلس بطلب إلى المجلس لتغيير المادة وتتم مناقشتها بالمجلس ودراستها، وإرسالها إلى مجلس الدولة لدراسة قانونية التغييرات طبقًا للدستور ثم اعتمادها. إن المادة 107 من قانون العقوبات تنص على إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة المقررة للمرتشي إذا أخبرا السلطات بالجريمة أو اعترفا بها،

أن المادة تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة ولها أهمية كبيرة لفضح الموظفين المرتشين ولحسم الجريمة ولمنع التأويل والقصص والروايات والمبررات التي يقولها المرتشي لنفى الجريمة، أن القانون من العلوم الإنسانية وأحيانا يتم الخلاف عليه، أن دراسة المادة وإعادة النظر فيها مطلب مهم لتحقيق العدالة

أن جريمة الرشوة جاءت حماية للموظف العام، أنها ضد انحراف الموظف العام للتجارة بوظيفته، وتعتبر جريمة الرشوة من الجرائم المستديرة التي لا يجوز الكشف عنها إلا في حالات نادرة جدًا. أن المادة 107 من قانون العقوبات تنص على إعفاء الراشي من العقاب إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها، وقدم الدليل على صحة ما يقوله، أو ساهم من خلاله في القبض على المرتشي، أن الهدف الأساسي من جريمة الرشوة هو مكافحة من يقبل الرشوة. أن القانون وضح عدة شروط لتبرئة الراشي،

أولها أن يكون هذا الاعتراف ليس هروبًا من أداء العقوبة، وأن يكون هو دليل الإدانة الوحيد الذي يدين المرتشي، أن لا يكون الراشي قد استفاد استفادة كليه من هذه الرشوة. إن المادة 107 تعفى الراشي والوسيط من العقوبة، في حال الاعتراف بالواقعة كاملة، وتقديم كل الأدلة المتعلقة بالقضية لضبط جميع المتهمين الذين تقاضوا الرشوة، المشرع وضع نص المادة 107 مكرر من قانون العقوبات والتي تعفى مقدم الرشوة والوسيط من العقوبة، ونصت على “يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها”. فيما عرفت المادة 103 الراشي ونصت: ” كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدًا أو عطية لداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشيًا ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد”. قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، بعدم قبول الطعن على دستورية المادة 107 مكرر من قانون العقوبات، فيما تضمنته من “إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها”.

وحمل الطعن رقم 145 لسنة 37 دستورية وهو مقام من مصطفى محمد ذكي عبد الصالحين ضد رئيس الجمهورية وآخرين، ولم تقبله المحكمة لافتقاره شرطا شكليا لنظر الدعوى، دون أن تتطرق لموضوع النص. وتنص المادة المطعون بعدم دستوريتها على: “يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها”.

وتثير هذه المادة جدلا في الأوساط القانونية، وطالبت بعض المحاكم سابقا بتعديلها ومعاقبة الراشي والوسيط، أو إعفائهما من العقوبة في حال إخطار السلطات بالجريمة أو الاعتراف بها قبل وقوعها. أن المشرع أخذ في الاعتبار أنه إذا استطاع الراشي تقديم الأدلة والمساعدة في الوصول إلى الجاني، يتم إعفاؤه من العقوبة، إلا أن هذا الهدف تم إساءة استغلاله، مثل قيام البعض بتلفيق قضايا الرشوة لآخرين بغير حق. ،

 إنه لابد أولًا من مراعاة الدقة في تطبيق القانون، حتى لا يتم استخدامه للإيقاع بالموظف العام من خلال عرض رشوة وهمية وفي هذه الحالة ليس هناك محلًا للعقاب، كما أنه لابد من تحديد هدف الرشوة، فإذا كانت بهدف خدمة مشروعة، يمكن إعفاؤه، أما إذا كانت لخدمة غير مشروعة فلابد من معاقبته.

زر الذهاب إلى الأعلى