خلاصات  خبيرة : الاقتصاد الإفريقي في مقدمة اقتصادات العالم خلال ثلاثين عاماً!!

  • متوسطات الأعمار الجيدة، زيادة الدخل الفردي والأسري، التعافي الصحي وتراجع الإصابة بالإيدز والملاريا: مؤشرات تصب في صالح النهوض الاقتصادي بالقارة الإفريقية.
  • القادة الإصلاحيون في أفريقيا عبروا بدولهم محطات صعبة في اتجاه التعافي الاقتصادي، وأعظم السياسيين حول العالم خلال التسعينيات، كانوا أفارقة.
  • انخفاض ديون بعض الدول الإفريقية من 70% إلى 40% من الناتج المحلي، وامتلاك إفريقيا ما بين 10 إلى 30% من ناتجها الإجمالي، يضعها في مرتبة متقدمة على دول غربية عديدة مثل أسبانيا، بريطانيا، وأمريكا، والتي يمتلك القطاع الخاص بها 200% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • التمويلات الحكومية، القطاع الخاص، والاستثمار، هي وسائل النهوض الاقتصادي في أفريقيا خلال ثلاثين سنة قادمة لمنافسة الاقتصاد الصيني، والذي يمتلك 130% من ناتجه المحلي الإجمالي.
  • الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القارة السمراء، 60% منها قادم من أوروبا، أمريكا، استراليا، وكندا، والقليل جداً قادم من آسيا والهند!!
  • القارة الإفريقية في طريقها للاستحواذ على الثروة والصناعة في العالم، بفعل التغييرات الإيجابية بين شرائح الشباب والسكان، مقابل تراجع القيم ذاتها بين الآسيويين.
  • التعليم في أفريقيا يتقدم ويضاهي نظائره في دول متقدمة، والقارة السمراء جديرة بامتلاك التقنيات المتطورة والتكنولوجيا الحديثة لكي تحقق نهضتها الواعدة.
  • تناقص مظاهر الأوتوقراط(حكم الفرد)، وتمدد مظاهر الديمقراطية الشعبية في القارة الإفريقية، يؤشران لنهوض شامل وعملاق في هذه المنطقة من العالم.
  • الاستثمار هو الحل الأمثل لقضية الفساد بأفريقيا؛ فأكبر علاقة بين الفساد والثروة هي الثروة، وكل دول فقيرة هي فاسدة، بينما كل دول غنية هي غير فاسدة نسبياً.
  • التوقعات الاقتصادية النظرية مضللة، ويجب أن يتحلى المستثمر بالمعرفة والجرأة الميدانية، والمثال الهندي أكبر دليل على إمكانية حدوث طفرات اقتصادية عملاقة في القارة الإفريقية.

* * *

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقف القارة الإفريقية السمراء على أعتاب الكثير من المتغيرات والتحولات الجذرية والمؤثرة في مسيرتها على كافة الأصعدة والمستويات؛ سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، أمنياً واستراتيجياً، وهذه المتغيرات والتحولات تضع أغلب الخبراء والمختصين بالشأن الإفريقي، في حيرة بالغة، وتباينات جلية فيما يتعلق بمستقبل هذه القارة، خاصة عندما يستغرق الخبراء أنفسهم وجهودهم في تتبع الصراعات والحروب الإفريقية التي خلفت وراءها ملايين القتلى والجرحى والضحايا؛ إذ غالباً ما يرجّح التاريخيون من هؤلاء المختصين، اشتمال مستقبل هذه القارة الحبلى بالصراعات والأحداث، على المزيد من الاضطرابات والصدامات والأزمات، الأمر الذي يدفع باتجاه اليأس أو التيئيس من إمكانية تمتع القارة السمراء بالاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي خاصة في المستقبل المنظور!!

لكن من حسن الطالع، أن من ينظرون هذه النظرة المتشائمة إفريقياً، هم في أغلبهم مؤرخون، وليسوا اختصاصيين في عالم المال والأعمال والاقتصاد، وأن هناك من ينظر، نظرة مخالفة تماماً لتلك التقييمات المستقبلية السوداوية تجاه قارة من أعظم قارات العالم كنوزاً وثراءً وقدرة على العطاء والصمود في وجه الأطماع الدولية والعالمية، هي القارة الإفريقية السمراء؛ ومن بين هؤلاء( تشارلز روبرتسون) كبير الاقتصاديين العالميين ورئيس وحدة الاستراتيجية الشاملة في شركة(رينيسانس كابيتال) البريطانية، وأحد كبار المتخصصين في الأسواق الناشئة، والذي أبدى توقعات متخصصة، تؤكد جملة من التوجهات الاقتصادية الإيجابية بين دول القارة الإفريقية، سيكون من شأنها تحوُّل الاقتصاد الإفريقي إلى أكثر الاقتصادات القارية المزدهرة بين قارات العالم أجمع!!

وفي واقع الأمر، تحتل تقييمات(تشارلز روبرتسون) أهمية اقتصادية كبيرة فيما يتعلق بالمستقبل الاجتماعي والاستثماري والاقتصادي عموماً في القارة السمراء؛ فالرجل أحد خريجي كلية لندن للاقتصاد عام 1933، وسبق له العمل في أحد معاهد الدفاع البرلماني بالمملكة المتحدة، ثم تخصص لاحقاً في مجال الخدمات المالية والمصرفية منذ عام 1998، كما أن لديه قناعة تامة بتلك التوقعات والتقييمات المرتبطة بأسواق القارة الإفريقية، بدليل أنه يصرّح بها، ويروّج لها بين خبراء المال والأعمال الدوليين والأوربيين خاصة، وذلك منذ إحدى محاضراته التي حملت عنوان(ما وراء التقشف: فرص للمستثمرين الأوربيين في السوق العالمية)، والتي ألقاها خلال مؤتمر الاستثمار الأوروبي الذي تم انعقاده يومى الرابع عشر، والخامس عشر من نوفمبر عام2013 بالعاصمة البريطانية لندن، ولايزال يردد ذلك حتى الآن!!

وكان(تشارلز روبرتسون) قد احتل المرتبة الأولى في تحليل الاقتصادات للأسواق الناشئة والمبتدئة في كل من أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، وذلك في أعوام 2007/2008/2009/2010، بحسب تقديرات مسح Extel للأسواق الناشئة، كما حصل فريقه على التقييم الأعلى، كأفضل فريق متخصص في الاقتصاد الكلي، وفق استطلاع Extel لمستثمري الأسهم خلال عام 2014.

ومن جهة أخرى، فإن قيام روبرتسون بالانشغال الكامل على مدار عشرة أعوام وأكثر، بتكييف طبائع وخلفيات الأسواق الناشئة، يمنح تقييماته المشار إليها أهمية كبيرة؛ نظراً لأن الوضعية الاقتصادية بالقارة الإفريقية عموماً، تؤكد خضوعها الاقتصادي لمعطيات الأسواق الناشئة، وذلك باعتبار أن دول هذه القارة الإفريقية (السمراء) على وجه الخصوص، هي من الدول الفقيرة والنامية، والتي لا تزال تخطو خطوات متباطئة نحو الانتشار السوقي اقتصادياً واستثمارياً، بفعل ما عانته وتعانيه من مشكلات شاملة ومعقدة.

ويضاف إلى ما سبق، أن روبرتسون كخبير اقتصادي متخصص في الأسواق الناشئة، استطاع التسلل إلى أعماق تلك النوعية من الأسواق، ومعرفة ما يحيط بها من إيجابيات وسلبيات، وهو ما منحه مؤشرات تقييمية مقنعة بأن الأسواق الغربية مثلاً تعاني مشكلات عميقة الجذور بسبب ارتفاع سن التقاعد، وهو ما يمنح فرصاً واعدة للأسواق الناشئة، وأن الاقتصادات الإفريقية تحقق على مدار السنوات الخمس الماضية وإلى الآن بعض أعلى معدلات النمو على سطح الكوكب، كما أن روبرتسون، تمكّن من امتلاك التوصيف الدقيق للعديد من قضايا الأسواق المالية، والقدرة على تحديد المخاطر السياسية في تلك الأسواق، ورصد الكيفيات والطرق التي يمكن من خلالها تحديد وعلاج تأثير الإرهاب والكوارث الطبيعية على الاقتصادات، ومعرفة الكيفية التي تتمكن خلالها البنوك والمصارف الناشئة من امتلاك أفضل طاقات النمو خلال السنوات القادمة.

تحولات ومؤشرات

وبالعودة إلى تصريحات(روبرتسون) حول القارة الإفريقية، نجده يؤكد على استشراف مستقبل واعد لهذه القارة خلال السنوات القادمة، منطلقاً من عدة مؤشرات إيجابية على مستوى الدخول المالية للأفارقة ومتوسط أعمارهم وتعافيهم صحياً؛يقول روبرتسون: ” إفريقيا تزدهر؛ فمنذ عام 2000، دخل الفرد ازداد بمعدل الضعف، وهذا الازدهار يؤثر على الجميع، فمتوسط العمر المتوقع بين الأفارقة تضاعف بمقدار سنة واحدة، مقابل ثلاث سنوات في العشر سنوات الماضية، وهذا يعني أنه إن تمت ولادة طفل أفريقي اليوم، بدل أن يولد قبل ثلاثة أيام، فإنه سوف يحصل على يوم إضافي في آخر عمره، هذا التأثير هو بتلك السرعة، كما أن نسبة الإصابة بمرض الإيدز قلت بنسبة 27% ونقص عدد المصابين بالمرض بمقدار 600 ألف في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وتم الانتصار في معركة الملاريا، بمعدل انخفاض في نسبة الوفيات مقداره 27% طبقاً لآخر مصادر بنك المعلومات الدولي، وكان لشبكات الملاريا دور في ذلك”

ويعبّر الخبير الاقتصادي عن عدم اندهاشه من هذه التطورات الإيجابية الحادثة والشاملة بين الأفارقة، مؤكداً أن التطور ليس حكراً على شعوب بعينها؛ لأنه على حد تعبيره( الكل يكبر في الحقيقة)، ثم يحاول تقريب وجهة نظره من خلال إعطاء أمثلة تاريخية لأمم وشعوب كانت متأخرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لكنها استطاعت تحقيق طفرات مفاجئة وسريعة في عالم المال والأعمال والاقتصاد؛ فيقول: ” إن عدنا للوراء حيث إمبراطورية روما في القرن الواحد الميلادي، أي منذ حوالي 1800 سنة، لم يكن هناك ازدهار، ولكن الناس الذين كان الرومان يدعونهم بالبربر الاسكوتلنديين(أجدادي) كانوا في الحقيقة جزءً من الثورة الصناعية، حيث بدأ النمو يتسارع في القرن التاسع عشر، وتم ذلك بسرعة كبيرة، وهذا النمو قام بالتأثير على الجميع، فليس من المهم إن كانت هذه غابات سنغافورة أو شمال فنلندا، فالجميع أصبح جزءاً من هذا النمو، المسألة هي فقط: متى يحصل التطور الذي لا مفر منه!!”

القيادة واتجاهات الإصلاح

ويلفت خبير الأسواق الاقتصادية الناشئة، نظر الجميع، إلى أحد أهم أسرار التطور الحادث في القارة الإفريقية، قاصداً بذلك قادة الدول في تلك القارة، والذين يعدّهم سبباً من أسباب نهضتها، رغم ما قد يراه البعض من تحفظات؛ يقول:” ومن الأسباب التي أعتقد أنها سبب ذلك التطور، جودة القيادة في إفريقيا، وأظن بأن الجميع يوافقني الرأي بأنه في التسعينيات، كان أعظم السياسيين حول العالم أفارقة، وأنا أقابل الكثير من المبدعين في شتى أنحاء العالم يقومون بهذه الإصلاحات والتي قلبت موازين الاقتصاد لصالح دولهم، والغرب أحد الأمثلة: قام الغرب بتقديم برامج إعفاء الديون والتي خفضت دين دول صحارى أفريقيا إلى النصف، وبالتحديد من 70% إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي”

ويحاول تشارلز روبرتسون، رصد متغيرات الأوضاع الاقتصادية بين العالم المتقدم من جهة، والقارة الإفريقية من جهة أخرى، وفي الوقت الذي يُظن فيه انتصاره لاقتصاد العالم المتقدم، نجده على العكس من ذلك، ينتصر للاقتصاد الإفريقي؛ يقول متحدثاً عن الغرب:” في نفس الوقت الذي تنخفض فيه ديون القارة الإفريقية، ارتفعت نسبة ديوننا في الغرب، وجميعنا نشعر ببعض الاستياء كنتيجة لذلك؛ فعندما يرتفع الدين تضعف السياسة، وعندما ينخفض دين القطاع الخاص، فإن الحكومة لن تكون مضطرة للاختيار بين الاستثمار في التعليم والصحة، وبين دفع الفوائد التي تدين بها، وليس القطاع العام الذي سوف يكون بخير، بل القطاع الخاص أيضاً، لكن مجدداً في الغرب، وتحديداً في أسبانيا وبريطانيا وأمريكا، يمتلك القطاع الخاص ديناً يعادل 200% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك دين كثير، بينما في أفريقيا، الكثير من الدول الإفريقية، يمتلكون من 10 إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي”

الاستثمار ومستقبل القارة

وفي مفاجأة كبيرة حملتها تصريحات الخبير الاقتصادي، نجده يضع القارة الإفريقية في مقدمة قارات العالم من حيث القدرة على تحقيق قفزات اقتصادية كبيرة توازي ما حققته وتحققه القارة الآسيوية مؤخراً على يد الصين والهند؛ يقول تشارلز: ” تمتلك الصين 130% من الناتج المحلي الإجمالي، وإن كان هناك من يستطيع فعل ما فعلته الصين في الثلاثين سنة الماضية، فإنها ستكون أفريقيا في الثلاثين سنة القادمة؛ فلديهم(أي الأفارقة) تمويلات حكومية رائعة، وأصحاب القطاع الخاص يمتلكون ديناً جيداً، في حين أن الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الخمسة عشر سنة الماضية، انصب في أفريقيا”

ويركز روبرتسون في هذا السياق، على ما تشهده القارة الإفريقية من استقطاب كبير للاستثمارات الأجنبية المباشرة، قياساً بالسبعينيات، مؤكداً تعاظم الاستثمارات الأوروبية والغربية عموماً في أفريقيا؛ يقول:” سابقاً في السبعينيات، لم يكن يهتم أحد مطلقاً بالاستثمار في القارة الإفريقية، لكن هذا الاستثمار الآن في الحقيقة منبعه الغرب، لقد سمعنا الكثير عن الصينيين؛ حيث إنهم يقرضون الكثير من المال، ولكن رغم ذلك فإن 60% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السنوات القليلة الماضية، كانت من أوروبا، أمريكا، استراليا، وكندا، و10% فقط كانت من الهند، وهم(أي الأفارقة) يستثمرون في الطاقة؛ حيث تنتج أفريقيا عشرة ملايين برميل من النفط الآن، حالها مثل حال المملكة العربية السعودية وروسيا، ويستثمرون أيضاً في الاتصالات، المجمعات التجارية، وهذه القصة مشجعة”

الأفارقة بين الثروة والصناعة

وفي إشارة إلى مستقبل القارة الإفريقية من حيث الثراء السكاني كماً ونوعاً، يؤكد روبرتسون، حدوث تحولات إيجابية جداً في هذا الإطار، قد يكون لها أكبر الأثر في تغيير دفة الأسواق الاقتصادية نحو القارة السمراء؛ يقول: “عدد الأشخاص ما بين 15 و24 سنة في مختلف أنحاء العالم، مهم في تقييم حركة الأسواق الاقتصادية وتوجهاتها: فقبل عشر سنوات لنتخيل أنك(شركة فوكسون) وقمت ببناء مصنع جهاز الأيفون بالصدفة، لربما ستختار الصين، ومعها الثروات الشبابية المتراكمة في آسيا الشرقية، حيث يتواجد 200 مليون شاب، يطرقون بابك ويقولون نريد وظيفة، بل يقولون لا نريد راتباً ضخماً نريد فقط وظيفة، لكن تلك القصة تغيرت بالكامل الآن؛ ففي هذا العقد، سوف نرى تغيراً بمقدار 20 إلى 30 % انخفاضاً في عدد الشباب المتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة في الصين؛ لذا أين سوف تضع مصنعك؟”

وفي السياق ذاته، يكمل روبرتسون قائلاً: ” أنت تنظر لجنوب آسيا وغيرك أيضاً، وأيضاً ينظرون لباكستان وبنجلاديش، وأيضاً ينظرون لأفريقيا؛ حيث تؤكد أحدث المؤشرات البيانية أن الشباب الأفريقيين سوف يزدادون عدداً، عقداً بعد عقد، حتى بعد عام 2050، وفي حال فكر البعض في أن هناك مشكلة مع وجود الكثير من الشباب الأفارقة مقتحمين جميع الأسواق، تحديداً عندما يكونون شباناً، يكون خطراً أحياناً بالنظر إلى أحد أهم العوامل، والذي هو مقدار تعليم تلك الفئة، أقول إنه في عام 1975 كان حوالي 9% فقط من أطفال دول صحارى أفريقيا، في التعليم الثانوي، والسؤال هو: هل سوف تضع مصنعاً في دول أفريقيا جنوب الصحراء في السبعينيات؟ لم يقم أحد بذلك؛ فلقد اختاروا المكسيك وتركيا عوضاً عن ذلك لنصب مصانع القماش؛ لأن مستوى تعليمهم كان حوالي 25 إلى 30%، لكني أؤكد أن أفريقيا جنوب الصحراء الآن في نفس مستوى تركيا والمكسيك في عام 1975 من ناحية التعليم؛ لذلك سوف يستحوذ الشباب الأفريقي على وظائف القماش وذلك سوف يأخذهم من براثن الفقر ويضعهم على طريق الثروة والصناعة!!”

الحلقة الإيجابية

وبعد أن يطرح الخبير الاقتصادي العالمي سؤالاً هو: ما حال أفريقيا اليوم؟ يحاول الرد على هذا التساؤل، مشيراً بأصابع الاهتمام الخاص باقتصادات بعض الدول الإفريقية حالياً مثل نيجيريا الواقعة في منتصف القارة، ومعها جنوب أفريقيا، في حين يؤكد أن مستقبل هذه القارة اقتصادياً واستثمارياً يتمحور من وجهة نظره في مناطق: وسط، غرب، وشمال أفريقيا، وفي السياق ذاته، يُعرب تشارلز روبرتسون، عن ملمح من أهم ملامح الإيجابية الإفريقية الحاكمة، والمؤدية إلى المضي قدماً في طريق النمو الاقتصادي العام في القارة، ألا وهو تناقص الأوتوقراطية(حكم الفرد) في مقابل تمدد وانتشار الديمقراطية الشعبية الحاكمة؛ يقول روبرتسون: ” وما نراه هو أن معظم الأفارقة يعيشون في ديمقراطية .. ما المهم في ذلك؟ المهم أن ما يريده الناس هو ما يحاول فعله السياسيون .. لا ينجحون دوماً ولكن يحاولون ويصلون، وما تحصل عليه في النهاية هو دائرة قوية داعمة تستمر؛ ففي انتخابات غاناً في ديسمبر 2012 المعركة بين الرئيسين المرشحين لمنصب الرئاسة، كانت حول التعليم؛ أحدهما عرض بأن يكون التعليم الثانوي بالمجان للجميع وليس فقط 30%، والآخر قال بأنه سوف يبني خمسين مدرسة جديدة، ولقد انتصر الأخير بفارق بسيط؛ لذلك فإن الديمقراطية في أفريقيا، تشجع الحكومات على الاستثمار في التعليم، والتعليم يساعد الاستثمار والنمو، وهذا الأخير يفيد في الحصول على العوائد للميزانية، والتي بدورها تمنح الحكومات مالاً أكثر، يساعد على النمو من خلال التعليم .. إنها حلقة إيجابية، مستمرة وقائمة في عموم القارة الإفريقية، وتدفع باتجاه التصويب والتصحيح والنهوض حتماً”

المتعللون بالفساد

ورغم اعتراف الخبير الاقتصادي الكبير، بوجود أسباب طاردة للاستثمار في القارة الإفريقية، وعلى رأسها الفساد، إلا أنه لم يلتمس العذر لأي مستثمر أجنبي يتخذ من وجود الفساد حجة للانطلاق باستثماره بعيداً عن هذه القارة الواعدة؛ يقول:”ولكني أسأل هذا السؤال الذي يجعلني حزيناً: ماذا عن الفساد؟ كيف لك أن تستثمر في أفريقيا والفساد موجود؟وما يجعلني حزيناً حول هذا الموضوع هو أن أكبر علاقة بين الثروة والفساد هي الثروة، وعندما تكون فقيراً فإن الفساد ليس من أولوياتك، وفي جميع الدول الإفريقية تقريباً، سوف ترى أن معدل دخل الفرد، أقل من 5000 دولار سنوياً؛ حيث هناك مستوى من الفساد بواقع ثلاثة أفراد فاسدين من أصل عشرة، وهذا ليس جيداً”

ويواصل تشارلز في نفس السياق قائلاً:” كل دول فقيرة فاسدة، وكل دول غنية غير فاسدة نسبياً.. كيف لك أن تتخلص من الفساد والفقر إلى الثروة وإلى فساد أقل؟ كما ترون بأن الطبقة الوسطى في أفريقيا تنمو، والطريقة المثلى للتخلص من الفساد، هي بالاستثمار في القارة الأفريقية، وليس بترك الاستثمار في تلك القارة بحجة أن فيها الكثير من الفساد، ولا أريد هنا أن أكون مدافعاً عن الفساد، فقد سبق وتم اعتقالي لأنني لم أدفع رشوة، ليس في أفريقيا في الحقيقة، ولكن ما أريد قوله هو: أننا نستطيع أن نحدث تغييراً في توجهاتنا نحو أفريقيا، بل وفي أفريقيا نفسها، ونستطيع ذلك بالاستثمار”

بين غلافين

وفي سياق انتقاده لاستسلام المستثمرين وغيرهم، للتقديرات المتضاربة بشأن مؤشرات المستقبل الاقتصادي للقارة الإفريقية، يؤكد خبير الأسواق الاقتصادية الناشئة على أهمية عدم الارتماء بالكلية تحت عباءة التوقعات الاقتصادية النظرية والمضللة، وكذلك على ضرورة التحلي بالموضوعية والجرأة على اختراق الميادين والأسواق الإفريقية، بناءً على الحقائق والتجارب والخبرات؛ يقول: ” بالعودة للخلف إلى عام 2000، ما ستراه أن مجلة الاقتصاد احتوت على غلاف شهير عن القارة الإفريقية حمل عنوان(القارة الميؤوس منها)، وما فعلوه هو أنهم اطلعوا على النمو في أفريقيا في السنوات الماضية والذي هو 2% وقالوا:ما الذي سوف يحصل في العشر سنوات القادمة؟ افترضوا أنها ستكون 2% وذلك ما جعل أفريقيا قصة ميئوساً منها، لأن نسبة نمو السكان كانت ضعفين ونصف، فقد ازداد الناس فقراً في أفريقيا في التسعينيات، وفي 2012، وفي ظل نمو اقتصادي مقداره 5.5%، قامت مجلة الاقتصاد نفسها، بوضع غلاف جديد عن ذات القارة، حمل عنوان(أفريقيا تزدهر)”!!

ويخلص الخبير الاقتصادي، إلى أنه وفقاً للتقديرات الخاصة بمجلة الاقتصاد، والتي دفعتها إلى تغيير موقفها من النقيض إلى النقيض استناداً لمؤشرات رقمية مراوغة وخادعة، فإن أغلب من يبنون توقعاتهم للقارة الإفريقية مستقبلاً وفق ذات المنوال، سيعتقدون أنه” إن كان النمو في العشر سنوات الماضية 5.5% فإن أغلب الظن حول توقعات صندوق النقد الدولي في الخمس سنوات المقبلة لنمو أفريقيا، أنها ستدور في فلك ال 5.5% أيضاً” وهذه التوقعات في رأي روبرتسون، يؤكد أنها توقعات ضعيفة ومخالفة للحقائق، كما أنها مخالفة لتجارب مناطق أخرى مشابهة من العالم.

  وفي سياق استدلاله وبرهنته على ما يقول، يذهب الخبير الاقتصادي إلى أنه يكفينا “إيجاد دول فعلت مثل ما فعلته أفريقيا، أي القفز من 1800 سنة من لا شيء، إلى لمس الأعالي فجأة” حتى يمكننا دحض نمط التوقعات الاقتصادية المضللة بشأن القارة الإفريقية، والتي شكّلت توجهات مجلة الاقتصاد في غلافيها المختلفين، ثم يؤكد أن” الهند هي أحد تلك الأمثلة”

ويشرح تشارلز وجهة نظره قائلاً: ” إن نمو الهند من 1960 إلى 2010، مر بمراحل وتغيرات؛ فخلال العشرين سنة الأولى وخلال الستينيات والسبعينيات، لم تستطع الهند النمو جيداً؛ إذ نمت بمعدل 2% عندما كان نمو السكان فيها حوالي 2.5، تماماً مثلما كانت الحال في دول صحاري أفريقيا في الثمانينيات والتسعينيات، و لكن رغم ذلك، انفجر اقتصاد الهند نحو الازدهار لاحقاً في 1980، وإذا وضعنا دول صحاري جنوب الصحراء فوق قصة نمو الهند فإنهما يتطابقان: عشرين سنة من نمو ضئيل، بل كان نمو الدول الإفريقية أفضل بقليل من الهند، وإن قمنا أيضاً بوضع آسيا النامية فوقهما، فأنا أجزم بأن الهند متقدمة بعشرين سنة على أفريقيا، ودول آسيا النامية متقدمة على الهند بعشر سنوات، ومن ثم بإمكاني استخراج بعض التوقعات للثلاثين والأربعين سنة القادمة، والتي أعتقد بأنها أفضل من توقعاتكم وتوقعات مجلة الاقتصاد المعتمدة على النظر للخلف”

الخلاصة والتوقعات 

وفي خلاصات توقعاته بشأن المستقبل الاقتصادي للقارة الإفريقية، خلال ثلاثين أو أربعين عاماً قادمة، يقرر الخبير الاقتصادي العالمي اطمئنانه الكامل لحتمية وصول القارة السمراء إلى لتحقيق النتائج التالية:

  • سوف تنمو إفريقيا من اقتصاد حجمه 2 تريليون دولار حالياً، إلى 29 تريليون دولار في اقتصادها عام 2050، وهو حجم نمو اقتصادي، يفوق حجم النمو الاقتصادي لكل من أوروبا وأمريكا مجتمعين في وقتنا الحالي.
  • سوف ينمو معدل الحياة المتوقعة للأفارقة إلى 13 سنة، والسكان سوف يزدادون إلى الضعف من مليار إلى مليارين، ودخل الأسرة سوف يزداد إلى سبعة أضعاف خلال ال35 سنة المقبلة.
  • سوف تنتقل عدوى النمو الاقتصادي الإيجابية في آسيا والهند، إلى عموم القارة الإفريقية، وسوف تجد كل من: نيروبي، لاغوس، أكرا ، وعواصم ومدن إفريقية أخرى عديدة، ما تتعلمه من إيجابيات آسيا والهند وكذلك سلبياتهما؛ إذ بإمكان أفريقيا الاستفادة من بعض الأخطاء التي حدثت بالطبع.

توصية أخيرة 

وفي ختام استشرافه المستقبلي للنمو الاقتصادي الإفريقي، يوجه كبير الخبراء الاقتصاديين توصياته للمهتمين بما يقول، مؤكداً ضرورة قيام العالم المتقدم بمنح التقنيات والتكنولوجيا في مجالات التطوير والتحديث الاقتصادي للأفارقة، والتي يعتقد أن بإمكانها مساعدة إفريقيا على النمو أسرع ، ثم يوصي كل مستثمر وكل غربي وأوروبي وغيره، بمحو أميته تجاه القارة الإفريقية، من خلال الاطلاع على الثقافة والأدب والتاريخ العريق لتلك القارة، والتي تؤكد الحقائق والمؤشرات الشاملة عامة، والاقتصادية الاستثمارية خاصة، أنها صاحبة الحضور الاقتصادي الطاغي خلال القرن القادم؛ إذ أن القرن الاقتصادي القادم هو(قرن اقتصاد أفريقيا).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  1. محاضرة الخبير الاقتصادي تشارلز روبرتسون وعنوانها( ازدهار أفريقيا القريب)، قناة مؤسسة TED باللغة العربية على اليوتيوب، المحاضرة متاحة على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=Al24ApXZA8c بتاريخ 7/2/2016، تاريخ الزيارة ديسمبر 2018(بتصرف)
  2. تقرير موقع ABC (African Business Central )، تحت عنوان: أضواء على افريقيا مع تشارلز روبرتسون Spotlight on Africa with Charles Robertson, CFA, Global Chief Economist, Renaissance Capital، 12 يونيو2014، متاح على: https://www.africanbusinesscentral.com/2014/06/12/spotlight-on-africa-with-charles-robertson-cfa-global-chief-economist-renaissance-capital/

محسن حسن

باحث وأكاديمي مصري
زر الذهاب إلى الأعلى