السلطان يوسف علي ومنطقة مجريتنيا…الحلم الذي كاد أن يتحقق (5-10)

الجهاز الإداري في السلطنة

قام السلطان يوسف مع حاشية(جماعة علولا) بتشكيل طبقة محلية موالية لهم من خلال إسداء خدمات لهم كالمناصب السياسية والمنافع الاقتصادية بحيث تربط الزبونية السياسية والولاء السياسية بمنافع شخصية توزيع عائدات الريع(الموارد المالية) بطريقة هرمية على الأكثر ولاء إلى الأقل ولاء، وبذلك يصبح مصدر الشرعية السياسية الزبونية الريعية من خلال شراء الذمم، والولاءات السياسية من خلال توزيع عائدات الريع. وهذا ينطبق أيضا على أولئك الذين تربطهم صلات القرابة والمصاهرات،  ولاءهم لا ينشأ فقط من صلات القرابة بل هناك من دافع آخر كالمنافع الاقتصادية والسياسية. يقول الكاتب الإيطالي فيدريكو بَتَيرا في كتابه  من القبيلة إلى الدولة  في حالة مجيرتينا وهبيو (F battera  (111-2005

نوع الحكم في هبيو  في الأساس كان النظام الأبوي  بترمونيال (patrimoniale)[1]الذي يرتكز على التبادل(الزبائنية) ويعتمد على مجموعة من الزبائن(الموالين) بدلا من الأقارب. ويختلف النظام الأبوي عن النظام التقليدي القبلي لتفريقه ما بين النظام السياسي والنظام القبلي، وليس ثمة فرق بين ما هو خاص وما هو عام، النظام شمولي ولا يقبل المشاركة في اتخاذ القرار. إلا الحالات التي يضطر إليها، كانت ثنائية منطق القبيلة ومنطق الدولة المركزية في تقاطع وتعارض، اعتراف السلطة والسلطان وموالاتهم مقابل منافع اقتصادية (الوصول إلى موارد الماء والمراعي).انتهي

الجهاز الإداري المركزي يتكون من السلطان ومستشارين ونواب وقاضي والأخير يضفي الشرعية الدينية على السلطان، والمقربين من آل بيته، الهيكل الإداري عمودي هرمي. حاشية السلطان (الجماعة التي رافقته من علولا) يشكلون النواة المركزية في الجهاز الإداري الذين هم في اتصال مباشر بالسلطان، ويتولون مناصب عليا في النظام كموظفين في المناطق البعيدة عن المركز بصفة نواب السلطان أو قواد العساكروعلى رأس الجهاز الإداري المجلس الأعلى الذي يحيط بالسلطان. تشكل عشيرة عمر محمود عصب النظام ويشكلون غالية عساكر السلطان ويسيطرون معظم الحركة التجارية القادمة من الداخل والمتجهة إلى هبيو. والعلاقة مع هبرغذر لم تكن متجانسة ولم تستقر على حالة واحدة، عشيرة سعد القريبة من المركز استطاع النظام إدخالها في نسيج النظام وشاركت في العملية السياسية والعسكرية بفعالية، بينما باقي فروع هبرغذر البعيدة عن المركز كان ولاءها متذبذب حسب قوة وضعف المركز. أما الفئات الضعيفة والمهمشة(العبيد وgun) وجدت في النظام الجديد متنفس لها وقد أدخلت داخل الجهاز الإداري حتى أصبحوا في أعلى المراتب في السلطة، وكان العبيد حرَّاس السلطان.

دور الإسلام في شرعنة النظام

 كما يقول الكاتب الإيطالي فيدريكو بَتَيرا: لعبت الشريعة في النظام الجديد في هبيو دورا مهما ومحوريا، وقد أشرنا أكثر من مكان أن يوسف كانت له علاقة جيدة ومباشرة بجنوب الجزيرة العربية خاصة مكلا ومن هناك استورد الطريقة والمهارات المتبعة في إضفاء الشرعية الدينية على النظام الجديد وأجهزته الإدارية، في هبيو السلطان نفسه يمارس القضاء في بداية نشأة السلطنة،  لكن مع التوسع السلطنة وزيادة قوتها العسكرية ونفوذها السياسية استحدث القضاء الشرعية. ويمارس السلطان القضاء بجانب القاضي الشرعي الذي كان غالبا من خارج أطراف الحكم ومكوناته من حيث النظر في بعده القبلي لتفادي تضارب المصالح. وقد شغل الشيخ قاسم من اوغادينية هذا المنصب لفترة طويلة، شغل منصب القضاء شخصية من اوغادينية له أبعاد سياسية واقتصادية وكذلك بُعد ديني كون اوغادينية مركز الطريقة الصوفية القادرية (qorexeey,qolonqol). وكذلك شغل هذا المنصب أيضا شخصية من قبيلة هبرغذر مثل الشيخ أحمد فقي الفار من  السيد محمد عبدالله حسن بعد واقعة عنجيل الشهيرة إثر قراءة الرسالة الشيخ محمد صالح رشيد الذي تبرأ من تصرفات السيد.

 وجدت تطبيق الشريعة في هبيو مجالا أوسع بخلاف نظيرتها في الشرق(مجيرتينا) لأنها مثلت الانقطاع عن العلاقة التوازنية بين القبائل الذي يرتكز على النظام القبلي وقانونه (xeer).انتهي F.batteri p 121-123,2005.


[1] تعريف النظام الأبوي(patrimoniale) حسب “Enciclopedia della science  sociale Treccani”.

الأبوية، كشكل من أشكال السلطة السياسية التي تعتبر فيهاالسيادة القضائية وغيرها من الحقوق ذات الأصل السياسي البحت حقوقًا خاصة

خالد إبراهيم

باحث في تاريخ الصومال
زر الذهاب إلى الأعلى