أوضاع النظافة في مقديشو… عقبات أمام إيجاد بيئة صحية ونظيفة

تعدّ ممارسة النظافة من العمليات الأساسية والضرورية لحياة الشعب والسلطات على حدّ سواء، وذلك لما تتضمنها من فوائد صحية وطبية للبيئة والمجتمع.

وتكمن أهمية النظافة في كونها نصف الإيمان وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “الطهور شطر الإيمان” مما يعني أن المسلمين مطالبون شرعيا بممارسة النظافة بشتى أشكالها وألوانها، سواء كانت نظافة البدن والسكن والملبس، وغيرها.

وينصح الأطباء والمتخصصين بالطب ممارسة النظافة أفرادا ومجتمعات وذلك لتفادي الإصابة بأمراض تسببها الأوساخ والقاذورات الملقاة في أوساط المجتمع.

وقد مرّت مدينة مقديشو، خلال الحروب الأهلية التي أعقبت سقوط الدولة العسكرية، مرت بمراحل تكدّست في بعض الأسواق والأماكن العامة كومات من القاذورات الناجمة عن مخلّفات استخدامات الشعب في مختلف الأماكن، مما ساهم وبكثرة في انتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة في الأوساط الشعبية ردحا من الزمن.

وإلى جانب ذلك كانت هناك مؤسسات من المجتمع المدني وبعض الحكومات المتعاقبة خلال فترة الحروب الأهلية، تقوم بتوعية الشّعب بخطورة كومات الأوساخ المتكدسة في الأسواق والطرقات، إلاّ أن غالب هذه النداءات لم تكن تجد آذانا صاغية.

وفجأة ظهرت في مقديشو بعض الشركات العاملة في مجال النظافة، إذ تقوم هذه الشركات بجمع القمامات من المنازل السكنية في الأحياء والمحلاّت التجارية في الأسواق لتجمعه خارج المدينة وفي منطقة قريبة من البحر، بينما تقوم بعض الشركات بالاستفادة من المخلّفات وإعادة تصنيعها من أدوات تساعد في ممارسة الحياة اليومية للشعب.

ساهمت هذه الشركات المهتمة بالنظافة، في محاربة مظاهر القمامة المنتشرة في الأحياء والأسواق والطرقات، واستطاعت أن تقلص حجمها عمّا كانت عليه في السابق، بل وزرعت في نفوس بعض الناس أهمية ممارسة الأعمال النظافية التي تساهم في إظهار محاسن العاصمة وجمالها.

تقوم هذه الشركات بجمع القمامة من الأحياء والأسواق مرّة أو مرتين أو أكثر حسب ما تقتضيه الحاجة في الشهر مقابل مبلغ رمزي لتسيير العملية على كلّ أسرة أو منزل يصل إلى 3 دولار كحدّ أدنى يدفعه كلّ من يستفيد من خدمات النظافة للشركة.

وتعدّ شركة إيكو للنظافة أكبر شركات النظافة العاملة في مقديشو، حيث تمتلك هذه الشركة أسطولا ضخما من ناقلات القمامة من أحياء العاصمة وأسواقها، لتحافظ على جمال المدينة وسحرها.

ورغم الجهود التي تبذلها هذه الشركات في مجال إعادة نظافة العاصمة وجمالها، إلاّ أنه ما زالت هناك بعض العقبات التي تحول دون تحقيق الغاية الكبرى من العملية النظافية والمتمثلة في إيجاد بيئة صحية نظيفة وجميلة، ومن المظاهر التي تمثّل عقبة كأداء في سبيل تحقيق الأهداف الصحية والبيئية لعمليات النظافة التي تقوم بها الشركات ما يأتي:

أوّلا: المظاهر المنتشرة في الأحياء السكنية في العاصمة: من المظاهر التي تعرقل سير عمليات النظافة في مقديشو، ما تقوم به بعض الأسر في أحياء مقديشو، حيث يقومون بالآتي:

  1. إنشاء أنابيب تنقل المياه المستعملة في المنزل: لما زالت مصارف المياه المسمّاة بالصرف الصحي التي تنقل المياه المستعملة من الأحياء لتصبه في البحر منذ أن سقطت الحكومة المركزية، حلّ محلّها أنابيب خاصة لمعظم البيوت السكنية في الأحياء لنقل المياه ، حيث تنقل هذه الأنابيب المياه المستعملة داخل المنزل إلى خارج البيت لتصبّه في الطريق العام، مما جعل بعض أحياء العاصمة بسبب هذه الأنابيب المنتشرة فيها، متسمة بالأوساخ حيث أن المياه المستعملة التي تخرج إلى البيت تخلّف أضرارا صحية وبيئية، وخاصة في مواسم الأمطار، حيث تكوّن مياه الأمطار مع المياه المستعملة مستنقعات مياه تمتد لفترة طويلة يتغيّر فيها لون الماء ورائحته، ويتولّد منها بعض الأمراض والأوبئة كالكوليرا والملاّريا، مما يعرّض صحة المجتمع للخطر. ولكي تتم التغلب على هذه الظاهرة لا بدّ أولا من أرباب المنازل استشعار مسؤولية الحفاظ على الممتلكات العامة التي من أهمها الشارع العام، والذي جاء فيه من الأحاديث ما يحث على مراعاة نظافته والاهتمام بها حيث يروى أنّه صلى الله عليه وسلم قال: “الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لاإله إلاّ الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” فجعل الإسلام الاهتمام بنظافة الطريق من شعب الإيمان، ولا يليق بمسلم يدّعي الإيمان أن يلقي القاذورات في الطريق العام. وعلى مهندسي الإعمار والبناء الإتيان بخطة بناء تضمن نظافة المنزل للتخلّص من المياه المستعملة كما تضمن أيضا نظافة الشارع حيث تسمح هذه الخطة بعدم إرسال المياه المستعملة إلى قارعة الطريق، كما أن المهندسين مطالبون بإقناع صاحب المنزل المحافظة على نظافة الطريق العام.
  2. عدم تعاون بعض الأسر مع الشركات العاملة في النظافة: يلاحظ أنّ بعض الأسر لا تتعاون مع شركات النظافة، ولعلّ ذلك راجع إلى قناعة صاحب البيت بعمل الشركة حيث أنّ الشركات ذاتها لا تهتم بجمع القمامة من المنازل بشكل دوري ومنتظم، إذ أنّ هذه الشركات تأتي مرّة أو مرّتين في الشهر بدون سابق إنذار أو إخطار من جهتها، مما يربك صاحب البيت حيث عليه أن يجمع –وبسرعة- القمامة في الحافظات المخصصة لها ليتم أخذها من قبل سيارات الشركة، وهذا أمر له سلبياته، لذا على الشركات وضع خطة عمل واضحة للزبائن يستطيعون من خلالها معرفة وقت مجيء سيارات الشركة لنقل الأوساخ ليستعدوا قبل ذلك، كما أنه يتحتم على الشركات أيضا توسيع دورات نقل الأوساخ حيث من الأفضل أن تأتي في الأسبوع مرّة أو مرتين، إذ أن ذلك سيساهم في رفع مستوى النظافة في الحي.  وقد يمكن أن يكون سبب عدم التعاون مع بعض الأسر وشركات النظافة راجع إلى عدم قدرة البعض على تسديد المبلغ الّذي تفرضه الشركة على زبائنها، وفي هذه الحال ينصح بتدخّل المجتمع المحلّي والقيام بما يمكن قيامه سواء كانت دفع المبلغ أو البحث عن طريقة أخرى للتخلّص من القاذورات.

ثانيا: المظاهر المنتشرة في الأسواق والطرقات العامة: يفضّل البعض إلقاء القمامة في الطرقات والأسواق وخاصة في الأوقات المتأخرة من الليل وفي ساعات الصباح الأولى حيث تهدأ حركة الأسواق والطرقات مما يوفّر جوّا مناسبا لكلّ من تسول نفسه ممارسة أعمال ضدّ النظافة، ولكي تتم محاربة هذه الظاهرة، لا بدّ من الجهات المعنية القيام بمسؤولياتها تجاه حفظ نظافة العاصمة ومحاربة كلّ من يعبث بجمالها وصحّة بيئتها، ويقترح في هذا الصدد تكوين فرق شبابية مهمتها السهر على محاربة من يلقي القاذورات في الطرقات والأسواق حتّى يتحقق المقصود، وتعم النظافة أرجاء العاصمة لتعود كما كانت من قبل عاصمة جميلة ونظيفة.

وختاما ينبغي تكاتف الجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية، وذلك بتشغيل كلّ ما له علاقة برفع نظافة العاصمة وجمالها، كإصلاح الجسور وتعبيد الطرقات الرئيسية في العاصمة، وإعادة تشغيل المصارف الصحية لصرف المياه من الأحياء والطرقات والأسواق وصبها في البحر. ثمّ لا بدّ من إبداء الحسم والجدية في التعامل مع كلّ من يحاول ارتكاب مخالفة تضر بنظافة العاصمة وجمالها حتّى يتم ضمان البيئة الصحية للعاصمة.

زر الذهاب إلى الأعلى