اطلالة تاريخية محايدة على تاريخ الصراع الصومالي الاثيوبي في اوغادين (1 – 3 )

اقليم اوغادين هو الاقليم الواقع في الجزء الشرقي من اثيوبيا والجزء الغربي من الصومال ويتكون من اقليم هود واقليم اوغادين ولكنه اشتهر عند الدول المستعمرة باسم أوغادين ليطلق على كامل المنطقة نسبة الى اكبر القبائل القاطنة في الاقليم واصبح الاسم الاشهر للاقليم في المراجع العالمية ولهذا سنستخدم هذا المسمى في هذا المقال, لما أن له مسميات أخرى في المنطقة فالصوماليون يطلقون عليه ” الصومال الغربي” نسبة الى وقوعه الى الغرب من جمهورية الصومال , بينما اطلق عليه في اثيوبيا اكثر من اسم لا سيما في عهد حكم الجبهة الثورية لشعوب اثيوبيا التي حكمت بعد 1991 حسب التقلبات السياسية في الدولة والاقليم منها اقليم الصومال ثم الصومال الاثيوبي ثم اعيد المسمى الى “منطقة الصومال” في حين اشتهر في الاوساط الشعبية بالاقليم الخامس نسبة الى ترتيبه بين الاقاليم الاثيوبية.

  ويعرف الإقليم جغرافياً بالهضبة الصومالية بمساحة تبلغ 279 الف كلم مربع وهي بهذا تمثل حوالي ربع مساحة اثيوبيا , اما السكان فيقطنه حوالي 5 مليون نسمة , 85% من هؤلاء السكان يمتهنون مهنة الرعي والتنقل وراء الكلأ والماء لا سيما أن الاقليم يعاني من تكرر الجفاف في أجزاء من الاقليم على فترات مما يجبر السكان الى النزوح الى اماكن أخرى.

برزت مشكلة اوغادين على المسرح الافريقي والعالمي حديثا منذ استقلال الصومال عام 1960 والذي طالب بضم الاقليم اليه من اثيوبيا باعتبار سكانها صوماليين , لكن جذور الازمة تعود الى  اكثر من 130 عاما من الان, وفي فترة لا زال الصومال  تحت الاستعمار الغربي في حين كانت اثيوبيا دولة مستقلة , وبالتالي عقدت صفقات مع دول الاستعمار المتواجدة في المنطقة واهمها ايطاليا وبريطانيا في فترات مختلفة ضمت بموجبه الاقليم اليها , وهذا ملخص لأهم الاتفاقيات قبل استقلال الصومال 1960.

الاتفاقيات حول اوجادين قبل الاستقلال في الفترة من 1884 – 1960

ان الصراع الحدودي بين الصومال واثيوبيا حول اقليم اوغادين هو نزاع قديم ترجع جذوره الى مؤتمر برلين عام 1984-1885 والذي تم فيه تقسيم افريقيا بين الدول الاوربية الاستعمارية بحضور اثيوبيا في ذلك الوقت بما في ذلك مناطق الصوماليين بين اكثر من دولة استعمارية , وفي عام 1887 استطاعت اثيوبيا ضم هرر وعينت الحاكم ماكوين عليها بمساعدة الدول الاستعمارية الثلاث ومن ثم بدأ يتوسع في المنطقة.
ونتيجة مساعدة اثيوبيا بريطانيا للقضاء على الثورة المهدية في السودان تنازلت بريطانيا لاثيوبيا عن اوغادين عام 1897وفق بنود منها معاملة القبائل التي قبلت الحماية البريطانية معاملة حسنة اثناء وجودها في الجانب الاثيوبي , وأن يسمح للقبائل بعبور الحدود لرعي المواشي , وقد اكد امبراطور اثيوبيا منليك الثاني للمبعوث البريطاني رنل رود ان الصوماليين الذين سيصبحون تحت السيادة الاثيوبية سيعاملون معاملة جيدة وتكون لهم حكومة منظمة , ونتيجة توسع ايطاليا في الصومال في مناطق قريبة من حدود اثيوبيا فقد جرت محادثات بين اثيوبيا وايطاليا عام 1908, واقترح امبراطور اثيوبيا منليك الثاني ان يكون خط الحدود موازيا لساحل المحيط الهندي بعمق 288 كلم  , وبذلك حصلت اثيوبيا على نفوذ واسع في الاراضي الصومالية , وتسلمت 5000 كلم مربع اضافية زيادة على ما حصلت عليه سابقا من بريطانيا.

في عام 1935 احتلت ايطاليا اثيوبيا واعلنت دمج الصومال الايطالي مع الصومال الغربي( اوغادين) الا ان ذلك لم يستمر طويلا حيث هزمت ايطاليا في الحرب العالمية الثانية وانسحبت من اثيوبيا بعد مقاومة لها , وتم اعادة اوغادين لبريطانيا , واصبح 90% من اراضي الصومال عدا جيبوتي تحت الادارة البريطانية , وفي عام 1944 اتفقت اثيوبيا مع بريطانيا على ان يبقى اقليم اوغادين تحت الادارة البريطانية لمدة 10 اعوام , وخلال هذه الفترة كان يرفع العلم الاثيوبي الى جانب العلم البريطاني , وفي 1948 تنازلت بريطانيا لأثيوبيا عن الاشراف الاداري للاقليم , وفي نفس الفترة حاولت بريطانيا وضع الصومال تحت وصايتها الا انها لقيت معارضة محلية ودولية , واقترحت الولايات المتحدة ان تكون الصومال تحت الوصاية الدولية باشراف اداري من ايطاليا تمهيدا لاستقلالها بعد 10 سنوات , وقد قبل الاقتراح الامريكي , ومن هنا سارعت بريطانيا بتعيين الحدود لأوغادين لأنها مسألة حيوية وفق سياستها الاستعمارية  عند خط طول 48 شمالا وخط عرض 8 , وعلى بعد 290 كلم من ساحل المحيط الى الداخل , وقد قبلت الاتفاق ايطاليا ورفضته اثيوبيا لأن المساحة انخفضت عن ماتم الاتفاق عليه عام 1908 لكنها وافقت عليه لاحقا.
وفي نهاية 1954 انسحبت بريطانيا من الاقليم وتسلمت اثيوبيا ادارته بدءا من عام 1955, ومع اعلان استقلال الصومال عام 1960 وقيام وحدته بين ما يسمى الصومال البريطاني في الشمال والصومال الايطالي في الجنوب ومطالبتها بتقرير المصير لسكان اوغادين فقد اعلنت اثيوبيا أن اوغادين مناطق اثيوبية لا يمكنها التنازل عنها لأحد , وبهذا برز هذا النزاع علنا في وسائل الاعلام المحلية والعالمية , وعند السياسين في المنطقة وعلى طاولة الاتحاد الافريقي والمنظمات الدولية , وتطور لاحقا الى حروب بين الجانبين وحرب عصابات لم تسفر عن تغيير في الحدود حتى الان.

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى