هل تضررت اثيوبيا بعد تحولها الى دولة حبيسة؟

في عام 1993 استقلت اريتريا عن اثيوبيا بعد استفتاء شعبي لسكان الدولة , ونتج عن هذا الاستقلال تحول اثيوبيا الى ما يطلق عليه اصطلاحا ” الدولة الحبيسة” حيث لم يعد لها موانئ بحرية ولا تطل على البحر من أي جهة , وتكمن اهمية الموانئ البحرية في أنها الوسيلة الاساسية لتجارة التصدير والاستيراد لدول العالم نظرا لأن ما ينقل من خلال البحار يزيد عن 90% من حجم التجارة الدولية.
وبعد هذا التحول في جغرافية الدولة الاثيوبية يعتقد كثير من الناس لا سيما العامة في اثيوبيا والدول المجاورة لها ان اثيوبيا قد لحق بها ضرر كبير جراء تحولها الى دولة بدون موانئ ” دولة حبيسة” , ولبحث هذا الموضوع وتعريفه للجمهور علينا بداية ان نعرف مصطلح الدولة الحبيسة , فالدولة الحبيسة أو الدولة غير الساحلية (بالإنجليزية:
Landlocked country) هي دولة ذات سيادة محاطة باليابسة بالكامل، أو التي تقع سواحلها الوحيدة على البحار المغلقة. ويوجد حاليًا 49 دولة حبيسة في العالم , وجميع هذه الدول تقع داخل القارات القديمة اسيا وإفريقيا وأوربا عدا دولتين هما بوليفيا وباراغواي , وتقعان في أمريكا الجنوبية.
وبنظرة على هذه الدول ال 49 الحبيسة نجد أن من بينها دول قوية اقتصاديا وسياسيا مثل سويسرا ولوكسمبورغ والنمسا , وفي افريقيا نجد راوندا التي تعتبر دولة مزدوجة الحبس لأن المحيطين بها ايضا دول حبيسة وبالتالي تعتبر بعيدة عن البحار ومع ذلك تعتبر اسرع الاقتصاديات الافريقية نموا.

ومن الدول المشابهة لوضع اثيوبيا الى حد ما , جمهورية صربيا التي تحولت الى دولة حبيسة عام 2006 بعد استقلال جمهورية الجبل الاسود الساحلية عنها.

ومن هنا وعند تناول وضع اثيوبيا بشيء من الموضوعية فإننا نؤكد أن الضرر بعد تحولها إلى دولة حبيسة اقل بكثير مما يتوقعه الكثيرون , حيث يتراوح الضرر ما بين ضرر ثانوي , أو لا اضرار تذكر وذلك للأسباب التالية:

– ان خمس دول من اصل ست دول تحيط بأثيوبيا تطل على البحار , ومع وجود علاقات ممتازة او جيدة مع اربع دول سابقا , وحاليا جميع الدول بعد عودة العلاقات مع اريتريا , فإن اثيوبيا ليست في حاجة ماسة الى ميناء بحري مباشر وخاص , لأنها تستورد احتياجاتها عبر موانئ الدول المجاورة  لا سيما جيبوتي ذات الموقع المتميز على باب المندب بتكاليف منخفضة حيث تستورد وتصدر اثيوبيا عبر موانئ جيبوتي ما نسبته 95% تقريبا من حجم تجارتها , والباقي يصلها من موانئ أخرى مثل بربرة وبوصاصو وبورسودان إضافة إلى النقل الجوي.
– تعدد الموانئ وكثرتها للدول المجاورة يجعلها تتنافس للفوز بحصة من السوق الاثيوبية مما يؤدي الى تنوع الخيارات وتعددها امام اثيوبيا.

– ادى انفصال اريتريا عن اثيوبيا الى بيع الاخيرة قطعها العسكرية البحرية لعدم حاجتها اليها , كما ادى ذلك الى خفض الانفاق العسكري بالتخلص من قطاع عسكري مهم هو البحرية الاثيوبية , لصالح التنمية في البلاد , ومعلوم ان الانفاق العسكري يصنف على انه انفاق ترفي لا يعزز التنمية , كما انه يعتبر الاعلى استهلاكا بين قطاعات الدولة , وعليه فقد وفرت اثيوبيا مليارات من الدولارات نتيجة شطب القطاع البحري , وما يتصل بذلك من حرس الحدود البحري والمراقبة الدائمة للمياه الاقليمية من أي اعتداء.

وعموما فإن مما يؤكد عدم تضرر اثيوبيا من تحولها الى دولة حبيسة هو مستوى النمو المحقق في هذه الدولة منذ عام 1991 قياسا بما قبله رغم انها كانت دولة تمتلك موانئ ,فهناك فرق شاسع في البنية التحتية من طرق ومطارات ومؤسسات تعليمية وصحية , وبنايات كبيرة لا سيما في العاصمة اديس ابابا والمدن الكبيرة وتوسع في السكك الحديدية الى غيرها من مظاهر التنمية التي لا تقارن بما قبل 1991 , وحتى لو تمت مقارنة التنمية مع دول افريقية ساحلية كاريتريا مثلا  فإن البون شاسع بين الدولتين لصالح اثيوبيا.

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى