القلم مفتاح التقدم (2)

القلم في نصوص الوحي – القرءان. الإسلام دين الحضارة الذي يحارب الظلم والظلام والضلال والعماية، ويفتح بنصوصه وبروحه طريق الرشاد والهداية، ويسد باب الضلال والغواية، ولعمري إن هذا الحمل الثقيل لا يتحقق بالجهل ولا المخور في بحاره المهلكة ومستنقعاته الآسنة، ومن هنا كان لازما أن يكون الإسلام دين تقدم وازدهار وحضارة، ويحمل في طياته قيم الرقي الحضاري والتقدم المادي ويبث روحها للعالمين كافة، لأن الجهل يضاد روحه النورانية وطريقه المشرق بشمس المعرفة،  وقال معروف الرصافي
يقـولـون فـي الإسلام ظلماً بأنه * * * يَصُـدّ ذويـه عـن طريق التقدُّم
فـإن كـان ذا حقّاً فكيف تقدّمتْ * * *        أوائلُه فـي عهـدهـا المتقـدِّم
وإن كـان ذنبَ المسلم اليومَ جهلُه * * * فماذا على الإسلام من جهل مسلم
هـل العلـم في الإسلام إلاّ فريضةٌ * * * وهل أمةٌ سـادتْ بغيـر التعلُّـم
لقد أيقظ الإسـلامُ للمجد والعلا * * * بصـائرَ أقـوامٍ عـن المـجد نُوَّم
وحلّـتْ لـه الأيـام عند قيامه * * * حُباهـا وأبـدتْ منظـرَ المتبسّـم
فأشـرقَ نـورُ العلم من حجراته * * * على وجه عصر بالجهـالة مظْلِـم
ودَكَّ حصـونَ الجـاهلية بالهدى * * * وقَـوَّضَ أطنـاب الضلال المخيّم
وأنشـط بـالعلم العـزائمَ وابتنى * * * لأهليـه مجـداً ليـس بـالمتهـدِّم
وأطلـق أذهانَ الورى من قيودها * * * فطارتْ بـأفكار علـى المجد حُوَّم
وفَـكّ أسـارَ القـوم حتى تحفّزوا * * * نهوضاً إلـى العلياء من كل مَجْثَم

وإذا كان الإسلام كذلك ولا يمكن أن يكون إلا كذلك فقد تكلم عن آلة العلم والتقدم بل كررها في آيات كتابه العزيز تصريحا وتلميحا ، وجعل القلم أول ما يفتتح به رسالة النور إلى العالمين فقال في أول بيان للكون أجمع بأن العلم طريق الفلاح في الدارين وآلته القلم التي علم الله بها الإنسان وأخرجه من ظلمة الجهل والتخلف (إقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * إقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم)

وبهذا البيان الإلهي المقتضب من حيث عدد الكلمات والحروف إفتتح القرءان رسالته المدوية للكون المطوية لبساط الجهل والتخلف، وأعلن بهذا أن لا تصالح بين الظلام والنور ولا بين التقدم والتقهقر ولا بين الحضارة والبداوة ولا بين أنوار الرحمن المرشدة وظلمات إبليس المضلة. لقد تكرر ذكر القلم صريحا في القرءان أربع مرات وذلك في سور العلق والقلم واللقمان وآل-عمران.                                               

في القلم أقسم الله بالقلم والكتابة أي أثر القلم في تحريكه وتشغيله، والمقسم به في القرءان لا يدل إلا على بيان شرف المقسم به، وعلو قدره، حتى يعرف الناس مكانته عند الله ورفعة منزلته لديه كما ذكر ذلك صاحب كتاب(الواضح في علوم القرءان) فيقول تعالى(ن* والقلم وما يسطرون) ولعمري هذا تنبيه آخر على أن العلم طريق التقدم وناصية المجد في جميع الأمم وإذا تناسته وتشاغلت عنه وطرحت الإنتاج المعرفي في تاريخها فلا يمكن أن ترفع لها راية ولا أن تتحقق لها نهضة وقومة بل تظل حائرة تائهة كسفينة بلا دفة وكطائرة بلا بوصلة أو كسيارة بغير مقود ولا كوابح.


وفي سورة ال-عمران ورد العجب فذكر القرءان أن الأنبياء في قديم الزمان وغابر الدهور كانوا يمتلكون أقلاما ولا فارقتهم تلك الأقلام مرة حتى كانت قرعتهم في كفالة مريم عليها السلام (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم…..) وكيف لا وهم رسل الهداية وطريقهم طريق الرشاد والتقدم فهل بغير القلم تبنى القيم وترشد الأمم ؟ كلا. وبهذا نطق القرءان عندما قال (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) .
وفي سورة اللقمان ذكر بأن كلمات الله لا تنفد أبدا حتى لو تحولت الأشجار وجميع ما في الأرض إلى أقلام ومداد، وهنا إشارة لطيفة وذلك بأن كلمات الله هي الهادية والمرشدة وهي التي تخرج الجميع من عماية الجهل والتخلف وما دام كذلك فإن كلمات الله تبقى خفية عن من لم يأخذ القلم ولم يجتهد في فتح مغاليق الكون المليئ بأسرار الله

.
ولقد ذكر القلم أيضا تلميحا في مواضع كثيرة تستشف من كلها عظمة القرءان وقيمة القلم والكتابة به، فلقد شرف من الملائكة مجموعة خاصة وذلك أنهم يمسكون الأقلام ويحافظون على عهد الله وكلماته وهؤلاء هم الصفوة المختارة والكرام البررة (بأيدي سفرة * كرام بررة) قال ابن عباس هم الكتبة وقال غيره هم القراء وأيا يكن فإن القلم أو قراءة المكتوب به مزيتهم الخاصة وعلامتهم البارزة.


أسفر الإسلام حقيقة التقدم وأوضح طرقه المعبدة وللسالك أن يسلكها إن كان من أهله وإلا لا يلومن إلا نفسه، ونحن اليوم نرى أن أمما أدركت أكثر من أمة القرءان مرامي رسالة النور والتقدم وأهدافها فسارت في طريقة ولكن غير عابئة بروحه الإيمانية فكتبت هذه الأمم وربت على الكتابة والقراءة أجيالها الصاعدة فكان لها ما أرادت فترى في مؤشرات تقارير التنمية في العالم أن أمة (إقرأ) تحتل ذيل القائمة بينما دول مثل إسرائيل تتفوق عليها وكأن الإسلام لم يكن فيه إقرأ ولا تعلم وكأنه ليس في بيانه الأول ذكر للقلم ولا الكتابة فمتى تقوم هذه الأمة من كبوتها وتصحو من سباتها وتستفيق من غفلتها قال أحد شعرائها يناديها:

أمتي هل لك بين الأمم *** منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق *** خجلاً من أمسك المنصرم
أين دنياك التي أوحت إلى *** وترى كل يتيم النغم ؟
كم تخطيت على أصدائه *** ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ساحب *** مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصة دامية *** خنقت نجوى علاك في فمي
أإسرائيل تعلو راية *** في حمى المهد وظل الحرم ؟
كيف أغضيت على الذل ولم *** تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنت إذا البغي اعتدى *** موجة من لهب أو دم ؟

محمد نظيف شوكاني

محمد نظيف شوكاني باحث في الفقه وأصوله في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد
زر الذهاب إلى الأعلى