عودة العلاقات الإثيوبية الإريترية في سياقها الإقليمي

يبدو أن المشهد الجيوستراتيجي في منطقة القرن الافريقي آخذ في التغير والتحول; في ضوء التغيرات والتطورات التي تطرأ عليه, والتي تطرح واقعا جيوسياسيا جديدا, ربما لم تكتمل صورته النهائية بعد, كونها قيد التشكل, وتفضي إلي إعادة صياغة توازنات القوي ومنظومة العلاقات في المنطقة.

ولعل بوادر الانفراجة في العلاقات الإثيوبية-الإريترية, ومبادرة إثيوبيا بتسوية النزاع الحدودي المتأزم منذ1998 بين البلدين عبر المحادثات المباشرة, التي تقضي بإعادة منطقة بادميbadme إلي السيادة الإريترية, بهدف إنهاء الخلافات التاريخية بين البلدين, وإحلال السلام في المنطقة, والاستجابة الإريترية للمبادرة, والتي توجت بزيارة وفد إريتري رفيع المستوي إلي أديس أبابا لبدء التفاوض في26 يونيو الماضي, حول الملفات والقضايا العالقة بين البلدين, الأمر الذي مهد لزيارة آبي أحمد, إلي إريتريا في8 يوليو الحالي, وتوقيع إعلان أسمرة للسلام, وأعقبها زيارة أفورقي في14 يوليو2018 إلي أديس أبابا, كل ذلك يعد بمثابة انطلاقة حقيقية وخطوة أولي نحو مشروع السلام الإقليمي في المنطقة, برعاية ووساطة إقليمية ودولية الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية-.

تأتي تلك الخطوات في إطار سياق إقليمي يذخر بالعديد من التفاعلات, سواء علي المستوي الداخلي مثل الترتيبات الداخلية في النظام الإثيوبي, أو علي المستوي الإقليمي بما يواجهه من صراعات حدودية مثل الصراع الجيبوتي الإريتري,, علاوة علي احتدام التنافس الإقليمي والدولي التي تشهده المنطقة.

الدوافع والمكاسب المحتملة:

علي الرغم من أن عملية السلام بين إثيوبيا وإريتريا ليست بمعزل عن الترتيبات والتفاعلات الإقليمية والدولية التي تدور في منطقة القرن الإفريقي, فإن ثمة العديد من العوامل التي تدفع الجانبين الإثيوبي والإريتري إلي تسوية الصراع الدائر منذ سنوات, لما له من انعكاسات إيجابية سواء علي مستوي العلاقات الثنائية بين البلدين, أو علي مستوي الأمن الإقليمي في القرن الافريقي.

بالنسبة لإثيوبيا, يبدو آبي أحمد متحمسا لتحقيق السلام بين إثيوبيا وإريتريا, يدفعه في ذلك رغبته في تحقيق أمن وسلامة الإقليم, من أجل المضي قدما نحو تحقيق التنمية الاقتصادية في محيط إقليمي آمن وموات للتحركات الإثيوبية الإقليمية. كما يجد في الاتفاق مع إريتريا فرصة مواتية لإضعاف الجناح المتشدد في جبهة تحرير شعب تيجرايTPLF, الذي يبدو أنه لن يقبل بسهولة تلك التغيرات التي تطرأ علي سياسة آبي أحمد في الداخل والخارج إزاء المحيط الإقليمي وخاصة إريتريا, وهو ما تمثل في غياب أحد ممثلي إقليم تيجراي عن الوفد المرافق لرئيس الوزراء الإثيوبي خلال زيارته لأسمرة, خاصة أن تسوية الأزمة مع إريتريا يتعارض مع المشروع التاريخي للجبهة التيجرينية فيما يعرف بمشروع تيجراي الكبري الذي يضم إلي جانب إقليم تيجراي دولة إريتريا, مما يضعنا أمام احتمالية وضعها المزيد من العراقيل أمام تحقيق هذا السلام في المدي المنظور. ويأمل آبي أحمد من تلك الخطوة في توسيع عملية الدعم الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية للاقتصاد الإثيوبي, وهو ما جعل البعض يري في تقديم دولة الإمارات لإثيوبيا مساعدات بلغت3 مليارات دولار منها مليار دولار لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي لدولة إثيوبيا, أول المكاسب الإثيوبية من تسويتها للنزاع مع إريتريا.

وتحمل عملية السلام بين الطرفين حال نجاحها مكاسب متعددة للطرف الإثيوبي, فبالإضافة إلي كونها تضع حدا لحالة اللاحرب واللاسلم التي سادت العلاقات بين البلدين لسنوات طويلة, تعطي الأفضلية لإثيوبيا للاستفادة من الموانئ الإريترية ــ خاصة ميناء عصب ــ مما يوسع دائرة الاستفادة من الموانئ البحرية في المنطقة, فضلا عن التخلص من تهديدات الحركات المسلحة التي تجد ملاذا ودعما من جانب النظام الإريتري, وذلك تماشيا مع الإجراءات الإثيوبية الداخلية بشأن رفع بعض الحركات المعارضة المسلحة من قائمة الإرهاب مثل حركةG7 المسلحة, وجبهة تحرير الأورومو, والجبهة الوطنية لتحرير أوجادين. كما يفتح التقارب الإثيوبي الإريتري إمكانية إقامة مشروع قوة بحرية مشتركة بين البلدين, بتمويل خليجي ورعاية أمريكية. كما يمنح إثيوبيا القدرة علي احتواء النظام الإريتري والحد من محاولاته للنيل من النفوذ الإقليمي الإثيوبي في المنطقة. ويسهم استقرار الوضع الإقليمي في المنطقة في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلي إثيوبيا.

أما بالنسبة لإريتريا, يجد أسياس أفورقي في إتمام عملية السلام مخرجا للعديد من الأزمات التي تواجه نظامه علي الصعيدين الداخلي والخارجي, فهو يرغب في القضاء علي المعارضة الإريترية في الداخل والخارج. كما يسعي إلي الحد من تأثير المجموعات الموالية للجناح المتشدد لجبهة تحرير تيجراي, وهو هدف مشترك مع آبي أحمد. ويطمح أفورقي علي الصعيد الخارجي إلي التخلص من العزلة الإقليمية والدولية المفروضة علي نظامه, ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليه, والعودة لاستئناف نشاطها والانخراط في المنظمات الإقليمية مثل منظمة الاتحاد الإفريقي, ومنظمة إيجادIGAD. بينما يفتح هذا الاتفاق آفاقا رحبة أمام إنقاذ الاقتصاد الإريتري المتعثر منذ سنوات, من خلال الاستثمارات الأجنبية, وإمكانية ربطه بالاقتصاد الإثيوبي الصاعد.

وثمة العديد من المكاسب التي تصب في مصلحة الدولة الإريترية حال عودة العلاقات مع إثيوبيا, بدءا من عودة منطقة بادميBadme إلي السيادة الإريترية, وفك العزلة الدولية من خلال رفع العقوبات الدولية عن النظام الإريتري بوساطة إثيوبية ودولية, وتخفيف الضغط الدولي في ملف حقوق الإنسان الإريتري, وما ينعكس عليها من جذب لمزيد من الاستثمارات الأجنبية, وتعافي الاقتصاد الإريتري, فضلا عن ربط إريتريا بالاقتصاد الإثيوبي, علاوة علي تنشيط العمل في الموانيء الإريترية علي ساحل البحر الأحمر. كما أن حالة السلم والأمن الإقليمي في المنطقة من شأنها دفع النظام الإريتري إلي خفض النفقات العسكرية والحد من تكريس النصيب الأكبر من الدخل القومي لها, كما يفتح المجال أمام إمكانية إنهاء التجنيد القسري للشباب الإريتري, وانعكاساته علي تزايد معدلات اللجوء والهجرة غير الشرعية للشباب الإريتري.

تداعيات إقليمية:

يرتبط إنهاء الصراع الإثيوبي الإريتري بتداعيات إقليمية يمكنها أن تحدد مسار التفاعلات الإقليمية في المنطقة, فمن المرجح أن يكون التقارب المرتقب علي حساب السودان, نظرا لاعتماد إثيوبيا علي ميناء عصب الإريتري الأقرب جغرافيا من الموانئ السودانية, كما يرجح أن تقل درجة التحالف بين البلدين بشكل أو بآخر, خاصة في ظل تراجع المحور التركي القطري الذي يرتكز علي السودان والصومال في المنطقة, وإمكانية تحول إثيوبيا إلي المحور الإماراتي السعودي. وعلي صعيد آخر, تقلل عودة العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا من اعتماد الأولي علي ميناء جيبوتي, التي تعتمد عليه بشكل كبير في95% من وارداتها وصادراتها. وقد يدفع التقارب بين البلدين محاولة جيبوتي تسوية النزاع مع إريتريا بوساطة إثيوبية.

أحمد عسكر

باحث مصري
زر الذهاب إلى الأعلى