تجريف الحياة السياسية في الصومال… الملامح والإنعكاسات

مقديشو ( مركز مقديشو) يشهد الصومال احتقانا سياسيا لافتا وتتزايد المخاوف من  انزلاق البلاد إلى أتون صراع سياسي طويل الأمد وباتت الأسئلة الأكثر تداولا في المشهد السياسي في الآونة الأخيرة ما اذا حكومة رئيس الوزراء خيري تقود البلاد نحو بر الأمان أم إلى المجهول في ظل ما يمارسه من إقصاء ضد المكونات السياسية الأخرى في البلاد وعدم سماحه لأي صوت معارض لمواقف حكومته وبالذات للقضايا المصيرية.

اتخذ رئيس الوزراء  خيري خلال الأشهر الماضية العديد من الخطوات من أجل اخلاء الساحة السياسية أمام انتخابات عام2020 وتثبيت سلطته على الأرض تتمثل في تهميش المعارضة وابعاد كل من لا يتماشي مع سياساته من مراكز صنع القرار  حيث جرى إقالة عدد من الوزراء الذين رفضوا اعطاء ولاء تام له من مناصبهم في الحكومة الاتحادية واخراج سياسين آخرين بارزين من المشهد السياسي جراء ممارسة الضغوط عليهم وتلصيقهم تهمة الخيانة العظمى ومن بين أبرز هؤلاء الأشخاص:

  1. رئيس  البرلمان السابق محمد عثمان جواري   الذي قدم استقالته في الخامس من شهر أبريل الماضي  على خلفية خلاف مع رئيس الوزراء حسن علي خيري، لكن  فيما يبدو فعزل رئيس البرلمان السابق جواري كان أمرا مخططا سلفا لانه كان يشكل تهديدا على حكم خيري وعقبة رئيسية أمام بسط سيطرته على مفاصل الدولة وبالتالي  كان لا بد من ازاحته من المشهد وانتخاب موال له يدافع عنه مشروعات سحب الثقة التي ظلت منذ سنوات “سيفا مسلطا” على رقاب الحكومات الصومالية وهاجسا تقض مضاجعها.
  2. عمدة مدينة مقديشو السابق محمد ثابت الذي  فقد منصبه بسبب معارضته لبعض سياسات رئيس الوزراء خيري حيال تضييق الخناق على رموز المعارضة
  3. اقالة رئيس المحكمة العليا ابراهيم ايدلي تحسبا لأي مشروع قانوني من شأنه زعزعة شرعية الحكومة
  4. اعفاء وزير الخارجية السابق ووزيرة الشؤون الإنساية السابقة يوسف غراد ومريم قاسم ووزير الداخلية فارج جحا و قائد المخابرات والشرطة عن منصبهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، لقد  دفع هؤلاء الوزراء ثمن مواقفهم  المخالفة لآراء رئيس الوزراء  حسن علي خيري  وكان يخاف الأخير من أن يقود هؤلاء تمردا داخل حكومته ومارس ضدهم مبدأ ” تغدى بهم قبل أن يتعشو بك”
  5. مداهمة منزل السياسي عبد الرحمن عبد الشكور واعتقاله ومقتل عدد من حراسه، ودعوة المدعي العام إلى رفع الحصانة عن أعضاء في البرلمان لإتهامهم بالإتصال مع قوى خارجية.

فيما يبدو كان الهدف من هذا الإجراءات توجيه رسالة  قوية من الحكومة إلى كل من يحاول منافسته أو على الأقل تسول له نفسه أن يقدم رأيا مخالفا لرأي الحكومة. وهذه الرسالة يبدو أنها وصلت لمن يهمهم الأمر وبدأ عدد من المعارضين بالخروج من العاصمة مقديشو بحثا عن فضاء أكثر حرية.

ربما يعتقد رئيس الوزراء خيري ومستشاروه أنه جرى اسدال الستار على الصراع مع المعارضة عقب تنحي رئيس البرلمان محمد عثمان جواري وإقالة رئيس المحكمة العليا إبراهيم إيدلي وذلك  ضمن سلسلة قرارات لـ”تأديب” المعارضة في مقديشو والحد من نفوذهم ودفع كثير منهم إلى المنفى الاختياري، وأنه لم يبق سوى التخلص من هاجس رؤساء الولايات الاقليمية، لكن في ضوء الواقع السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد فهذا الاعتقاد ربما يفتقر الى الواقعية ،  فالصراع لم ينته بعد وقد يكون سجالا ، ومن السابق لأوانه التنبؤ بنهايته ولمن يكون الغلبة في نهاية المطاف في ظل التركيبة السياسية والقبلية المعقدة في الصومال.

فبدلا من تجريب المجرب ينبغى على الحكومة الاتحادية عدم الاصرار على المقاربات الأمنية، لأنها لا تجدي نفعا في هذه المرحلة بل ستؤدي إلى نتائج عكسية عاجلا أم آجلا ، والتركيز على العامل السياسي وفتح باب الحوار والمصالحة أمام القوى المعارضة بغية تنفيس الاحتقان. كما ينبغي  العمل من أجل ضمان  مشاركة سياسية واسعة لا تقصي ولا تستثني أحد وذلك عبر تشكيل حكومة قاعدة عريضة تضم جميع المكونات السياسية .

وخيرا يجب على الحكومة الاتحادية الإبتعاد عن  سياسة المحاور  الاقليمية التي   تخلق العداوة للشعب الصومالي وتلعب دورا كبيرا في تعقيد الوضع السياسي وتوسيع رقعة الخلافات بين الصوماليين.

زر الذهاب إلى الأعلى