المراكز البحثية في الصومال … التحديات والصعوبات

تتعدد المراكز البحثية في الصومال، وتتنوع نشاطاتها والقطاعات التي تنتمي اليها، وتوزعت بين  الحكومة والجامعات الخاصة، وهذه المراكز تعطي الإهتمام الي مجالات خاصة تهتم بها الحكومة أو الجامعة. وهناك مراكز أخرى تكونت من خلال مجهودات ذاتية. فهذه المراكز هي الأكثر عددا والأفضل من حيث اعداد البحوث والدراسات .

تهتم مراكز البحث في الصومال، رغم قلة إمكانياتها بالمجالات الإجتماعية والأمنية، ونشر ثقافة السلام ، والعمل مع الجهات المعنية لتثقيف الشباب ومنعهم من الانزلاق الي العنف والقتل أو الإنضمام الي الجماعات المنحرفة والضالة بالإضافة الي تقريب وجهات النظر بين الزعماء السياسين، وخلق مناخ ديمقراطي يسمح لهم المناقشة في القضايا محل الخلاف وايجاد حلول ناجعة لها دون اللجوء الي العنف السياسي أو العمل المسلح.

تنهض تلك المراكز بتنظم محيمات ودورات وورش عمل نوعية، وندوات تناقش القضايا الراهنة في البلاد ولا سيما قضايا المصالحة والتعايش السلمي ومواجهة الأفكار الهدامة التي تحملها بعض المنظمات والأشخاص، مثل حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة وزعماء الحرب والعشائر.

التحديات والصعوبات

رغم هذا العمل الكبير التي تقوم به المراكز البحثية في الصومال،  الا أنها تواجه تحديات وصعوبات بالغة بعضها تتعلق بالإمكانيات والتمويل، وغياب الكادر المؤهل، وبعض الأخر تتعلق بالأمن وسلامة العاملين في المراكز البحثية.

تعمل المراكز البحثية في الصومال في ظروف قاسية أفرزها الوضع الأمني والسياسي الراهن في الصومال في ظل غياب مؤسسات الدولة المعنية بقطاع البحوث والدراسات، وتلعب دورا كبيرا في تشجيع الأساتذة والطلاب والمثقفين الصومالين في الداخل والخارج على التفكير والابداع والمشاركة في طرح الافكار والرؤى للخروج من دوامة العنف المستمر في البلاد منذ أكثر من عقدين، والمساهمة في الجهود الجارية من أجل إعادة بناء المؤسسات الوطنية وبناء صومال جديد قوي.

وتتلخص أبرز المعوقات التي تعرقل عمل المراكز البحثية في الصومال فما يلي:

أولا: قلة الإمكانات وضعف التمويل

نشأت معظم المراكز البحثية في الصومال  بمجهودات ذاتية ولا تحصل على دعم من أي جهة  تهتم بها وترعاها سواء أكانت حكومية أو من القطاع الخاص، وتسير أعمالها بالاشتراكات والتبرعات التي يتم جمعها من بعض الأفراد التي تقتنع وتؤمن بأهمية مثل هذه المراكز ودورها في تطور البلاد وازدهاره. وهذه التبرعات والاشتراكات عادة لا تغطي أعمال المراكز ولا تسد احتياجات الباحث لإتمام البحوث التي تنوي المراكز البحثية انجازها ما يدفعها أحيانا إلي وقف بحوث مهمة نتيجة غياب التمويل أو ضعف الإمكانيات اللازمة لتسير العمل وانجازه.

تعمل بعض المراكز البحثية في الصومال في بئية لا تناسب العمل البحثي ولا تشجع التفكير والابداع تشتغل في غرفة أو غرف مستأجرة لا تتوفر لديها  الأثاث المكتبي والأجهزة والأدوات البحثية الضرورية، مثل أجهزة الحاسوب ووسائل الإتصال، ورواتب للكوارد البحثية والموطفين، وكل ما  في الأمر هو أن يعمل الباحث في منزله  بينما تضمن المراكز له جانبا من تكلفة الطباعة ثم نشرها عبر موقعها في الشبكة العنكبوتية.فالمراكز البحثية المحظوظة تتوفر لها مقرا معقولا الا أن نفسها تفتقر الي الكادر المؤهل ولا تستطيع ضمان حقوق العاملين فيها.  

ثانيا: التحدي الأمني

تؤدي المراكز البحثية في الصومال واجباتها في ظل ظروف أمنية معقدة. فهي من ناحية تشارك مع عموم المواطنين الصوماليين في معاناتهم بسبب الحرب الدائرة في البلاد. فهذا الوضع يضطر المراكز البحثية في بعض الأحيان الي النزوح أو توقف العمل لفترة طويلة، ومع تحسن الوضع الأمني في البلاد عموما والعاصمة مقديشو على وجه الخصوص فأن المركز البحثية كغيرها من المؤسسات الإعلامية لا تزال تعاني من وضع أمني خاص بهم يتمثل في استهدافهم وملاحقتهم من قبل التنظيمات الإرهابية  التي بالتأكيد لا تنظر اليهم بعين الرضا، بل تهتم بأنهم جواسيس يعملون لصالح الحكومة التي يعتبرونها «مرتدة»  أو لجهات أجنبية وتقدم المعلومات اليهم ما يلزم المراكز البحثية على اخفاء هويتهم وعدم نشر أي بحث أو دراسة تراها بأنها تغضب الجماعات المتطرفة وتهدد حياة العاملين فيها بصورة علنية، وذلك في ظل غياب شبه تام لدور قوات الأمن الصومالية في حماية حياة المواطن وضمان سلامته  والدفاع عنه.

أعاق هذا الوضع الخاص عمل المراكز البحثية ومنعه من أن ينزل الباحث الي الميدان ويقوم بجمع المعلومات واجراء المقابلات مع المواطنين الذين لا يستطعون أيضا الإفصاح عن آراهم الحقيقية خوفا من ملاحقة التنظيمات المسلحة؛ لأن عيونهم منتشرة في كل المدن والقرى.

هذا الأمر لا يقتصر على العناصر الإرهابية وإنما يكون أحيانا من قبل الحكومة أو الإدارات المحلية التي تتهم المراكز بالعمالة و العمل مع جهات معارضة أو تكن العداء لها بمجرد شعورها بان المراكز تقوم بابراز سلبياتها ونقاط ضعفها فهي تتهم أحيانا بنشر أخبار كاذبة أو أسرار الدولة وهي تهم أغلبها لا أساس لها من الصحة.

ثالثا: مشكلة الإعتراف

المراكز البحثية في الصومال تدفع ثمن الانطباع الذي تكون لدى العالم إزاء الصومال ورؤيته بأنه بلد فاشل ومريض، وبالتالي لا تحصل على الدعم والاعتراف من نظرائها في العالم ولا سيما في الدول العربية، فان ذلك ساهم  في اضعاف ثقة المراكز البحثية بنفسها وقتل روح الأمل في نفوس القائمين على أمر تلك المركز الذين كانوا يعولون كثيرا على اخوانهم العرب ودورهم في دعم مجال البحث العلمي والفكري والثقافي في الصومال.

 

لكن الأمر يختلف بالنسبة للمركز البحثية الصومالية التي تنشر باللغة الإنجليزية. في حين تتلقى  تلك المراكز دعما من بعض الدول الغربية، فان نظرائها التي تكتب باللغة العربية لم يحالفها الحظ ولا تحظى بنفس القدر من الدعم  لا من الغرب ولا من أشقاهم العرب الذين صدوا أبوابهم أمام  مؤسسات قطاع الخاض في الصومال.

رابعا: غياب السوق ودور النشر

فالمراكز البحثية في الصومال رغم قلة إمكانياتها وقدراتها، الا أنها تنجح في إصدار بحوث ودراسات وكتب وروايات تتناول مشاكل وهموم الصوماليين والوضع السياسي والأمني في البلاد، لكن للأسف معظم هذه الدراسات لا تطبع ولا تجد طريقها الي الأسواق العربية ولا إلي البيوت العربية . حتى دور النشر في البلدان العربية لا تقبل  عادة طباعة ونشر كتب وبحوث المؤلفين الصوماليين. والسبب مبررات تتعلق باللغة المكتوبة في البحث أو ضعف المادة. وهذه الاشكالية خيبت آمال كثير من الكتاب والباحثين الصومالين الذين يريدون الكتابة باللغة العربية الفصحي وأن كثيرا منهم بدأوا يتحولون الي الكتابة باللغة الإنجليزية  بعد أن يئسوا وغضبوا من المعايير الإزدواجية التي تتعامل مع المؤسسات الإعلامية والبحثية في الدول العربية .

وبالتالي ينبغي لهذه للمؤسسات الإعلامية ودور النشر في البلدان العربية أن تعيد النظر في قراراتها من أجل العروبة ودعم جهود تعريب الشعب الصومالي واستيعابه وادماجه في المجتمع العربي.

خامسا: المصادر والمراجع والحصول على المعلومات

في الأوانة الأخيرة صارت المعلومة غالية ولا سيما المعلومات التي تنشرها الدول أو المؤسسات العالمية  ولا يمكن الحصول عليها دون دفع مبالغ مالية كبيرة، وتحتاج الي دفع الاشتراكات وهذا الأمر ليس سهلا بالنسبة للمراكز البحثية الصومالية .

وبالتالي من بين  الصعوبات التي تواجه المراكز البحثية في الصومال، غياب مصادر المعلومات وشحها وعدم توفر قواعدها وفق النظم المعلوماتية الحديثة وعدم توفر مصادر للمعلومات والبيانات العلمية حديثة المصدر، والكتب والدوريات، بسبب غياب  المؤسسات الوطنية المسؤولة عن جمع المعلومات.

لا يوجد في الصومال المركز الوطني للاحصاء ولا هيئة الاستعلامات وتم تدميرها جراء الحرب الأهلية التي اندلعت في الصومال عام 1991، وإن وجدت تلك المراكز اليوم، فهي حديثة العهد  وفي طور النشأة والتكوين، ولم تعمل بعد بشكل جيد ولا تتوفر لديها المعلومات المطلوبة .

وكذلك الباحثون يواجهون عقبة «عدم افشاء الأسرار»، حيث يحتكر كل قطاع خاص أو حكومي معلوماته خوفا من وقوعها في أيدي منافسيها أو ما يسميه «الأعداء» ويصر على ذلك حتى وإن كان نشر تلك المعلومات  يكون لصالحه. بالاضافة الي ذلك تتلقى المراكز البحثية صعوبة في جمع المعلومات وفرزها فليس لديها الخبرة أو الآليات المطلوبة للقيام بهذا العمل وبالتالي تلجأ أحيانا الي طرق بدائية لا تشفي غليل القراء والجهات الراغبة في  اقتناء هذه البحوث.

التوصيات:

  1. المراكز البحثية في الصومال بحاجة ماسة الي الأجهزة كالكمبيوترات وآلات الطباعة والكتب والدوريات. كما أنها بحاجة الي دعم مالي للمساهمة في تشجيع الباحثين وحثهم على القيام بالبحث الميداني والكتابة.
  2. أن تعطي الدول والمؤسسات الأهلية المعنية بالبحث العلمي أولوية وعناية خاصة وذلك بسبب الوضع الأمني والإقتصادي الراهن في الصومال والذي لا يشجع الأفكار المتجددة والابداع ولا يحفز الكفاءات وذوي الخبرة على البحث والكاتبة.
  3. انشاء شبكة تنسيق بين المراكز البحثية في الصومال ونظيراتها في العالم العربي لنقل الخبرة وتأسيس شراكة معرفية بالإضافة الي مواكبة التقدم السريع في مجال العلم والتكنولوجيا وثورة المعلومات.
  4. اعطاء منح دراسية للباحثين الجدد أو دورات مركزة ومكثفة حول قواعد البحثية الحديثة وأساليب تنظيم المعلومات المعاصرة.
  5. المساهمة في توثيق العلاقة بين المراكز البحثية في الصومال ودور النشر في العالم العربي وذلك بهدف تشجيع الأقلام الشابة في الصومال وتحفيزهم على الإبداع والتأليف ومواصلة الكتابة باللغة العربية.
  6. المساهمة في بناء المكتبة العامة في الصومال وتوفير مكتبات شاملة للمراكز البحثية الصومالية وتزويدها  بالدوريات والكتب والبحوث التي تنشرها المراكز البحثية في العالم العربي.
  7. التأكيد على ضرورة حماية المؤسسات البحثية والإعلامية في الصومال والإعتراف على الوضع الصعب الذي تعمل فيه.
  8. حث القنوات والفضائيات العربية على استضافة الباحثين الصومالين للتعليق على الأحداث التي تقع في بلادهم وبلدان القارة الأفريقية .
  9. اشراك الباحثين الصومالين في المسابقات الثقافية والبحثية في التي تجريها الحكومات والمؤسسات العربية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى